ملخص
مع تعثر محاولات إدارة الرئيس دونالد ترمب جر موسكو إلى تسوية مستعجلة، ولو بشروط غير متكافئة، اقترح أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي مشروع قانون لملاحقة "أسطول الناقلات الروسية"، الذي يوفر لموسكو مبلغ 150 مليار دولار سنوياً.
قرر مسؤولو الاتحاد الأوروبي مطاردة أسطول الظل الروسي الذي ينقل النفط وموارد الطاقة على رغم أنف العقوبات الأميركية والأوروبية واليابانية والأسترالية وغيرها، لكن على رغم هذا القرار الذي يهدف إلى تشديد الحصار الاقتصادي والمالي على الكرملين يثور سؤال بديهي: إلى أين ستقود عملية البحث عن "أسطول الناقلات" الروسي الخفي الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة؟ وكيف تنوي الولايات المتحدة وأوروبا محاربة أسطول الناقلات الروسي المزعوم؟ ومن سيستهدف وما المهمة الجديدة لحزمة العقوبات الـ17؟
مسؤولو الاتحاد الأوروبي الممتعضون من محاولات الإدارة الأميركية التوصل إلى تسوية الأزمة الأوكرانية، ولو على حساب كييف، حددوا هدفاً جديداً لخنق الاقتصاد الروسي. فقد بدأ الاتحاد الأوروبي في إعداد الحزمة الـ17 من العقوبات ضد روسيا، ومن المقرر الإعلان عن شروطها في مايو (أيار) المقبل، بحسب ما ذكرت وكالات الأنباء نقلاً عن مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي كايا كالاس.
وكما أشار المراقبون فإن الهدف الرئيس للقيود الجديدة ستكون إمدادات الغاز من روسيا و"أسطول ناقلات الظل" الذي مرغ رأس العقوبات الغربية بالتراب وحولها إلى عقوبات افتراضية على الورق الذي كتبت عليه.
ومع تعثر محاولات إدارة الرئيس دونالد ترمب جر موسكو إلى تسوية مستعجلة، ولو بشروط غير متكافئة، اقترح أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي مشروع قانون لملاحقة "أسطول الناقلات الروسية"، الذي يوفر لموسكو مبلغ 150 مليار دولار سنوياً.
"أسطول الظل" الخفي
تطفو مئات الناقلات التي تحمل النفط الروسي قبالة سواحل الصين وسنغافورة وروسيا. وبدأت المشكلات بعدما فرضت الولايات المتحدة عقوبات على قطاع النفط الروسي يوم الـ10 من يناير (كانون الثاني) الماضي، وهي الأشد منذ بداية الحرب. وقد أثرت هذه العقوبات إلى حد ما في نشاط "أسطول الظل" الروسي، وكذلك على الشركات التي تضمن تشغيله.
وبحسب تحليل لبيانات "مارين ترافيك" و"أل أس إي جي"، فإن ما لا يقل عن 65 ناقلة نفط روسية ترسو حالياً في مواقع مختلفة معظمها تقع قبالة سواحل روسيا في بحر البلطيق والشرق الأقصى. وكانت خمس ناقلات نفط راسية قرب الموانئ الصينية، وسبع ناقلات أخرى راسية قبالة سواحل سنغافورة و25 من السفن العالقة موجودة في السابق في موانئ تابعة لإيران وقرب قناة السويس.
وأصبح معلوماً إن الصين والهند صارتا تتخوفان من تسلم النفط الروسي بسبب العقوبات الأميركية الجديدة وسيف العقوبات الأميركية الثانوية المصلت. وأثرت العقوبات التي فرضتها واشنطن في الـ10 من يناير الماضي على شركات النفط و"أسطول الظل" على أكثر من 180 سفينة.
وقالت وكالة "بلومبيرغ" للأنباء إن ثلاث سفن من أسطول الظل الروسي، هي أوليا وميرمار وهويهاي باسيفيك – عالقة عند اقترابها من موانئ مقاطعة شاندونغ الصينية. كانت تنقل نحو مليوني برميل من النفط من ميناء كوزمينو الروسي على المحيط الهادئ، الواقع قرب ناخودكا. وقد حدث ذلك لأن شركة تشغيل الموانئ الصينية "شاندونغ بورت غروب" حظرت على السفن الخاضعة للعقوبات الرسو في موانئها.
في ديسمبر (كانون الأول) 2024، جرى احتجاز ناقلة النفط "إيغل إس"، التي كانت تبحر من سانت بطرسبورغ إلى مصر حاملة علم جزر كوك، في فنلندا. وهي تعتبر أيضاً جزءاً من "أسطول الظل" الروسي.
وأصبح من المعروف أن الموانئ في الهند ستغلق أيضاً أمام السفن التي تحمل النفط الروسي. وبحسب "بلومبيرغ" فإن البلاد مستعدة لتفريغ السفن المستأجرة من دون حجز كميات إضافية، علاوة على ذلك فإن البنوك الهندية ستطلب شهادات المنشأ للنفط لاستبعاد الإمدادات من الشركات الخاضعة للعقوبات.
وفي الوقت الذي توقفت فيه السفن قبالة سواحل روسيا ودول آسيوية، رست ناقلة الغاز "كول روفر " في إسبانيا محملة بدفعة من الغاز الطبيعي المسال من مصنع بورتوفيا التابع لشركة "غازبروم"، بحسب ما علمت صحيفة "بيل". وكانت ناقلة الغاز مدرجة أيضاً ضمن حزمة العقوبات التي أقرتها الولايات المتحدة قبل ثلاثة أشهر.
الهند والصين تبحثان عن موردين جدد
لم يؤد فرض القيود إلى تراجع نشاط أسطول الظل الروسي في البحر فحسب، بل أدى أيضاً إلى رد فعل سريع في السوق، إذ بدأت أسهم شركات النفط الروسية في بورصة موسكو بالهبوط، حتى عندما كان فرض العقوبات مجرد إشاعات.
في اليومين الأولين بعد فرض العقوبات، انخفضت قيمة أكبر شركات النفط الروسية (سورغوتنفتغاز وغازبروم نفت وروس نفط) بمقدار 3.5 مليار دولار.
وأثر انخفاض نشاط أسطول الظل الروسي على أسعار الطاقة في العالم، فوصلت أسعار النفط الإثنين الـ13 من يناير الماضي إلى ذروتها في أربعة أشهر مرتفعة بنسبة ثمانية في المئة خلال أيام قليلة، في ظل توقعات بأن تجبر العقوبات مشتري النفط الروسي على البحث عن موردين جدد.
نحن نتحدث في المقام الأول عن الهند والصين، اللذين أصبحا المشتريان الرئيسان للنفط الروسي بعد فرض حظر على الإمدادات إلى الدول الأوروبية. وكانت بعض الناقلات التي استهدفتها العقوبات تحمل نفطاً من إيران أيضاً.
جرى فرض عقوبات على "أسطول الظل" الروسي في وقت سابق. وكانت الناقلة "توربو فوييغر" قد تعرضت للعقوبات البريطانية عام 2024. وفي المجمل، قبل الحزمة الأميركية الأخيرة، كان هناك أكثر من 70 سفينة من هذا النوع خاضعة للعقوبات.
الهند أكبر مستورد للنفط الروسي
على رغم أن مصافي النفط الهندية أوقفت التعاون مع الشركات والناقلات التي خضعت للعقوبات، تشير "رويترز" إلى أن البلاد لا تتوقع حدوث اضطرابات في الإمدادات الروسية خلال الشهرين المقبلين.
وبحسب "بلومبيرغ" تأمل مصافي النفط المملوكة للدولة في الهند أن تكون العقوبات الأميركية الأخيرة ضد قطاع النفط الروسي موقتة مع اتخاذ فريق الرئيس دونالد ترمب موقفاً أكثر تساهلاً تجاه موسكو.
وإضافة إلى ذلك فإنهم يعتقدون أن موسكو ستكون قادرة على إيجاد حلول بديلة للإمدادات. وبصورة عامة هذا ممكن بالفعل، ويقدر المحللون الحجم الحقيقي لأسطول الظل الروسي بنحو 600 سفينة، ومع ذلك تبحث الهند أيضاً عن موردي وقود آخرين.
وتسعى الصين أيضاً إلى إيجاد مصادر بديلة للوقود. وبحسب "بلومبيرغ" فإن بكين مهتمة بالواردات من الشرق الأوسط وأفريقيا والأميركيتين الشمالية والجنوبية.
صمت قيادات البلدين رسمياً
مع ذلك فإن المحاولات المحتملة التي تبذلها الشركات الهندية والصينية للتكيف مع الظروف الجديدة أدت إلى زيادة حادة في أسعار شحن الناقلات، فارتفعت كلف الشحن على طريق الشرق الأوسط - الصين بنحو 40 في المئة خلال أيام قليلة.
وقد حدث هذا الارتفاع نتيجة للعقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على قطاع النفط الروسي في الـ10 من يناير. وأثرت القيود في شركتي "غازبروم نفط" و"سورغوتنيفتغاز" والشركات التابعة لهما، إضافة إلى أكثر من 180 سفينة استخدمتها روسيا لنقل وقودها حول العالم بعد بدء الحرب.
وقد أصبحت هذه الحزمة من العقوبات هي الأكثر خطورة بالنسبة إلى روسيا في السنوات الأخيرة. وبحسب تقديرات شركة التحليلات "فورتيكسا"، ففي عام 2024، كانت السفن الخاضعة للعقوبات تنقل نحو 1.5 مليون برميل يومياً، أي ما يعادل 1.4 في المئة من الطلب العالمي على النفط.
وعلاوة على ذلك، فإن القيود لم تؤثر في "أسطول الظل" نفسه فحسب، بل أثرت أيضاً على النظام الذي يدعمه. واستهدفت العقوبات شركة "سوفكومفلوت"، أكبر ناقلة للنفط الروسي وشركتي التأمين "إنغوستراخ" و"ألفا ستراخوفاني"، فضلاً عن تجار النفط.
وتشتهر شركة "سورغوتنفتغاز" بحقيقة أنها تراكم العملة منذ ما يقارب 10 سنوات، وقد جمعت ما يقارب ستة تريليونات روبل (نحو 59 مليار دولار). لكن اقتصاديين يصفون العقوبات الأخيرة بأنها "الضربة الأخطر منذ فرض الحظر الأوروبي" و"سقف الأسعار" عام 2022.
كيف شكلت روسيا أسطول الظل؟
اشترت روسيا ما لا يقل عن 230 ناقلة نفط أوروبية وأميركية لأسطول الظل التابع لها بمبلغ 6 مليارات دولار. باعت شركات تملك السفن من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة سفناً إلى الهند وهونغ كونغ وفيتنام ودول أخرى لم تنضم إلى العقوبات ضد روسيا.
وتستخدم روسيا سفن أسطول الظل للالتفاف على العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة واليابان ودول أخرى. وبحسب المحققين، فإنه يحوي نحو 600 سفينة، تقوم بنقل 70 في المئة من صادرات النفط الروسية.
وتسلمت روسيا العدد الأكبر من السفن بصورة غير مباشرة من شركات في اليونان (127 ناقلة)، وبريطانيا العظمى (22)، وألمانيا (11 سفينة). وضم أسطول الظل ناقلات نفط من 21 دولة من بين 35 دولة فرضت عقوبات على صادرات النفط من روسيا.
فرضت أميركا وأوروبا واليابان ودول أخرى عقوبات متلاحقة على قطاع النفط الروسي وأسطول الظل الذي يخدمه، مستهدفة أسطول تجارة النفط الغامض للمرة الأولى، غير أن كل هذه العقوبات القاسية وغير المسبوقة لم تستطع وقف تجارة النفط الروسية في العالم ولا شل أسطول الظل الذي استمر يجوب البحار والمحيطات ويصل إلى الدول التي فرضت هذه العقوبات رغم أنف فارضيها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبحسب المفوضية الأوروبية، فإن "أسطول الظل" يشمل سفناً قديمة تعود ملكيتها إلى مالكين غير معروفين أو هياكل تخفي المستفيدين الحقيقيين منها. وينقل هذا الأسطول النفط للالتفاف على العقوبات باستخدام أساليب خادعة، مثل تعطيل أنظمة تحديد هوية السفن، وتزوير المعلومات حول موقعها، وتغيير الأعلام الوطنية على السفن إلى أعلام "ملائمة" حسب الوضع. ويخفي "أسطول الظل" المستفيدين النهائيين من الناقلة أو الشحنة ومصدر النفط.
وتتضمن القوائم الأميركية نحو 280 ناقلة من أسطول الظل، وهو ما يمثل نحو ثلث أسطول الظل بأكمله، كما يكتب اقتصاديون من معهد الطاقة والتمويل. وعلى رغم أن شركة "ستاندرد أند بورز غلوبال" قدرت أسطول الظل بنحو 591 ناقلة في الصيف الماضي، فإن الولايات المتحدة تمكنت من إدراج نحو نصف السفن في القائمة.
في عام 2022، كان لتطبيق الحظر و"السقف" تأثير فعلي، فقد انخفض سعر النفط الروسي إلى ما دون 60 دولاراً للبرميل، كما انخفضت عائدات الموازنة من بيعه. ورداً على ذلك، بدأت السلطات الروسية في البحث من طريقة للالتفاف على العقوبات، وأصبح أسطول الظل أحد هذه الطرق. اشترت روسيا ناقلات نفط قديمة بدأت بنقل نفطها للالتفاف على العقوبات. وكان هذا النفط يباع في كثير من الأحيان من خلال سلسلة من التجار المختلفين لإخفاء أصوله وكان بعضهم أيضاً على قائمة العقوبات، وكذلك شركات التأمين التي عملت معهم.
وأصبحت عملية "مطاردة" الناقلات مرحلة جديدة في مكافحة التهرب من العقوبات. على سبيل المثال، يتوقع متخصصون اقتصاديون في معهد الطاقة والمالية انخفاضاً موقتاً في أحجام الصادرات بنسبة تراوح ما بين 15 في المئة و30 في المئة، وذلك على وجه التحديد على خلفية التأخير في تحميل الناقلات. ومع ذلك فإن المركز واثق من أن الهند والصين لن تكونا قادرتين على استبدال إمدادات النفط من روسيا بسرعة - وسيتعين على الدول الاتفاق على نظام جديد للخدمات اللوجيستية والتأمين لإمدادات النفط. ولكن في المقابل قد يطلبون تخفيضات على النفط الروسي. ويتوقع محللون روس آخرون عموماً نتيجة مماثلة.
وكما حدث عام 2022 أثرت العقوبات فعلياً على سلسلة إمدادات النفط الحالية. وفي ذلك الوقت، وجد المصدرون الروس أنفسهم معزولين عن المشترين الأوروبيين وعن فرصة تأمين نقل النفط بأسعار السوق. والآن أصبح المشترون يخشون التعامل مع ناقلات أسطول الظل بسبب التهديد بالعقوبات الثانوية. وهذا يعني أن سلسلة التوريد سيتعين أن تتغير مرة أخرى، وعلى سبيل المثال، من خلال شراء ناقلات جديدة أو خفض سعر النفط موقتاً بحيث يتناسب مع "السقف" البالغ 60 دولاراً للبرميل.
وقال المحلل السياسي أندريه سوزدالتسيف ومرشح العلوم الاقتصادية نيكولاي مياتشين في تعليق له إلى إنه بعد بدء العقوبات ضد روسيا عام 2022، بدأ عدد السفن المشاركة في الشحن الموازي في الزيادة بصورة حادة - خلال نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، لم يكن هناك سوى 70 منها. ويعتقد المحلل أن عدد سفن أسطول الظل اليوم ربما يكون أكبر من أي وقت مضى لدى إيران وفنزويلا مجتمعتين - نحو 600 سفينة.
ويرى سوزدالتسيف أن العملية الأوروبية لتشديد العقوبات ضد روسيا تترافق مع تهديدات ترمب ضد الكرملين بزيادة نطاق القيود إذا لم توافق موسكو على تسوية عاجلة للصراع في أوكرانيا بشروط الغرب. ويذكرنا المحلل نفسه بأنهم لا يريدون الاستماع إلينا، بالتالي فإن الخطوة التالية للولايات المتحدة هي إغلاق موانئنا ووسائل النقل لدينا.
يتكون نحو ثلث أسطول ما يسمى الناقلات الظلية من الحرس الخلفي الغربي، أي السفن القادمة من بلدان مختلفة في نصف الكرة الغربي، بدءاً من بنما. إنهم يأتون مع التأمين، وليس لأحد الحق في إيقافهم في المياه المحايدة. وإلا فسيكون ذلك بمثابة قرصنة، كما يقول سوزدالتسيف.
وأشار إلى أن حلف شمال الأطلسي سيمول إستونيا من خلال الإعلان عن مطاردة السفن التي من الممكن أن تنقل النفط من روسيا.
هنا تتجه إمدادات النفط من روسيا إلى ثلاثة اتجاهات. ترسل كمية كبيرة من النفط من محطات روسية في خليج فنلندا. ولهذا السبب، أصبح بحر البلطيق الآن محط أنظار الغرب. وتأتي مرفأ نوفوروسيسك على البحر الأسود في المرتبة الثانية، ثم مضيق البوسفور، ثم بحر الشمال.
ويطلق على طريق بحر البلطيق بالفعل اسم النافذة الرئيسة على عالم النفط الروسي، وهناك مطاردة جديدة للناقلات تتكشف هناك. ولذلك فإن مبادرة دول الاتحاد الأوروبي بإغلاق المضيق الدنماركي في بحر البلطيق قد تؤدي إلى تصعيد عسكري لا تحمد عقباه.
ولهذا السبب أقر البرلمان الإستوني قبل أيام قانوناً يسمح للإستونيين بإيقاف أي ناقلة نفط، حتى في المياه المحايدة، وحتى فتح النار عليها. ويحذر المحلل السياسي من أن هذا التنمر قد ينتهي بحادث خطر. وفي الوقت نفسه فإن حصار بحر البلطيق سيكون له التأثير الأكثر خطورة على دول البلطيق نفسها، لأن روسيا لديها بحار أخرى، كما يؤكد أندريه سوزدالتسيف.
في بداية عام 2022، فرضت الدول الأوروبية عقوبات عديدة على الصناعة البحرية الروسية، وجرى منع السفن التي ترفع العلم الروسي من دخول الموانئ الأوروبية. دخل حظر توريد النفط ومنتجات النفط من روسيا من طريق البحر إلى أوروبا حيز التنفيذ أيضاً. بحلول نهاية عام 2022، جرى فرض سقف على سعر تصدير النفط الروسي، والذي تم تمديده بحكم الأمر الواقع ليشمل الدول التي لم تنضم إلى العقوبات ضد موسكو.
سبب ملاحقة أسطول الظل الروسي
على رغم وجود سلسلة متلاحقة من العقوبات القاسية وغير المسبوقة التي استهدفت حرمان روسيا من العائدات المالية لمواردها من الطاقة، أصبح واضحاً أن النفط الروسي يدخل السوق العالمية عبر ما يسمى أسطول الظل. لقد أصبح هذا المصطلح شائعاً جداً في وسائل الإعلام. تتضمن هذه العملية ناقلات نفط، تسيطر عليها روسيا سراً، تسلم النفط بهدوء إلى بلدان مختلفة بأسعار أعلى من السقف المحدد. وبطبيعة الحال، سرعان ما بدأت المعركة ضد هذا الأسطول الظلي في الدول الغربية.
ويعد بحر البلطيق أحد أبرز مسارح هذا الصراع، لأنه موطن لموانئ النفط الروسية الكبرى. علاوة على ذلك، تسيطر بلدان الاتحاد الأوروبي على كامل ساحل بحر البلطيق تقريباً، واستمرار صادرات النفط الروسية هنا يسبب انزعاجاً خاصاً في الاتحاد الأوروبي ورغبة قوية في فعل شيء حيال ذلك. وفي هذا الصدد، يبدو من المثير للاهتمام تحليل الجوانب القانونية والمؤسسية لمحاربة دول الاتحاد الأوروبي لأسطول الظل في بحر البلطيق.
الاتحاد الأوروبي ضد أسطول الظل
خلال ديسمبر عام 2024 اعتمد الاتحاد الأوروبي الحزمة الـ15 من التدابير التقييدية ضد الاتحاد الروسي. وعلى وجه الخصوص، جرى توسيع قائمة ما يسمى سفن أسطول الظل، والتي يحظر عليها الوصول إلى الموانئ الأوروبية والحصول على مجموعة الخدمات المقابلة. وارتفع العدد الإجمال لهذه السفن المدرجة في قائمة الاتحاد الأوروبي من 52 إلى 79.
وفي أثناء قمة زعماء قوة المشاة المشتركة في تالين، خلال الشهر نفسه، تقرر أن توجه المملكة المتحدة والدنمارك والسويد وبولندا وفنلندا وإستونيا سلطاتها البحرية بطلب إثباتات التأمين المناسبة من السفن المشتبه في قيامها بأنشطة مشبوهة عندما تمر عبر القناة الإنجليزية، والحزام الدنماركي العظيم، والمضيق بين الدنمارك والسويد وخليج فنلندا. وسيجري تقييم المعلومات التي جمعتها الدول المشاركة، بما في ذلك المعلومات المتعلقة بالسفن التي اختارت عدم الاستجابة للطلبات، واتخاذ تدابير مشتركة على أساس هذه المعلومات.
إضافة إلى ذلك قال المشاركون في القمة "يشكل الأسطول البحري المظلل تهديداً للبيئة والأمن البحري والتجارة البحرية الدولية والقانون والمعايير البحرية الدولية. وفي الوقت نفسه يمكننا موقعنا الجغرافي من تحديد الأنشطة البحرية الضارة ومواجهة الأخطار التي تشكلها، بما يتوافق مع أنظمتنا القانونية والقانون الدولي. ونحن عازمون على محاسبتهم - بما في ذلك من خلال التدابير الجزائية".
ووعد رئيس الوزراء الإستوني أيضاً بأن السفن في أسطول ناقلات الظل الروسي ستخضع للتفتيش أو توضع على قائمة العقوبات إذا لم تقدم دليلاً على التأمين.
ومع ذلك وعلى رغم التصريحات الصاخبة، هناك سيناريو آخر "لا توجد عواقب فورية أو تلقائية على السفن التي لا تتمتع بتغطية تأمينية كافية. كما لن تفرض عقوبات فورية على السفن التي لا تقدم دليلاً على التأمين".
ويؤكد هذا السيناريو أن "جهاز الاستخبارات العسكرية الدنماركي حذر من أن تصاعد التوترات في منطقة البلطيق قد يدفع موسكو إلى تخصيص سفن عسكرية لمرافقة أسطول ناقلاتها المتنازع عليه، مما يزيد من حدة الاحتكاك بين حلف شمال الأطلسي (الناتو) والقوات الروسية. ومن المحتمل أيضاً أن تشمل الإجراءات الروسية الأخرى في بحر البلطيق المزيد من التشويش على نظام تحديد المواقع العالمي) جي بي أس) وأنواعاً أخرى من الحرب الإلكترونية".
يشاطر محللون أجانب آخرون هذا الرأي "بافتراض أن الدنمارك اكتشفت أن سفينة معينة تبحر في المضايق الدنماركية تحمل شهادة تأمين مزورة أو غير كافية، فما هي الخطوة التالية؟ سيكون من الاستفزاز الشديد أن تقوم دولة عضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو) بالصعود على متن سفينة تجارية مرتبطة بروسيا أو احتجازها أو منعها أو الاستيلاء عليها بصورة غير قانونية. إن عمليات اختطاف السفن التجارية المتبادلة تحدث بالفعل في صراعات جيوسياسية أخرى حول العالم. إن إطلاق موجة جديدة من عمليات الاختطاف على أعتاب الدول الإسكندنافية ليس حلاً عملياً لمشكلات تحديد سقف الأسعار".
مفهوم أسطول الظل
قدمت المنظمة البحرية الدولية، المؤسسة الدولية الرئيسة في مجال الشحن البحري، توضيحاً لما هو الأسطول "المظلم " أو "الظل" في قرارها. وبحسب الوثيقة، فإن هذه السفن "تشارك في عمليات غير قانونية للالتفاف على العقوبات، أو التهرب من لوائح السلامة أو البيئة، أو تجنب كلف التأمين، أو المشاركة في أنشطة غير قانونية أخرى، والتي قد تشمل ما يلي: التهرب المتعمد من عمليات التفتيش من قبل دولة العلم ودولة الميناء، وعدم وجود تأمين كافٍ عن المسؤولية أو الضمانات المالية الأخرى، وانتهاك سياسات حوكمة الشركات التي تهدف إلى رعاية وسلامة الأشخاص الموجودين على متن السفينة وحماية البيئة البحرية".
وقالت المنظمة "إن اتخاذ تدابير متعمدة لتجنب اكتشاف السفينة هو إيقاف تشغيل نظام نقل موقعها إلى نظام التعريف التلقائي (أي آي أس) أو إخفاء الهوية الفعلية للسفينة عندما لا يكون هناك أساس قانوني لتبرير مثل هذا الإجراء".
وأشار المحللون الأجانب المعنيون بهذه القضية أيضاً إلى أن مثل هذه السفن، كقاعدة عامة، تتمتع بهيكل ملكية وإدارة غير شفافة، وعديد من الشركات التي تمتلكها مسجلة تحت عناوين بريدية في الهند وسيشل والإمارات، وترتبط معظم هذه الشركات بمحكمتين أو ثلاث محاكم فحسب، وفي كثير من الحالات قد يعني هذا أن هذه شركات وهمية تخفي المالك المستفيد النهائي.
وعلاوة على ذلك، فإنهم يلاحظون ميزات أخرى للأسطول الظلي، إذ تبحر هذه السفن دون تأمين غربي قياسي أي أكثر من 70 في المئة من السفن في هذا الأسطول عمرها يراوح ما بين 15 و20 عاماً أو أكثر، وغالباً ما يقومون بتغيير علم التسجيل الخاص بهم ويبحرون دائماً تقريباً تحت ما يسمى "أعلام الملاءمة"، مما يعني أنهم لا يخضعون للصيانة الدورية وما إلى ذلك.
تعد دول الاتحاد الأوروبي أن سفن أسطول الظل تشكل خطراً حقيقياً وعالياً للحوادث، بخاصة عند تنفيذ عمليات إعادة الشحن من سفينة إلى سفينة، لأنها تخفي وجهات أو أصول حمولتها أو تتجنب الرقابة أو التنظيم من قبل دولة العلم أو الدول الساحلية.
ولمكافحة هذه المشكلة، تحث المنظمة البحرية الدولية "الحكومات والأمين العام وسلطات الدولة صاحبة العلم وسلطات مراقبة دولة الميناء ومالكي السفن ومشغليها والمنظمات غير الحكومية والقطاع الخاص، بما في ذلك صناعة التأمين البحري وسماسرة السفن وغيرهم من أصحاب المصلحة البحريين ذوي الصلة على تطوير وإجراء ورش عمل تهدف إلى تعزيز القدرة على بذل العناية الواجبة والممارسات اللازمة لمنع واكتشاف والإبلاغ عن أنشطة الأساطيل المظلمة أو أساطيل الظل والأنشطة غير القانونية التي تقوم بها مثل هذه السفن".
السمات المؤسسية
على رغم أن تعريف المنظمة البحرية الدولية لـ"أسطول الظل" ركز على طبيعة أنشطة السفن وليس على من يملكها، فإن بناء العبارة في حد ذاته يشير إلى الملكية السرية، بخاصة من جانب روسيا، لأعداد كبيرة من الناقلات التي تنقل النفط الروسي سراً في تحايل على العقوبات. ويشكل هذا العدد موضوع مقالات كتبها محللون بحريون غربيون بارزون، والتي "تكشف" عن الحجم الهائل لمثل هذا الأسطول.
ويبدو أن المشكلة تكمن في مصطلح "أسطول الظل" نفسه، والذي ربما تم اختراعه خصيصاً بحيث يمكن إثارة ضجة في الصحافة من خلال استبدال مفهوم "المالك" بمفهوم "الناقل".
إن صناعة النقل البحري العالمية الحديثة هي صناعة منظمة ومعقدة للغاية. في العصور الغابرة، منذ 100-120 سنة، كان مالك السفينة هو مشغلها، وناقل البضائع، وحتى الوسيط البائع لهذه البضائع. وكانت السفينة نفسها تحمل علم بلد إقامة صاحبها. في الوقت الحاضر، غالباً ما يشارك مالك السفينة فقط في تأجير السفينة لشركة أخرى. علاوة على ذلك، فإن الأخير في كثير من الأحيان لا يقوم بتشغيل السفينة بنفسه، بل يستأجر مشغلاً.
في كثير من الأحيان، يمكن بيع خدمات النقل الخاصة بسفينة معينة قبل فترة طويلة من الوقت لشركة كبيرة، على سبيل المثال، شركة نفط، ومن ثم يمكن رؤية الشعار الضخم لهذه الشركة النفطية على متن هذه السفينة. ولكن في هذه الحالة لا يملك أصحاب النفط السفينة، بل يملكون النفط الموجود على متنها فقط. وفي الوقت نفسه عادة ما تكون السفينة نفسها مسجلة في بلد "علم الملاءمة"، والذي لا علاقة له عادة ببلد منشأ البضائع أو بلد المالك النهائي للسفينة، وغالباً ما يمتلك الأخير السفينة من خلال سلسلة من الشركات في بلدان مختلفة. دعونا نضف إلى هذا عدة مستويات أخرى من الإيجار والإيجار الفرعي، والذي يستخدم أيضاً في كثير من الأحيان لتسجيل السفن. ونتيجة لكل هذا، فمن الصعب للغاية أن نفهم أي بلد يستفيد من مخطط نقل معين.
وبطبيعة الحال، لا يمكننا استبعاد إمكان أن تكون بعض الشركات الروسية، بعد فرض العقوبات، قد استحوذت بهدوء على مراكز تسجيل في ممتلكاتها الخاصة في ولايات قضائية صديقة. ولكن لم يتمكن لا "ستاندرد أند بورز" ولا "الأونكتاد" من اكتشاف هذا.
تعمل وكالة "ستاندرد أند بورز" ببساطة على تحويل التركيز من شخصية مالك السفن التي تحمل النفط الروسي إلى العدد المتزايد منها. ووجدت منظمة "الأونكتاد"، التي تستخدم قواعد بيانات شركة "كلاركسون للأبحاث" (وهي شركة أخرى رائدة في مجال التخصص في النقل البحري)، انخفاضاً فقط في الأسطول التجاري الذي يملكه الروس. لكن هذا الأمر حدث بصورة علنية تماماً. على سبيل المثال، عام 2022، باعت شركة "سوفكومفلوت" الروسية بعض سفنها لسداد القروض للبنوك الغربية قبل الموعد المحدد. وهذا يعني أنه إذا زاد عدد السفن المملوكة بصورة سرية لمواطنين روس، فمن المؤكد أنها لم تزد ثلاثة أضعاف، ولكن ربما بما لا يزيد على 15-20 في المئة.
إن التقليد وعدم اليقين في شأن انتماء أصحاب السفن إلى بلدان معينة واضح حتى من تقرير "ستاندرد أند بورز" المذكور أعلاه. وهكذا، وفقاً لبياناتهم، في نوفمبر (تشرين الثاني) 2022، كانت نحو 50 في المئة من ناقلات النفط في العالم مملوكة لمالكين من دول مجموعة السبع، ولكن بحلول سبتمبر (أيلول) 2024 انخفضت هذه النسبة إلى 18 في المئة فهل باع أصحاب مجموعة السبع أسطولهم بهذه السرعة حقاً؟ بالطبع لا.
في واقع الأمر، لم تتمكن شركة "ستاندرد أند بورز" إلا من تحديد وإحصاء المالكين الوسطاء، وليس المالكين المستفيدين النهائيين، لمعظم السفن. وقد أعادت الأخيرة ببساطة تسجيل سفنها لشركات أخرى تحت سيطرتها، وتقع في بلدان ليست جزءاً من مجموعة الدول السبع. ومن الغريب أن بعض المحللين الشعبيين يضمون السفن التي ترفع العلم الروسي ضمن أسطول الظل. ومن غير الواضح تماماً هنا كيف يساعد العلم الروسي السفن الروسية على الذهاب "إلى الظل".
وهذا يعني أن منطق الإدراج في أسطول الظل لا يرتبط بالملكية السرية، ففي الواقع إنهم ببساطة يحسبون جميع السفن التي تنقل النفط من روسيا سراً وعلناً. بالتالي، زعمت شركة "ستاندرد أند بورز" أنه خلال الفترة من ديسمبر (كانون الأول) 2022 إلى يونيو (حزيران) 2024، جرى تحديد 1431 ناقلة تشارك في نقل النفط الروسي.
وللمقارنة، قدر مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) العدد الإجمال للناقلات النشطة في أسطول التجارة العالمي في بداية عام 2024 بنحو 12464 وحدة. من حيث المبدأ، مع هذه الأساليب التحليلية، ليس بعيداً أن يأتي اليوم الذي يمكننا فيه اعتبار أسطول ناقلات النفط العالمي بأكمله في الظل.
لذا فإننا نعتقد أن كل هذا الضجيج حول أسطول الظل هو مجرد تحليل لحركة ناقلات النفط. فإلى أي مدى يشكل هذا مشكلة لروسيا؟ في الوقت الحاضر، حظرت العقوبات جميع واردات النفط والمنتجات النفطية الروسية من طريق البحر إلى الدول الغربية التي قبلت هذه العقوبات، وكذلك تصدير النفط بأسعار أعلى من 60 دولاراً للبرميل إلى دول أخرى لم تنضم إلى هذه العقوبات. إن تحليل تحركات الناقلات لا يسمح لنا بتحديد السعر الذي تباع به دفعة معينة من النفط. ومع ذلك فإنه يسمح لنا بتحديد أو افتراض أن دفعة محددة من النفط وصلت إلى بلد معين من روسيا. وبما أن عديداً من البلدان التي لم تنضم إلى العقوبات تخشى التعرض لعقوبات ثانوية، فإن مثل هذه المعلومات تجعل من الممكن الضغط عليها.
في الواقع، أدى القتال ضد أسطول الظل تلقائياً إلى اتخاذ تدابير مضادة، وبدأ نقل موارد الطاقة الروسية إلى ناقلات تحت أعلام أجنبية (معظمها أعلام الملاءمة) في مياه البحر المفتوح أو المناطق الاقتصادية الخالصة للدول الساحلية، إذ يجب أن تعمل إحدى حريات البحر المفتوح، وفقاً لاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982، وهي حرية الملاحة، وعلى النطاق المطلق نفسه كما هو الحال في البحر المفتوح. وفي الممارسة العملية، لم يعد أصل موارد الطاقة واضحاً تماماً، وأصبحت عمليات الشحن اللاحقة في موانئ البلدان الأجنبية تزيد من تعقيد هذه المسألة.
الاتحاد الأوروبي لم يقف مكتوف الأيدي إزاء قضية تحايل روسيا على العقوبات الغربية، بل وسع حزمة عقوباته. وعلى وجه الخصوص، تقرر حظر الوصول إلى الموانئ والبوابات في الاتحاد الأوروبي للسفن التي تقوم بعمليات إعادة شحن من سفينة إلى سفينة إذا كانت لدى السلطات المتخصصة أسباب معقولة للاشتباه في أن السفينة تنتهك الحظر المفروض على استيراد النفط الخام الروسي ومنتجات البترول من طريق البحر إلى الاتحاد الأوروبي أو تنقل النفط أو منتجات البترول التي جرى شراؤها بسعر أعلى من السعر المحدد.
ينطبق هذا الحظر على جميع السفن، بغض النظر عن علم تسجيلها، وكذلك على أي عمليات نقل بحري من سفينة إلى أخرى. إذا لم تقم هذه السفن بإخطار السلطة المختصة في الاتحاد الأوروبي قبل 48 ساعة في الأقل من عمليات الشحن التي تجري داخل مناطق جغرافية معينة، فتمنع من دخول الموانئ والبوابات داخل أراضي الاتحاد الأوروبي.
كما أمرت المحكمة الأوروبية بمنع السفن التي تحمل جميع الأعلام من الوصول إلى الموانئ والبوابات في الاتحاد الأوروبي إذا كانت هناك أسباب معقولة للاشتباه في أن أنظمة التعريف التلقائي الخاصة بسفنها تعرضت للتدخل بصورة غير قانونية أو تعطيلها أو إخراجها عن العمل أثناء نقل النفط الخام ومنتجات البترول الروسية. وجرى استثناء الظروف التي يجوز فيها إيقاف تشغيل نظام تحديد الهوية التلقائي للسفينة بصورة قانونية وفقاً للاتفاقيات واللوائح الدولية التي تنص على حماية المعلومات الملاحية، مثل عند الإبحار في المياه عالية الخطورة.
وهكذا تطورت ظاهرة أسطول الظل، أولاً نتيجة لرد فعل مالكي السفن المستخدمين لنادي لندن للحماية والتعويض على العقوبات المناهضة لروسيا في مجال التأمين البحري، وثانياً كوسيلة لشركات النقل البحري لإخفاء المنشأ الروسي للنفط.
في الحال الأخيرة، يرتبط استخدام أسطول الظل بممارسة نقل النفط في البحر من سفينة إلى أخرى. وفي الوقت نفسه بدأت دول الاتحاد الأوروبي في تطوير التدابير الفعالة لمكافحة هذه الظاهرة. وفي هذا الصدد، يبدو أن بحر البلطيق هو مسرح العمل الأكثر ملاءمة للاتحاد الأوروبي، نظراً إلى وجود موانئ نفط روسية كبيرة هناك، على رغم أن كامل ساحل بحر البلطيق ومضائقه تقريباً تسيطر عليه دول الاتحاد الأوروبي.
أوروبا محبطة
من الواضح أن أوروبا محبطة إزاء استمرار روسيا في نقل نفطها والتحايل بذكاء على العقوبات الغربية ضد "أسطولها الظلي"، الذي يتألف من "سفن قديمة ذات مالكين غامضين وشركات تأمين مشكوك فيها". وهذا على رغم أن أموال بيع النفط والغاز تشكل جزءاً مهماً من تمويل حرب روسيا ضد أوكرانيا.
وبحسب موقع "بوليتيكو"، فإن "أسطول الظل" الروسي اليوم قد يشكل ما يصل إلى 17 في المئة من إجمال ناقلات النفط في العالم. وقال إسحاق ليفي، رئيس قسم أوروبا وروسيا في مركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف، إن نحو 80 في المئة من النفط الخام الروسي يتم نقله حالياً على متن ناقلات "ظل".
ومع ذلك وبحسب المحللين والمتخصصين في الإدارة البحرية، لن يكون من السهل تنفيذ خطط مواجهة "أسطول الظل" التابع للاتحاد الروسي. ويشير المحللون إلى أن هذه التهديدات سترتبط على وجه الخصوص بكلف مالية كبيرة، وكلف لوجيستية باهظة، والحاجة إلى الصمود في وجه الخطوات القانونية الانتقامية من موسكو والدول الأخرى التي تبحر الناقلات تحت أعلامها.