ملخص
ذكرت صحيفة "هآرتس" أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بعد التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار، أعطى "هدية" إلى الوزير اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريتش كي لا ينسحب من ائتلافه الحكومي، وهي عملية نقل مصغرة لبعض سكان الضفة الغربية.
توسيع استخدام العقاب الجماعي للمخيمات الفلسطينية وتدمير شبكات المياه والكهرباء والصرف الصحي وشبكات تصريف مياه الأمطار، ترمي إلى إنهاك المجتمع المحلي لإجباره على نبذ أنشطة الفصائل الفلسطينية المسلحة.
العمليات العسكرية الإسرائيلية التي بدأت في مخيم جنين، وتوسعت لتشمل مخيمات طولكرم ونور شمس والفارعة شمال الضفة وأدت إلى تدمير واسع للبنية التحتية والمنازل ونقص حاد في المواد الأساسية والخدمات الطبية، فاقمت معاناة السكان الذين اضطروا إلى ترك منازلهم قسراً.
بعد ساعات قليلة من بدء حملة عسكرية واسعة في مخيم "نور شمس" شمال الضفة الغربية الذي يقطنه نحو 13 ألف نسمة، فرّ يزن أبو شعلة (28 سنة) برفقة زوجته سندس شلبي (23 سنة) الحامل بشهرها الثامن، بمحاذاة الشارع القريب من المخيم على أمل الوصول إلى ملاذ آمن مع اقتراب موعد ولادتها الأولى، إلا أن أوامر قائد فرقة الضفة ياكي دولف بإطلاق النار على أي مركبة آتية من منطقة قتال باتجاه أي حاجز عسكري، قضت على أحلام الزوجين الشابين، إذ سهلت على الجنود الإسرائيليين الضغط على الزناد وإطلاق النار على مركبتهما فأصيب الزوج وقتلت سندس وجنينها بثلاث رصاصات، على رغم أنهما لم يكونا مسلحين ولا يحملان سوى أوراقهما الثبوتية وقليلاً من الملابس. وبينما كانت الجرافات الإسرائيلية "دي91" تقوم بأعمال تدمير المنازل والبنى التحتية في المخيم مماثلة لما يجري في مخيمي طولكرم وجنين القريبين، دفع الجيش الإسرائيلي بثلاث كتائب عسكرية إلى الضفة الغربية بعد وقت قصير من قرار رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تنفيذ "عملية قوية وصارمة" في مخيمات الضفة، عقب سلسلة تفجيرات داخل حافلات إسرائيلية وقعت مساء الخميس الماضي في بات يام وحولون قرب تل أبيب من دون وقوع إصابات. ومع دخول العلمية العسكرية "السور الحديدي" في مدينة جنين ومخيمها يومها الـ 33 وفي طولكرم يومها الـ14 يعتزم الجيش الإسرائيلي الدفع بدبابات في معارك شمال الضفة للمرة الأولى منذ عملية "السور الواقي" عام 2002.
تدمير واسع
العملية العسكرية غير المسبوقة على مخيمات شمال الضفة الغربية خلفت دماراً واسعاً داخل أحيائه وفي منازل المواطنين وممتلكاتهم، مما غيّر من معالمها وجغرافيتها بصورة كبيرة. ووفقاً للجنة الإعلامية في مخيم جنين، فإن المخيم منذ بدء العملية العسكرية في الـ21 من يناير (كانون الثاني) الماضي، يعاني انقطاعاً تاماً للمياه والكهرباء ونقصاً حاداً في المواد الغذائية والحاجات الأساسية للأطفال، إلى جانب توقف المدارس والخدمات الصحية، مما يفاقم الأوضاع المعيشية، خصوصاً مع تعرض 470 منشأة ومنزلاً للتدمير الكلي والجزئي وما تواجهه أربعة مستشفيات في المدينة من أزمة حادة لعدم توافر المياه، مما تسبب بضعف كبير في تقديم الخدمات الصحية للمرضى، في حين أكدت بيانات رسمية فلسطينية أن 35 في المئة من سكان مدينة جنين يعانون عدم توافر المياه. وانتشرت فرق المشاة داخل المخيم في مناطق عدة لبناء غرف عسكرية محصنة تستخدم للاتصالات العسكرية الداخلية إلى جانب استيلائها على مبانٍ سكنية، أجبرت سكانها على إخلائها وحوّلتها إلى ثكنات عسكرية، كما نصبت الحواجز العسكرية في مختلف شوارع ومفارق الطرق المؤدية إلى المخيم. فيما أكدت اللجنة الشعبية في مخيم طولكرم أن الجيش الإسرائيلي دمر نحو 300 مبنى بالكامل، عمد إلى نسف أو حرق ما يقارب 2000 منزل بصورة كلّية أو بإلحاق أضرار جزئية بها، كما عمد إلى توسعة شوارع المخيم الضيقة باستخدام المتفجرات والجرافات الثقيلة، مما أسفر عن تدمير كامل للطرقات والبنية التحتية والممتلكات العامة والخاصة وعمّق من معاناة المخيم ودفع محللين إلى القول إن إسرائيل تستعمل البنية التحتية ورقة مساومة سياسية وأداة من أدوات الحرب والعقاب.
وبينما يقول الجيش الإسرائيلي إن العملية العسكرية التي بدأها منذ أربعة أسابيع تستهدف فقط "المسلحين" في المخيمات، يرى كثير من الفلسطينيين أن "هذه العمليات الممنهجة تستهدف تدمير المخيمات بالكامل وتغيير هويتها المعمارية عبر شق شبكة طرق واسعة داخلها تهدف إلى تحويلها لمربعات سكنية وأحياء ضمن المدن". ونقلت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية عن مصادر في وزارة الدفاع أن تل أبيب تدفع باتجاه "تبني خطة لإعادة بناء المخيمات وأنهم حصلوا على موافقة الحكومة على ذلك"، إذ إن 19 مخيماً في الضفة الغربية يقطنها نحو مليون لاجئ (ثلث سكان الضفة) حافظت على شكل محدد منذ عام 1948. وقال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إن "نهج الإبادة المتجدد" الذي يمارسه الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية "يشمل القتل والتهجير والتدمير وقطع إمدادات الحياة عن المخيمات. في حين وصفت مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة فرانشيسكا ألبانيز الممارسات الإسرائيلية في الضفة الغربية بأنها "ممارسات إجرامية"، محذرة من أن "نية الإبادة الجماعية واضحة في الطريقة التي تستهدف بها إسرائيل الفلسطينيين"، ودعت مطلع فبراير (شباط) الجاري المجتمع الدولي عبر حسابها على منصة "إكس" إلى التدخل ووقف عمليات التدمير التي "امتدت إلى جميع الأراضي المحتلة، وليس غزة فقط".
نزوح كبير
العمليات العسكرية الإسرائيلية التي بدأت في مخيم جنين وتوسعت لتشمل مخيمات طولكرم ونور شمس والفارعة شمال الضفة وأدت إلى تدمير واسع للبنية التحتية والمنازل ونقص حاد في المواد الأساسية والخدمات الطبية، فاقمت معاناة السكان الذين اضطروا إلى ترك منازلهم قسراً. وأفادت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) بأن التهجير القسري واسع النطاق في المخيمات طاول 40 ألف شخص، محذرة من تصاعد هذه السياسة بوتيرة مقلقة، ووصفت في بيان لها نشرته عبر منصة "إكس"، عملية "الجدار الحديدي" بأنها "الأطول منذ الانتفاضة الثانية عام 2000 ويتم عبرها إفراغ كثير من مخيمات اللاجئين من سكانها تقريباً". ووثق أمميون استخدام القوات الإسرائيلية للضربات الجوية والجرافات المدرعة والتفجيرات المسيطر عليها والأسلحة المتطورة على نطاق واسع أثناء العمليات العسكرية، في حين وثقت "أونروا" شن 38 غارة إسرائيلية في الأقل على الضفة الغربية منذ بداية العام الحالي، مبينة أن هذه الأساليب العسكرية "لا تتماشى مع سياق إنفاذ القانون في الضفة الغربية". وقال عضو لجنة إدارة مخيم جنين سالم السعدي إن 80 في المئة من سكان المخيم الذين يقدر عددهم بـ30 ألف نسمة فروا منذ بدء الحملة، فيما يواجه المواطنون الذين بقوا داخل منازلهم صعوبات في الحركة لوجود القناصة بصورة دائمة، مما يعرض حياتهم للخطر. في حين تسببت العملية العسكرية على مدينة طولكرم ومخيميها بنزوح أكثر من 16 ألف مواطن، من بينهم 11 ألفاً من مخيم طولكرم، و5500 من مخيم نور شمس. أما في مخيم الفارعة التابع لمدينة طوباس، فطاول النزوح ثلاثة آلاف لاجئ، ناهيك عن الدمار الواسع في البنى التحتية والمنازل. ووفق تقديرات مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة فإن 82 في المئة من الأسر المهجرة شمال الضفة الغربية تعيش حالياً في مساكن مستأجرة.
نحو الكارثة
وتقول "أونروا" إن مخيم جنين يتجه "نحو الكارثة" جراء تدمير أجزاء كبيرة منه بالكامل نتيجة عمليات القصف المكثفة التي قامت بها القوات الإسرائيلية. وأكدت مديرة الإعلام في الوكالة جولييت توما أن التصعيد الأخير "حرم الأطفال في المخيم من العودة لمدارسهم"، مما أدى إلى بقاء "13 مدرسة في المخيم ومحيطه مغلقة، وأثّر ذلك في خمسة آلاف طفل في المنطقة". وشدد المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك من جهته على أن الوكالة "ستواصل أنشطتها على الأرض" وأن موظفيها لا يزالون في مواقع عملهم ويواصلون "تقديم المساعدات والخدمات إلى المجتمعات التي يخدمونها"، مضيفاً أن "عيادات ’أونروا‘ في جميع أنحاء الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، لا تزال مفتوحة". ووفق معطيات الموقع الإلكتروني لـ"أونروا" فإنها تقدم خدماتها في 19 مخيماً بالضفة الغربية لنحو 913 ألف لاجئ مسجل، بينهم نحو 48 ألف طالب وطالبة، فضلاً عن تقديم خدمات صحية من خلال 43 مركزاً صحياً". وبحسب نائبة رئيس "الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان" وممثلة مؤسسة "الحق" الفلسطينية ديانا الزير فإن "قوات الجيش الإسرائيلي مارست أساليب وحشية لإفراغ مخيمات اللاجئين وتفتيش منازل الفلسطينيين وتدمير البنية التحتية والمساكن، ولجأت إلى الغارات الجوية لقتل الفلسطينيين وعرقلة الرعاية الطبية في التجمعات السكانية".
مشكلات أمنية
وفي وقت يزعم الجيش أنه "لا توجد سياسة متعمدة لإجلاء السكان"، أعلن وزير الأمن الإسرائيلي يسرائيل كاتس أن الجيش وسع عملياته ضمن منطقة شمال الضفة، بخاصة في قباطية، مشيراً إلى تعزيز القوات الإسرائيلية بوحدات مدرعة إضافية، وأعلن كذلك عن تعليق أنشطة "أونروا" داخل المخيمات، في خطوة تفاقم الأزمة الإنسانية التي يواجهها آلاف النازحين. وأوضح كاتس أنه أصدر أوامره للجيش بعدم السماح للسكان بالعودة للمخيمات وبالاستعداد للبقاء في هذه المناطق مدة عام لمنع عودتهم، في ما وصفه بـ"منع عودة الإرهاب"، مشدداً على أن العمليات العسكرية ستتواصل لتشمل مخيمات ومراكز فلسطينية أخرى ضمن استراتيجية تهدف إلى تفكيك الفصائل الفلسطينية المسلحة وتدمير بنيتها العسكرية. واختتم كاتس تصريحه بالتشديد على أن إسرائيل "لن تعود للوضع السابق" وأن العمليات العسكرية ستستمر حتى "القضاء التام على الإرهاب"، في إشارة إلى مواصلة سياسة التهجير وتكريس الوجود العسكري الإسرائيلي في شمال الضفة الغربية. وأفادت صحيفة "هآرتس" بأن الممارسات الإسرائيلية "أدت إلى عمليات إجلاء على نطاق واسع للسكان لفترات طويلة للغاية مقارنة بعمليات إجلاء سابقة"، مضيفة "حتى مع عدم إعلان إجلاء رسمي منظم، فإن ممارسات حظر التجول وإطلاق النار والتدمير وقطع التيار الكهربائي والعجز في إمدادات مياه الشرب قد تدفع السكان إلى مغادرة طوعية للمنطقة". وذكرت الصحيفة أن هذه العملية العسكرية "بدأت بضغط شديد من المستوطنين الإسرائيليين على مدى العام الماضي بهدف تحويل الضفة الغربية إلى جبهة أخرى للحرب"، مشيرة إلى أن نتنياهو بعد التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار، أعطى "هدية" إلى الوزير اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريتش كي لا ينسحب من ائتلافه الحكومي، وهي عملية نقل مصغرة لبعض سكان الضفة الغربية. وترى الصحيفة أن "انتهاكات حقوق الفلسطينيين لن تؤدي فقط إلى الفشل في حل المشكلات الأمنية التي تواجهها إسرائيل، بل ستؤدي "بالتأكيد إلى اتساع دائرة العنف والقضاء على أي احتمال لنجاح حل الدولتين". وفي بيان صدر عنه في وقت سابق اليوم الأحد، أعلن الجيش الإسرائيلي عن توسيع عملياته العسكرية في شمال الضفة الغربية، حيث بدأت قوات من لواء "ناحال" ووحدة "دوفدوفان" وفصيلة دبابات بالعمل في قرى إضافية بمحيط جنين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
عقاب جماعي
وفي وقت تطالب "أونروا" بضرورة حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية في جميع الأوقات وتؤكد أن "العقاب الجماعي" غير مقبول على الإطلاق، قال باحثون وخبراء إن توسيع استخدام العقاب الجماعي في المخيمات الفلسطينية بالبنية التحتية وتدمير شبكات المياه والكهرباء والصرف الصحي وشبكات تصريف مياه الأمطار ترمي إلى إنهاك المجتمع المحلي لإجباره على نبذ أنشطة الفصائل الفلسطينية المسلحة. ويخشى نازحون من مخيمات جنين ونور شمس وطولكرم وغيرها من تردي أوضاعهم الاقتصادية الصعبة مع انقطاعهم المستمر عن العمل بفعل العمليات العسكرية المتلاحقة من الجيش والاقتحامات والتفجيرات وتدميره لمنشآتهم الاقتصادية التي تُعدّ مصدر دخلهم الوحيد. وبحسب الأرقام الرسمية المعلنة شهدت مدينة جنين ومخيمها منذ بداية العام الحالي ما بين 20 و30 اقتحاماً وعملية عسكرية، ووصلت أيام الإغلاق للسوق المحلية إلى 170 يوماً. وبحسب الباحث إبراهيم ربايعة فإن التدمير المتكرر للشوارع ذاتها أكثر من 20 مرة في مدينة جنين تسبب بخسائر اقتصادية فادحة للمدينة، خصوصاً بعد إغلاق حاجز الجلمة شمال المدينة، حيث ادعى قائد منطقة جنين عام 2023 أن جنين تخاطر باحتضانها فصائل مسلحة دخول 24 مليون دولار من التبادل التجاري مع الداخل وفتح معبر الجلمة. ويرى الباحث الفلسطيني أن الإنهاك الاقتصادي وتدمير البنية التحتية تحولا إلى سلاح في الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية.
