Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تساؤلات مشروعة عن واقعية الخطة العربية لغزة

جاء المقترح مكتمل الأركان من ناحية معالجة الجوانب الاقتصادية والأمنية والسياسية وثمة علامات استفهام

فلسطينيون نازحون في طريقهم إلى الأجزاء الشمالية من قطاع غزة (أ ف ب)

ملخص

قدرت الخطة المصرية الحاجة التمويلية لإعادة إعمار غزة بـ53 مليار دولار من دون أن تسمي أيا من هذه المصادر، و لم تعالج الشاغل الرئيس المتعلق بنزع سلاح حركة "حماس"، مما استدعى ردا سريعا من واشنطن جنبا إلى جنب مع الرفض الإسرائيلي. 

ما إن غادرت الوفود العربية القاهرة بعد يوم طويل من النقاش حول الخطة المصرية لمستقبل قطاع غزة، حتى أعلن البيت الأبيض رفض الخطة التي من المفترض أن تحل بديلاً عن مقترح الرئيس الأميركي دونالد ترمب بتهجير سكان القطاع والسيطرة عليه أميركياً بهدف تحويله إلي "ريفييرا الشرق الأوسط". 

وفق ما صرّح المتحدث باسم مجلس الأمن القومي براين هيوز مساء أول من أمس الثلاثاء عقب انتهاء القمة العربية الطارئة حول فلسطين، فإن "خطة إعادة إعمار غزة التي تبنتها الدول العربية لا تعالج حقيقة أن القطاع غير صالح للسكن في الوقت الحالي". كما أشار إلى إحدى النقاط الرئيسة التي لم تعالجها الخطة المصرية، قائلاً إن "الرئيس ترمب متمسك بمقترحه لإعادة بناء غزة خالية من حركة ’حماس‘".

تساؤلات مشروعة

وجاءت الخطة العربية مكتملة من ناحية معالجة الجوانب الاقتصادية أولاً لإعادة إعمار قطاع غزة، ثم الأمنية إذ نصت على الدور المستقبلي لكل من القاهرة وعمان في تدريب عناصر الشرطة الفلسطينية، والسياسية فأكدت البدء بتشكيل لجنة فلسطينية مستقلة مكونة من تكنوقراط وشخصيات غير فصائلية تحت مظلة الحكومة الفلسطينية تتولى إدارة شؤون القطاع في مرحلة انتقالية لمدة ستة أشهر. ومع ذلك فإنها حملت بعض النقاط الغامضة أو التي لم تُقدم على نحو تفصيلي مما أثار تساؤلات عن واقعية التنفيذ، جنباً إلى جنب مع إغفالها مسألة نزع سلاح "حماس" الذي يمثل المطلب الأساس لواشنطن وتل أبيب.

فأولاً، في حين قدرت الخطة المصرية الحاجة التمويلية لإعادة إعمار غزة بـ53 مليار دولار، لم تقدم خطة واقعية حول مصادر التمويل التي ورد ذكرها بلغة غامضة، مكتفية بالإشارة إلى أهمية "تنويع مصادر التمويل التي تشمل الأمم المتحدة والمؤسسات التمويلية الدولية والدول المانحة والصناديق الاستثمارية والهيئات والوكالات الحكومية للتنمية وبنوك التنمية، إضافة إلى حشد الاستثمار الأجنبي المباشر من قبل الشركات الأجنبية ومتعددة الجنسيات". 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولم تسمِّ الخطة أي من هذه المؤسسات أو الجهات المانحة، كما لم تشهد القمة تمثيلاً دبلوماسياً لأي من هذه الجهات المشار إليها باستثناء الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، فضلاً عن أن كبرى مؤسسات التمويل الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي تخضع لنفوذ أميركي واسع بالنظر إلى حجم المساهمة الأميركية بها، مما يعني ضرورة الحصول على الضوء الأخضر أولاً من البيت الأبيض. 

وعلى صعيد أخر لم تعالج الخطة الشاغل الرئيس المتعلق بنزع سلاح حركة "حماس"، مما استدعى رد الفعل الأميركي الأول، جنباً إلى جنب مع الرفض الإسرائيلي، إذ كان الهدف الإسرائيلي الأساس في الحرب على غزة تدمير سلاح "حماس" والقضاء على الحركة. وفي بيان لها وصفت وزارة الخارجية الإسرائيلية الخطة بأنها "متجذرة في وجهات نظر عفا عليها الزمن" ورفضت الاعتماد على السلطة الفلسطينية في إدارة القطاع وانتقدت أنها تركت "حماس" في السلطة، مما أشار إليه الزميل لدى منظمة الدفاع عن الديمقراطيات في واشنطن هيثم حسنين في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، قائلاً إن الخطة "لا تعالج قضيتين تأخذهما واشنطن على محمل الجد، أولاً، مستقبل جماعة إرهابية مثل ’حماس‘. وثانياً، ما الذي سيحدث للفلسطينيين المدنيين أثناء تنفيذ أعمال إعادة الإعمار، فإبقاؤهم في القطاع لعقود حتى يُعاد البناء أمر قاسٍ وغير واقعي".

مداعبة مزاج ترمب العقاري

على الجانب الآخر قال البرلماني المصري السابق والخبير في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية عمرو الشوبكي خلال حديثه إلينا إن الخطة تركز بصورة كبيرة على الجوانب الاقتصادية الخاصة بإعادة الأعمار وتقدم مقاربة اقتصادية كاملة تتحدث عن مشروع وخطط تمويل وشركات استثمار، وهي زاوية تداعب توجهات ترمب كمطور عقاري ينظر إلى الأمور من زاوية الصفقات التجارية، مضيفاً أن الخطة في الغالب تراهن على الدعم المالي الخليجي لأن كل المؤسسات التي أُشير إليها ليس من المؤكد أن تقدم التمويل، بخاصة صندوق النقد والبنك الدوليين، وهي تخضع لنفوذ الإدارة الأميركية، إضافة إلى حسابات الربح والفائدة. 

وأكد أن إمكان تحقيق مثل هذه الخطة يحتاج إلى دعم مالي ودعم من المؤسسات الدولية والتفاهم والوصول إلى صيغة لوقف إطلاق النار. وفي ما يتعلق بوجود "حماس" في اليوم التالي، يعتقد الشوبكي بأن هذا الأمر جرى التوافق عليه بالفعل، فالحركة لن تكون موجودة في إدارة قطاع غزة، بل ستديره شخصيات مستقلة من خارج الفصائل. 

دون مشهد سينمائي

وتظل مسألة نزع السلاح عنصراً محورياً في أي خطة تحظى بدعم أميركي أو إسرائيلي، لكن "حماس" تؤكد رفضها وتصف مسألة نزع سلاحها بأنه "خط أحمر" وفق ما تضمنته تصريحات القيادي في الحركة سامي أبو زهري. 

 ويستبعد الشوبكي ذلك المشهد السينمائي لتسليم السلاح أو رفع الراية البيضاء، كما أن فكرة اجتثاث "حماس" ليست واقعية لأنها جزء من النسيج المجتمعي. ووفق تصوره فإن "حماس" مطالبة بالتواري والتوقف عن تلك الاستعراضات العسكرية التي قدمتها خلال تسليم الأسرى والتي لم تكن مفيدة. وأضاف أن "هناك حلولاً تجعل التنظيم العسكري لـ’حماس‘ غير موجود. فأي مكاسب عسكرية يمكن أن تحصل عليها الحركة أمر غير وارد، لذا في الوقت الحالي ينبغي لقادتها التعهد بعدم شن عمليات أخرى أو فرض قيود على وجودها العسكري لأنه عملياً لن يستطيع أحد نزع سلاحها أو سلاح الفصائل الأخرى". 

ومع ذلك يعتقد الشوبكي بأن ما هو خلف كواليس المفاوضات يختلف عما هو معلن، إذ "ليس من الوارد أن تعلن ’حماس‘ الاستسلام صراحة، لكن من الناحية العملية يمكن أن يصار إلى تحييد هذا السلاح لأنه لم يعُد مؤثراً أو قادراً على تغيير المعادلة الحالية. فالسابع من أكتوبر استنفد اغراضه و’حماس‘ لن تستطيع هزيمة الجيش الإسرائيلي".

الوقت والإرادة العربية

وعلى النقيض يؤكد زميل مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات هيثم حسنين حتمية نزع سلاح "حماس"، مما يتطلب "الوقت والإرادة العربية"، موضحاً أن الحركة قامت بتخزين الأسلحة وتجنيد الإرهابيين طوال عقود، ومن ثم لا يمكن تفكيكها خلال عام ونصف فقط، بل يحتاج الأمر إلى مزيد من الوقت لمعالجة ذلك، مما يتطلب أيضاً "الإرادة العربية"، إذ "يجب أن يكون هناك استعداد في القاهرة وعواصم عربية أخرى للاعتراف بأن التعاون مع إسرائيل لتفكيك ’حماس‘ هو مصلحة أمنية وطنية لكل من الإسرائيليين والفلسطينيين المدنيين. فإضافة إلى محاربة الحركة عسكرياً، هناك حاجة إلى جهد ضخم يقضي على التطرف تقوده الأطراف العربية المعتدلة في المنطقة. والهدف من ذلك هو مساعدة الوعي الفلسطيني في التخلص من أيديولوجيات ’حماس‘ الجهادية".

يعتبر بعضهم أن الرفض الأميركي السريع للخطة العربية لإعادة إعمار غزة يجعلها مجرد مخطط ورقي، لذا يعتقد حسنين بأنه "يجب على القاهرة والشركاء العرب الآخرين إعادة النظر في ما جرى تقديمه والتوصل إلى شيء أكثر إقناعاً". 

ومع ذلك يقول البرلماني المصري السابق إن الرد الأميركي ينبغي أن يدفع الجانب العربي إلى حشد كل أوراقه للتواصل مع واشنطن ومحاولة إقناعها بتعديل موقفها واستغلال الجوانب الاقتصادية في الخطة من أجل استبعاد مشروع ترمب للتهجير، إضافة إلى أوراق القوة التي تمتلكها دول الخليج. ويعرب عن اعتقاده بأن "الرفض الأميركي ليس نهائياً، بل من خلال التواصل الجيد واستخدام كل الأوراق لدى الجانب العربي، يمكن الوصول إلى تعديل".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير