ملخص
لا تزال حتى الآن تنظيماً سرياً غير مركزي لا يُعرف له مكان ثابت للتواجد، فيما ترجّح مصادر مطلعة لـ "اندبندنت عربية"، أن يكون تعداد أفراده لا يزال قليلاً نسبياً، وينتشرون على شكل جماعات منفردة وثانوية العدد ليقوموا بالمهام الموكلة إليهم.
سرايا "أنصار السنة" هي آخر الكتائب التي ظهرت علانية على الساحة السورية بعد سقوط النظام السوري السابق، كان ذلك في الفاتح من شهر فبراير (شباط) الماضي، وقد أخذت على عاتقها التهديد بقتل وحرق وتهجير الأقليات الطائفية والعرقية، وبالفعل نفذت وتبنت عشرات العمليات الدموية إلى جانب حرق الغابات والأراضي الزراعية في المناطق التي تستهدفها، حاملة شعار "سنأتيكم بالسكاكين لنحصد رؤوسكم".
الغريب في التنظيم الجديد الذي يتبنى الفكر السلفي الجهادي، هو إمعانه في تكفير الرئيس السوري أحمد الشرع وكلّ من والاه، وكيل التهم لهم جملة وفرادى عند كل موقف ومنعطف، لذا فقد صاروا يريدون محاربة "هيئة تحرير الشام" بأكملها وكل ما انبثق منها من هيئات ووزارات وإدارات وشخصيات مرتبطة بها أو تقبل التعامل معها.
تنظيم سري غير مركزي
السرايا لا تزال حتى الآن تنظيماً سرياً غير مركزي لا يُعرف له مكان ثابت للتواجد، فيما ترجّح مصادر مطلعة لـ "اندبندنت عربية"، أن يكون تعداد أفراده لا يزال قليلاً نسبياً، وينتشرون على شكل جماعات منفردة وثانوية العدد ليقوموا بالمهام الموكلة إليهم من دون أن تكون هناك ارتباطات مفتوحة ومبينة ما بين القاعدة والهرم ضمن التسلسل الواضح للإدارة، إلا أن الأكيد أن التنظيم أثار الرعب والخوف بظهوره وعملياته وبياناته ذات الأسلوب الجزل لغوياً.
ومن المؤكد حتى الآن أن السرايا بنيت على اجتماع عناصر منشقة عن "هيئة تحرير الشام"، وقد يكون بعضهم من "داعش"، إضافة إلى عناصر من خلفيات متعددة، فضلاً عن تطويع مدنيين جدد في الهيكلية. ويقود تلك السرايا رجل مجهول اسمه أبو عائشة الشامي، لم يتمكن حتى الآن أحد من الوصول إلى خلفيته أو اسمه الحقيقي ومكان وجوده، فيما يتولى إدارة الشؤون الشرعية في السرايا رجل يعرف بأبو الفتح الشامي.
أهداف السرايا
لم تخف السرايا في أية مرحلة سابقة الهدف من إنشائها، وهو استهداف وقتل "النصيرية والدروز والنصارى والقسديين والروافض وغيرهم من المرتدين" على حد تعبيرهم خلال بياناتهم السابقة، البيانات التي أكدوا فيها أنهم حالياً لا يرون ضرورة للاصطدام العسكري المباشر مع قوى الأمن السوري، إلا أن الأمر قادم قريباً لا محالة، وفي ذات الوقت يوافقون "داعش" في أفكاره وسلوكياته ويتبنون نهجه في التدريب والعمليات، مؤكدين أيضاً أنهم ليسوا جزءاً منه، في الأقل خلال المرحلة الراهنة، لكن ليس من المستبعد أن ينخرطوا في صفوفه قريباً، وإذا ما تم ذلك فسيعلنون عن الأمر مباشرة، بحسب ما ورد في إحدى فتاوى منظر التنظيم.
السرايا أكدت في إحدى إصداراتها عبر مؤسسة تابعة لها اسمها "مؤسسة العاديات الإعلامية"، والتي تصدر عبر "تيليغرام" حصراً كما كل إصداراتهم وبياناتهم وفتاويهم، أنهم شاركوا في مجازر الساحل، وقتلوا كثيراً من سكانه، كما أن باكورة أعمالهم كانت قتل 15 مدنياً في قرية أرزة العلوية في ريف حماة ومن ثم تهجير بقية سكانها عن بكرة أبيهم. مبينين أن كل ما فعلوه حتى الآن لم يكن سوى البداية، "لأن القادم سيكون زلزالاً يهز سوريا بأكملها".
لبنان أيضاً
في واحد من بيانات التنظيم الأخيرة خلال الشهر الجاري حمل اسم "بشائر التمكين في طرابلس الشام"، وبعد الحمد والثناء على الله وبعض الأدعية قالوا إنهم "رفعوا لواءهم في طرابلس الشام (اللبنانية)، وفيها هبت نسائم التمكين، وارتجفت مضاجع المشركين"، وبأنه "بات لديهم خلايا منثورة، وكتائب مستورة، تنتظر الإشارة لتضرب في خاصرة المرتدين من النصيرية (العلوية) والدروز والمرتدين"، إلى آخر ذلك من كلمات لا تخلو من التهديد والتوعد والإشارة إلى التمكين، وإلى أن القادم سيحصل لا مناص منه في لبنان، متى آن الأوان وأزف الميعاد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولا شك أن تلك السرايا التي بات يمكن ملاحظة وجودها في ريف حمص الغربي المحاذي لحدود لبنان ستتخذ من هناك منطلقاً لتنفيذ عمليات غالباً ما تكون خاطفة وسريعة ومباغتة، ولن يكون ذلك صعباً في ظل فراغ أمني حدودي ورسمي يعصف بسوريا ولبنان معاً، كما أن تلك السرايا تسمي مقاتليها من منفذي العمليات بـ "الذئاب المنفردة"، ما يعكس طبيعة الدور الفردي للمقاتل ويحرره من عبء التنقل الجماعي واكتشاف الأمر، وهو ما يراه مهتمون سوريون بالشؤون الجهادية بمثابة جرس إنذار يجب وأده في مهده برفع أعلى درجات التنسيق والجاهزية بين البلدين، بخاصة مع الاكتشاف المتواتر لخلايا "داعش" في مناطق قريبة للغاية من العاصمة دمشق نفسها أخيراً.
السر في القيادة
سر السرايا يكمن في رجلين، قائدها أبو عائشة الشامي، ومشرّعها ومنظرها أبو الفتح الشامي، وكلاهما مجهول، ويشتبه في تبعيتهما السابقة لـ"جبهة النصرة" قبل الانشقاق عنها. حاولنا تتبع خيوط عديدة للوصول إلى قيادات في السرايا، وكان ذلك عبر معرفاتهم التي لا تزال صغيرة عبر موقع التواصل الاجتماعي "تيليغرام"، فما بين صفحة السرايا ومنظّر التنظيم ومؤسسته الإعلامية تمكنا من الوصول إلى شخص يدعى أبو البراء الميداني، الذي رفض الحديث عن معلومات حول منصبه أو دوره داخل السرايا، أو إذا ما كان له دور أساساً، إلا أنه وافق على الإدلاء ببعض التصريحات المقتضبة على عجل، وذلك على قاعدة أن "التنظيم يباهي بما ينشر عنه في الصحف، بل ويعيد نشره على معرفاته".
قال الميداني "ليس من مصلحتنا ولا مصلحة أحد حالياً أن يعرف من هو الأمير أبو عائشة لئلا نعرض التنظيم للخطر، ولنضمن سير الأعمال المرجوة بنجاح". وأضاف أن فكرة التنظيم ليست جديدة، بل هي ولدت حقيقة في إدلب قبل سقوط النظام، وظلت متخفية عن أعين أجهزة الجولاني واستخباراته، وأنهم على الدوام نفذوا عمليات لم يتبنوها لأن ذلك كان ضرورة مرحلية تحتم عليهم ذلك، فضربوا في عقر دار الكفرة، وأداروا أمورهم بنجاح من خلف الستار، لكن ذلك الستار أصبح عبئاً غير ضروري، فكان لا بد من الظهور للعلن في مرحلة حساسة من تاريخ الصراع الإسلامي مع أعدائه كضرورة لا تحتمل التأجيل".
الشرع "كافر"
بسؤاله ما إذا كانت بعض الروايات التي تتحدث عن أن التنظيم إعلامي ولا وجود حقيقياً له على الأرض، نفى ذلك بشكل قاطع، مستدلاً بالبيانات التي أصدروها قبل وبعد "إحقاق العدل"، وبأن القادم للأقليات سيبرهن مدى علو كعب السرايا، "لأنهم لن يتركوا حجراً أو بشراً من ضمن ما يملكونه في بنك أهدافهم على قيد الحياة".
وأشار إلى أن "بنك الأهداف هذا ليس ضرورياً أن يشمل الأقليات فقط أو كلهم حتى، لكنه في الأقل سيشمل بعض السنة من المتواطئين مع النظام السابق"، مؤكداً قتلهم قبل أيام مختار حي الوعر في حمص على رغم طائفته السنية، وكذلك بعض السنّة في حلب، لأنهم كانوا على ارتباطات بشكل أو بآخر بنظام "الطاغوت في الشام".
حاول أبو البراء الاكتفاء قبل السؤال الأخير المتعلق بنظرتهم الفعلية للرئيس الشرع، لكنه قال "رجل كافر ومرتد"، وتابع "مخادع مكار لا يعرف عن الإسلام شيئاً، إن واليته قضى عليك، وإن احتميت به زجّك في سجونه، الجولاني ومن معه تخلوا عن نهج العقيدة والسلف الصالح وانبطحوا تحت مصالح الغرب، ومدوا أيديهم لأعداء الأمة والإسلام، وما عادوا منا ولسنا منهم".
المقاتلون الأجانب
أمام هذا التنظيم التكفيري الدموي كان لا بد من محاولة استخلاص استنتاجات تتعلق بمواقفهم من المقاتلين الأجانب في ضوء راديكاليتهم المتشددة للغاية، وهذا ما حاول سامي عبد التوّاب المتخصص في شؤون الجماعات الإسلامية والمتابع لملف "سرايا الأنصار" الإجابة عنه بقوله "أعتقد أن السرايا لن يميزوا بين الأجنبي والمحلي في قتالهم للسلطات، إن تم كما يقولون، فهم الآن شملوا كل من وضع يده بيد الرئيس الشرع في خانة واحدة، فالأجانب بالنسبة إليهم لا يشفع إليهم قدومهم من الصحارى والجبال والوديان وما خلف البحار للجهاد في سوريا، فلا مبرر لهم وقد صاروا ركيزة في الحكم الحالي، ووالوا رئيس هذه المرحلة الذي تكفره الجماعة أشد تكفير، فلا النوايا هنا ولا الجنسيات تتخذ كمبرر".
ويكمل "قد يحمل التنظيم فكراً متبايناً في قضايا محورية كمثل من شق عصا الطاعة ولم ينخرط في مشروع الدولة، وغيرهم ممن انخرط وصار يريد الجنسية، فالفئة الأولى سيسعون لاستقطابها لمواصلة الجهاد، أما الثانية فستكون عدواً".
ويذكّر بأن "داعش" دعا في إصداره الأخير الأسبوع الفائت، المقاتلين الأجانب إلى الابتعاد عن الشرع ونهجه "المرتد والكافر والمنبطح"، فاتحين الباب أمامهم للالتحاق بصفوف جماعات التنظيم المنتشرة في أكثر من مكان من دون الوقوع في فخ تسمية تلك الأماكن.