Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف تحمي الدراما العربية الطفل الممثل؟

صناع "لام شمسة" استبقوا الانتقادات ولجأوا إلى متخصصين خلال التصوير فيما كانت السينما العالمية سباقة للاستعانة بمنسقي المشاهد الحساسة والبدلاء

الطفل علي البيلي بطل مسلسل لام شمسية (وسائل التواصل الاجتماعي)

ملخص

تزامناً مع عرض مسلسل "لام شمسية" ضمن موسم رمضان الذي يتناول التحرش الجنسي بالأطفال، تذكر بعضهم طفل فيلم "بحب السيما" الذي تناول موضوع التدين السطحي في المسيحية مع وجود صغير في الأسرة يحاول التحرر واكتشاف العالم، فما هي معايير السلامة التي يجري اتباعها في كواليس الأعمال الفنية لحماية الأطفال نفسياً وبدنياً خلال تصوير مشاهد قاسية في أعمال فنية ذات طبيعة شائكة؟

لم يستحوذ مسلسل "لام شمسية" على الجدل الدرامي في مصر خلال النصف الثاني من شهر رمضان نظراً إلى قصته الشائكة المتعلقة بالتحرش بالأطفال (بيدوفيليا) وتعامل العائلات مع هذا الأمر، ولا حتى لمستواه الفني الرفيع ولا طاقم الممثلين البارعين فقط، وإنما بسبب الأسئلة التي لم تتوقف حول مدى الحرص النفسي على سلامة الطفل علي البيلي الذي يلعب في المسلسل دور "يوسف" خلال تصوير المشاهد الحساسة، ولا سيما تلك التي كان فيها الحديث صريحاً أو مبطناً حول تعرضه للّمس بصورة مشبوهة من معلمه وصديق والده الموثوق، وكذلك مشهد التحرش نفسه الذي فجّر الأزمة منذ بداية المسلسل.

وعلى رغم النجاح الجماهيري للعمل من بطولة أمينة خليل، أحمد السعدني، محمد شاهين وغيرهم، لكن كثيراً من تعليقات المتابعين أكدت أنهم لم يتمكنوا من استكمال المشاهدة لثقل الأحداث ووقعها القاسي، مستغربين كيف تحمل أطفال العمل كل هذه الأمور، ولذا كان من الطبيعي أن يصعد ملف الأطفال والسينما إلى الواجهة، إذ إن العمل من الأساس غير مناسب للمشاهدة العائلية ولمن هم دون الـ 16 سنة.

وسارع مخرج المسلسل كريم الشناوي ومؤلفته مريم نعوم إلى التشديد على أن سلامة الأطفال خلال التصوير كانت أولوية قصوى، فيما دعت نعوم إلى ضرورة التريث قبل الحديث عن البيلي الذي قام بالشخصية الرئيسة، وكذلك عدم وصم الشخصية التي يؤديها، ووصفته بأنه طفل شجاع، مشيرة إلى أن التعليقات قد تربكه وتؤذيه حتى لو كانت طيبة النية. وبالتوازي جرى نشر صور وفيديوهات من الكواليس للتأكيد أن تنفيذ المشاهد محل التساؤل جرت بصورة احترافية من قبل متخصصين في الصحة النفسية ومؤسسات الطفولة، لكن هل تتاح هذه الفرصة لجميع الأطفال المشاركين في أعمال شبيهة ولا سيما في العالم العربي؟

 

حماية الأطفال أولوية قصوى

وعلى ما يبدو فإن مسلسل "لام شمسية" يمثل تجربة لتوعية الأهل بكيفية التصرف مع أطفالهم إذا حدث موقف مماثل، كما يمنح أفكاراً حول الطريقة المثلى لتوعية الأطفال أنفسهم في شأن الحماية من التحرش، وقد جرت الاستعانة خلال التصوير بممثلة للمجلس القومي للطفولة والأمومة للاستفادة من خبرتها كي تمر المشاهد بسلام، ولا سيما بالنسبة إلى الممثلين غير البالغين.

وقال المخرج كريم الشناوي في تدوينة له إن "سارة عزيز مديرة ومؤسسة Safe Egypt  وعضو مجلس إدارة في 'المجلس القومي للأمومة والطفولة' كانت موجودة في موقع التصوير للتأكد من سلامته النفسية، وألا يمر بأي مواقف غير محسوبة أثناء التصوير، كما جرى تدريب كل فريق العمل على التعامل مع الأطفال في موقع التصوير".

مهنة تفتقدها بلاتوهات التصوير العربية

لكن هذا الاجتهاد الإيجابي الذي نفذه صناع "لام شمسية" لا ينطبق على باقي الأعمال الفنية في العالم العربي التي يمثل الأطفال جزءاً من طاقمها، ووفقاً للمخرجة سندس شبايك، وهي واحدة من القلائل المتخصصين في مجال تنسيق المشاهد الحساسة في المنطقة، فإن صناعة السينما والدراما في العالم العربي تفتقد بشدة هذا المجال، وتتابع "للأسف ليست لدينا هذه الوظيفة بصورة احترافية، إذ لا يوجد متدربون بصورة كافية، والمعروفان في تنسيق المشاهد الحميمة والحساسة باحترافية في الوسط الفني العربي هما اثنان فقط، وغالبية مشاريعهم تكون في دول أوروبية، ولكن مع ذلك تشهد هذه الفترة مقارنة بأي وقت مضى طفرة في الوعي في ما يتعلق بضرورة أن تكون صناعة المحتوى بصورة عامة مجالاً آمناً على الممثلين في المطلق، وليس فقط الأطفال".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وترى شبايك أن هناك شروطًا ومعايير كثيرة يجب أن تتوافر في مواقع التصوير التي يكون فيها أشخاص دون الـ 18 سنة، وبخاصة في الأعمال التي تتناول مواضيع شائكة، إذ تصعب طبيعة المحتوى نفسه المهمة، لكن بالطبع هناك سبل كثيرة للحماية يكون المتخصصون على دراية بها، وكذلك بعض الصناع الأكثر اطلاعاً وحرصاً، مشيرة إلى أنه من بين اعتبارات حماية الأطفال في هذه المواقف الالتزام بقواعد عدة، أبرزها الحرص على ألا يعرفوا أية معلومة جديدة حول العنف أو التحرش أو أي من القضايا الحساسة في موقع التصوير، وأن يدخلوا التجربة ويخرجوا منها من دون أن يتأثروا نفسياً، وكذلك من دون التعرض لأية تفصيلة جديدة صادمة، لأن موقع التصوير ليس المكان المناسب الذي يمكن أن يتلقوا منه المعلومات حتى ولو بهدف التوعية.

معايير صارمة... من يطبقها؟

وتواصل شبايك أن "من أبرز المعايير ألا يحضر غير البالغين المشاركين في هذه الأعمال أي مشاهد عنف جسدي أو لفظي أو تحرش خلال التصوير، وفي حال تطلّب المشهد أن يتعرض الطفل نفسه للضرب أو الاعتداء من أي نوع، فهنا يأتي صناع العمل بممثل بديل ينفذ المشهد ويكون تكوينه الجسدي مقارباً للطفل ولكنه في الحقيقة شخص بالغ، وكذلك حينما يستدعي السيناريو وجود الطفل خلال مشاهد عنف وضرب فيجب ألا يصور فعلياً في حضوره، بل باللجوء إلى بعض الحيل في التصوير ومنها أن تُصور لقطة الطفل سريعاً مع إخراجه من الموقع بعدها، ومن خلال المونتاج سيكون من السهل الإيحاء بمشاركته في المشهد".

تجارب مثيرة للجدل

حاول صناع مسلسل "لام شمسية" غلق الباب أمام أي انتقاد محتمل بانتهاك براءة الطفل علي البيلي الذي لا يزال في المرحلة الابتدائية، وتعاملوا باحترافية شديدة واستعانوا بمتخصصين خلال التصوير، وهو أمر لم يحدث في أعمال سابقة، إذ عرض عام 2004 فيلم "بحب السيما" من بطولة ليلى علوي ومحمود حميدة وإخراج أسامة فوزي، وكان شائكاً على أكثر من مستوى ويصوّر أسرة سميحة المتزمتة، وبخاصة الأب، في ظل وجود طفل صغير هو نعيم عدلي الذي أدى دوره يوسف عثمان حينما كان في التاسعة من عمره، ويحاول اكتشاف الحياة باكراً ولديه نزعة للتحرر، وقد تضمن العمل حوارات غير ملائمة للأطفال، وحينها خرجت دعوات فلى إيقافه لأسباب دينية وأيضاً بدعوى استغلال الأطفال، وخاض صناعه معارك رقابية طويلة الأمد.

 

كما أثيرت ضجة حول فيلم "حلاوة روح" من بطولة هيفاء وهبي وإخراج سامح عبدالعزيز الذي عرض قبل 11 عاماً، أو بالأحرى مُنع من العرض، إذ صدر قرار من رئاسة الوزراء في مصر حينها بسحبه من صالات السينما بعد بلاغات عدة واعتراضات من مؤسسات شتى بينها "المجلس القومي للأمومة والطفولة" على مشاركة الطفل حينها، كريم الأبنودي، في العمل الذي يتضمن مشاهد اعتبرها كثيرون خادشة، ومن بينها لقطة علق عليها تقرير المجلس بأن الصغير ظهر وهو يتلصص على البطلة، وعلى رغم تأكيدات الصناع بأن هذا المشهد صوّر وفق تقنيات معينة ولم يحدث في الواقع بهذا الشكل أبداً، إلا أن العمل اُتهم باستغلال الأطفال وأثار أزمة، وعلى رغم التراجع عن قرار المنع بعد فترة لكن تداعيات اللغط بقيت وأثرت في عوائده بصورة ملحوظة.

قلق من الوصم

وترى الحقوقية والمتخصصة في قضايا الطفل والأسرة ورئيسة "الجمعية القانونية لحقوق الطفل والأسرة" دعاء عباس، أنه ينبغي في كل وقت مراعاة خصوصية المجتمع وحقوق الطفل الذي هو شخص غير مؤهل لاتخاذ قرارات من هذا النوع، ومثلما ترى أن مشاركة طفل في فيلم "حلاوة روح" لم يكن ملائماً نظراً إلى جرأة القصة، وكذلك مشاهدة الفيلم نفسه لا تليق بالصغار، فإنها ترى أيضاً أن مسلسل "لام شمسية" عرّض بطله للخطر، بل وقد يتعرض للتنمر من قبل أقرانه في المدرسة أو في التجمعات كونهم من سنّه، ولأن طبيعة المجتمع المصري نفسه تنتشر فيها مثل تلك الأفكار، لافتة إلى أن طريقة التوعية بقضية التحرش وكذلك حملات التثقيف الجنسي يجب أن تعرض بطريقة أكثر ملاءمة وألا يشترك فيها الأطفال أبداً.

هجوم متخصص

وكذلك طالبت عباس بضرورة تفعيل المادة (96) من القانون رقم (102) والمعدل لسنة 2008 لـ "قانون الطفل المصري" والتي تنص بنودها على أشكال تعريض الطفل للخطر والعقوبات المترتبة عليه، وشنت هجوماً على صناع "لام شمسية" مؤكدة أنهم وضعوا طفلاً في دائرة الجدل السلبي لأنهم لن يتحكموا في ردود الأفعال ضده، مما قد يؤثر في نفسيته، مضيفة أنه "من السيء السعي إلى إنجاح عمل فني على حساب مستقبل طفل حتى لو كان التأثير السلبي مجرد احتمال، فلم يكن ينبغي أبدا تعريضه لهذا الموقف من خلال تجسيد واقعة حساسة وصعبة وثقيلة بنفسه، إذ أصبح مثار في مقاطع تنتشر على ’تيك توك‘" بحسب ما قالت.

وتشير عباس إلى أنه من خلال خبرتها فالأفضل في طرق التوعية بهذه الأمور أن يجري إبعاد الصغار عنها وعن تجسيدها، بل وعرضها بصورة تلائم أفكارهم وعقولهم عبر وسائل توضيحية مثل مشاهد الرسوم المتحركة، أو في صورة حكاية بسيطة تلائمهم ولا تجرح مشاعرهم، مؤكدة أن الطفل علي البيلي موهوب للغاية ولكنه غير مؤهل عمرياً لمشاهدة المسلسل الذي مثَّل فيه، كما أنها تعتقد أن كثيراً من الأهالي وجدوا أن العمل يشكل ضغطاً نفسياً وعصبياً ولم يتمكنوا من متابعة جميع حلقاته.

 

الـ "دوبلير" والمونتاج في السينما العالمية

ويرى الناقد الفني إيهاب التركي أن صناع السينما والدراما التلفزيونية لديهم حلول إخراجية وتقنية كثيرة للخروج من مأزق إشراك من هم دون الـ 18 سنة في مشاهد وأعمال جريئة، لافتاً إلى أن الاستعانة بالبدلاء البالغين أمر شائع بشدة، وكذلك اللجوء إلى الأطباء النفسيين ومتخصصي تنسيق اللقطات أمر معتاد منذ عقود، مضيفاً أن الوعي ازداد بصورة ملحوظة قبل نحو 10 أعوام تزامناً مع انتشار حركة "أنا أيضاً" في هوليوود، والتي فضحت خفايا كثيرة ومن بينها الاستغلال الجسدي في السينما والدراما العالمية بصورة عامة وليس في الولايات المتحدة الأميركية فقط، مضيفاً أن الممثلة بيلا رامزي (مواليد 2003) التي شاركت في مسلسل "لعبة العروش" وهي في الـ 13 من عمرها، كان ممنوع عليها مشاهدة أي من حلقاته ولا حتى حضور المونتاج، كما لم تؤد أي من اللقطات الخادشة أساساً، وشدد التركي على أن الالتزام في الوقت الحالي قابله تردد وتخبط وعدم اهتمام في ما مضى.

ووفقاً لما يرى التركي فإن الأمر في الأقل كان يخضع للاجتهاد والخبرات الفردية وربما الارتجال، ولم يكن هناك متخصصون في تنسيق هذه المشاهد، وضرب أمثلة متنوعة ومن بينها أسرة الممثلة بروك شيلدز الذين كانوا متساهلين تماماً في الأدوار التي تعرض عليها والمشاهد التي تمثلها، ولا سيما في نهاية سبعينيات القرن الماضي وبداية الثمانينيات، فلم تكن وقتها قد أكملت الـ 15 سنة وقدمت مشاهد للبالغين في أفلام متنوعة منها The Blue Lagoon، وبحسب تصريحات لابنتي بروك شيلدز في الوثائقي الذي تناول سيرتها، فإنهما ترفضان مشاهدة هذه الأعمال وتعتبران أن والدتهما تعرضت للاستغلال الصريح، إذ أبدت عدم ارتياحها كذلك.

ويعود الناقد التركي ليشير إلى أن هوليوود قدمت أعمالاً كثيرة عن الـ "بيدوفيليا"، مذكراً بفيلم المخرج ستانلي كوبريك الشهير "لوليتا - Lolita" (1962) الذي جسدت فيه الراحلة سو ليون مشاهد حميمة وهي دون الـ 16 من عمرها، وهو ما يتنافى مع القوانين، إذ كان فريق التصوير في بعض اللقطات يحاول وضع حواجز بينها وبين البطل ثم التلاعب بالمونتاج لإخفاء هذه الحواجز أو الاستعانة بدوبليرة، مضيفاً أنه "في بعض الأوقات كان يجري تنفيذ معايير أكثر صرامة مثلما حدث مع جودي فوستر في فيلم Taxi Driver – 1976 من إخراج مارتن سكورسيزي وبطولة روبرت دي نيرو، إذ جسدت شخصية فتاة ليل وهي في الـ 14 من عمرها، وكان سكورسيزي يحرص على أن يمر الموقف بأفضل طريقة، وفي بعض الأحيان جرت الاستعانة بشقيقتها الكبرى لتكون بديلتها في تنفيذ المشاهد الجريئة".

اقرأ المزيد

المزيد من سينما