ملخص
تأخر حكومة كير ستارمر في اتخاذ موقف حاسم تجاه إسرائيل فاقم الغضب داخل حزب "العمال"، وسط أزمة إنسانية خانقة في غزة تهدد آلاف الأطفال بالموت جوعاً. الخطوات المحدودة التي أعلنها وزير الخارجية اعتُبرت غير كافية، وجاءت تحت ضغط سياسي داخلي وخسائر انتخابية مرتبطة بموقف الحزب من العدوان.
تصاعد الإحباط داخل مجلس العموم لبريطاني الثلاثاء الماضي -من نواب حزب "العمال" الحاكم وآخرين أيضاً– بسبب تأخر حكومة كير ستارمر في اتخاذ خطوات ضد إسرائيل في شأن أزمة غزة.
وفيما حذرت الأمم المتحدة من أن 14 ألف طفل في القطاع يواجهون خطر الموت جوعاً بحلول اليوم الخميس، ما لم يتلقوا مساعدات فورية، ساد شعور بأن الوقت فات عندما اعتلى وزير الخارجية ديفيد لامي المنصة، وأن ما أعلن لا يكفي.
فقد أعلن لامي عما اعتبر إلى حد كبير إجراء رمزياً تمثل في تعليق المحادثات التجارية مع إسرائيل، وفرض عقوبات على عدد من المستوطنين المتطرفين. ومع ذلك، لم يُفرض وقف شامل على مبيعات الأسلحة، ولم تتخذ أية عقوبات على وزراء في حكومة بنيامين نتنياهو.
لكن السؤال الذي طرح نفسه هو: لماذا استغرق الأمر كل هذا الوقت حتى تتحرك الحكومة البريطانية، ولو بهذه الصورة المحدودة؟ ولماذا لم تبدأ بتشديد الضغوط إلا الآن؟
في بعض الجوانب، كان النائب عن حزب "المحافظين" كيت مالثاوس هو من عبر بأوضح صورة عن الغضب المتصاعد نتيجة تأخر الحكومة البريطانية في التحرك، إذ كان وجه أخيراً رسالة -وقعها عدد من زملائه البارزين- يطالب فيها بأن تعترف المملكة المتحدة رسمياً بالدولة الفلسطينية.
وفي مواجهة مباشرة مع وزير الخارجية ديفيد لامي داخل "مجلس العموم"، قال مالثاوس "لقد حاول عدد منا في هذه القاعة على مدى الأشهر الماضية دفع الحكومة إلى التحرك. جربنا الغضب والسخط، من دون جدوى. وحاولنا دفع الوزراء إلى التصرف، لكننا لم ننجح. فهل علينا الآن أن نتوسل؟ هل ينتظر الجالسون في صفوف الحكومة أن نتوسل إليهم من أجل حياة الأطفال الفلسطينيين قبل أن يتخذوا خطوة فعلية، أياً كانت طبيعتها؟".
وكانت الحكومة البريطانية علقت خلال العام الماضي 30 ترخيصاً لتصدير أسلحة إلى إسرائيل، وسبق لها أن فرضت عقوبات على بعض الأفراد هناك. ومع ذلك، امتنع حزب "العمال" عن اتخاذ إجراءات أقوى كثيراً مما طالب بها كثر على مدار أشهر.
يأتي هذا التردد على رغم أن الحزب خسر عدداً من المقاعد في الانتخابات العامة العام الماضي، لمصلحة مرشحين مستقلين مؤيدين لغزة، بما فيها مقعد جون أشوورث في دائرة ليستر، فيما بالكاد تمكن وزيران في الحكومة -هما ويس ستريتينغ وشبانة محمود- من الاحتفاظ بمقعديهما.
أما نظريات المؤامرة المعادية للسامية، والتي تزعم أن حزب العمال يخضع لنفوذ صهيوني يمنعه من التحرك، فهي منتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي، غير أن هذه المزاعم لا تمت إلى الحقيقة بصلة.
في الواقع، أن ما أعاق حزب "العمال" بقيادة السير كير ستارمر ينبع من الشعور بالعار.
وبرز تذكير واضح بذلك عندما وقف الزعيم السابق جيريمي كوربن ليواجه ديفيد لامي. فخلال فترة قيادة كوربن، غرق حزب "العمال" في اتهامات معاداة السامية وهمش المجتمع اليهودي إلى درجة جعلت الحزب مضطراً للعمل بجد على مدار الأعوام الماضية لاستعادة سمعته.
ومن هذا المنطلق، حرص السير كير ستارمر والسيد لامي على التأكيد بصورة متواصلة على دعم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، في أعقاب الهجمات المروعة التي نفذتها حركة "حماس" خلال السابع من أكتوبر (تشرين الأول) عام 2023.
مع تصاعد الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة، حاول حزب "العمال" بهدوء الضغط على حكومة نتنياهو لاحتواء التصعيد، لكنه لم يقدم على اتخاذ خطوات أكثر حزماً. ويمكن القول -كما ذكر كيت مالثاوس ونواب من خمسة أحزاب مختلفة في "مجلس العموم"- إن الجهود المبذولة حتى الآن، لا تزال غير كافية.
إلا أن إلحاح الأزمة الإنسانية المتفاقمة، وفظاعة الوضع الذي يعيشه الناس في غزة الآن، تشكلان نقطة فاصلة تتجاوز فيها الحاجة الملحة لاتخاذ إجراء حاسم، العار الذي لحق بالماضي السياسي لحزب "العمال".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تتعرض حكومة السير كير لضغوط داخلية متزايدة من نواب حزب "العمال" بسبب لهجتها المتشددة تجاه قضايا الهجرة والرفاه الاجتماعي ودعم فواتير الوقود الشتوية، وزاد التقاعس عن اتخاذ موقف حازم تجاه إسرائيل من حدة التمرد داخل الحزب.
من هنا، لم يكن أمام الحكومة من خيار سوى إرسال وزير الخارجية ديفيد لامي لإلقاء بيان في "مجلس العموم"، ليس فقط لاحتواء الغضب المتصاعد بين نواب الحزب، بل أيضاً لأن الوضع في غزة أصبح مأسوياً إلى درجة أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب وصفه بأنه غير مقبول.
وقال رئيس الوزراء نفسه "إنه أمر لا يحتمل على الإطلاق".
لكن السؤال المطروح هو هل جاءت هذه الإجراءات الأخيرة متأخرة جداً وبأثر ضئيل؟
© The Independent