ملخص
أطفال غزة يجدون أنفسهم مضطرين إلى العمل لتأمين حاجات الأسرة ومستلزماتها بعد فقدان ذويهم
وقف الطفل جابر أمام خيمته في غزة، نظر إلى والدته وسألها "هل تحتاجين إلى شيء اليوم؟ ماذا سنأكل؟"... نهضت الأم من مكانها وربتت على كتف طفلها وأجابت "لا يوجد طحين لدينا، أحضر معك خبزاً جاهزاً أو طحيناً".
هز جابر رأسه من أعلى إلى أسفل في إشارة إلى الموافقة وقال "حاضر"، ثم أدار ظهره وانطلق إلى عمله في محل لصيانة الدراجات الهوائية، فقد التحق الطفل للعمل في هذه الورشة قبل بضعة أيام لتوفير القليل من المال لإعالة أسرته.
مسؤوليات كبيرة
لم يسبق لجابر (12 سنة) العمل في صيانة الدراجات الهوائية من قبل، ولا في أي حرفة غيرها، فقد كان طالباً مجتهداً في مدرسته، لكن بعدما سقط والده ضحية في الحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة، اضطر إلى العمل.
بعد مقتل والده، وجد جابر نفسه أمام مسؤوليات كبيرة تفوق طاقته، وتحول من طفل إلى مسؤول عن أسرته الصغيرة، ومطلوب منه تحمل أعباء طلبات إخوته، مما اضطره إلى العمل لتوفير المال.
يقول جابر "أصبحت رجل البيت فجأة ومطلوب مني كل يوم توفير مستلزمات عائلتي، إنها مهمة شاقة ومسؤولية كبيرة حملتها مبكراً، باتت أمي تعتمد عليَّ في توفير قوت اليوم، وهذا أمر صعب في فترة الحرب".
العمل بات قسراً
وصل الطفل إلى محل صيانة الدراجات الهوائية، وأخذ يساعد رب العمل وينفذ أوامره، ويراقب بعينه ما يفعله ليتعلم آليات الحرفة، لكن جابر في قرارة نفسه ينتظر نهاية اليوم ليحصل على القليل من المال.
يضيف "تحولت مهمة توفير لقمة العيش من الكبار إلى الصغار قسراً، هذا ليس مقتصراً على عائلتي بل يشمل كل الأطفال الذين فقدوا ذويهم، فقد اضطروا إلى العمل في مهن شاقة تفوق أحياناً قدرتهم الجسدية".
ويتابع "كان أبي نجاراً لكنه لم يسمح لي يوماً بأن أتقن المهنة أو حتى أقدم المساعدة له، إذ كان يخشى أن يشتتني العمل عن الدراسة والتعلم. وعندما رحل عن الدنيا شعرت بقدر المسؤولية، أسرتي ليس لها معيل غيري فأنا أكبر الأبناء، ولا يوجد لنا مصدر دخل ثابت يمكننا العيش منه".
أجور لا تكفي لشراء طعام
في نهاية اليوم حصل جابر على 30 دولاراً، نظر للأموال بيديه وقبلها، لكنه قال "إنه مبلغ جيد، لكنه ليس كافياً في الحرب، هذه الأموال لا تشتري طبق بيض ولا كيس دقيق، ولا حتى كيلوغراماً واحداً من البصل".
في الحرب، ارتفعت أسعار السلع الأساسية بصورة كبيرة في غزة، إذ وصل سعر كيس الدقيق وزن 25 كيلوغراماً لنحو 210 دولارات، وطبق البيض (30 بيضة) بات سعره 44 دولاراً، أما كيلو البصل فارتفع إلى 51 دولاراً، وليتر زيت القلي بات ثمنه 22 دولاراً.
غادر جابر مسرعاً إلى السوق الشعبية بحثاً عن دقيق، وعندما وجده دخل في جولة مفاوضات مع البائع، يوضح "أنا أريد أربعة كيلوغرامات من الطحين، سعرها 34 دولاراً، ورفض البائع يعطيني إياها مقابل 30 دولاراً، فاضطررت إلى تقليل كمية الدقيق".
بائع عصير الليمون
كما حال جابر، يعمل الطفل أسامة (11 سنة) في بيع العصائر الطبيعة، وينادي بأعلى صوته "عصير ليمون، تعال اشرب عصير ليمون"، كان يبدو على الصغير الإرهاق، لكنه يحاول على رغم التعب الذي يغلبه جذب انتباه الزبائن.
يقول أسامة "فقدت أبي في الحرب، وفجأة قررت أمي العمل في السوق، لكني شعرت أن هذه مهمة صعبة عليها في ظل الازدحام الشديد بين المتسوقين، فقررت أن أعمل بنفسي لأوفر الطعام لإخوتي".
مع بزوغ خيوط الصباح، يبدأ الطفل يومه بإحضار الماء المحلى والسكر والليمون، وتقوم أمه بعصره، ثم يذهب به أسامة إلى السوق لبيعه، ويظل حتى ساعات المساء حين يعود ومعه مبلغ 20 دولاراً تقريباً. يضيف "أنا أكره نفسي كل يوم، هذه ليست حياتي التي أحلم بها، كنت مفعماً بالطاقة والنشاط، وها أنا ذا اليوم مرهق وهزيل ونفسيتي سيئة".
يعيش في قطاع غزة نحو 1.05 مليون طفل دون سن الـ18، وبحسب جهاز الإحصاء الفلسطيني يشكل هؤلاء ما نسبته 47.1 في المئة من مجمل سكان القطاع، وجميعهم يعانون ظروفاً تتفاوت صعوبتها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أم بعمر الـ10 سنوات
وهذه الطفلة دانا التي فجأة وجدت نفسها أماً لإخوتها الأربعة، تشرح قصتها "قتلت أمي وبعدها أبي، تحولت وقتها إلى أم عليها أن تقوم بكل شيء لرعاية إخوتها، وشقيقي الكبير بات يعمل لتأمين المصروف".
كانت دانا (10 سنوات) تنظف خيمتها التي نزحت إليها هرباً من القصف، وبعدها جمعت حطباً وأشعلت ناراً وأخذت تطهو حساء العدس في قدر صغير لا يكفي بالعادة لشخصين، لكنها ستوزعه على أربعة أفراد.
أدركت داما مشقة تربية الأسرة مبكراً، وقالت "والله تعبت خصوصاً في ظل النزوح، نفسي أعود لبيتي أنا وإخوتي، ما أقوم به فرض عليَّ وبات واجباً، وأنا لست على قدر المسؤولية، هذا أمر لا يتحمله طفل".
وفي هذا الشأن، يقول المتحدث باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسيف" جوناثان كريكس "آباء الأطفال في القطاع إما قتلوا أو أصيبوا أو اضطروا إلى الانتقال لمكان آخر، هذه الحالة خلقت ظروفاً نفسية سيئة للأطفال، وباتت تظهر عليهم أعراض مثل المستويات المفرطة من القلق المستمر وفقدان الشهية وقلة النوم، وتنتابهم نوبات انفعالية أو ذعر".
ويضيف "هؤلاء الأطفال ليست لهم أي علاقة بهذا الصراع، لكنهم يعانون بصورة مبالغة عنفاً لا يجب أن يتعرض له أي طفل، غزة أصبحت أخطر مكان على الأطفال في العالم".