ملخص
مع استمرار الحصار والقصف الصاروخي المتقطع على الفاشر تشهد المدينة انعداماً شبه تام في المواد الغذائية والأدوية والمحروقات، وشحاً في مياه الشرب نتيجة تعطل الآبار.
نددت الإدارة الأميركية اليوم الثلاثاء بهجمات لقوات "الدعم السريع" السودانية على مدنيين في شمال دارفور ودعت إلى محاسبة أطراف الحرب الأهلية في البلاد على انتهاكات القانون الإنساني الدولي.
وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية تامي بروس للصحافيين، "نحن منزعجون بشدة من التقارير التي تفيد بأن قوات الدعم السريع استهدفت عمدا مدنيين وعمال إغاثة إنسانية في زمزم وأبو شوك"، في إشارة إلى مخيمين في منطقة نزح منها مئات الآلاف من الأشخاص في الأيام القليلة الماضية، وفقا للأمم المتحدة.
وأضافت بروس "يتعين على الأطراف المتحاربة الوفاء بالتزاماتها بموجب القانون الإنساني الدولي ويتعين خضوعها للمساءلة".
وفجر اجتياح قوات "الدعم السريع" معسكر زمزم أزمة إنسانية متصاعدة وسط مخاوف من تداعيات كارثية وشيكة نتيجة موجة النزوح الهائلة والتدفقات المستمرة لمئات الآلاف من الفارين من معسكر زمزم بشمال دارفور، إلى داخل الفاشر ومناطق طويلة وجبل مرة الفقيرة التي تعاني أصلاً من شح الخدمات والمؤن الغذائية والإيواء.
تحذيرات من كارثة
وحذرت مفوضية العون الإنساني بولاية شمال دارفور من تداعيات إنسانية كارثية وخطرة جراء موجة النزوح العكسي من معسكر زمزم إلى مدينة الفاشر عقب الهجوم العنيف الذي شنته "الدعم السريع" على المعسكر، مما أسفر عن مقتل أكثر من 450 شخصاً، معظمهم من النساء والأطفال وكبار السن.
وتوقع عباس يوسف آدم مفوض العون الإنساني بالولاية، خلال مخاطبته ورشة حول قضايا العنف المبني على النوع الاجتماعي، أن تتجاوز أعداد الفارين من زمزم إلى الفاشر حاجز 300 ألف نازح، مما يشكل ضغطاً هائلاً على معسكر أبوشوك والمرافق العامة وخدمات المياه والصحة في الفاشر، في ظل أوضاع متردية وانعدام للخدمات بسبب الحصار المفروض على المدينة. ودعا آدم المجتمع الدولي، بمؤسساته ومنظماته إلى التحرك العاجل لوقف هذه الانتهاكات واحتواء الوضع الإنساني قبل تفاقمه بشكل أكبر يخرج عن السيطرة.
نزوح ومجاعة
تحدثت المنظمة الدولية للهجرة، في 14 أبريل (نيسان) الجاري، عن فرار نحو 400 ألف شخص من مخيم زمزم للنازحين الذي يعاني المجاعة بالأصل، عقب سيطرة "الدعم السريع" عليه. ووفق المنظمة الدولية الأممية، فإن ما بين 60 و80 ألف أسرة نزحت من المخيم في شمال دارفور، عقب إعلان "الدعم السريع" السيطرة على المعسكر بعد يومين من قصف مدفعي عنيف وإطلاق نار. وكثفت هذه القوات هجماتها، في الأسابيع الأخيرة، على معسكرات النازحين في محيط مدينة الفاشر، في إطار محاولاتها إحكام قبضتها على المدينة آخر معاقل الجيش في دارفور، مما يتيح لها السيطرة على كامل الإقليم.
وأفاد بيان للجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان بأن مدينة الفاشر ومعسكر زمزم يعيشان أسوأ أزمة إنسانية وأمنية على الإطلاق، وأصبحت الفاشر بحسب كل مؤشرات الحياة، أخطر مكان للعيش على وجه الأرض. ورغم ذلك لا تزال الكوادر الطبية والصحية صامدة بشجاعة نادرة، تعمل تحت ركام المستشفيات المنهارة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الأرواح، وندد البيان، باستمرار الصمت الدولي، "أو الاكتفاء ببيانات الإدانة الضعيفة على جرائم الميليشيات (إشارة إلى الدعم السريع)، وآخرها جريمة معسكر زمزم التي راح ضحيتها أكثر من 430 قتيلاً و2023 جريحاً".
حذر وطوارئ
في الأثناء، وبينما يسود مدينة الفاشر، منذ صباح أمس، هدوء شديد الحذر، أصدرت لجنة أمن ولاية شمال دارفور قراراً بحظر التجوال داخل مدينة الفاشر من الساعة السابعة مساء حتى الخامسة صباحاً (بالتوقيت المحلي) اعتباراً من اليوم الثلاثاء.
ومع استمرار الحصار والقصف الصاروخي المتقطع، تشهد المدينة انعداماً شبه تام في المواد الغذائية والأدوية والمحروقات، وشحاً في مياه الشرب نتيجة تعطل الآبار. وقدمت تكية الفاشر وجبات غذائية للنازحين من مخيم زمزم إلى داخل المدينة، في ظروف إنسانية مأسوية للنازحين وسكان المدينة معاً. كما أعلنت غرفة طوارئ معسكر أبوشوك الواقع على تخوم مدينة الفاشر، توقف المطابخ الجماعية عن العمل بسبب الحصار وضعف التمويل. وفي منطقة طويلة التي استقبلت أعداداً كبيرة من الفارين من المعسكرات ومدينة الفاشر، أعلنت غرفة طوارئ المنطقة تمكنها من توفير مياه الشرب للنازحين الذي وصلوا المنطقة خلال الأيام الماضية. وأوضح بيان للغرفة، أنها تعمل في إطار حال طوارئ قصوى لإنقاذ تجمعات النازحين داخل المحلية وكذلك الفارون عبر الطريق الرابط بين طويلة ومدينة الفاشر، مناشدة الخيرين والمنظمات تقديم الدعم العاجل.
موجات نزوح ونداءات إنسانية
في ظل تواصل تدفق موجات كبيرة من النازحين، أطلق عبدالواحد محمد نور قائد "حركة تحرير السودان" نداء إنسانياً عاجلاً للمنظمات الإقليمية والدولية لمواجهة الظروف الصعبة التي يواجهها النازحون من انعدام "في كل شيء، غذاء وماء وإيواء، والعمل على توفير الضرورات اللازمة لإنقاذ أرواح النازحين وتزويدهم بأدوات الحياة العمل". وأضاف النداء "مع النزوح الجماعي من الفاشر وضواحيها إلى منطقتي طويلة وجبل مرة، وما صاحبه من تزايد هائل في أعداد السكان، تجد الحركة صعوبة بالغة في إيواء هؤلاء الملايين من السكان من دون مساعدة"، مشيراً إلى أن الأراضي المحررة ظلت، منذ اندلاع الحرب قبل عامين، تستقبل موجات نزوح جماعية من مختلف أنحاء البلدات والمدن السودانية، هرباً من ويلات الحرب.
وأشار محمد نور إلى أن قوات الدفاع الذاتي التابعة لـ"جيش تحرير السودان" بذلت قصارى جهدها لتوفير الأمن، بينما تقاسمت المجتمعات المستضيفة كل ما لديها مع النازحين، في وقت تكافح السلطة المدنية بتلك المناطق جاهدة لتنظيم مخيمات إيواء لملايين النازحين رغم شح الموارد المتاحة، والنداءات العديدة المماثلة للمنظمات الإقليمية والدولية للتدخل، لكن من دون أدنى استجابة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
نحو ولاية شمال كردفان
ميدانياً، كشفت مصادر ميدانية عن أن قوات الجيش بدأت، مطلع الأسبوع الجاري، انتشاراً نحو ولاية شمال كردفان، ونفذت عمليات كبيرة، "ووجهت ضربات للمتمردين جنوبي مدينة الأبيض عاصمة شمال كردفان، وعلى وشك بسط سيطرتها على الطريق الرابط بين الأبيض والدلنج"، وأضحت المصادر أن المقاتلات الحربية للجيش شنت غارات جوية على تجمعات "الدعم السريع" في منطقة أم سيالة دمرت خلالها مستودعات للأسلحة وعدداً من العربات المقاتلة شمال الولاية.
وأعلنت الفرقة السادسة - مشاة الفاشر استمرار الجيش واستعداده، بمساندة المقاومة الشعبية للتصدي بقوة، لأي محاولات هجوم على مدينة الفاشر، مناشدة المواطنين أخذ الحيطة والحذر، والبعد من مناطق الاشتباكات، والإبلاغ عن أي تحركات مشبوهة.
المسيرات مجدداً
في هذا الوقت، استهدفت طائرات مسيرة، يعتقد أنها تابعة لقوات الدعم السريع، محطة كهرباء عطبرة التحويلية بولاية نهر النيل شمال السودان، مما أدى إلى انقطاع الكهرباء عن مدن عدة بشمال وشرق البلاد. وذكر بيان لشركة كهرباء السودان أن قوات الدفاع المدني بذلت جهوداً كبيرة لإخماد الحريق.
وبثت "الدعم السريع" مقطعاً مصوراً للقائد الثاني لها عبدالرحيم دقلو من داخل معسكر زمزم، وهو يتفقد النازحين من الفاشر والمعسكرات المحيطة، ويتعهد توفير الحماية والمساعدات اللازمة لهم، ولفتت "الدعم السريع" إلى أنها تلقت تعزيزات جديدة لقواتها بالفاشر.
تحرك دولي
وسط هذه الأجواء، دعت منظمة "هيومن رايتس ووتش" قادة العالم المجتمعين في لندن اليوم مع دخول النزاع في السودان عامه الثالث، إلى التحرك الفوري لحماية المدنيين، وضمان طريق آمن وخال من القيود لوصول المساعدات، مضيفة "منذ اندلاع النزاع في 15 أبريل 2023، ارتكب كل من قوات الدعم السريع والجيش السوداني انتهاكات واسعة، شملت القتل خارج القانون، والعنف الجنسي، وتفشي النهب، وتدمير البنى التحتية المدنية. ارتكبت الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها جرائم حرب وضد الإنسانية في حملة تطهير عرقي في غرب دارفور. قتل عشرات الآلاف وجرح آخرون كثر. ما يقدر بـ12.9 مليون شخص هربوا من ديارهم، ونصف سكان البلاد يواجهون الجوع الشديد".
أكبر كارثة جوع في العالم
وقال برنامج الغذاء العالمي، "إن عامين من الحرب حولا السودان إلى أكبر كارثة جوع في العالم، حيث يواجه نصف سكان السودان جوعاً حاداً، ونحو 638 ألف شخص يواجهون خطر المجاعة الكارثية، في وقت لا تزال فيه إمكانية الوصول تمثل التحدي الأكبر للعمليات الإنسانية التي تعرقلها أطراف النزاع بشكل متعمد"، وأوضح البرنامج أيضاً أنه تم تأكيد المجاعة في 10 مواقع منها ثمانية في شمال دارفور (بما في ذلك معسكر زمزم)، وموقعان في جبال النوبة الغربية، كما أن هناك 17 منطقة أخرى معرضة لخطر المجاعة في شمال وجنوب وشرق دارفور وجبال النوبة والخرطوم والجزيرة، لافتاً إلى أن طفلاً من كل ثلاثة يعاني سوء التغذية الحاد، في المناطق الأكثر تضرراً.