Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ماتكامين... "بطل المياه" في شوارع دلهي

بدأ ألغاراتانام ناتاراجان رحلته من معركة السرطان في لندن إلى خدمة الإنسانية وتوفير المياه للمحتاجين بالهند

ألغاراتانام ناتاراجا وهو يملاً "الماتكا" بالمياه (اندبندنت عربية)

ملخص

بدأ ألغاراتانام ناتاراجان، رحلته في خدمة المجتمع بتوزيع الطعام والماء على المحتاجين، ثم أطلق عربة طعام متنقلة، وفي فصل الصيف، بادر إلى وضع أوانٍ فخارية مملوءة بالماء "ماتكا" على ممرات المشاة لتوفير المياه للمارة والفقراء.

كان ألغاراتانام ناتاراجان، وهو مواطن هندي، يقيم في لندن عندما شُخص بالسرطان، مما شكل منعطفاً مؤلماً في حياته، وعند عودته إلى الهند، واصل إجراء الفحوصات الطبية الدورية، وخلال زياراته المتكررة للمستشفيات، لفتت انتباهه المعاناة اليومية التي يعيشها الفقراء، إذ أدرك مدى صعوبة حصولهم على الحاجات الأساسية، مثل الغذاء ومياه الشرب النظيفة، وأثار هذا الإدراك في نفسه مشاعر إنسانية عميقة، فقرر أن يسهم في الجهود الإنسانية.

بدأ ناتاراجان رحلته في خدمة المجتمع بتوزيع الطعام والماء على المحتاجين، ثم أطلق عربة طعام متنقلة، وفي فصل الصيف بادر إلى وضع أوانٍ فخارية مملوءة بالماء (ماتكا) على ممرات المشاة لتوفير المياه للمارة والفقراء.

يعيش ناتاراجان مع زوجته في حي راقٍ بمدينة دلهي، عندما بدأ في وضع أوانٍ فخارية لتوفير مياه الشرب للعامة، دهشت زوجته ولم تؤيد الفكرة في البداية، إلا أن ناتاراجان لم يتراجع، وبعد فترة تمكن من إقناعها بالسماح له باستخدام جزء من منزلهما لتنفيذ مبادرته.

تروي زوجته قائلة "وافقت، وفجأة وجدت أن أواني الفخار استحوذت على 75 في المئة من مساحة منزلنا"، ومع ذلك لم يتوقف ناتاراجان عند هذا الحد، بل صمم شاحنتين صغيرتين خصيصاً لنقل المياه، مما أتاح له إعادة تعبئة مراكز توزيع المياه في أنحاء مختلفة من المدينة بكل كفاءة.

ومع مرور الوقت بدأت جهود ناتاراجان تحظى بتقدير واسع من قبل الناس، ولاحظت وسائل الإعلام نشاطه، أطلق عليه أحد الصحافيين لقب "ماتكا مين"، وأنشأ هو وابنته موقعاً إلكترونياً يحمل الاسم نفسه، وهو اللقب الذي أصبح معروفاً به اليوم في جميع أرجاء دلهي.

في حديث خاص إلى "اندبندنت عربية" يكشف "ماتكا مين" أن رحلته بدأت بأبسط الطرق، خلال جائحة "كوفيد-19"، إذ تطوع لتقديم المساعدة في محارق الجثث، حيث كان يوفر مياه الشرب للعائلات المفجوعة، وصرح "محارق الجثث في الهند تكون شديدة الحرارة بسبب الاحتراق المستمر وفقاً للطقوس الهندوسية، وفي ذروة الجائحة، ارتفع عدد الوفيات بصورة كبيرة، لدرجة أن عملية الحرق كانت تستغرق يوماً كاملاً بسبب فترات الانتظار الطويلة، كان الرجال والنساء يقفون ساعات، وكنت أقدم لهم الماء".

 

 

 في تلك الفترة، كان ناتاراجان في الستينيات من عمره، يعمل متطوعاً، ويقود عربة لنقل الموتى، يركنها يومياً أمام منزله، وكانت حماته، التي كانت لا تزال على قيد الحياة آنذاك، تلح عليه أن يستحم بعد عودته من المحرقة، ويبتسم متذكراً "كنت أقول لها: الأحياء أقذر من الأموات"، وبحلول عام 2021، استبدلت بعربة الدفن القديمة شاحنة "ماهيندرا بوليرو ماكسي" معدة خصيصاً، يقودها يومياً عبر شوارع دلهي، مهمته الواضحة هي: توزيع المياه وإعادة تعبئة أوانٍ فخارية في مختلف أنحاء المدينة. 

ناتاراجان ليس بطلاً خارقاً، بل رجل متواضع ومتقدم في السن، يتميز بتفانٍ استثنائي، يستيقظ كل صباح باكراً ليضمن وصول مياه الشرب الآمنة إلى الفئات المحرومة، وتتيح له شاحنته التي تتسع لـ2000 ليتر من المياه، إعادة تعبئة أكثر من 100 "ماتكا" موزعة استراتيجياً في أنحاء دلهي، لإرواء عطش المحتاجين.

ولد ناتاراجان في مدينة تشيلاو بسريلانكا لأم سريلانكية وأب هندي، إلا أنه قضى معظم أعوام حياته في مدينة بنغالورو الهندية، يسترجع ناتاراجان ذكريات شبابه، ويصف نفسه بأنه "شاب ضائع من عائلة مفككة، غارق في إدمان المخدرات والكحول"، وبدافع من رغبة حقيقية في تغيير مسار حياته، اتخذ قراراً جريئاً بالسفر إلى لندن.

ويقول "في عام 1974 غادرت إلى المملكة المتحدة بتأشيرة سياحية تكفلت بها شقيقتي، لم أعد إلى الهند إلا بعد نحو ثلاثة عقود، عشت لمدة 10 أعوام كمهاجر غير نظامي في إنجلترا، كنت في الـ24 من عمري حين صعدت إلى الطائرة وأحمل في داخلي حلماً بحياة أفضل، عملت بجد، وادخرت أموالي بعناية، واليوم أستخدمها لدعم نفسي وعائلتي، وكل من أستطيع مساعدته".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

من أجل البقاء، عمل ناتاراجان في وظائف عدة متواضعة، من البيع في الشوارع إلى قيادة شاحنات النقل مسافات طويلة، ويضيف "كنت طموحاً، وبعد أعوام من العمل المتواصل، اشتريت متجراً للهدايا التذكارية في شارع ’أكسفورد‘، ومع مرور الوقت توسعت وافتتحت متجرين آخرين، أحدهما قرب متجر ’هارودز‘ الشهير، كانت الحياة تسير على نحو جيد، إلى أن شُخصت بسرطان القولون في منتصف الخمسينيات من عمري، مثل ذلك منعطفاً حاسماً، وبعد إجراء عملية ناجحة، اتخذت قراري بالعودة إلى الهند".

شكلت تجربة السرطان تحولاً جذرياً في حياته، جسدياً ونفسياً، يقول "عندما عدت إلى الهند، شعرت بالضياع، وكنت أتجول بلا هدف، كأنني تائه"، ومع تعبه النفسي بعد المعاناة الطويلة بدأ ناتاراجان التطوع في مركز متخصص في رعاية مرضى السرطان في مراحله النهائية بمدينة دلهي.

وعن هذه الفترة أفاد "توليت مسؤولية صيانة المركز بالكامل، ولأن المرضى كانوا في مراحلهم الأخيرة، كان من الضروري تأمين سيارة لنقل الجثث إلى المحرقة، لذا اشتريت سيارة، حولتها إلى عربة دفن، وبدأت بنفسي نقل المتوفين إلى محرقة سراي كالي خان، التي كانت آنذاك أرضاً مهجورة تفتقر إلى أبسط الخدمات".

في البداية لم تكن جهوده منظمة، وتابع "كنت آخذ معي الماء والطعام وكل ما أستطيع توفيره"، غير أن الأمور بدأت تأخذ منحى مختلفاً عندما وضع أول "ماتكا" وهو إناء فخاري مملوء بمياه الشرب، أمام منزله.

 

 

هذه المبادرة البسيطة كانت شرارة بداية جديدة، سرعان ما بدأ حراس الأمن وعمال المنازل والسائقون من الجوار بالتوافد إلى إناء الماء، ممتنين لما يقدمه من راحة وسط حرارة دلهي اللاهبة، وكان لهذا التفاعل الواسع الأثر الأكبر في دفع ناتاراجان إلى توسيع المبادرة، فنصب مزيداً من الأواني في مختلف أرجاء المدينة، ومن هذه البداية المتواضعة ولدت رسالة إنسانية مستمرة، قوامها التعاطف والالتزام العميق خدمة الآخرين.

أثناء إجراء مقابلة مع ناتاراجان، وصل رجل إلى الموقع على دراجة كهربائية صغيرة، كانت درجة الحرارة على الطريق مرتفعة للغاية، توجه الرجل نحو الإناء الفخاري، شرب من الماء، ثم ملأ زجاجته الفارغة، ثم نظر إلينا مبتسماً، وعندما سئل عن رأيه في خدمة توفير المياه المجانية، المخزنة في إناء فخاري يتمتع بتبريد طبيعي، أجاب مبتسماً "ليس من السهل الحصول على مياه الشرب على الطرق، أنا عادة ما أوصل الطعام إلى المنازل، ومعظم أهاليها لا يوفر لي الماء، لذا، هذا هو المكان الذي آتي إليه لأشرب الماء".

يقول برجيش سينغ البالغ من العمر 50 سنة، وهو جار ناتاراجان، إن دلهي تشهد ارتفاعاً حاداً في درجات الحرارة، مما يجعل الحصول على مياه شرب نظيفة تحدياً يومياً، بخاصة بالنسبة إلى أكثر سكان المدينة ضعفاً، ويضيف "دلهي دائماً حارة، والعثور على مياه باردة أمر صعب، وأنا مدهوش من طريقة عمل ناتاراجان، أشعر بالإلهام وربما أرغب في اتباع نهجه، لكنني أفتقر إلى الشجاعة، يتطلب الأمر كثيراً من الجهد والوقت"، مع ذلك يبقى ناتاراجان متواضعاً في شأن عمله، يقول "هذا ليس أمراً عظيماً، لكن توزيع المياه خدمة للإنسانية، وأنا أحب القيام بذلك"، ويضيف قائلاً "أتمنى لو كان لدي مزيد من الطاقة لأتمكن من توسيع نطاق هذه الخدمة بصورة كبرى".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير