Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

العودة إلى التعليم في غزة… طلاب لا يستطيعون مسك القلم

الحرب الطويلة أثرت في نفسية التلاميذ وجعلتهم يعيشون ظروفاً قاسية

جانب من استئناف التعليم في إحدى المدارس المتبقية في مدينة غزة، في 23 فبراير الحالي (أ ف ب)

ملخص

عاد طلاب غزة إلى التعليم في خيام ومدارس مدمرة، "اندبندنت عربية" أعدت تقريراً عن حال التلاميذ النفسية المرهقة ووقفت على تفاصيل عودتهم إلى المرافق التعليمية.

حاول الطالب معتز إمساك القلم ليحل مسألة رياضية لكنه عجز عن التقاطه بالطريقة الصحيحة، حاول مراراً وضع القلم بين أصابعه وفشل، وبهدوء اقتربت منه المعلمة رغدة وساعدته غير أن التلميذ لم يستوعب، إذ يواجه ضعفاً في عضلات يده جعلته عاجزاً عن مسك القلم.

"مشكلة كبيرة أن تجد طلاباً عاجزين عن مسك القلم بطريقة صحيحة، وهذا يكشف عن المستوى النفسي والصحي والتعليمي الذي وصل إليه التلاميذ في غزة" تقول المعلمة رغدة، وتحاول مجدداً تعليم معتز طريقة مسك القلم والكتابة.

استئناف التعليم

بعد دخول اتفاق وقف إطلاق النار في غزة حيز التنفيذ، قررت وزارة التربية والتعليم استئناف الدراسة في المدارس القليلة الناجية من حرب القطاع، وفتحت أبواب عشرات النقاط التعليمية لاستقبال الطلاب.

خلال السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 عندما بدأت الحرب المدمرة بين إسرائيل و"حماس"، توقف التعليم المدرسي والجامعي وانقطع الطلاب عن الدراسة لمدة 16 شهراً، وضاعت عليهم ثلاثة فصول تعليمية.
في الأراضي الفلسطينية ينقسم العام الدراسي إلى فصلين، وبناءً على ذلك فقد الطلاب العام الدراسي (2023 - 2024) كاملاً، ولمحاولة عدم ضياع الفصل التعليمي الثاني من العام الدراسي الثاني (2024 - 2025) استؤنف التعليم.

الطلاب غير مؤهلين

تجاهلت المعلمة رغدة ما كانت تشرح من درس الرياضيات الذي تتحدث فيه عن طريقة جمع الأعداد لطلاب الصف الثالث الابتدائي. وتضيف "وجدت التلاميذ غير مؤهلين لأشرح لهم المنهاج الفلسطيني وأواصل معهم التعليم، واكتشفت أنهم في حاجة لجرعات نفسية وحديث فضفضة قبل استئناف الدراسة".

قررت المعلمة تغيير مضمون الحصة وبدأت تتحدث مع الطلاب "ما عشناه في الحرب لا يجب أن يؤثر في نفسيتكم، أنتم أطفال أقوياء وتستطيعون التغلب على الصدمات، يجب أن ندرك بأن التعليم فرصة ذهبية ومن خلالها نستطيع تحقيق أهدافنا".

رفعت المعلمة يدها وفتحتها بالكامل وأخذت القلم بين أصابعها تشرح للطلاب طريقة التقاطه وآلية الكتابة بواسطته، مشيرة إلى أن أكثر من تلميذ لا يجيد مسك القلم والكتابة به، ولهذا عممت الشرح للجميع منعاً لإحراج طفل بعينه.

توضح المعلمة رغدة أن طلاب الصف الثالث جلسوا على مقاعد الدراسة لمدة عامين، ومن المفترض أنهم على دراية بطريقة الكتابة والقراءة والنقل عن السبورة، لكن الحرب الطويلة التي بسببها انقطعوا عن الصفوف الدراسية ودمرت نفسيتهم وأشغلتهم في تعبئة المياه والبحث عن الطعام، جعلتهم ينسون التعليم برمته.


في غرفة الفصل أهوال

عدم القدرة على مسك القلم ليست المشكلة الوحيدة التي يعانيها الطلاب في غزة وفق المعلمة غدير، مضيفة "واجهنا أهوالاً، إذ يعاني التلاميذ مشكلات في القراءة، معظمهم يقرأ ببطء ويهجي الحروف قبل أن ينطق الكلمة". وتستدرك "أثناء الكتابة وجدت أن طلاب غزة العائدين إلى المدارس ضعاف في الإملاء بطيئون في النقل عن السبورة، ينظرون إلى حرف واحد ويكتبونه ثم يكررون النظر إلى الحرف التالي ويكتبونه".

وتوضح المعلمة أن "الطلاب وبخاصة في المرحلتين الابتدائية والإعدادية، يعانون ضعفاً في الفهم والإدراك"، ويطلبون منها إعادة شرح المعلومات أكثر من ثلاث مرات، ويريدون تفصيل المنهاج بطريقة بدائية كالأطفال دون سن المدرسة.

"كثيرو التأمل والسرحان والتفكير" هكذا وجدت غدير التلاميذ بسبب ضعف في المهارات الإدراكية، وتبرر المعلمة ذلك بطول ابتعاد الأطفال من الدراسة ومعايشتهم أهوالاً فظيعة أثناء الحرب، لكنها تؤكد أن "أطفال غزة أذكياء وسيستعيدون قدراتهم سريعاً ويعوضون ما فقدوه خلال الحرب".

يبكون ويفتقدون زملاءهم

أثناء شرح المعلمة ديانا المنهاج، صرخت الطالبة جنان بأعلى صوتها "أريد ماما" وبكت كثيراً، ثم غادرت وحدها غرفة الفصل الدراسي، هذه الحالة تكررت في المدارس، حيث غالب التلاميذ يعانون مرارة الفقد وقلبوهم الصغيرة تعتصر ألماً.

تشرح ديانا "في كل حصة يتكرر بكاء الأطفال من دون سبب وتبدو عليهم ملامح الخوف والصدمة دائماً، التلاميذ يفتقدون زملاءهم الذين قتلوا أثناء الحرب ويتذكرون أقاربهم الضحايا، ويتخيلون باستمرار مشاهد القصف وانهيار البيوت وأشلاء الموتى، إنهم يعانون صدمات بالغة".

تعرف المديرة الإقليمية لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسيف" أديل خضر ما يمر به الطلاب العائدين إلى مدارسهم، وتقول "فقدوا منازلهم وأفراد عائلاتهم وأصدقاءهم وسلامتهم وروتينهم، لقد فقدوا أيضاً الملاذ والتحفيز الذي توفره المدرسة مما يعرض مستقبلهم لخطر الانطفاء بسبب هذا النزاع الرهيب".


أرقام مروعة

بلغة الأرقام يعاني طلاب غزة كثيراً، إذ كشفت دراسة أجراها مركز إدارة الأزمات الفلسطيني أن 96 في المئة من التلاميذ الأطفال يشعرون بأن موتهم وشيك، و87 في المئة من نفس الفئة يظهرون خوفاً شديداً، و79 في المئة يعانون الكوابيس.
القصف المتواصل والعمليات البرية العسكرية الإسرائيلية تركت أطفال غزة الأكثر ضعفاً يعانون أزمات نفسية حادة، إذ 92 في المئة لا يتقبلون الواقع و77 في المئة يتجنبون الحديث عن الصدمة، و73 في المئة يظهرون سلوكاً عدوانياً و49 في المئة يتمنون الموت.

أستاذة علم النفس والسلوك الاجتماعي ميس جمعة رصدت أن "طلاب غزة في المرحلتين الابتدائية والإعدادية يعيشون آثاراً نفسية صعب التخلص منها ستبقى معهم طوال حياتهم، من أهمها اضطراب كرب ما بعد الصدمة إضافة إلى اضطرابات القلق والاكتئاب، والتغيرات النفسية المتمثلة بالانسحاب العاطفي، ونوبات الغضب والسلوك العدواني الذي يتجسد على صورة العنف أو الأذى الذي يختبره الطفل".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

خيام وفصول مدمرة

عودة تلاميذ غزة إلى التعليم أنعشت الآمال بعودة الحياة إلى طبيعتها داخل القطاع، لكن هؤلاء الطلاب يدرسون في نقاط تعليمية على صورة خيام أو مدارس مدمرة، ومنهم من افترش الأرض بديلاً عن مقاعد الدراسة.

قبل الحرب كان يوجد داخل غزة 563 مبنى مدرسياً يتعلم داخلها 625 ألف طالب ويدرسهم المنهاج الفلسطيني نحو 22 ألف معلم، لكن كل تلك الأرقام تغيرت إلى الأسوأ الآن.

في الحرب استخدمت المدارس ملاجئ للنازحين وجزء آخر دمرته إسرائيل، وقُتل آلاف الطلاب ومئات المعلمين جراء القصف، وبحسب "يونيسيف" فإن 80 في المئة من المدارس تضررت أو دمرت.

وفي تقرير "يونيسيف" عن التعليم في غزة، جاء أن "53 مدرسة دمرت بالكامل و167 مدرسة تعرضت لأضرار شديدة، ونحو 143 مدرسة تعرضت لأضرار جزئية و200 مدرسة ما زالت تستخدم لإيواء للنازحين الفاقدين بيوتهم".

تتنقل المعلمة جوانة بين الفصول الدراسية وتدخل فصلاً به حائط مقصوف علق الطلاب على الفراغ فيه قطعاً من الأقمشة، وفصلاً آخر لا نوافذ له، تركض سريعاً نحو خيمة يجلس فيها تلاميذ ينتظرونها لتشرح لهم المنهاج.

تقول جوانة "المدارس يعمها الخراب والمقاعد شهدت الموت، لا فصول دراسية مناسبة والقرطاسية شحيحة والفصول الدراسية مزدحمة، نعود للتعليم في صعوبات لا حصر لها، وتحتاج غزة إلى أعوام لتتعافى".

مبادرة ستتضاعف

ظروف الأطفال وطريقة تعليمهم الصعبة عقبة صغيرة أمام وزارة التربية والتعليم، بحسب وكيل وزارة التربية والتعليم المساعد محمود مطر الذي أضاف أن "قرار استئناف التعليم مجرد خطوة صغيرة في مسار طويل، تواجهه كثير من الصعوبات".

وتابع مطر "العودة إلى التعليم مبادرة أولى لاستئناف الدراسة، لكن الطريق لا يزال طويلاً والتحديات كبيرة، لقد افتتحنا 100 نقطة تعليمية في مناطق قطاع غزة كافة، ستتضاعف هذه النقاط يوماً بعد يوم، وسنعمل على تصليح الغرف داخل المدارس، وسنعتمد على الخيام بديلاً من الصفوف المدمرة".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير