Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

نصف مليون لاجئ عادوا لسوريا منذ سقوط الأسد

تمهيد أرضية خصبة تتيح استقبال هؤلاء مع توفير مناخ ملائم ضمن مشروع مراحل التعافي المبكر

تقارير تتحدث عن عودة 300 ألف لاجئ من لبنان و200 ألف من تركيا (أ ف ب)

ملخص

يقدر عدد اللاجئين في دول الشتات منذ عام 2011 وحتى نهاية عام 2024، وهي أعوام الحرب السورية، بنحو 7 ملايين لاجئ، يتركز معظمهم في مخيمات دول الجوار بين الأردن وتركيا ولبنان والعراق، مع نسبة كبيرة في أوروبا وأقلية في الخليج، ويقارب عدد النازحين داخلياً عدد اللاجئين في الخارج.

حتى منتصف مايو (أيار) الماضي عاد نحو 500 ألف لاجئ لوطنهم الأم سوريا، بعد أعوام من الغربة القسرية بحسب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، مما يعني عودة نحو 100 ألف لاجئ شهرياً، لكن هؤلاء اللاجئين تواجههم مصاعب "هائلة".

هذه الأرقام زودتنا بها مسؤولة الحماية في المفوضية السامية في مكتب سوريا لجين حسن، التي اعتبرت أن "هؤلاء الأشخاص يبدأون اليوم حياتهم من الصفر، هم بأمس الحاجة إلى مساعدتنا ووقوفنا إلى جانبهم".

وترى حسن أن إعادة دمج هؤلاء اللاجئين العائدين في مجتمعاتهم الأهلية والمحلية والمدنية تمثل حاجة ماسة وأولوية ضرورية، بيد أن التحدي الرئيس والأساس يكمن في عقبة نقص التمويل اللازم لمراعاة هذا الجانب في ظل الاحتياجات المتنامية للعائدين.

وتعلل مسؤولة الحماية الحاجة إلى التمويل في الارتكاز إلى العناصر التي دمرت الاقتصاد السوري إثر أعوام الحرب الطويلة، مما خلف منازل وأبنية وبنى تحتية مدمرة ومهدمة وأخرى بحاجة إلى صيانة جزئية أو كلية، في وقت لا يزال الوضع الأمني في بعض المناطق هشاً ويحتاج إلى تدعيم.

وقالت في هذا السياق "اللاجئ العائد يبحث ويريد الأمان أولاً، وذلك من أجل عيش كريم وسالم يمكنه من إيجاد فرصة عمل ملائمة ليكسب قوت يومه، ولكي يتمكن من تسجيل أولاده في المدارس ويحصل على الرعاية الصحية وبقية الخدمات الرئيسة التي لا يمكن أن يستغني عنها في سياق المواطنة".

مشروع التعافي المبكر

في الإطار أوضح عدد من العاملين في مكاتب المنظمات الدولية بسوريا في حديث لـ"اندبندنت عربية" أنهم لا يدخرون جهداً للتعاون مع السلطات السورية والدولية وشركاء آخرين محتملين لتمهيد أرضية خصبة تتيح إعادة اللاجئين والنازحين بكرامتهم لمناطقهم الأصلية، مع توفير مناخ ملائم ضمن مشروع مراحل التعافي المبكر ما قبل هندسة إعادة الإعمار الشامل.

وتشمل مراحل التعافي المبكر حلولاً إسعافية على شكل إعادة تهيئة المنازل المتضررة وتأهيلها ودعم سكانها بالسلل الغذائية وتوفير الطاقة والمياه، إلى جانب الشق القانوني المرتبط بتقديم الدعم القانون والاستشاري في سياق استعادة الممتلكات المفقودة والمسيطر عليها تزويراً أو منحاً من غير وجه حق لأشخاص في عهد سابق، وكذلك ملف استبدال أو استحصال هويات شخصية، مع مراعاة جانب تمويل المشاريع متناهية الصغر والصغيرة ما أمكن.

أرقام متباينة نسبياً

تجدر الإشارة إلى أن عودة هؤلاء من الخارج تزامت مع موجة داخلية لنازحين عادوا لقراهم، قدرت المفوضية أن يكون عددهم تخطى مليون و200 ألف شخص، مما صعب عمل المنظمات الدولية في إطار تلبية الضغط تحت الاحتياجات المتسارعة أمام رقم إجمالي يتخطى مليون و700 شخص بحاجة إلى المتابعة والرعاية. ويأتي كل ذلك في وقت تعيش فيه المفوضية أزمة تمويل حادة في المساعدات الإنسانية منذ بداية العام الماضي في أقل تقدير، مما يقوض جهودها في دعم تعافي مستقبل العائلات السورية واستقرارها.

في الأثناء كشف تقرير لمنظمة الهجرة الدولية التابع للأمم المتحدة عن أن الرقم الفعلي للعائدين لسوريا بين لاجئين ونازحين قد يكون وصل فعلياً إلى مليون و870 ألفاً، ويرجع باحثون الاختلاف الطفيف بالرقم للغياب الفعلي لمراكز الأبحاث الموثوقة التي تتمتع بحرية العمل على الأراضي السورية منذ عهد النظام السابق. واللافت أن التقريرين الأمميين، اللذين من المفترض تبعيتهما لجهة دولية واحدة، قدما تقريرهما في الوقت نفسه. الفرق الحسابي البسيط على الورق كبير على الأرض، وذلك حين يكون الحديث عن إضافة 170 ألف شخص إلى قائمة العائدين.

لاجئو الخارج

بكل الأحوال خالفت أعداد العائدين من اللاجئين التصريحات التي أدلت بها ريما جاموس إمسيس، مديرة المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، بأن مليون لاجئ في الأقل سيعودون لسوريا بين يناير (كانون الثاني) ويونيو (حزيران) 2025، ويمكن تعليل ذلك بجملة أسباب على رأسها التخبط الإداري والمؤسساتي والقانوني والأمني والدستوري الذي تعيشه سوريا في ظل خلخلة هيكلية البنية الرئيسة لمؤسساتها، واعتماد مبدأ التجريب حتى التثبيت وكمية التجاوزات والخروق التي تصل إلى مسامع اللاجئين في الخارج.

هذا ويقدر عدد اللاجئين في دول الشتات منذ عام 2011 وحتى نهاية عام 2024، وهي أعوام الحرب السورية، بنحو 7 ملايين لاجئ، يتركز معظمهم في مخيمات دول الجوار بين الأردن وتركيا ولبنان والعراق، مع نسبة كبيرة في أوروبا وأقلية في الخليج، ويقارب عدد النازحين داخلياً عدد اللاجئين في الخارج.

في عام 2021 بلغ الوجود السوري ذروته في تركيا بتعداد قارب 4 ملايين لاجئ، أما الأردن فاستقبل نحو مليون و300 ألف لاجئ، في حين استقبل لبنان مليون ونصف مليون لاجئ وفق تقديرات رسمية، وتشير تقديرات أخرى غير رسمية إلى أن العدد الفعلي قد يكون أكثر من مليونين بسبب غياب ثبوتيات التسجيل، أما حصة العراق فكانت نحو 300 ألف لاجئ، مع ما يقرب من مليون و400 ألف لاجئ في أوروبا.

الخيار المستحيل

في منتصف أبريل (نيسان) الماضي، عادت المعلمة ريما الحسن لمدينة حمص قادمة من لبنان بعد أن هجرت وطنها قبل 12 عاماً تحت وطأة القصف، يوم اجتاحت قوات الأسد حيها الخالدية وسط المدينة. وصلت ريما إلى الحي ولم تكن تتوقع أن تراه مهدماً عن بكرة أبيه، لكنها وعلى رغم ذلك تحاول أن تستعيد ذكريات الطفولة قبل أن تفقد أخويها في القصف، حين هربت إلى حي جورة الشياح المجاور، ومنه تلمست طريقها إلى خارج المدينة نحو جنوب القصير فالقلمون وبلدة عرسال اللبنانية، وحيدة وسط النساء المواطنين الذين هربوا معاً في ذلك السماء.

تقول لـ"اندبندنت عربية" إنها نادمة على العودة، وذلك لأنها كانت تتوقع شيئاً مختلفاً، "لم يكن يجب أن أعود، لا حياة لي هنا فأين سأعيش ومن أين سأصرف، وكيف سآكل وأنام وأشرب؟ ليس الحال أفضل بكثير في لبنان، لكن في الأقل هناك بدأت أعمل وثمة مأوى لي، أعتقد أن السبب ذاته الذي يحول دون عودة ملايين آخرين، والأهم من كل هذا أني لا أشعر بالأمان، بالنسبة إلي قرار العودة ليس خياراً وإنما خطوة مستحيلة".

لاجئو الأردن

صحيح أن أكثر العائدين حتى الآن هم من لبنان، لكن ربما حالفهم الحظ في أن يجدوا منازلهم سليمة أو شبه سليمة، وأن تكون علاقاتهم الأسرية والاجتماعية ما زالت مستمرة. ثمة تقارير تتحدث عن عودة 300 ألف لاجئ من لبنان و200 ألف من تركيا، ولكن في المقابل أظهر تقرير استطلاعي صدر عن مرصد الحماية الاجتماعية التابع لجمعية تمكين للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان، أن 72 في المئة من اللاجئين السوريين في الأردن لا يخططون للعودة لبلادهم في الوقت الراهن. وأرجع المشاركون ذلك إلى غياب السكن المناسب، وتردي الأوضاع الأمنية والاقتصادية في الداخل السوري.

أشار التقرير إلى أن "59 في المئة من اللاجئين يفتقرون إلى سكن آمن داخل سوريا، بينما يشكل غياب الأمان عائقاً أساسياً لـ56 في المئة منهم، وتأتي الأوضاع الاقتصادية غير المستقرة ثالثاً بنسبة 55 في المئة. بينما يفضل بعض اللاجئين البقاء في الأردن نتيجة الاستقرار الاجتماعي، إذ أكد 16 في المئة أن جميع أفراد عائلاتهم يقيمون في الأردن، و11 في المئة أعربوا عن شعورهم بالاستقرار".

أما أولئك الراغبون بالعودة فقال التقرير إن أبرز أسبابهم "عودة الأقارب وارتفاع كلفة تصاريح العمل في الأردن، تليها قلة فرص العمل وامتلاك منازل في سوريا، كما أشار ستة في المئة إلى أن توقف المساعدات يدفعهم للتفكير بالعودة وثلاثة في المئة فقط أعربوا عن ثقتهم بتحسن الوضع الأمني في سوريا".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يريدون العودة

سما الحصني شابة وصلت إلى أوروبا قبل بضعة أعوام، تبدو متحمسة للعودة لدمشق، ترى أن وجودها في هولندا لم يعد مفيداً في ظل شوقها لبلدها. وتقول "شاهدت أصدقاء كثر يعودون، مستويات طلبات اللجوء انخفضت كثيراً عن السابق، لا شك في أن هناك تحديات تتعلق بالبنية التحتية والماء والكهرباء، لكن شعور المنزل والعائلة والرفاق لا يعوض، ونحن الشباب تقع علينا مسؤولية بناء هذا البلد بعد أن أنهيت دراسة الهندسة، ثم إني اشتقت لأهلي كثيراً".

كذلك عاد عادل الزعبي أخيراً من الأردن لمحافظته درعا جنوب سوريا، ويؤكد أن قراره اختياري لا قسري، وذلك لأسباب عدة، في مقدمها أن لا مستقبل له ولأسرته حيث كان في الأردن، لا من ناحية العمل ولا الجنسية، لذا جاء القرار بالعودة لحيث ينتمون، في محاولة لتأسيس حياتهم من جديد.

تخوفات من العودة

من جهتها أوضحت الممرضة لينا اليوسفي "كل يوم قتل ودماء واختطاف وخلافات وأحاديث عن ’داعش‘ وعن متطرفين وتخبطات لا حصر لها، أريد البقاء في لبنان". فهي ترفض فكرة العودة لسوريا بعد أن تمكنت من بناء عائلة جديدة في لبنان والظفر بوظيفة غير حكومية مع منظمة أجنبية، تقول "لا أريد أن يخرج صغاري من المنزل ويدي على قلبي إن كانوا سيعودون أم لا، أريد لهم حياة مستقرة وأن يحصلوا على الطبابة والتعليم، لذا لن أخاطر بالعودة قبل أن ألمس أمناً وأماناً".

يوافقها الرأي يوسف الرفيع، الشاب الذي يعمل طبيباً في ألمانيا، إذ يصف سوريا ببلد "يخيم عليه الظلام حالياً، كمرحلة طبيعية خلال عملية انتقالية في بلد خرج من حرب صعبة"، ويضيف "هناك تخبط لا يصدق، أنا أبحث عن سلامتي وسلامة أسرتي، وما أشاهده وأراه وأسمعه تحديداً مع وصول عشرات الآلاف من الساحل أخيراً إلى لبنان هرباً من القتل لا ينذر بالخير أبداً، بانتظار ضبط الأمن وإرساء السلام".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير