ملخص
تقدر تقارير غربية عدد سفن أسطول الأشباح بنحو 1000 سفينة تقوم بنقل أسلحة من سوريا التي خسرت روسيا فيها حليفها التقليدي بشار الأسد، الذي أطاحته المعارضة المسلحة قبل أشهر.
مع تنامي نفوذها في أفريقيا مستفيدة من تحولات كبيرة عرفتها القارة السمراء أفرزتها موجة من الانقلابات العسكرية، باتت روسيا في حاجة إلى نقل معدات عسكرية ضخمة، لكن تشديد الرقابة الغربية والدولية عليها جعلها تلجأ إلى طرق وحيل جديدة.
من بين هذه الحيل التي تستخدمها روسيا، أسطول الأشباح الذي يثير توجساً غربياً خصوصاً بعد كشف عملية "إيريني" المتخصصة بمراقبة تدفق الأسلحة إلى ليبيا، عن عمليات نقل أسلحة روسية عبر سفن تجارية قديمة ملكيتها غامضة نحو شرق ليبيا ومنها إلى دول أفريقية أخرى.
سياق استراتيجي
وكان الإنتربول فتح تحقيقاً في وقت سابق بعد الكشف عن أن سفينة الشحن التجارية "بربروس" التي ترفع علم الكاميرون، رصدت عام 2024 وهي تحمل معدات عسكرية روسية جرى رصدها في مضيق البوسفور.
وكشف الإنتربول أن هذه السفينة غيرت اسمها ثلاث مرات، وسجلت تحت 10 أعلام وطنية مختلفة على مدار الـ12 عاماً الماضية، وبينما كانت ترفع علم الكاميرون، كانت سفن أسطول الأشباح الروسي الأخرى ترفع علم دول مثل الغابون وليبيريا.
وعادة ما تستخدم هذه الحيل من قبل السفن التي تقوم بأنشطة غير مشروعة مثل القرصنة أو التهريب، حيث ترفع أعلاماً لدول أخرى، وتغير تسميتها للتخفي من نظام التعريف الخاص بالسفن وغير ذلك.
وأسطول الأشباح هو عبارة عن سفن شحن تجارية جرى تغيير ملكيتها في كثير من المناسبات للتحايل على نظام التعريف الآلي بها، ويبدو أن موسكو لجأت إلى هذا الخيار في خضم العقوبات المفروضة عليها، وهو خيار يتيح لها الالتفاف على هذه العقوبات وتجنب منعها من نقل أسلحتها التي تستخدم في ساحات الاشتباك في دول مثل بوركينا فاسو ومالي وأفريقيا الوسطى.
وعد الباحث السياسي الروسي ديمتري بريدجيه، أن "المسألة لا تتعلق فقط بتقارير متواترة تتهم روسيا باستخدام أسطول الأشباح، بل بسياق استراتيجي واضح يتبعه الكرملين في الأعوام الأخيرة، واستخدام ما يعرف بأسطول الأشباح لا يفهم إلا في ضوء سياسة روسية ممنهجة لتجاوز القيود الغربية والتمدد نحو الجنوب العالمي، وأفريقيا بالتحديد في ظل التحولات السياسية في العالم".
وتابع بريدجيه في حديث إلى "اندبندنت عربية" أن "نقل الأسلحة عبر طرق ملتوية أو عبر سفن تجارية ليس بالأمر الجديد في تاريخ النزاعات، لكن في الحال الروسية، يصبح الأمر أكثر تعقيداً لأنه يتصل مباشرة بتفادي العقوبات الدولية، والتحايل على نظام مراقبة الصادرات والموانئ، لا سيما أن بعض هذه السفن استخدمت لنقل أسلحة إلى مناطق نزاع حادة كما في ليبيا أو مالي أو غيرها من الدول".
وشدد على أن "روسيا لا تخفي نيتها توسيع حضورها العسكري في أفريقيا وهذا ضمن استراتيجيتها، سواء عبر قوات نظامية أو عبر وكلاء غير مباشرين مثل مجموعات ‘فاغنر‘ أو غيرها، ولديها القدرة على ذلك بفضل شراكات أمنية مع بعض الأنظمة الأفريقية التي ترى في روسيا شريكاً أقل إملاء من الغرب".
واستدرك بريدجيه بالقول، "لكن السؤال الحقيقي ليس هل تستطيع روسيا تعزيز نفوذها العسكري هناك؟ بل: ما الثمن الذي سيدفعه الأفارقة لقاء هذا الحضور؟ لأن النفوذ لا يأتي مجاناً ولا يخلو من التبعات الجيوسياسية والاقتصادية على المدى البعيد للمنطقة ولروسيا".
وتابع، "ومن ثم، فإن أسطول الأشباح ليس مجرد آلية لوجيستية، بل عنوان لمرحلة جديدة في العلاقات الروسية – الأفريقية، حيث تختلط المصالح الأمنية بالتنافس الدولي على الموارد والتأثير".
تفادي العقوبات الدولية
ومنذ أعوام، نجحت روسيا في إزاحة القوى الغربية في مقدمها فرنسا من مناطق مثل الساحل الأفريقي، وذلك بعد سلسلة من الانقلابات العسكرية التي أطاحت أنظمة موالية لباريس.
واستدعت دول مثل مالي قوات من "فاغنر" من أجل دعمها في معاركها ضد المتمردين والجماعات الإرهابية التي تنشط هناك على غرار تنظيمي "القاعدة" و"داعش" الإرهابيين.
إلى جانب "فاغنر"، أنشأت وزارة الدفاع الروسية ما يعرف بـ"الفيلق الأفريقي" أو "أفريكا كوربس" الذي يسعى بدوره إلى ترسيخ موطئ قدم لموسكو في القارة السمراء. ويعتقد الباحث العسكري، أكرم خريف، أن "فاغنر" هي من تقوم بنقل الأسلحة إلى أفريقيا من خلال أسطول الأشباح.
وقال خريف في تصريح خاص، "ليست روسيا التي تستخدم أسطول الأشباح، بل ‘فاغنر‘ تحديداً التي تنقل الأسلحة من دول مثل سوريا إلى أماكن أخرى في أفريقيا مثل ليبيا ومنها إلى السودان ومالي والنيجر وبوركينا فاسو وجمهورية أفريقيا الوسطى".
وأردف أن "قوات ‘فاغنر‘ بما أنه ليس لهم الحق في نقل الأسلحة بصفة رسمية، وبما أن ليبيا معاقبة منذ عام 2011 ويحظر بيع الأسلحة إليها، تضطر الشركة الروسية لاستعمال هذا الأسلوب والوسيلة لنقل الأسلحة".
وأشار خريف إلى أن "‘فاغنر‘ وروسيا تبحثان عن تفادي العقوبات الدولية من خلال أسطول الأشباح ولو أنه لا يوجد تطبيق صارم للحظر الأممي على تصدير السلاح إلى ليبيا، إذ أرسلت تركيا شأنها في ذلك شأن روسيا، أسلحة وذخائر إلى الميدان الليبي".
واستنتج أن "‘فاغنر‘ تريد التغلغل والتوغل في أفريقيا وفتح جبهات جديدة وإقامة قواعد جديدة كما رأينا في جنوب ليبيا وغينيا الاستوائية حيث أصبحت لدى موسكو قوات على الأرض، وتنوي أيضاً إقامة قاعدة بحرية لها هناك لتمكين أسطولها البحري من السيطرة والمناورة في المحيط الأطلسي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مجازفة محسوبة
وتقدر تقارير غربية عدد سفن أسطول الأشباح بنحو 1000 سفينة تقوم بنقل أسلحة من سوريا التي خسرت روسيا فيها حليفها التقليدي بشار الأسد، الذي أطاحته المعارضة المسلحة قبل أشهر.
ولم يعلق الكرملين أو السلطات الروسية على التقارير التي تتهمها بالتورط في نقل الأسلحة لمناطق مشتعلة أصلاً مثل الساحل الأفريقي.
وقال الباحث السياسي النيجري محمد أوال، إن "ما تقوم به روسيا من تحويل أفريقيا إلى ما يشبه المكب لأسلحتها يشكل مجازفة فعلاً، لكنها تبدو مجازفة محسوبة إذ يعد أسطول الأشباح واحداً من الأساليب الملتوية التي تلجأ إليها لتفادي العقوبات وأيضاً لتجنب أي تورط رسمي في الأحداث هناك".
وأضاف أوال لـ"اندبندنت عربية" أن "روسيا لديها ترسانة ضخمة من الأسلحة قادرة على تغيير المعادلة على الأرض في أفريقيا، ورأينا تأثير تحرك قوات ‘فاغنر‘ في مالي عند شن هجوم ضد الانفصاليين الطوارق وتمت السيطرة حتى على مناطق مهمة مثل معقلهم كيدال، ومن ثم أعتقد أن توجه روسيا نحو أفريقيا هو توجه جدي ويستهدف إزاحة الغرب من هذه المنطقة".
ولفت إلى أن "المحك الرئيس الذي تواجهه روسيا الآن هو التمكن من نقل الأسلحة والذخائر إلى أفريقيا، ويبدو أنها وجدت طريقاً إلى ذلك من خلال أسطول الأشباح البعيد كل البعد من أنظار العالم".