Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الدولار يعاود الارتفاع بعد "تراجع وهمي" أمام الليرة السورية

دعوات إلى اعتماد العملات الرقمية و"نيو ليرة" بحذف صفرين تثير جدلاً في البلاد

ارتفاع سعر الدولار ليسجل 10900 ليرة حمل معه موجة غلاء جديدة إلى السوريين الذين يعانون الفقر وضعف الدخل (رويترز)

ملخص

قال مصدر في غرفة تجارة دمشق إن 3 مليارات دولار دفعت لقاء استيراد السيارات في 4 أشهر فقط

يشهد سعر صرف الدولار ارتفاعاً أمام الليرة السورية مقلصاً الفارق بينه وبين السعر الرسمي وسط توقعات بتجاوز السعر الرسمي. ويرى متخصصون أن ارتفاع سعر الدولار أمر متوقع في ظل تراجع الإنتاج ونقص التمويل واستمرار العقوبات وقلة الصادرات والاستثمارات والحاجة إلى استيراد القمح.

وبحسب متخصصين فإن انخفاض الدولار أمام الليرة بعد سقوط نظام بشار الأسد إلى أكثر من النصف جاء نتيجة عوامل "وهمية" وغير سليمة اقتصادياً، وسارع البعض بتحويل مدخراتهم إلى ليرة مدفوعين بالخوف من حدوث مزيد من التراجع في سعر الدولار، في حين كان الغلاء وتلبية متطلبات المعيشة سبباً كافياً لدى آخرين للتحويل نتيجة سياسات حبس السيولة، وتجفيف الـ"كاش السوري" من الأسواق التي اتبعها "المركزي"، والنتيجة كانت ضخ مئات الملايين من الدولارات من مدخرات السوريين في سوق صرافة قائمة على الأرصفة والشوارع.

ارتفاع سعر الدولار ليسجل 10900 ليرة حمل معه موجة غلاء جديدة إلى السوريين الذين يعانون الفقر وضعف الدخل، إذ تسجل الأسواق السورية ارتفاعات في مختلف السلع، بما فيها السلع المهربة والمستوردة والمنتجة محلياً.

في خضم كل ذلك وكالعادة عند كل ارتفاع في سعر الصرف تظهر الأصوات التي تدعو إلى اعتماد العملات الرقمية وحذف صفرين من العملة عبر إصدار "نيو ليرة"، وبدت الآراء مقسومة حول هذه الطروحات بين مؤيد لها ومن يعدها "وهماً لن يتحقق ولن ينفع" في ظل الوضع الاقتصادي الحالي.

الصراع مع الدولار لم ينته

ويؤكد الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق شفيق عربش في حديث لموقع "اندبندنت عربية" أن الدولار لم يظهر أنه غير شديد التأثر بالحكومة الجديدة، واستطاع الارتفاع والتخندق قريباً من سعر 11 ألف ليرة، بالتالي من دون انطلاق عجلة العمل والاستثمار والإنتاج لا يمكن أن يشكل تحسن سعر الليرة اتجاه الدولار أكثر من نتائج مضاربات وتلاعب في سوق النقد، بالتالي فإن حذف الأصفار وحتى العملة الرقمية لن تنفع وسيكون تأثيرها محدوداً في ظل اقتصاد متهالك ومدمر.

وقال إن "السؤال الجوهري الذي يجب طرحه هو لماذا انخفض سعر الدولار أمام الليرة حتى نعرف لماذا يرتفع اليوم"، مشيراً إلى السوريين اعتقدوا أن الدولار سيتراجع إلى ما كان عليه عام 2011 بعد سقوط النظام، وبرأيه فإن "الفورة" انتهت اليوم، وكانت هناك كتلة من الليرة موجود في أماكن معينة من البلاد، وتحديداً "المناطق التي كانت خارج سيطرة النظام السابق" وحتى في الخارج "دول الجوار وإيران"، وهذه الأموال وجهت ووظفت لشراء دولارات المواطنين بسعر رخيص وصل في بعض الأحيان إلى 7000 ليرة، وما حدث أن الناس خسروا أموالهم التي ادخروها بسعر 15 ألف ليرة للدولار الواحد، والآن بدأ الدولار الصعود، متوقعاً أن يتجاوز السعر الرسمي المحدد بـ12200 ليرة مع هامش تغيير بسيط جداً، وقد يكون التجاوز كبيراً ويتجاوز مستوياته قبل السقوط.

وأكد أن الصراع مع سعر الدولار لم ينته بعد ولا يوجد ما يبرر انخفاض الدولار فلا عجلة الإنتاج دارات كما يجب ولا مساعدات جاءت إلا على نطاق محدود والعقوبات ما زالت سارية، وما دام أميركا لم ترفع العقوبات فالوضع الاقتصادي لن يتحسن، معولاً على مشاركة وفد سوري يضم وزيري المالية والخارجية وحاكم "المركزي" في اجتماعات البنك الدولي وصندوق النقد في الشهر المقبل، وفيما إذا كان سيتمكن هذا الوفد من فعل شيء مهم. ولفت إلى أن النتائج مع البنك والصندوق الدوليين مرتبطة برفع العقوبات التي طالما بقيت لن تمشي البلاد إلى الأمام، ولن يثمر ذلك أي تعاون.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويصف عربش الدعوات الحالية إلى إصدار عملة رقمية أو حذف أصفار من العملة السورية بأنها "خرافة" بخاصة في بلد بوضع سوريا، وقال إن حذف الأصفار سيؤدي إلى مزيد من الانهيار وتجربة تركيا الجارة ماثلة أمامنا، متسائلاً "إذا حذفنا صفرين من الـ5000 ليرة هل سيصبح سعر سلعة ما 50 ليرة بدلاً من 5000 ليرة، أكيد لا، أما إصدار العملات الرقمية فيبدو غير ذي فائدة على مستوى الاقتصاد الكلي في الأقل حالياً، وإن كان خياراً سيجري اللجوء إليه في مرحلة التعافي".

عربش أكد ضرورة درس ما جرى في الأشهر الأربعة الأخيرة، أي منذ سقوط النظام السابق، والعمل على قراءة أثار خروج كميات كبيرة من الدولارات وتوجيهها إلى استيراد السيارات بغض النظر عن عيوبها، في إشارة إلى استيراد سيارات بعيوب، وبعضها كان غارقاً في البحر.

وأشار إلى أنه بحسب إحصاءات تجارية تركية فقد جرى استيراد سيارات من وعبر تركيا بملياري دولار، في حين قال مصدر في غرفة تجارة دمشق أن 3 مليارات دولار دفعت لقاء استيراد السيارات في 4 أشهر فحسب، متسائلاً "كل هذه السيارات والمواد الاستهلاكية المطروحة في الأسواق من أين جاءت؟ في الحقيقة جرى تمويلها من مدخرات السوريين في بلد ليس لديه احتياط ولا إنتاج، وفي حاجة إلى استيراد كثير من الحاجات، وهذه كلها في حاجة إلى تمويل".

وختم حديثه بالقول "يبدو أن لا شيء يدعو إلى التفاؤل اقتصادياً والدولار سيشهد قفزات مقلقة أمام الليرة"، وفق قوله.

إصدار "نيو ليرة" بحذف صفرين

في سياق متصل يرى متخصصون أن حذف الأصفار قد يبدو حلاً، وفي هذا السياق يقول المتخصص الاقتصادي جورج خزام في حديث إلى "اندبندنت عربية" إن إصدار عملة "نيو ليرة" ضرورة حتمية أكثر من أي وقت سابق، إذ يحذف صفرين من العملة ليصبح سعر صرف الدولار 100 "نيو ليرة" بدلاً من 10000 ليرة. وقال مبرراً طرحه إن إصدار "نيو ليرة" بحذف صفرين هو ضرورة من أجل تخفيض كلف الطباعة لأنه عند طباعة ورقة 1000 "نيو ليرة" سيعني ذلك أنها تساوي 10 دولارات، مع العلم أن كلفة طباعة الورقة تقريباً 13 سنتاً، وهكذا تحقق طباعة عملة "نيو ليرة" جدوى نقدية واقتصادية.

وأضاف "إن الصرافين في الداخل والخارج الذين يديرون صفحات 'فيسبوك' المجهولة المصدر سيحددون سعر صرف الدولار من دون وجود منصة لمعرفة ما هو سعر التوازن الحسابي الحقيقي بين العرض والطلب على الدولار، ولذلك جففوا السيولة بالليرة السورية، من أجل خفض سعر صرف الدولار خفضاً وهمياً، بغية إحداث تقلب سريع بسعر صرف الدولار للحصول على الأرباح السريعة على حساب انهيار الاقتصاد وتراجع مدخرات المواطنين"، ولذلك فإن إصدار "نيو ليرة" ضروري لمنع الصرافين من الاستمرار باحتباس الأموال بالليرة للتلاعب بسعر الصرف.

وأوضح أن إصدار "نيو ليرة" بحذف صفرين لا يعني معالجة التضخم النقدي إنما هو طريقة لمعالجة كميات كبيرة من العملة المتداولة، لأن معالجة التضخم النقدي تكون فقط بزيادة الإنتاج القابل للتصدير والبديل عن المستوردات من أجل زيادة العرض من الدولار مع تراجع الطلب على الدولار، وهكذا تثبت القوة الشرائية الجديدة المرتفعة لليرة، وفي حال عدم اتباع سياسة نقدية احترافية تقوم على أساس إعلان اقتصاد الأزمة مع توجيه الاستيراد للسلع الإنتاجية الأكثر ضرورة والابتعاد عن استيراد الكماليات فإن سعر صرف الدولار مقابل الليرة سيعاود الارتفاع.

ويرى أن إصدار "نيو ليرة" يعني نقل القوة الشرائية القديمة نفسها بالليرة ولا يعني زيادة القوة الشرائية لأن الأمر فقط خفض لكمية الأموال والأوراق النقدية المتداولة، وهنا تنتقل القوة الشرائية نفسها من الليرة إلى "نيو ليرة" أي كل 100 ليرة تنتقل قوتها الشرائية إلى واحد "نيو ليرة"

خزام أكد في حديثه أن ارتفاع سعر صرف الدولار هو أمر حتمي لأنه ليس من المنطقي أن يظل سعر صرف الدولار 15000 ليرة عند التحرير وبعده، بعد إغراق الأسواق بالمستوردات التركية والسيارات الخردة بعمر 15 سنة، وملايين الدولارات المزورة مع توقف المصانع والورشات وظهور جيش من العاطلين من العمل، وبعد كل هذا الدمار بالاقتصاد السوري ينخفض سعر صرف الدولار إلى 7000 ليرة، لأن المنطق الاقتصادي يرى وجوب ارتفاع سعر صرف الدولار إلى 19000 ليرة كحد أدنى لتدفع الليرة ثمن كل ذلك الخطأ بالسياسات النقدية والاقتصادية بانخفاض بقيمتها.

ارتفاع الدولار سيستمر

وتوقع رجل الأعمال السوري مازن حمور في تصريح لـ"اندبندنت عربية" أن يشهد سعر الدولار مزيداً من الارتفاع أمام الليرة قد يصل إلى مستويات تتجاوز سعره قبل سقوط النظام، مع استمرار الميل إلى زيادة المستوردات وتحرير الاقتصاد السوري بلا ضوابط ونقص التمويل الحكومي، واصفاً السوق حالياً بأنها سوق استهلاكية، وهذا واقع غير سليم، ويجب التحرك فوراً نحو تدعيم الصناعة بطريقة صحيحة، ودعم الصادرات وإزالة العقبات من أمام استيراد المواد الأولية وخفض أسعار الطاقة لفترة محددة ريثما تقوى الصناعة المحلية.

ودعا إلى ضرورة الابتعاد عن الدعم من جيب المواطن كما كان يجري في عهد النظام السابق، والعمل على معالجة آثار سياسات المصرف المركزي التي كانت تقوم على تقييد الـ"كاش" وترشيد الاستيراد بطريقة فاقمت التهريب واستنزف كميات كبيرة من رصيد البلاد من الدولار بما فيها المدخرات.

حمور وصف حذف الأصفار واللجوء إلى العملات الرقمية في هذه الظروف بـ"المكياج" غير النافع الذي لن يغير من الواقع، ولن تكون له آثار على سعر الصرف الذي يحتاج تثبيته والسيطرة عليه إلى إنتاج واستثمارات كبيرة ودعم مدخلات الإنتاج وضبط السوق وتطبيق قواعد اقتصاد السوق الحرة بصورة صحيحة ورفع العقوبات وتنمية الزراعة.

وأشار إلى أن اللجوء إلى حذف الأصفار قد يكون له آثار نفسية بتخفيف كمية الأموال بين أيدي الناس والمتعاملين، علاوة على أن العملات الرقمية تحتاج إلى توفر ظروف اقتصادية ومالية أكثر نضجاً، مؤكداً أنها ستكون خياراً، ويجب أن تكون "في المستقبل"، لكن اليوم يجب التركيز على الحلول الاقتصادية القائمة أولاً وأخيراً على دفع عجلة الإنتاج وضمان عدم تحويل سوريا إلى سوق استهلاكية.

ووصف التحول إلى نمط الاستهلاك بـ"الأمر الخطر" الذي يتهدد الاقتصاد السوري، ويهدد معه سعر الصرف ومعيشة الناس، وكان لافتاً ما ذهب إليه رجل الأعمال السوري من أن العقوبات ليست إلا "شماعة" أحسن النظام السابق استثمارها لمصلحته على حساب الشعب، داعياً الحكومة الجديدة إلى حسن التعامل مع العقوبات والتحايل عليها قدر الإمكان، والدخول إلى مفاوضات قوية ومقنعة بصورة تتمكن معها من إقناع أميركا بإزالتها وليس تعليقها فقط.

رقمنة الليرة السورية

كانت تقارير صحافية تحدثت عن عزم الإدارة الجديدة في سوريا تقنين "بيتكوين" ورقمنة الليرة كجزء من خطة طموح لإصلاح الاقتصاد الذي دمرته الحرب.

واقترح المركز السوري للبحوث الاقتصادية، وهو منظمة غير حكومية، هذه الخطوة لمواجهة التضخم وتحقيق الاستقرار الاقتصادي وجذب الاستثمارات الأجنبية، مؤكداً أن "بيتكوين" ستقدم للاقتصاد السوري مزايا كبيرة، ومن أبرزها تسهيل التحويلات المالية، وهي شريان حياة أساس لملايين السوريين الذين يعتمدون على الأموال المرسلة من الخارج، وإعادة بناء النظام المالي السوري على أسس مستقرة، مع دعم العملة الرقمية بالذهب والدولار و"بيتكوين"، بخاصة أن هذه الخطوة قد تجذب مستثمرين وشركاء من الخارج، مما يعزز النظام المالي في البلاد.

اقرأ المزيد