ملخص
قبل نحو 24 يوماً أطلق الجيش الإسرائيلي عملية "السور الحديدي" في مخيم جنين، قبل أن تتسع لتشمل مخيمات طولكرم والفارعة ونور شمس بهدف "سحق البنية التحتية للإرهابيين في مخيمات اللاجئين، ومنع عودتهم"، وفق وزير الدفاع الإسرائيلي يسراتيل كاتس.
لم تكن العملية العسكرية للجيش الإسرائيلي في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في شمال الضفة الغربية كسابقاتها خلال السنوات الماضية فهي الأطول زمنياً، والأوسع تدميراً لتلك المخيمات، وتغييراً للواقع الجغرافي والديموغرافي فيها بهدف خلق واقع جديد "يمنع عودة المسلحين".
وقبل نحو 24 يوماً أطلق الجيش الإسرائيلي عملية "السور الحديدي" في مخيم جنين، قبل أن تتسع لتشمل مخيمات طولكرم والفارعة ونور شمس بهدف "سحق البنية التحتية للإرهابيين في مخيمات اللاجئين، ومنع عودتهم"، وفق وزير الدفاع الإسرائيلي يسراتيل كاتس.
عملية متواصلة في الضفة سببت قتلى ونزوحاً
وتسببت تلك العملية المتواصلة في قتل أكثر من 40 فلسطينياً، ونزوح الغالبية العظمى من تلك المخيمات، إذ وصل عدد النازحين منها إلى 40 ألفاً على الأٌقل، وفق وكالة "أونروا".
وبعد إخلاء مخيم جنين من سكانه كافة قبل أسابيع، يعمل الجيش الإسرائيلي على إخلاء مخيم نور شمس في طولكرم من سكانه حيث أطلق اليوم الأربعاء دعوات لخروجهم من المخيم عبر مكبرات الصوت.
وأفاد شهود عيان "اندبندنت عربية" بأن القوات الإسرائيلية تتبع استراتيجية جديدة في مخيم جنين وغيره من المخيمات، عبر شق طرق واسعة في المخيم على أنقاض المنازل التي دمرتها، وبعد إجبار سكانها على النزوح منها.
وأشار رئيس بلدية جنين محمد جرار إلى أن "التدمير العشوائي لقوات الاحتلال الإسرائيلية حول مخيم جنين إلى مكان غير قابل للحياة، وذلك بعد تهجير سُكانه"، وبحسب جرار فإن تلك القوات تشق طرقاً واسعة في مناطق مكتظة وضيقة من المخيم على أنقاض المنازل بعد تدميرها.
ويستهدف ذلك تهيئة الأوضاع على الأرض لإتاحة استمرارية اقتحام الجيش الإسرائيلي لتلك المخيمات، في ظل دراسة بقاء قواته في تلك المخيمات"، بحسب مصادر إسرائيلية أشارت أيضاً إلى أن "الجيش الإسرائيلي يدرس تخصص كتيبة من قواته تعمل بشكل دائم في مخيمات اللاجئين، لتمكينه من التصرف بسرعة نسبية في مواجهة المعلومات الاستخباراتية".
تداعيات عملية "السور الحديدي" في الضفة
وتوعد وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس بـ"عدم السماح لمحور الشر الإيراني بإقامة جبهة إرهاب شرقية من شأنها أن تهدد مستوطنات، وخط التماس والمراكز السكانية الكبيرة في إسرائيل".
وبحسب وكالة "أونروا" فإن عملية "السور الحديدي" أدت إلى "تفريغ العديد من مخيمات اللاجئين في شمال الضفة الغربية، كما أن التهجير القسري منها يتصاعد بوتيرة مثيرة للقلق".
وقالت الوكالة إن آلاف العائلات "هُجِرت قسراً منذ أن بدأت القوات الإسرائيلية تنفيذ عمليات واسعة النطاق في الضفة الغربية في منتصف عام 2023، وأشارت إلى أن المسلحين الفلسطينيين "ينشطون بشكل متزايد في شمال الضفة الغربية، حيث ينشرون العبوات الناسفة البدائية داخل مخيمات اللاجئين".
وطالبت الوكالة بضرورة حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية في جميع الأوقات، مؤكدة رفضها "العقاب الجماعي".
واعتبر الخبير الاستراتيجي عنان وهبة أن الجيش الإسرائيلي "يتبع استراتيجية عسكرية وأمنية مختلفة عن السابق، وذلك بعد تغيير قواعد الاشتباك بالكامل بعد هجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023".
وأشار وهبة إلى وجود "مخاوف من تسليح الضفة الغربية عبر سوريا والأردن، مضيفاً أن "التغيير في نهج العمل يقوده الجيش الإسرائيلي، وليس اليمين الإسرائيلي بسبب التهديدات على الأمن القومي الإسرائيلي".
وأوضح أن الجيش الإسرائيلي يعمل على "إزالة التهديدات كافة مهما كان الثمن من مخيمات اللاجئين خاصة في ظل وجود مستوى عسكري لها كبير، وليس خلايا مسلحة".
وعن إجبار الفلسطينيين في تلك المخيمات على النزوح من منازلهم، قال وهبة إنه "يُعد جزءاً من نهج عسكري في حروب المدن، ولتجنب سقوط ضحايا بين المدنيين".
العملية العسكرية في الضفة تتصاعد وتيرتها تباعاً
ويرى مدير مركز "يبوس" للدراسات الاستراتيجية سليمان بشارات أن العملية العسكرية ضد مخيمات اللاجئين الفلسطينيين "لن تقتصر فقط على شمال الضفة الغربية لكنها تتصاعد لتشمل جميع المخيمات فيها".
ووفق بشارات فإن إسرائيل تستهدف "بشكل مقصود المخيمات في محاولة منها لمحو هويتها الوطنية النضالية، والقضاء على حق عودة اللاجئين"، موضحاً أن الجيش الإسرائيلي يعمل على "تغيير الطابع الجغرافي الديموغرافي في المخيمات عبر شق طرق فيها، وإجبار سكانه على النزوح عنها".
وشكلت مخيمات اللاجئين وفق بشارات "شرارة انطلاقة الانتفاضات ضد الاحتلال الإسرائيلي، والمغذي البشري لها"، لذلك فإن إسرائيل تسعى إلى "القضاء على أي دور لها في مقاومة إسرائيل، وأي عمل يمكن أن يشكل ثورة في وجه الاحتلال الإسرائيلي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن بشارات شدد على أن الهدف الإسرائيلي من عمليته العسكرية "أكبر من البُعد الأمني والعسكري الذي يتم التسويق له"، مضيفاً أن "العملية تهدف على المدى البعيد في التخلص من رمزية المخيم، وقضة اللاجئين".
وحول الهدف العسكري، قال بشارات إن الجيش الإسرائيلي "يريد تأسيس واقع ميداني يتيح له حرية العمل في المخيمات، وجعل اقتحامه لتلك المخيمات أمراً اعتيادياً لمنع نمو الظواهر المسلحة فيها".
ومع أن العملية العسكرية الإسرائيلية تتركز على مخيمات اللاجئين، إلا أنها تعد الأطول زمنياً والأكثر حجماً وتدميراً منذ سنوات طويلة.
ضغط عسكري غير مسبوق في الضفة
ويرى الباحث في الشؤون الإسرائيلية عماد أبو عواد أن "الضغط العسكري الإسرائيلي غير المسبوق جاء وفق مخطط قديم لكن الحرب في قطاع غزة ورد فعل العالم الباهت على ما شهدته من إبادة جماعية، وتدمير واسع شجع إسرائيل على تبكيرها بعد أن كانت معدة للسنوات المقبلة".
وأوضح عواد أن اليمين الإسرائيلي يسعى إلى "تقليل عدد الفلسطينيين في الضفة الغربية، وتغير الواقع الجغرافي في المخيمات، لأنها تُفرخ المسلحين والإرهابيين وفق الرؤية الإسرائيلية".
وبحسب عواد فإن القضاء على الخلايا المسلحة يُعد الجانب المعلن للعملية العسكرية لكن الهدف النهائي هو دفع الفلسطينيين إلى "القبول بإدارة ذاتية على مناطق محدودة من الضفة الغربية، وتعزيز الاستيطان في شمالها".
وأفاد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية بأن العمليات المستمرة التي تنفذها القوات الإسرائيلية في جنين وطولكرم وطوباس تواصل التسبب في وقوع إصابات بين المدنيين، حيث قُتل ما لا يقل عن 40 شخصاً منذ بدء العمليات في 21 يناير (كانون الثاني) الماضي.