Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يستخدم ترمب الجيش في قمع الاحتجاجات عبر تفعيل "قانون التمرد"؟

لجأ إليه لينكولن وغرانت وأيزنهاور وكينيدي وجونسون وريغان وبوش الأب فيما هواجس المراقبين مشتعلة

أشرك ترمب الجيش في جهود الترحيل (أ ب)

ملخص

لم يكشف مسؤولو الإدارة حتى الساعات الأولى من اليوم الإثنين أي شيء في شأن خططهم، واكتفت وزارة الأمن الداخلي بإصدار بيان لم يقدم أي تلميح عن الخطط المقبلة، لكنه أوضح أنه بتوجيه من الرئيس فإن وزارة الأمن الداخلي ووزارة الدفاع تعدان تقريراً مشتركاً يُقيم الأوضاع على الحدود الجنوبية للولايات المتحدة، ويوصي باتخاذ إجراءات لتحقيق السيطرة التشغيلية الكاملة على الحدود.

انتهت أمس الأحد مهلة الـ 90 يوماً التي حددها الرئيس الأميركي دونالد ترمب في أمر تنفيذي صدر في الـ 20 يناير (كانون الثاني) الماضي، ومنح بمقتضاها وزير الدفاع بيت هيغسيث ووزيرة الأمن الداخلي كريستي نويم 90 يوماً لتقديم تقرير مشترك إلى الرئيس حول الأوضاع على الحدود الجنوبية للولايات المتحدة، وأية توصيات لاتخاذ إجراءات إضافية ضرورية لتحقيق السيطرة الكاملة عليها، بما في ذلك إمكان تفعيل قانون التمرد لعام 1807، وقد فعّل من قبل 30 مرة طوال التاريخ الأميركي، كانت آخرها خلال تسعينيات القرن الماضي، فهل يُفعل ترمب القانون الذي يتيح له استخدام الجيش في قمع الاحتجاجات كما كان يطمح خلال دورته الرئاسية الأولى، أم يتراجع عن الخطوة بسبب ما تثيره من قلق سياسي وقانوني؟ ومن الرؤساء السابقون الذين استخدموا قانون التمرد؟

قرار مصيري

تقف إدارة ترمب على شفا قرار مصيري بعد عيد الفصح، يوم عطلة رسمية في الولايات المتحدة، والذي صادف أمس الأحد، إذ كان من المقرر أن يقدم وزير الدفاع بيت هيغسيث ووزيرة الأمن الداخلي كريستي نويم توصية في شأن ما إذا كان ينبغي على الرئيس دونالد ترمب تفعيل قانون التمرد لمواصلة قمع الهجرة، ومواجهة أية إجراءات إضافية قد تكون ضرورية لتحقيق السيطرة العملياتية الكاملة على الحدود الجنوبية، بما في ذلك إمكان تفعيل "قانون التمرد" الذي صدر عام 1807.

وتقرر تقديم هذه التوصية رسمياً عبر أمر تنفيذي أصدره الرئيس ترمب في أول يوم له في البيت الأبيض في الـ20 من يناير الماضي، وأعلن فيه حال طوارئ وطنية على الحدود، وأمر بنشر قوات أميركية إضافية ومعدات مراقبة وحواجز، ومنح هيغسيث ونويم مهلة 90 يوماً لتقديم تقرير مشترك إلى الرئيس في هذا الشأن، وهو الأمر الذي يخشى معه سياسيون وقانونيون وأكاديميون أن تتضمن التوصيات تفعيل "قانون التمرد" الذي يسمح للرئيس باستخدام قوات عاملة مدربة على القتال في الخارج أو قوات الحرس الوطني الفيدرالي لقمع أي تمرد، مع تعليق موقت لقانون يدعى "بوس كوميتاتوس" الذي يقيد عادة استخدام التدخل العسكري في إنفاذ القانون المحلي.

سبب القلق

ويعود سبب القلق لأن التفعيل المحتمل للقانون، في ظل تشديد أمن الحدود وانخفاض أعداد المهاجرين إلى أدنى مستوياتها التاريخية، يثير هواجس حول كيفية تفاعل العسكريين والمدنيين مع بعضهم بعضاً، كما أنه قد يفتح الباب للرئيس ترمب لاستخدام القانون في قمع الاحتجاجات المعارضة لسياساته، وبخاصة حول البيت الأبيض إذا ما تصاعدت بصورة مثيرة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وما يزيد القلق أن ترمب أبدى خلال ولايته الرئاسية الأولى اهتماماً باستخدام "قانون التمرد" لقمع الاضطرابات الداخلية بعد أن اجتاحت الاحتجاجات البلاد عقب مقتل جورج فلويد على يد الشرطة، إذ طالب ترمب بتدخل الجيش مما أثار خلافاً مع كبار مسؤولي وزارة الدفاع حول إمكان تفعيل القانون، بمن فيهم رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة مارك ميلي الذي اعتذر من ظهوره بالزي القتالي العسكري مع ترمب خارج البيت الأبيض، وذلك بعد وقت قصير من إخلاء السلطات الفيدرالية ساحة لافاييت القريبة من المتظاهرين، ووزير الدفاع مارك إسبر الذي أقاله ترمب بسبب رفضه تفعيل "قانون التمرد"، على رغم أنه ذكر في كتاب ألّفه بعنوان "القَسَم المقدس"، أنه نقل جنوداً من الفرقة الـ 82 المحمولة جواً في ولاية نورث كارولينا إلى ضواحي واشنطن العاصمة لتلبية مطالب الرئيس، لكنه أمر بإبعادهم من المنطقة مع وصول آلاف من قوات الحرس الوطني القادرة على الاستجابة.

هل يفعلها ترمب؟

لم يكشف مسؤولو الإدارة حتى الساعات الأولى من الإثنين أي شيء في شأن خططهم، واكتفت وزارة الأمن الداخلي بإصدار بيان لم يقدم أي تلميح عن الخطط المقبلة، لكنه أوضح أنه بتوجيه من الرئيس فإن وزارة الأمن الداخلي ووزارة الدفاع تعدان تقريراً مشتركاً يُقيم الأوضاع على الحدود الجنوبية للولايات المتحدة، ويوصي باتخاذ إجراءات لتحقيق السيطرة التشغيلية الكاملة على الحدود.

وفي حين توقع مساعد المدعي العام السابق لولاية فرجينيا، جين روسي، أن يفعل ترمب "قانون التمرد" بعد فوزه بولاية ثانية وبالتصويت الشعبي لأغراض الهجرة وغيرها، اعتبرت أستاذة القانون في جامعة جورج تاون روزا بروكس أن "استخدام قوات عسكرية عاملة لقمع الاحتجاجات السلمية في المدن والبلدات الأميركية سيكون غير مسبوق ومثيراً للصدمة".

وحذرت بروكس من أن الاستناد المحتمل إلى "قانون التمرد" يشكل خطراً على الجيش أيضاً، لأن كثيراً من الجنود سيجدونه مقلقاً للغاية، وتساءلت عما إذا كانت إقالة الرئيس السابق لهيئة الأركان المشتركة الجنرال تشارلز كيو براون وعدد من كبار القادة العسكريين الآخرين كانت محاولة استباقية لقمع أية مقاومة محتملة لمثل هذا الأمر.

غير أن الظروف تبدو مختلفة الآن عما كانت عليه حينما جرى تفعيل "قانون التمرد" في الماضي، حتى في ما يتعلق بالهجرة، إذ تبدو المؤشرات غير مواتية لاستدعاء "قانون التمرد" كما تقول مديرة برنامج الحرية والأمن القومي في "مركز برينان" في جامعة نيويورك، إليزابيث جويتين، والتي أوضحت أن عمليات عبور الحدود الجنوبية غير القانونية انخفضت بصورة كبيرة، فقد أبلغت الجمارك وحماية الحدود عن 7180 حالة هجرة فقط في مارس (آذار) الماضي، مقارنة بـ 28654 حالة في فبراير (شباط) الماضي، وذروة بلغت 370883 حالة في ديسمبر (كانون الأول) 2023 خلال إدارة بايدن.

ولهذا السبب ترى جويتين أن استخدام "قانون التمرد" لأمن الحدود في الوقت الحالي سيكون إساءة استخدام، لأن القانون مصمم للاستخدام فقط في حالات الأزمات الأكثر تطرفاً، وحينما تكون سلطات إنفاذ القانون المدنية مثقلة تماماً.

هواجس مستمرة

ولعل أكثر الأسباب التي تبقي هواجس بعض المراقبين مشتعلة بأن ترمب سيفعّل "قانون التمرد"، أنه فعّل الشهر الماضي قانون "الأعداء الأجانب" الذي استخدم آخر مرة خلال الحرب العالمية الثانية لاحتجاز مواطنين يابانيين وألمان وإيطاليين، وذلك بغرض تحقيق أجندته المتعلقة بالهجرة، إذ استعان بالقانون لتسريع عمليات ترحيل مهاجرين غير شرعيين تتهمهم الإدارة بأنهم أعضاء عصابات إجرامية، لكن استخدام إدارته لهذا القانون واجه تحديات قانونية وأدى إلى مواجهة مع القضاء الفيدرالي، انتهى بمنع المحكمة العليا الأميركية في واشنطن ترحيل عشرات الفنزويليين الذين تزعم الإدارة أنهم أعضاء في عصابات.

كما أشرك ترمب الجيش في جهود الترحيل حين أرسل مهاجرين إلى دول أخرى على متن طائرات عسكرية في وقت سابق من هذا العام، واحتجز بعضهم داخل القاعدة البحرية في خليج غوانتانامو.

ما هو "قانون التمرد"؟

هو مزيج من قوانين مختلفة سنّها الكونغرس بين عامي 1792 و1871، لكن الرئيس الثالث للبلاد توماس جيفرسون هو أول من وقّع على القانون عام 1807، وأقره الكونغرس في البداية للمساعدة في مكافحة تمرد المواطنين ضد الضرائب الفيدرالية.

وينص القانون على أنه يجوز للرئيس استخدام القوات المسلحة لقمع أي تمرد أو عصيان واتخاذ ما يراه ضرورياً من إجراءات لقمع العنف داخل الولايات المتحدة، بما في ذلك اعتقال المهاجرين، لكن قبل ذلك يجب على الرئيس إصدار إعلان يأمر فيه المتمردين بالتفرق والعودة لديارهم.

وفي حين أن حكام الولايات والهيئات التشريعية يتمتعون أيضاً بالسلطة القانونية لمطالبة الرئيس باستخدام القوات العسكرية بهذه الطريقة، لكن في حالات كثيرة فضّلت الولايات الاعتماد على مزيج من أجهزة إنفاذ القانون المحلية والحرس الوطني الذي يخضع لقيادة الولاية، وليس الحكومة الفيدرالية.

جدل لا ينتهي

ويبدو أن الجدل حول استخدام الجيش في قمع الاحتجاجات يأبى أن ينتهي، إذ يعود تاريخ هذا الجدل لما يسمى الميثاق الأعظم (ماغنا كارتا)، وهو ميثاق الحرية البريطاني الموقع عام 1215، إذ نشأ تقليد راسخ يعارض التدخل العسكري في الشؤون المدنية، ومع ذلك يضمن دستور الولايات المتحدة حماية الحكومة الوطنية للولايات في أوقات العنف، ويسمح للكونغرس بسنّ قوانين تمكن الجيش من المساعدة في تطبيق القانون.

وبعد سنّ الدستور الأميركي مباشرة عام 1787 تقريباً، أقر الكونغرس قانوناً سمح للرئيس باستخدام الجيش للرد على سلسلة من تمردات المواطنين، وكانت القوات التي يجري استدعاؤها لقمع التمردات والمساعدة في تطبيق القوانين الفيدرالية تدعى "بوس كوميتاتوس"، وهي كلمة لاتينية تعني سلطة المقاطعة، وتصف مجموعة من المواطنين ذوي القدرة على التصرف لمساعدة قوات إنفاذ القانون.

 

وبعد الحرب الأهلية الأميركية استخدمت الحكومة الوطنية القوات بهذه الصفة للمساعدة في جهود إعادة الإعمار، ولا سيما في ولايات الجنوب التي كانت جزءاً من الكونفدرالية، لكن استخدام القوات بهذه الطريقة أثر في نتيجة الانتخابات الرئاسية عام 1876 التي فاز فيها الجمهوري رذرفورد هايز، غير أن فوزه لم يكن ليحدث من دون موافقة الديمقراطيين بصورة غير رسمية على انتخابه في مقابل موافقتهم على سحب القوات الفيدرالية من الجنوب.

بوس كوميتاتوس

بعد عامين وقع هايز قانون "بوس كوميتاتوس" الذي حظر استخدام الجيش في الشؤون المدنية، لكن مع مرور الوقت أقر الكونغرس ما لا يقل عن 26 استثناء من القانون تسمح للرئيس بإرسال قوات إلى الولايات، وتتراوح هذه الاستثناءات بين توفير أفراد عسكريين لحماية المتنزهات الوطنية ومساعدة الولايات في تطبيق قوانين الحجر الصحي والصحة، وتقول أستاذة القانون في جامعة جورج واشنطن لورا ديكنسون، إن "قانون التمرد" اُستخدم 30 مرة عبر التاريخ، معظمها في حالات طلب فيها مسؤولو الولايات مساعدة عسكرية، مشيرة إلى أن الجيش غير مدرب على إنفاذ القانون المحلي مما يعني وجود أخطار كبيرة عند تكليفه بمثل هذه المهمة.

رؤساء استخدموا القانون

كانت آخر مرة يجري فيها تفعيل قانون التمرد عام 1992 عندما أرسل الرئيس جورج بوش الأب 4500 جندي بعد أن طلب حاكم كاليفورنيا بيت ويلسون (جمهوري) مساعدة عسكرية للتعامل مع أعمال الشغب التي اندلعت إثر تبرئة المحكمة عناصر من الشرطة ضربوا بعنف شديد شاباً من الأميركيين الأفارقة يدعى رودني كينغ في لوس أنجليس، مما فجر احتجاجات وأعمال عنف واسعة أدت إلى مقتل العشرات، واعتقلت الشرطة الآلاف واجتاحت الحرائق وعمليات النهب مساحات شاسعة من جنوب وسط لوس أنجليس، وقبل ذلك بخمسة أعوام فعّل الرئيس رونالد ريغان عام 1987 "قانون التمرد" لكن من دون نشر قوات، وذلك عقب أعمال شغب في سجن أتلانتا بولاية جورجيا، إذ أرسل ريغان فريقاً من المستشارين العسكريين لمساعدة مكتب التحقيقات الفيدرالي، لكن السجن لم يُقتحم وانتهت أعمال الشغب هناك بعد 11 يوماً.

 

كما استخدم القانون الرئيس دوايت دي أيزنهاور لإصدار أمر للقوات الفيدرالية بمرافقة الطلاب السود إلى مدرسة ليتل روك المركزية الثانوية بعد أن رفض حاكم أركنساس أورفال فوبوس الامتثال لأمر فيدرالي بإلغاء الفصل العنصري، وكذلك استخدم الرئيسان كينيدي وجونسون "قانون التمرد" خلال ستينيات القرن الماضي لإرسال الجيش لتطبيق أوامر المحكمة بإلغاء الفصل العنصري وحماية متظاهري الحقوق المدنية، وفي القرن الـ 19 استخدمه الرئيس أبراهام لينكولن خلال الحرب الأهلية، والرئيس يوليسيس غرانت ضد جماعة "كو كلوكس كلان" العنصرية البيضاء.

سلطة غير مؤكدة

ومع ذلك يثير الاعتماد على قانون التمرد كثيراً من التساؤلات السياسية والعملية حول الجهة المسؤولة عن إرسال قوات الجيش إلى ولاية ما، بحسب ما تقول أستاذة الديمقراطية الدستورية في معهد كيندر في جامعة ميسوري-كولومبيا، جينيفر سيلين.

وعلى رغم استخدام القانون عام 1992 رداً على أعمال شغب في لوس أنجليس فإن قائد فرقة العمل المشتركة للجيش، المسؤول عن المهمة، كان في حيرة من أمره حول كيفية عمل "قانون التمرد" جنباً إلى جنب مع أحكام "قانون بوس كوميتاتوس"، ولهذا أصدر أمراً يحظر على القوات تقديم الدعم المباشر لأجهزة إنفاذ القانون مما أدى إلى رفض كثير من طلبات المساعدة.

كما أثارت التساؤلات حول سلطة الحكومة الفيدرالية في أعقاب "إعصار كاترينا" عام 2005 في لويزيانا مخاوف مماثلة، إذ قررت إدارة الرئيس جورج دبليو بوش (الابن) أن لديها السلطة بموجب "قانون التمرد" لإرسال قوات فيدرالية إلى المنطقة، على رغم معارضة حاكم لويزيانا المساعدة العسكرية، ولأسباب سياسية لم ينشر الرئيس بوش قوات عسكرية في نهاية المطاف، لكن في عام 2006 عدّل الكونغرس القانون لمعالجة المخاوف من عجز الجيش عن تقديم مساعدة فعالة للولايات في حالات الطوارئ، ومع ذلك جرى إلغاء التعديل لاحقاً عندما اعترض جميع حكام الولايات الـ 50 على ما اعتبروه منح الرئيس سلطة أحادية من دون موافقتهم.

وتشير هذه الأمثلة إلى صعوبة حقيقية في موازنة تعاطي الحكومة مع الأزمات الداخلية حتى لو كانت الحكومة الفيدرالية قادرة على أن تفعل الكثير، لكن تحقيق توازن فعال نادراً ما يكون أمراً سهلا.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير