ملخص
تواجه غزة مجاعة مدمرة في ظل حصار إسرائيلي خانق ودعم أميركي ضمني لخطة تهدف إلى تهجير سكانها واحتلالها بالكامل، بينما يعاني المدنيون من ظروف إنسانية قاسية يصفها خبراء بالإبادة الجماعية. أي تصعيد عسكري جديد سيقضي على فرص السلام، ويعرض حياة المدنيين والرهائن الإسرائيليين للخطر، وسط صمت دولي مروع.
الظروف التي تجبر العائلات في غزة على تحملها تفوق أسوأ كوابيسنا، ومع ذلك، قوبل هذا المستوى غير المسبوق من المعاناة من قبل العالم بلا مبالاة شبه تامة.
فالمجاعة تهدد السكان بعدما قررت إسرائيل، قبل شهرين، منع دخول أية مساعدات إلى هذا القطاع المحاصر والمدمر، الذي لا تتجاوز مساحته 26 ميلاً (42 كيلومتراً)، ويقطنه نحو مليونين و300 ألف نسمة.
الواقع الدموي الراهن سيصبح أكثر كارثية إذا ما مضت إسرائيل قدماً في خططها التي تقضي بتوسيع عملياتها العسكرية بصورة كبيرة.
هذه الخطط تتماهى في الواقع مع تلك التي كان اقترحها الرئيس الأميركي دونالد ترمب نفسه في الماضي، والتي تقضي بإجبار الفلسطينيين على الخروج من غزة للسماح للولايات المتحدة بتحويل القطاع إلى "ريفييرا الشرق الأوسط". ومن غير المرجح أن يتجرأ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على التهديد بهذا التصعيد من دون دعم الولايات المتحدة، الحليف الأقرب لبلاده والمزود الرئيس لها بالأسلحة.
العضو في المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية زئيف إلكين قال لهيئة البث الإسرائيلية "كان"، إن الخطة (التي كثيراً ما حذر كثر من أنها كانت دائماً هي الهدف) تتمثل في الانتقال من العمليات القائمة على الغارات إلى احتلال كامل لغزة، ووجود إسرائيلي طويل الأمد فيها. وأضاف أن هذه المناطق ستبقى تحت سيطرة إسرائيل حتى هزيمة "حماس" أو موافقتها على نزع سلاحها ومغادرة القطاع.
ويشير مسؤولون إسرائيليون إلى أن الهدف الرئيس من الخطة الهجومية التي تمت الموافقة عليها أخيراً هو "نقل" السكان المدنيين إلى الجنوب. ووفق تقارير وسائل إعلام إسرائيلية، من المقرر أن تبدأ العملية بمجرد انتهاء الرئيس دونالد ترمب من زيارته المقررة لكل من المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة، التي تبدأ خلال الـ13 من مايو (أيار) الجاري.
ونقلت صحيفة "هآرتس" عن مسؤول إسرائيلي قوله إنه إذا لم تفض المفاوضات في شأن صفقة تبادل الأسرى إلى نتائج قبل انتهاء زيارة ترمب، فإن العملية العسكرية ستنطلق "بكامل قوتها ولن تتوقف حتى تحقيق جميع أهدافها".
وفي حال تنفيذ هذه الخطة، فلن يؤدي ذلك سوى إلى مزيد من المعاناة التي لا تحتمل لسكان القطاع، الذين عانوا بالفعل عبر 19 شهراً القصف العنيف والمجازر والتهجير الجماعي والمتكرر، والتجويع.
ولن يؤدي ذلك سوى إلى تعريض حياة 59 رهينة ومحتجزاً إسرائيلياً في قبضة حركة "حماس" داخل القطاع لمزيد من الخطر، وهم يخضعون للقصف والحصار ذاته، فيما تعيش عائلاتهم حالاً من اليأس الشديد لاستعادتهم سالمين.
ولن يكون من شأن هذا التصعيد سوى تقويض أي أمل متبق في التوصل إلى حل دبلوماسي سلمي ومستدام لصراع يمثل بلا شك أحد أكثر البصمات دموية بالنسبة إلى جيلنا.
أتحدث يومياً مع مدنيين في غزة، يقولون لي إن الأطفال هناك يتضورون جوعاً حتى الموت. وخلال الوقت الراهن يبلغ سعر كيلو السكر 30 دولاراً (22 جنيهاً استرلينيا)، فيما يباع كيس الدقيق الفاسد سعة 25 كيلوغراماً بـ300 دولار، هذا إن وجدت أي المادتين في الأساس. وأخبرني أب لأربعة أطفال أن بعض الأسعار، ارتفعت في حالات محددة بصورة حادة إلى 20 ضعفاً عما كانت عليه قبل الحرب.
أما الأمهات فيعانين من سوء تغذية شديد إلى درجة تمنعهن من إدرار الحليب لإرضاع أطفالهن، ويموت الأطفال الرضع نتيجة لذلك. وتظهر مقاطع فيديو التقطت داخل القطاع وجرت مشاركتها على الإنترنت أطفالاً صغاراً يعانون سوء تغذية بصورة مرعبة، وكأنهم مجرد جلد ممتد على عظام.
"منظمة الأمم المتحدة للطفولة" (يونيسيف) UNICEF أفادت بأن الحصار على غزة أدى منذ بداية العام الجاري إلى إدخال ما لا يقل عن 9 آلاف طفل للعلاج من سوء تغذية حاد.
أما "منظمة العفو الدولية" Amnesty International فوصفت الحصار المستمر بأنه "إبادة جماعية جارية"، معتبرة أن منع دخول الإمدادات الأساس لبقاء السكان على قيد الحياة، هو جزء من "سياسة تهدف إلى فرض ظروف معيشية متعمدة، تهدد حياة الفلسطينيين في غزة بقصد تدميرهم جسدياً".
في غضون ذلك، دقت أكبر مجموعة تمثل عائلات الرهائن داخل إسرائيل ناقوس الخطر في شأن الخطة العسكرية الجديدة، وحضت الحكومة على "إعطاء الأولوية للرهائن، عبر التوصل إلى اتفاق يعيدهم إلى ديارهم قبل فوات الأوان".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وجاء في رسالة مكتوبة أن "توسيع نطاق العمليات العسكرية يعرض جميع الرهائن لخطر شديد. وبالنسبة إلى 59 عائلة، لا يمكن تحقيق انتصار من دون عودة أحبائها -الأحياء منهم والأموات- ولا يمكن أن تكون هناك نهاية لهذا الصراع من دون عودتهم سالمين".
يبقى أن السبيل الوحيد للخروج من هذا الكابوس يتمثل في تحقيق وقف لإطلاق النار، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة من دون قيود، وإجراء مفاوضات شاملة بهدف التوصل إلى سلام طويل الأمد ومستدام، يسمح للعائلات في غزة بدء مرحلة تعاف طويلة، ويمهد الطريق لإطلاق سراح الرهائن وعودتهم سالمين إلى أحبائهم.
وكما قال لي أحد أقارب شخص قتل في المذبحة التي نفذتها "حماس" خلال السابع من أكتوبر (تشرين الأول) فإن "العنف لا يولد سوى العنف".
إن هجوماً أكثر دموية على غزة لن يؤدي إلا إلى مزيد من إراقة الدماء، ما سيزيد من معاناة المدنيين في غزة والإسرائيليين المحتجزين هناك على حد سواء، ويقلل من أمن الإسرائيليين بصورة عامة.
وسيقضي في النتيجة على أي بصيص من الأمل في مستقبل سلمي للمنطقة. وفي موازاة جميع هذه الأخطار ما زال المجتمع الدولي يلتزم حتى الآن صمتاً مطبقاً آن له أن ينتهي.
© The Independent