Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الحرب تدمر تراث غزة الثقافي وتبدد إرثها التاريخي

الاستهداف الأكبر طاول الأماكن والمباني العتيقة مثل المساجد والكنائس والأسواق ومراكز المدن

138 موقعاً من المواقع التي تم توثيقها في قطاع غزة والبالغة 316 موقعاً أثرياً وتاريخياً تعرضت لتدمير شديد (أ ف ب)

ملخص

ما إن انقشع غبار الحرب التي استمرت 15 شهراً حتى انكشف حجم الدمار الهائل الذي أصاب المواقع الأثرية والثقافية التاريخية في قطاع غزة، منها آثار شاهدة على تاريخ يعود إلى 5 آلاف سنة مضت، شملت المساجد والكنائس والمقامات الدينية والمتاحف والمكتبات ومراكز المخطوطات إلى جانب مراكز ثقافية وفنية وجامعات ومؤسسات أكاديمية.

على ضفاف البحر الأبيض المتوسط شمال غربي مدينة غزة يتفقد فلسطينيون بخطوات متثاقلة وبمشاعر من الحسرة والألم ما تبقى من ميناء الأنثيدون الأثري (البلاخية)، فالبناء الذي يعود تاريخه إلى 800 عام قبل الميلاد، ويعد من أهم المعالم الأثرية في غزة، ومنطقة الشرق الأوسط تحول إلى ركام واختفت معالمه الأثرية تحت جنازير الدبابات الإسرائيلية.

وبات الميناء الذي كان شامخاً يوماً ما أثراً بعد عين، فيما تسبب القصف الإسرائيلي في الموقع الأثري لإحداث في الأقل 30 حفرة، بقطر يراوح ما بين ثمانية أمتار و16 متراً.

وما إن انقشع غبار الحرب التي استمرت 15 شهراً حتى انكشف حجم الدمار الهائل الذي أصاب المواقع الأثرية والثقافية التاريخية في قطاع غزة، منها آثار شاهدة على تاريخ يعود إلى 5 آلاف سنة مضت، شملت المساجد والكنائس والمقامات الدينية والمتاحف والمكتبات ومراكز المخطوطات إلى جانب مراكز ثقافية وفنية وجامعات ومؤسسات أكاديمية.

وكشف فريق مركز حفظ التراث الثقافي في بيت لحم، المتخصص في أعمال ترميم وتأهيل المباني التاريخية عن أن 138 موقعاً من المواقع التي تم توثيقها في قطاع غزة، والبالغة 316 موقعاً أثرياً وتاريخياً تعرضت لتدمير شديد، فيما تعرض 61 موقعاً لتدمير جزئي.

وتعد غزة من مدن العالم القديم الزاخرة بالتراث، حيث خضعت لحكم الفراعنة والإغريق والرومان والبيزنطيين، ثم العهد الإسلامي.

بحسب المادة 27 من الملحق الرابع لأنظمة لاهاي لعام 1907 يجب على القوات في حالات الحصار اتخاذ الوسائل كافة لعدم المساس بالمباني المعدة للعبادة والفنون والعلوم والأعمال الخيرية والآثار التاريخية، كما حرمت المادة 56 من أنظمة لاهاي لعام 1954 أي حجر أو تخريب للمنشآت المخصصة للعبادة والبر والمباني التاريخية.

وألزمت المادة الخامسة من اتفاقية لاهاي كل طرف يحتل إقليماً أو جزءاً منه تقديم العون لحكومة الطرف الذي احتلت أرضه من أجل اتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية الممتلكات الثقافية، كما تضمنت البروتوكولات الإضافية لاتفاقية جنيف الرابعة لعام 1977 في المادة رقم 53 من البروتوكول الأول، والمادة رقم 16 من البروتوكول الثاني، حظراً لارتكاب أي أعمال عدائية موجهة ضد الآثار التاريخية، أو الأعمال الفنية وأماكن العبادة التي تشكل التراث الروحي للشعب.

وتحظر الاتفاقية الدولية لحماية التراث العالمي لعام 1972 والاتفاقية الدولية لحماية التراث المغمور لعام 2001، والاتفاقية الدولية في شأن التدمير المتعمد لعام 2003، والاتفاقية الدولية لصون التراث غير المادي التي تنطبق على الأراضي المحتلة، كالمعاهدة الدولية لعام 1970 "استيراد وتصدير ونقل ملكية الممتلكات الثقافية بطرق غير مشروعة".

وبموجب القانون الدولي يترتب على إسرائيل كقوة محتلة التزام بنود القانون التي تنص على واجبها في حماية التراث الثقافي والطبيعي، وعلى وجه الخصوص اتفاقية منع الإبادة الجماعية ومعاقبة مرتكبيها لعام 1948، واتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 وملاحقها، وكذلك اتفاقية لاهاي لحماية الممتلكات الثقافية في أثناء النزاع المسلح لعام 1954، وتوصيات منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونيسكو" حول المبادئ الدولية المنطبقة على التنقيبات الأثرية في نيودلهي لعام 1956.

تدمير تام

خلال 15 شهراً من الحرب على غزة، تعرضت مجموعة كبيرة من المواقع الأثرية لأعمال تدمير واسعة أبرزها تل السكن وتل العجول جنوب مدينة غزة، اللذان يمثلان تاريخ غزة في العصر البرونزي المبكر والوسيط والمتأخر، كما تعرضت آثار تل المنطار ومقامات الشيخ علي المنطار والشيخ رضوان لأعمال تدمير واسعة، وألحق القصف أضراراً بالغة بكنيسة جباليا البيزنطية التي طاولت أرضيتها الفسيفساء المكتوبة باللغة اليونانية، وزخارفها الغنية، في حين لم تسلم مقبرة جباليا الأثرية التي تم الكشف فيها عن مئات القبور من الفترتين الرومانية والبيزنطية من الدمار.

 

 

وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 نفذت القوات الإسرائيلية ضربة جوية على دير القديس هيلاريون (تل أم عامر) الذي يعد أحد أقدم المواقع في الشرق الأوسط، وأول مجتمع رهباني في الأرض المقدسة، وتشير التقديرات إلى تعرض مقبرة دير البلح الأثرية على شاطئ دير البلح لأعمال تدمير واسعة، وهي المقبرة التي تم الكشف فيها في الفترة بين 1972 و1982، على توابيت فخارية على شكل الإنسان من القرن الـ12 قبل الميلاد.

وتعرضت كنيسة القديس بيرفيريوس التي تنسب إلى مطران غزة في القرن الخامس قبل الميلاد لدمار كبير وشديد بعدما تعرضت مطلع الحرب لقصف عنيف طاول ساحتها، وانهيار مبنى وكلاء الكنيسة بالكامل، أدى لمقتل عدد كبير من الناس الذين لجأوا إليها.

القصف الجوي والمدفعي طوال فترة الحرب دمار هائل طاول التراث الثقافي في غزة وبيت حانون ودير البلح وخان يونس ورفح، وشمل المباني التاريخية والمساجد والمدارس والقصور والمقامات والأسبلة، أبرزها تدمير وهدم الجامع العمري في حي الدرج الذي تعرض للتدمير التام، وهو أحد أكبر المساجد في المدينة الذي شيد في الفترة الأيوبية بمساحته التي تبلغ نحو 4100 متر مربع، وأقدم جزء فيه وفقاً لعلماء آثار شيد على الطراز البازلكي لكاتدرائية القديس يوحنا المعمدان من القرن الـ12 الميلادي، ويتميز بنقوشه الكتابية التي تعود إلى العصرين المملوكي والعثماني.

وطاول الدمار جامع كاتب ولاية في حي الزيتون بمدينة غزة القديمة، الذي يعود أقدم جزء فيه إلى العصر المملوكي عام 1334 ميلادية، وجامع السيد هاشم أحد أجمل المساجد القديمة في حي الدرج بمدينة غزة، الذي شيد على الطراز العثماني، وتبلغ مساحته نحو 2400 متر مربع، وفيه ضريح يعتقد أنه قبر هاشم بن عبد مناف جد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، كما تم تدمير مسجد الظفر دمري المملوكي في حي الشجاعية، والذي أنشأه شهاب الدين أحمد أزفير بن الظفردمري عام 1360 ميلادية، وتبلغ مساحته نحو 600 متر مربع، إلى جانب مجموعة كبيرة من المقامات الدينية في تل المنطار والشيخ عجلين، ومقام الخضر في مدينة رفح، والذي يضم ضريح القديس هيلاريون.

كنائس وقصور

بحسب تقرير وزارة الأوقاف الفلسطينية دمر الجيش الإسرائيلي خلال الحرب 79 في المئة من مساجد القطاع وثلاث كنائس، واستهدف 19 مقبرة من أصل 60 بصورة ممنهجة ومتعمدة، وأفادت في بيان بأن 814 مسجداً من أصل 1245، دمرت بالكامل فيما تضرر 148 مسجداً.

وطاولت عملية التدمير عدداً كبيراً من المتاحف والمجموعات الأثرية التي تقدر بنحو 12 متحفاً، أبرزها متحف قصر الباشا في حي الدرج، الذي يعود تاريخ بنائه إلى العصر المملوكي والمدرسة الكاميلية، التي تنسب إلى الملك الأيوبي الكامل الذي شيدها سنة 1237 ميلادية، ودار السقا في حي الشجاعية ودار الطرزي المميز ببناء معماري من الفترة العثمانية، كما تم تدمير حمام السمرة العثماني وسبيل الرفاعية الذي أنشأه بهرام بن مصطفى باشا عام 1568.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتعرض المستشفى المعمداني في حي الزيتون الذي شيد عام 1882 لدمار كبير وقصف عنيف مطلع الحرب أدى إلى مقتل نحو 471 مواطناً من المقيمين في المستشفى وأهاليهم، كما تم اقتحام مخازن الآثار التابعة لدائرة الآثار في غزة، وتضم عشرات آلاف القطع الأثرية، بما في ذلك المخازن الخاصة بالتنقيبات الأثرية الفلسطينية الدولية.

وأمام كل هذا الدمار وما ينطوي عليه من مخالفة واضحة لاتفاقية لاهاي لحماية الممتلكات الثقافية في أثناء النزاع المسلح لعام 1954، يرى الباحث والمتخصص في علم الآثار حمدان طه "غياب أي دور فاعل لمنظمة (يونيسكو) فيما يتعلق بجرائم تدمير التراث الثقافي في القطاع"، مؤكداً أن مؤسسات التراث الأوروبية "تعجز عن فعل أي شيء حيال تلك الكارثة".

وذكرت منظمة "عيمق شبيه" الإسرائيلية المتخصصة بشؤون الآثار أن حرب إسرائيل على غزة أدت إلى "تدمير مئات المواقع الأثرية والتاريخية داخل القطاع وبسرقة بعضها". وأشارت إلى أنه "لا يسمح لدولة إسرائيل بالاستيلاء على قطعة واحدة من الآثار الموجودة في غزة، التي تعود ملكيتها لشعب غزة".

مسح وتدمير

وقدر تقرير وزارة السياحة والآثار الفلسطينية صدر أخيراً أن تضرر أكثر من 200 موقع أثري في قطاع غزة بدرجات متفاوتة، يحتاج إلى نحو 261 مليون يورو (269 مليون دولار) لإعادة ترميمها على ثلاث مراحل، تشمل الأولى التدخلات العاجلة لإنقاذ المواقع المهددة بالخطر وتدعيمها بموازنة قدرت بـ31.2 مليون يورو (32.2 مليون دولار)، فيما تشمل المرحلة الثانية التدخلات اللازمة لترميم المواقع المهددة جزئياً وإعادة تأهيلها، وتقدر الموازنة اللازمة لذلك بـ96.72 مليون يورو (99.8 مليون دولار)، في حين تشمل المرحلة الثالثة إعادة بناء المواقع المهددة وتقدر الموازنة اللازمة لذلك بـ133.23 مليون يورو (137.45 مليون دولار)، على أن تمتد فترة تنفيذ المراحل الثلاث إلى ثماني سنوات.

 

 

وعد التقرير الرسمي أن المواقع الأثرية التاريخية "جزء مهم من تاريخ وهوية شعب فلسطين على الأرض الفلسطينية"، متهماً الجيش الإسرائيلي بتعمد مسح وتدمير هذا الجزء المهم والركن الأساس من أركان الهوية الوطنية الفلسطينية.

وحذر المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان في وقت سابق من الانتهاك الكبير الصادر من الجيش الإسرائيلي لقواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، لا سيما اتفاقات جنيف ومعاهدة لاهاي الدولية المتعلقة بحماية الإرث الثقافي، فيما حذر عالم الآثار الفرنسي سيمون بريلود، من أن تدمير الجيش الإسرائيلي لغالب المعالم التاريخية في غزة "يضع مستقبل الآثار في القطاع على المحك، ويطرح تساؤلات عديدة".

بدورها علقت السياسية الفلسطينية حنان عشراوي في تغريدة لها على منصة "إكس" أن "إسرائيل لا تريد سحق حاضرنا وتدمير مستقبلنا فحسب، بل تحاول طمس ماضينا"، مضيفة "لقد استهدفت مواقع التراث الثقافي في غزة بصورة متعمدة".

من جهتها كتبت عالمة الآثار آيوشي نايوك "مرة أخرى، هذا انتهاك لاتفاقيتي جنيف ولاهاي، يجب على هيئاتنا المهنية في علم الآثار أن تتحدث وتتصرف". وأردفت قائلة "من المثير للاشمئزاز إخفاقنا في معالجة هذا الأمر، والتزام مسؤوليتنا تجاه التراث الثقافي".

يذكر أن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونيسكو" سجلت موقع البلاخية "أنثيدون" في غزة على اللائحة التمهيدية للمواقع الثقافية في فلسطين ووادي غزة كموقع تراث طبيعي، إلا أنها خلال الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة أدرجت دير القديس هيلاريون "تل أم عامر" على كل من قائمة التراث العالمي وقائمة التراث العالمي المعرض للخطر، إقراراً "بالقيمة التي يكتنزها هذا الموقع والحاجة إلى حمايته".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير