ملخص
قالت المنسقية العامة لمعسكرات النازحين واللاجئين في بيان إنها "مجزرة جديدة تضاف إلى تاريخ المعاناة الطويل للنازحين، إذ تحولت شوارع المعسكر إلى ساحات موت وامتلأت بالدماء والأشلاء، فيما عاش الأطفال والنساء ساعات من الرعب والجوع والخذلان".
صمدت سارة في وجه المجاعة والحروب وأعوام النزوح في مخيم زمزم في إقليم دارفور غرب السودان من دون أن تفكر بالفرار يوماً، إلى أن أتى هجوم قوات "الدعم السريع" وحوّل ملجأها إلى "ساحات موت".
بدأت عمليات القصف وإطلاق النار الثلاثاء الماضي عندما هاجمت قوات "الدعم السريع" التي تخوض حرباً مع الجيش منذ قرابة عامين، مخيم النازحين هذا مضرمة النار في السوق الرئيسة، على ما أفاد شهود.
وتروي سارة لدى وصولها إلى طويلة التي تبعد 60 كيلومتراً غرب زمزم أن "القنابل كانت تقع في بعض البيوت والجثث كانت في الشارع، لم تكن ثمة وسيلة للبقاء".
وتضيف سارة التي كانت تدرُس الأدب قبل اندلاع الحرب في بلادها "في منتصف الليل قمنا مع الأولاد والجدات وبدأنا نمشي، والطريق كان طويلاً".
والتقى صحافي في وكالة الصحافة الفرنسية عائلات فرت من هذه المدينة الصغيرة التي يعاني سكانها الجوع، وتكاد لا تدخل إليها المساعدات الإنسانية ولا الصحافيون.
ومشت سارة وأفراد عائلتها على مدى ثلاثة أيام فيما الخوف يهيمن عليهم من الطائرات التي تحلق فوق رؤوسهم وعناصر قوات "الدعم السريع" الذين يلتقونهم.
وتقول الشابة البالغة 22 سنة التي فضلت استخدام اسم مستعار خشية من أي انتقام "ثمة ناس قبلنا تعرضوا للنهب وثمة ناس تعرضوا للضرب، وتوفي شاب".
مغادرة المخيم
ومخيم زمزم وهو الأكبر في دارفور ويضم نصف مليون إلى مليون شخص بحسب المصادر الإنسانية المختلفة، كان أول مكان تعلن فيه المجاعة في السودان في أغسطس (آب) عام 2024.
ويشهد السودان منذ أبريل (نيسان) 2023 حرباً بين الجيش بقيادة عبدالفتاح البرهان وقوات "الدعم السريع" بقيادة نائبه السابق محمد حمدان دقلو الملقب "حميدتي".
لكن الأسبوع الماضي اضطر سكان مخيم زمزم الذي أقيم العام الماضي إلى مغادرته، ومنذ مايو (أيار) 2024 تحاصر قوات "الدعم السريع" الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور من دون أن تنجح في السيطرة على هذه المدينة الواقعة شمال زمزم.
وكثفت هجماتها على المدينة والبلدات المجاورة خلال الأسابيع الأخيرة، مما اضطر آلاف العائلات إلى الفرار بحسب الأمم المتحدة.
وأظهرت صور ملتقطة بواسطة الأقمار الاصطناعية عاينتها وكالة الصحافة الفرنسية الخميس الماضي أبنية وقد سويت بالأرض عند المدخل الشرقي للمخيم.
وقالت المنسقية العامة لمعسكرات النازحين واللاجئين في بيان إنها "مجزرة جديدة تضاف إلى تاريخ المعاناة الطويل للنازحين، إذ تحولت شوارع المعسكر إلى ساحات موت وامتلأت بالدماء والأشلاء، فيما عاش الأطفال والنساء ساعات من الرعب والجوع والخذلان".
وأضاف البيان أن "النيران تلتهم البيوت والصرخات تختلط بأزيز الرصاص، بينما يسقط العشرات بين قتيل وجريح".
واستمر الهجوم ما لا يقل عن ثلاثة أيام، بحسب شهود عيان، مما أسفر عن سقوط 19 قتيلاً في الأقل على ما قال أول من أمس الأحد حاكم دارفور مني مناوي الذي تقاتل قواته إلى جانب الجيش قوات "الدعم السريع".
وأعلنت الأمم المتحدة أن عاملين في المجال الإنساني في الأقل قتلا أيضاً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويعتبر المستشفى الميداني الذي تديره منظمة "أطباء بلا حدود" الوحيد القادر على استقبال المصابين، لكن لا يمكنه توفير العلاج المناسب في غياب قسم للجراحة.
ويقول آدم عيسى الذي اضطر إلى مغادرة منزله بعدما اندلعت فيه النيران "بعض الناس تركناهم مصابين على الأرض"، وفرت العائلات مع ما تمكنت من حمله من أغراض لكن عند وصولها إلى طويلة لم يبقَ معها شيء.
وتروي مقبولة محمد "عند خمسة حواجز، قام عناصر ’الدعم السريع‘ بتثبيتنا وتفتيشنا، وقالوا إننا مؤيدون للجيش وأن رجالنا من العسكر".
وتضيف السيدة البالغة 37 سنة وسبق لها أن نزحت مرات عدة "أخذوا هواتفنا والأموال ولم يبقوا لنا شيئاً، أخذوا حتى بطانياتنا".
وتقول محمد التي فرت من قرية شقرة إن عناصر "الدعم السريع" حذروا الناس من أنهم حتى "إذا ذهبتم إلى زمزم، إذا ذهبتم إلى الفاشر، سنلاحقككم".
وفي بيان أصدرته الخميس الماضي، أكدت قوات "الدعم السريع" أنها نفذت عمليات سريعة "لتحرير "النازحين" في زمزم، معللة ذلك بأن المخيم تحول إلى "قاعدة عسكرية" لمجموعات مسلحة موالية للجيش.
وشددت قوات "الدعم السريع" التي تتهمها الولايات المتحدة بارتكاب إبادة جماعية في دارفور، على أنها لم تستهدف المدنيين على الإطلاق.
وبحسب الأمم المتحدة، كثفت قوات "الدعم السريع" خلال الأسابيع الماضية هجماتها ضد هذه المدينة والقرى المحاذية لها، مما أرغم آلاف الأشخاص على الفرار.
وفي سبتمبر (أيلول) 2024، أفادت منظمة الصحة العالمية بأن ما لا يقل عن 20 ألف شخص قتلوا منذ بداية الحرب في السودان، بينما تصل بعض التقديرات إلى 150 ألف قتيل، بحسب ما أفاد المبعوث الأميركي توم بيرييلو في تصريحات سابقة.
وحذرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف") من أن تصاعد أعمال العنف في زمزم والفاشر "يهدد مئات آلاف الأطفال".
تصفية النازحين
وفي بيان نبهت "الإدارة العليا لمعسكر زمزم للنازحين"، وهي مجموعة مدنية تتولى إدارة المخيم، إلى أن قوات "الدعم السريع" تسعى الى "تصفية النازحين واستئصال وجودهم بالكامل"، لافتة إلى أن "ما يحدث الآن في دارفور ليس مجرد نزاع، بل إبادة جماعية موثقة تتطلب تحركاً دولياً فورياً، وإلا فإن التاريخ سيحفظ هذا التواطؤ الدولي القبيح كوصمة عار في جبين العالم الحر".
وشددت منظمة العفو الدولية من جهتها على الحاجة الطارئة إلى "ضغط دولي فعلي" على طرفي الحرب في السودان، بخاصة لجهة توسيع حظر الأسلحة ليشمل كامل السودان وليس فقط دارفور.
ويواجه طرفا النزاع اتهامات بارتكاب جرائم حرب واستهداف المدنيين وقصف المنازل والأسواق والمستشفيات، وعرقلة دخول المساعدات الإنسانية وتوزيعها.
وأدى النزاع في السودان إلى كارثة إنسانية هائلة مع مقتل عشرات الآلاف ونزوح أكثر من 12 مليون شخص فيما الملايين على حافة المجاعة.
وتعهد "جيش تحرير السودان" بقيادة عبدالواحد محمد أحمد النور، وهو جماعة مسلحة مستقلة عن الجيش وقوات "الدعم السريع"، حماية المدنيين في طويلة، لكن ذلك ليس كافياً بالنسبة إلى سارة التي تفتقد المأوى والغذاء والمال.
وتقول "تمكنا من الفرار بما كان علينا، بعدما وصلنا إلى طويلة، ليست لدينا منازل ولا خدمات ولا قدرة لدينا على أن نمشي إلى المستشفى، الجو بارد وليس لدينا ما نغطي أنفسنا به".