ملخص
ظاهرة اللحية انتشرت في سوريا منذ 2011 لدى معظم الفصائل المسلحة، بما فيها جيش النظام السابق والميليشيات، وبعد انتصار الثورة كان هناك مسؤولون في مناصب حساسة لديهم لحية طويلة، أما وزارة الداخلية فأعلنت عبر "اندبندنت عربية" أن لوائح ستصدر قريباً بخصوص المظهر العام لموظفي الوزارة.
يبقى الملف الأمني من أولويات الحكومة السورية الجديدة التي تشكلت في سياق انتقال سياسي محمل بإرث ثقيل تركه النظام السابق، وتزامناً مع شق القطاع الاقتصادي طريقه نحو الازدهار، بقي القطاع الأمني محكوماً بعوامل مختلفة على رأسها البعد الأيديولوجي على رغم تأكيد السلطات الحفاظ على سوريا المتنوعة المدنية، وهذا لا يمنع ضرورة اتخاذ خطوات من شأنها الحفاظ على أقصى درجات الانضباط في مرحلة تاريخية حساسة، وحكومة ما تزال هيكليتها قيد التشكيل.
فصائل المعارضة السورية المسلحة سابقاً، هي التي قادت عملية "ردع العدوان" وأطاحت بنظام "البعث" بعد عقود من حكم البلاد بيد حديدية، وتوافقاً مع الرغبة المحلية استجابت سوريا الجديدة للمطالب الإقليمية والدولية بتشكيل حكومة شاملة والبدء ببناء مؤسسات الدولة، وعلى رغم ذلك بقيت مظاهر الانتماء الفكري موجودة، ومن هذه الانتماءات من يشغل مناصب أمنية حساسة، فمن جانب يرى محللون أنه من المبكر الحكم على الصورة النهائية لمؤسسات الدولة، ومن جانب آخر يرى آخرون أن تأثير العقلية الفصائلية ما يزال نشطاً في الدولة السورية، ومن هنا تبرز المظاهر الشكلية التي تأتي على رأسها "اللحية" التي تضع علامات استفهام لدى الشارع السوري. فهل هل رمزية للمظهر الديني؟ أم أنها شكل من أشكال الحرية الشخصية؟ وهل تعد اللحية إحدى بوابات التوظيف في سوريا الجديدة؟ أم أن الأمر ليس بهذه الصورة؟
جدل المظهر والأيديولوجيا
في الإجابة عن هذه التساؤلات، تختلف وجهات النظر، فبينما يؤكد باحثون ومحللون أن الظواهر الشكلية تعكس بالضرورة توجهات فكرية ترتبط بالحاجة إلى انسجام داخل المؤسسات الأمنية، يرى آخرون أن سوريا دخلت طوراً جديداً من "الحكم الأيديولوجي المتطرف بلون مختلف"، إذ يستبعد أصحاب الكفاءة لصالح من يتمتعون بخلفية دينية أو ارتباط بمراكز نفوذ في الشمال السوري، وهي ظاهرة تثير مخاوف من أن البلاد تنزلق مجدداً نحو نسخة جديدة من الحكم الأحادي، لكن وزارة الداخلية السورية نفت بصورة رسمية، من خلال تصريحات خاصة لـ"اندبندنت عربية"، وجود أية لوائح أو قوانين تعنى بالمظهر، وتؤكد أن "اللحية ليست معياراً"، كما أوضح المتحدث الرسمي باسم الوزارة نور الدين البابا، وهو نفسه غير ملتح، ويؤيد هذا الطرح باحثون آخرون لفتوا إلى أن إطلاق اللحية ظاهرة بدأت منذ 2011 وشملت حتى عناصر النظام السابق وميليشياته، ولا يمكن التعامل معها اليوم كمؤشر أيديولوجي حصري أو مفروض من الدولة.
هذا الجدل حول قضية مثل "اللحية"، لا يعبر فقط عن قلق شكلي، بل يكشف عن صراع، غير رئيس، بين رؤيتين لمستقبل سوريا، الأولى تعتبر أن الثورة انتصرت، ويجب أن تعبر الدولة الجديدة عن مكونها الثوري كما هو، والثانية ترى أن الدولة الجديدة يجب أن تتحرر من كل أيديولوجيا، بما فيها تلك التي رافقت الثورة، ويجب أن تبنى على أسس الكفاءة والتمثيل الوطني، وهاتان الرؤيتان بينهما أسئلة متعددة حول هوية الدولة الجديدة، هل ستكون دولة لجميع السوريين؟ أم ستبقى محكومة بمنطق الغلبة والانتماء الضيق؟ وهل المظهر الأيديولوجي هو خيار شخصي أم انعكاس لبنية معينة؟
نفي رسمي
المتحدث الرسمي باسم وزارة الداخلية السورية نور الدين البابا قال "لا يوجد أي قانون في وزارة الداخلية يشترط وجود اللحية، ولا يوجد ما يفرض على المنتمين للوزارة إطلاق اللحية من عدمها"، وأكد المتحدث الرسمي أنه "سيصدر قريباً تفصيل باللوائح الداخلية المتعلقة بالمظهر العام لموظفي وزارة الداخلية".
أما الباحث في مركز "حرمون" للدراسات محمد السكري، فقال من جهته إن "بعد العصبية السياسية في الملف الأمني يأخذ أولوية قصوى لدى الحكومة السورية الجديدة، ويرتسم طابع الأيديولوجيا كمحرك ثابت في المشهد، بخلاف القطاعات الأخرى، وهذا ما لا تخفيه الحكومة السورية بل تؤكد عليه، في الأقل خلال المرحلة الانتقالية، أمنياً وفي حال تشبه سوريا، من الطبيعي أن يجري اللجوء إلى قيادات عسكرية مقربة فكرياً ومظهرياً من فكر الجماعة التي قادت عملية إسقاط نظام الأسد (الرئيس المخلوع بشار الأسد)، لضرورة توفر عوامل الثقة والانضباط لسلسلة الأوامر العسكرية، وتبدي الحكومة السورية تفاعلاً جيداً في ملف الانفتاح خارج تلك العصبية في كل الملفات باستثناء الأمنية والعسكرية إلا بحدود، وذلك يعود للهواجس الأمنية المتعلقة بضبط مكاسب ما بعد سقوط الأسد، وهنا يبرز الفرق بين التوقعات والآمال، كأية جماعة أخرى من الطبيعي أن تتم ممارسة السلوك ذاته، واتخاذ القرارات ذاتها بسبب تعقيد المشهد السوري، وفيهما حفاظ على هدفين: هدف الأمن العام وهدف الأمن الخاص بالفصائل العسكرية".
أضاف السكري "بالتالي ليست اللحية هي شرط التوظيف وإن بدا ذلك، وإنما التوجهات الفكرية، والأكثر ترجيحاً أن تلك التوجهات متفاعلة مع الواقع السياسي الذي يفرض تحولات كبيرة في الفكر السياسي في سوريا، بخاصة لدى المقارنة بين عقلية عقب سقوط النظام وبين ما جرى تباعاً من تحولات كبيرة، والملفت الاعتماد على العنصر المحلي، وهذا تطور لافت يشي بحجم التحولات التي أتت كاستجابة لمطالب ونصائح إقليمية ودولية، وبالتالي ستبقى الحكومة متفاعلة مع المتغيرات السياسية، تلك المتغيرات التي ستجعل الظواهر السياسية التقليدية الماضية منافية لمصلحة الدولة السورية الجديدة ضمن إطار القطاع الأمني والعسكري، وهذا يعني تبدل المصالح والأولويات والظواهر، بما في ذلك المظاهر، حينها تتحول اللحية من ظاهرة أيديولوجية إلى خيار شخصي، من المهم احترامه داخل قطاعات الدولة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
هل تتكرر هيمنة اللون الواحد؟
لكن ناشطة المجتمع المدني السورية سمر أشتر سألت بدورها، "هل أنت ذكر تمتلك لحية وشاركت خلال السنوات الـ15 في إحدى الفعاليات الثورية؟ إذاً أهلا بك في تشكيل الحكومة الجديدة، أظن أن هذا هو العنوان الأنسب للوضع الحالي في سوريا، فقد بات من السهل جداً توقع خلفية المستلمين الجدد للمناصب الحكومية والمراكز الحساسة في سوريا بعد هرب رأس النظام السابق الذي سعى جاهداً إلى أن يطبع الثورة السورية التي قامت ضده بطابع إرهابي، فهل هذا هو الخيار الوحيد الذي سعى الأسد المخلوع إلى تركه؟ أم أن الحكم العسكري لم يكن ليسقط لولا وجود قوة تحمل طابع التطرف نفسه؟".
أضافت أشتر "لقد خرجنا لكيلا نبقى تحت سطوة الطرف الواحد في الحكم والقرار التي دمرت الشعب السوري، ومددت حكم الأسد لأجيال، ولا يوحي الوضع الراهن بخروجنا بل بوقوعنا تحته مجدداً بلون جديد، شكل لا يحتمل الاختلاف القريب منه حتى، بل إنه يستأصله تماماً كما حدث في حلب أخيراً، إذ جرى إيقاف حلقات الدروس الدينية ذات الطابع المعتدل والفكر المتصوف في بعضها، ليتلوها فصل لكامل العاملين داخل الجوامع كجامع نفيسة الشهير وجامع أبي حنيفة، واستبدالها بكادر من محافظة إدلب، فهل نفهم أننا بمحاولة جديدة لقردحة إدلب؟ وذلك عدا عن إقالة ذوي المناصب من دون الالتفات لأهمية الخبرة التي يمتلكونها ومقدرتهم على فهم متطلبات المناطق التي عملوا بها سنوات، على رغم سمعتهم الحسنة، وتولي مناصبهم أشخاص أقل خبرة، مما يوصف توجه الدولة الجديد وعودة سوريا لحكم الطرف الواحد من دون إيضاح أو شفافية بما يحدث، وترك التريندات للأحداث السطحية الظاهرة فقط، لا أرى أن محاولة نشر التجربة الإدلبية بطابعها الديني يمكن أن تنجح ولو بنسبة ضئيلة في سوريا".
اللحية بين حرية المظهر وشبهات التوظيف الأيديولوجي
خلافاً لما تقوله أشتر، تحدث الأكاديمي السوري عباس شريفة قائلاً إن "ظاهرة انتشار اللحية في سوريا بدأت منذ عام 2011، وهذه الظاهرة لم تقتصر على عناصر الجيش السوري الحر سابقاً أو فصائل المعارضة، بل حتى عناصر النظام والميليشيات المرتبطة به كانت تطلق ذقونها طوال فترة الحرب التي شنوها على الشعب السوري، واليوم بعد انتصار الثورة وسقوط النظام، لا يوجد هناك في سوريا الجديدة أي قانون في وزارة الداخلية ينص على ضرورة إطلاق اللحية من عدمها، المتحدث باسم وزارة الداخلية نور الدين البابا غير ملتح، وعدد كبير من المسؤولين في الوزارة ليست لديهم لحية، هذا الأمر هو حرية شخصية ومتروك للشخص نفسه، هناك أشخاص متدينون ليست لديهم لحى، والعكس صحيح، هناك من يطلق اللحية لأسباب دينية، وآخرون يطلقونها لأسباب تجميلية، ليس هناك معيار محدد لها، وليس هناك قانون لاشتراط إطلاق اللحية أو منعها".
بالنتيجة، تقول وزارة الداخلية بصورة رسمية إن اللحية وغيرها من المظاهر الشكلية ليست شرطاً في التوظيف، وتعلن الوزارة أن القوانين بخصوص المظهر العام لموظفي الداخلية ستصدر قريباً، لكن من جانب آخر يرى ناشطون أن الأيديولوجيا ما تزال تأخذ حيزاً أثناء اختيار الكوادر، إلا أن الصورة النهائية لشكل وهوية الدولة السورية لم تتضح بعد، كون مؤسسات الدولة ما تزال في طور التشكيل.