ملخص
هناك في إسرائيل من يعتقد أن طرح خطة تهجير سكان غزة، التي جاءت بمثابة قنبلة سياسية غير متوقعة، تهدف إلى صرف الأنظار عما اتضح من احتمال عراقيل للمرحلة الثانية للصفقة وعدم وجود تفاهمات، وأعرب ترمب نفسه عن شكوكه في احتمال نجاحها، على رغم أنه يريد إعادة جميع الأسرى.
تسابق السياسيون الإسرائيليون من الائتلاف الحكومي والمعارضة، في الترحيب بخطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، بتهجير سكان قطاع غزة وإخلاء المنطقة لتكون مستقبلاً "ريفييرا الشرق الأوسط"، بل بات بعض منهم يتحدث وكأن الخطة ستنفذ خلال فترة قريبة، وبأن مختلف القضايا المتعلقة بجبهة غزة وحرب "طوفان الأقصى"، تقترب من الحل مع طرح خطة ترمب، وهناك من اعتبرها "حلاً للقضاء على أي خطر مستقبلي من غزة" على إسرائيل وبلداتها الجنوبية.
طرحوا مواقفهم وأعربوا عن سعادتهم للدعم المطلق الذي أبداه الرئيس ترمب لإسرائيل بعيداً من تداعيات مثل هذه الخطة على مختلف القضايا التي كان متوقعاً أن تكون محور لقاء ترمب مع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، بل أكثر من هذا، ردد بعضهم ما أكد عليه نتنياهو بأنه لن تكون هناك مشكلة في تحقيق هدف ترمب بإرساء السلام بين إسرائيل والسعودية. وراح وزير الأمن القومي المستقيل إيتمار بن غفير يتحدث عن قوانين ومخططات لضمان مشاريع ضم مناطق فلسطينية في الضفة إلى إسرائيل، وشرعنة "ترانسفير" فلسطينيي الضفة الغربية.
صدى الرد السعودي
سيطرت هذه الأجواء على أجندة الإسرائيليين لساعات طويلة من يوم الأربعاء، حتى وصل صدى الرد السعودي على خطة ترمب الذي حسم تمسك السعودية بموقفها الرافض للتنازل عن سلام يضمن إقامة الدولة الفلسطينية كما يرفض تهجير الفلسطينيين من أراضيهم.
عندها فقط، اتخذ حوار الإسرائيليين منحى آخر على رغم أن بعض العاقلين بينهم لفتوا إلى ما سموه "تناقضات خطة ترمب" لتهجير سكان غزة ومختلف القضايا التي يطمح بتنفيذها من عودة جميع الأسرى الإسرائيليين، مروراً بتحقيق السلام في الشرق الأوسط، ووصولاً إلى نيله جائزة نوبل للسلام.
ونقل عن أكثر من مصدر في محيط نتنياهو بواشنطن عدم اقتناعهم بخطة ترمب واعتبر بعضهم أن طرحه إياها جاء ليكون رافعة ضغط مستقبلية لتحقيق أهداف أخرى، بل، وفق أحدهم، "يبحث ترمب عن خطوة كبيرة بل هائلة، من أجل إزالة العراقيل التي قد يواجهها في طريق تنفيذ خططه التي يسعى إلى إنجاحها".
المرحلة الثانية من خطة غزة
وهناك في إسرائيل من يعتقد أن طرح خطة تهجير سكان غزة، التي جاءت بمثابة قنبلة سياسية غير متوقعة، تهدف إلى صرف الأنظار عما اتضح من احتمال عراقيل للمرحلة الثانية للصفقة وعدم وجود تفاهمات، وأعرب ترمب نفسه عن شكوكه في احتمال نجاحها، على رغم أنه يريد إعادة جميع الأسرى.
من جهتها ترى الباحثة السياسية الإسرائيلية دفنا ليئيل، التي نقلت مواقف مسؤولين إسرائيليين مطلعين على تطورات الأوضاع، أن "ترمب أراد بطرح خطة غزة توجيه الأمور إلى السلام والتطبيع، مشيرة إلى أن "ترمب لم يستسلم لفكرة أنه لن يفوز بجائزة نوبل، وهو يدرك أن إسرائيل لا يمكنها أن تقترح شيئاً على الفلسطينيين بعد السابع من أكتوبر / تشرين الأول 2023، ولذلك يضع تهديداً دراماتيكياً، بحيث يتمكن من استخدامه في المفاوضات حول السلام".
وتعد دفنا لئيل كغيرها ممن يعتقدون أن ترمب طرح الخطة وكأنه يتعامل مع صفقة عقارات، إذ أكدت أن "الرئيس الأميركي يدرك تماماً الموقف السعودي، ولكن طرحه يعتبر نمطاً متكرراً لديه". وقالت إن "عرض ترمب خطة تهجير سكان غزة تذكر بخطواته التي استبقت التوقيع على 'اتفاقات أبراهام'، عندما تحدث عن مخطط ضم أراضي الضفة إلى إسرائيل ثم أخرجه من المعادلة من أجل إرضاء دول الخليج، من دون أن تضطر إسرائيل إلى دفع ثمن آخر في المجال الفلسطيني. وهنا أيضاً، قد يستخدم ترمب فكرة إفراغ غزة كذريعة أخرى، ويمكنه المتاجرة بها إذا ما اتضح له أنه لن يتمكن من تحقيق أهدافه، إذ التوقعات أن يصطدم مسار السلام بمصاعب كثيرة ومعقدة".
تجاهل الحقائق
الباحثة في شؤون دول الخليج الدكتورة ميخال يعاري لم تخف استغرابها بما اسمته "تزوير نتنياهو وترمب للحقائق والترويج لقضايا تنفيذها بعيدة المنال"، واعتبرت خطة "تهجير فلسطينيي غزة في مقابل الحديث عن احتمال التقدم نحو سلام، هما موضوعان مثيران للاهتمام، إذ طرح ترمب خطته مع كل ما تحمله من عدم واقعية وتناقض للقضايا الأخرى المطروحة".
وتقول يعاري "ليس صدفة أن تصدر السعودية على الفور رداً على تصريحات ترمب أوضحت فيه، بما لا يقبل التأويل، قائلة: كنا وما زلنا نطالب وسنواصل المطالبة في المستقبل بدولتين لشعبين، دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية، هذا هو شرطنا". هذا الرد، وفق يعاري، "كان يفترض أن يتوقعه ترمب ونتنياهو ومن يدعمهما مسبقاً، لكنهما تصرفا عكس ذلك وأبديا ثقة كاملة بأن السلام سيتحقق على رغم مخططاتهما هذه".
وأشارت يعاري إلى "ضرورة أن يتعامل ترمب ونتنياهو مع السعودية كونها "ليست مجرد دولة أخرى في العالم العربي، بل دولة لها مكانتها وأحدثت تغييرات هائلة ومهمة في غضون فترة زمنية قصيرة، وهي دولة تتطلع إلى مستقبل مزدهر وتطور التكنولوجيا والتقدم والعلم وكل شيء. وتحقيق مثل هذه الأمور مشروط بالاستقرار الأمني، فلا يمكن الحديث عن الاستقرار الاقتصادي، ولا يمكن الحديث عن السياحة، ولا يمكن الحديث عن المستثمرين الأجانب من دون استقرار أمني هنا، وإذا لم يكن هناك تقدم في القضية الفلسطينية تجاه الإسرائيليين، فلا استقرار أمني، بل هناك خطر بأن نصطدم بيوم آخر مثل السابع من أكتوبر، ولذلك هناك حاجة إلى طرح خطط واقعية ولا تضع العراقيل أمام تنفيذ مخططات أخرى".
وشددت يعاري على أن "ما كان يمكن القيام به في 'اتفاقات أبراهام' لا يمكن القيام به اليوم وليس من الصواب القيام به، وخطة ترمب في غزة بعيدة من الواقع والتنفيذ بل إنها تعرقل مخططات أخرى، واذا كان يجري البحث حقاً عن شرق أوسط جديد فيجب أولاً ضمان الهدوء في منطقة الشرق الأوسط، وهذا الهدوء لا يأتي إلا عبر التقدم بالمسار السلمي الإسرائيلي - الفلسطيني".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
اليمين يتغذى على خطة ترمب
أمام هذه المواقف الإسرائيلية والتحذيرات من خطوات تضاعف عراقيل التقدم نحو الهدوء وإنهاء الحرب، تعالت أصوات اليمين المتطرف المتمثلة بوزراء الائتلاف الحكومي وقيادة المستوطنات.
وأعلن وزير الأمن القومي المستقيل إيتمار بن غفير، الذي كان أول من رحب بخطة تهجير فلسطينيي القطاع، أنه يدرس إمكان عودته للحكومة، ودعا إلى قانون إسرائيلي يكون بداية خطة لـ"ترانسفير" (نقل) فلسطينيي الضفة في موازاة غزة.
من جهته قال وزير المالية بتسلئيل سموتريتش إن "خطة إخلاء غزة هي الرد الحقيقي على السابع من أكتوبر، فمن ارتكب أفظع مجزرة على أرضنا سيجد نفسه فقد أرضه إلى الأبد". وتطرق سموتريتش إلى خطة السلام مع الفلسطينيين، بعدما تلقى وعداً من ترمب ونتنياهو بالسماح بتنفيذ مخططاته الاستيطانية، قائلاً "الآن سنعمل على دفن فكرة الدولة الفلسطينية الخطرة، ما طرحه الرئيس الأميركي وما يخطط له سيجعلنا بعون الله، ندفن هذه الفكرة". وأضاف "عندما قررت البقاء في الحكومة على رغم معارضتي للصفقة، أوضحت أنني مقتنع بالتزامهما العميق، بتحقيق النصر الكامل لحماس وتدميرها. فعلت ذلك على أساس المعرفة الوثيقة بتحركات خلف الكواليس في الأشهر الأخيرة، وعلى أساس الشراكة في صياغة خططنا لاستمرار الحملة على الجبهات كافة، وصدقوني هذه هي البداية فقط".
أما رئيس حزب "شاس" أرييه درعي، فاعتبر ترمب "رسول سماوي للشعب اليهودي، لإحداث تغيير في الشرق الأوسط وتعزيز السلام والأمن لشعب إسرائيل".
وفي المعارضة أيضاً نالت خطة ترمب ترحيباً واسعاً، إذ اعتبرها رئيس حزب "المعسكر الوطني" بيني غانتس "خطة إبداعية ومثيرة للاهتمام"، ودعا إلى الاهتمام بالتوسع في بحثها ودراستها. وأدلى يائير لبيد بموقف مماثل، فيما طالب أفيغدور ليبرمان بالبحث عن حل للقطاع يمر عبر سيناء بالتعاون مع مصر ليكون قابلاً للتنفيذ.
قنبلة موقوتة
السفير السابق لإسرائيل لدى إيطاليا درور ايدار دعا إلى نقل سكان غزة فوراً من القطاع، معتبراً أن عيش سكان بلدات الجنوب بالقرب من غزة هو أمر في غاية الخطورة. وقال "بعد السابع من أكتوبر وما رأيناه منذئذ، بما في ذلك الدور المكشوف لمعظم السكان في تنفيذ أعمال حماس، ينبغي للمرء أن يكون فاقداً لأية معرفة فكرية وأخلاقية كي يعتقد أن بوسعنا أن نواصل العيش إلى جانب هذه القنبلة الموقوتة. إن استمرار العيش في هذا المكان تحت حكم حماس، سيشجع مجانين المنطقة للقيام بحملات ذبح مشابهة، فهم يعرفون منذ الآن كيف يقفون على أقدامهم دوماً حتى من أكثر الأمور فظاعة. آجلاً أم عاجلاً سيبدأ قصف الصواريخ والعمليات، وتعود الأمور لما كانت عليه". ودعا ايدار إلى أن يكون العمل السياسي والعسكري والدبلوماسي موجهاً إلى حل دائم للمشكلة، عبر "نقل سكان غزة إلى بلدان أخرى، مثلما فعل العالم مع عشرات ملايين اللاجئين في نزاعات أخرى، ومعظم سكان القطاع لاجئون أصلاً".