ملخص
كشفت الخارجية الأميركية عن نياتها تجاه السلطات الجديدة في سوريا، وحددت شروطاً عدة لتعديل سياسة واشنطن حيال دمشق، ومنها استبعاد المقاتلين الأجانب من أي مناصب رسمية مع ضمان أمن وحريات الأقليات الدينية والعرقية.
لا يزال موقف الولايات المتحدة والدول الغربية حيال السلطات السورية يتسم ببعض الضبابية، فعلى رغم الانفتاح الحاصل عبر الزيارات الرسمية لوفود جاءت إلى دمشق بعد انقطاع يصل لأكثر من عقد من الزمن، فإن هناك حذراً من الاندفاع نحو خطوة الانفتاح الكبير على العاصمة السورية، لأنها مرهونة في الأساس بإجراءات منتظرة منها.
وبات واضحاً أن العلاقات السورية مع دول أوروبا وأميركا وحتى دول المحيط العربي تلفها الحيطة والتوجس، على رغم الرغبة الصادقة في إعادة دمشق إلى مكانتها المعهودة، لكن كل ذلك مرتبط بالخلفية المتشددة لماضي السلطات الجديدة، ولا سيما ما تضمه من مقاتلين أجانب، وبينهم من يحمل تهماً إرهابية في الدول التي هجرها إلى سوريا.
بدورها كشفت الخارجية الأميركية عن نياتها تجاه السلطات الجديدة في سوريا وحددت شروطاً عدة لتعديل سياسة واشنطن نحو دمشق، ومنها استبعاد المقاتلين الأجانب من أي مناصب رسمية مع ضمان أمن وحريات الأقليات الدينية والعرقية، وجاء في تصريح للمتحدثة باسمها تامي بروس أنه "ينبغي على السلطات الموقتة نبذ الإرهاب وقمعه بصورة كاملة، واستبعاد المقاتلين الأجانب من أي مناصب رسمية ومنع إيران ووكلائها من استغلال الأراضي السورية".
ونوهت بروس في آخر تصريحات لها إلى أن بلادها تعمل على درس وتقييم سلوك الحكومة الموقتة وتحديد الخطوات التالية بناء على هذا الإجراء، وتابعت أن "أي تعديل في سياسة الولايات المتحدة تجاه السلطات الموقتة سيكون مشروطاً بجميع الخطوات التي ذكرتها".
وكانت بروس حددت مطالب الولايات المتحدة في ست نقاط وهي "نبذ الإرهاب وقمعه بصورة كاملة، واستبعاد المقاتلين الأجانب من أي مناصب رسمية، ومنع إيران ووكلائها من استغلال الأراضي السورية، وتدمير الأسلحة الكيماوية بصورة يمكن التحقق منها، واستعادة الأميركيين وغيرهم من الذين اختفوا في سوريا، وضمان أمن وحريات الأقليات الدينية والعرقية".
ويعد رفع العقوبات الأميركية أمراً في غاية الأهمية لمساعدة البلاد التي تعاني شحاً في الموارد والطاقة وآلات الإنتاج لإعادة دوران عجلة الاقتصاد، والانفتاح على دول العالم بعد فرض الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات اقتصادية أبرزها "قانون قيصر"، والذي يعاقب كل من يتعامل مع النظام من الأفراد والشركات وحتى الدول، فيما يرى مراقبون أن هذه العقوبات "ليست مجدية اليوم بعد سقوط النظام".
خيارات صعبة ومعقدة
وفي معرض حديثه عن تأثير المقاتلين الأجانب في حكم سوريا وامتداد تأثيرهم إلى دول المنطقة، يفسر عضو "نادي الصحافة الوطني" في واشنطن ورئيس "مركز ريكونسنس للبحوث والدراسات" عبدالعزيز العنجري في حديث إلى "اندبندنت عربية"، أنه "في ما يخص المقاتلين الأجانب في سوريا فالمسألة تنقسم إلى شقين، الأول أن المنضوين تحت الإدارة الجديدة، وهم في غالبيتهم من الإيغور والشيشان والتركمان، إضافة إلى مقاتلين من جنسيات عربية متفرقة من بينها خليجية ومصرية ومغاربية، تقرر تعيين عدد قليل منهم في مناصب قيادية داخل الجيش السوري الجديد، أما الشق الثاني فيتخذ طابعاً شرعياً أكثر من كونهم مقاتلين".
ويعتقد العنجري أن الإدارة السورية الجديدة ستجد نفسها أمام خيارات صعبة ومعقدة، منها أن تطلب من هؤلاء المقاتلين مغادرة سوريا والعودة لبلدانهم الأصلية، مما يعني عملياً طلب تنفيذ حكم الإعدام بأنفسهم، لأن كثيراً منهم مطلوبون أمنياً في بلدانهم، كما أن بعضهم تزوج من سوريات وأنجبوا أطفالاً، مما يزيد الوضع تعقيداً.
وقال، "حاول بعض قيادات الإدارة الجديدة إنصاف هؤلاء من خلال الإقرار بفضلهم وصبرهم وقتالهم لنصرة الثورة السورية، معتبرين أن من حقهم الحياة في سوريا والحصول على جنسيتها"، ومشبهاً وضعهم بالمهاجرين في دول الغرب الذين يكتسبون الجنسية بعد أعوام من الإقامة والخدمة".
واستشهد العنجري أيضاً بقوميات هاجرت إلى سوريا خلال قرون سابقة واندمجت فيها، مثل الشركس والأرمن والألبان والداغستان"، متوقعاً خياراً ثانياً بأن تعمل الإدارة السورية على تأجيل حسم مصيرهم في انتظار أن تنسى الدول الكبرى قضيتهم، مع محاولة تصفية القيادات بصورة تدرجية كما جرى سابقاً مع قادة جماعات متطرفة، على غرار "حراس الدين" و"داعش" خلال الأعوام الماضية.
الحل السحري
وجزم الباحث الأكاديمي في العلاقات الدولية باسم الخطيب، في تصريح خاص، بأن مسألة الأجانب ليس من السهل حلها، لأن وجودهم يعود لعام 2011 مع بداية انطلاق الثورة السورية، وقد جاء كثير منهم مع تحول المعارضة إلى مسلحة عام 2013، إذ تدفق مقاتلون من دول أوروبية وعربية إلى سوريا، ومع سقوط النظام وتربع بعض قياداتهم على سدة الحكم تتخوف دولهم من تأثيرهم فيها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف الخطيب أنه "من المستبعد ترحيلهم، وجميعهم وافق على الامتثال للتعليمات التي تفرضها الحكومة في دمشق، وهذا ما تبرره السلطات بأنه يمكن الإبقاء عليهم في البلاد وتجنيسهم، ولكن الأمر سيكون أكثر تعقيداً بعد فرض الولايات المتحدة شروطاً تخصهم، وبالتالي فأمام دمشق خيارات صعبة وبخاصة أن المجتمعين الدولي والمحلي يراقبان تصرفات الرئيس أحمد الشرع، وهو بدوره أمام هذه المعضلة التي تفاقمت بعد ارتكاب أفراد من هذه المجموعات الأجنبية مجازر في الساحل السوري".
ويتخوف الأكاديمي السياسي من أن تكون السلطات السورية عاجزة عن السيطرة على المجموعات الأجنبية وإلزامها بالانضباط، فمن المتوقع تمردهم في حال ترحيلهم لأن العودة لدولهم تعني حكماً بالموت، ولهذا فمن المؤكد أنه لا خيار أمامهم سوى البقاء حتى آخر رمق هم وعائلاتهم، وعندها من المرجح أن يتعاملوا مع المجتمعات المحلية بطريقة لا تتناسب مع عادات وتقاليد السوريين، عبر فرض أساليب عيش مختلفة أقرب إلى التشدد.
ضرب المقاتلين ببعضهم
ويعود رئيس "مركز ريكونسنس للبحوث والدراسات" لينبه إلى خطر المقاتلين الأجانب المنتمين إلى تنظيم "داعش"، والذين يشكلون تهديداً فعلياً على سوريا ودول المنطقة، بل وربما على بعض الدول الأوروبية أيضاً، وهذا الشق بدوره ينقسم إلى قسمين، الأول "المعتقلون في 'مخيم الهول' و'سجن الباغوز' شمال شرقي سوريا ويقدر عددهم بعشرات الآلاف، وتطالب الولايات المتحدة والإدارة السورية بترحيلهم إلى بلدانهم الأصلية لمحاكمتهم، لكن معظم هذه الدول لا تتعامل مع الملف بجدية كافية حتى الآن".
أما القسم الثاني، وفق العنجري، فهي العناصر النشطة من "داعش" في البادية، ومعظمها من السوريين إضافة إلى مقاتلين من الجنسية العراقية، متابعاً أنه "من المرجح أن يجري استخدام المقاتلين الأجانب المنضوين في فصائل 'هيئة تحرير الشام' ضمن الحرب المقبلة ضد 'داعش' والتخلص منهم بطريقة مشرفة ولائقة، وقد ألمحت بعض التصريحات الغربية والأميركية إلى أن هناك توجهاً لإشراك الدولة السورية الجديدة في التحالف الدولي لمواجهة التنظيم الإرهابي".
وختم العنجري بأن "الدول الأوروبية وأميركا تواصل الضغط على القيادة السورية الجديدة لإيجاد حل لملف المقاتلين الأجانب، لكن واشنطن لم تطلب طردهم أو إخراجهم من سوريا، وهو ما يتماشى مع الرؤية السابقة، إذ قد يستخدمون في الحرب ضد تنظيم الدولة".