ملخص
يقدر البنك الدولي الأضرار التي لحقت بلبنان بنحو 8.5 مليار دولار أي ما يقارب 35 في المئة من ناتجه المحلي الإجمالي.
بدأت التغييرات التاريخية التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط في جذب المستثمرين الدوليين الذين يلمحون مؤشرات بدأت تلوح في الأفق على السلام النسبي والتعافي الاقتصادي بعد ذلك الكم الهائل من الاضطرابات.
ربما كان اقتراح الرئيس الأميركي دونالد ترمب بأن تسيطر الولايات المتحدة على قطاع غزة مربكاً وصادماً، إلا أن وقف إطلاق النار الهش في القطاع الفلسطيني، وإطاحة الرئيس السوري بشار الأسد، وضعف إيران والحكومة الجديدة في لبنان، كل تلك الأحداث والتطورات تنعش الآمال في استقامة الأوضاع وإعادة الأمور، مرة أخرى، إلى نصابها.
وتمكنت مصر وهي الدولة الكبرى في المنطقة من جهة عدد السكان والمفاوض الرئيس في محادثات وقف إطلاق النار، من بيع أول سندات دولية مقومة بالدولار منذ أربعة أعوام، وقبل وقت ليس ببعيد، كانت تواجه شبح الانهيار الاقتصادي، وبدأ المستثمرون في شراء سندات إسرائيل مرة أخرى، وكذلك سندات لبنان، مراهنين على أن بيروت يمكن أن تبدأ أخيراً في علاج أزماتها السياسية والاقتصادية والمالية المتشابكة.
وقال محلل الأسواق الناشئة المخضرم لدى شركة "أف آي أم بارتنرز"، تشارلي روبرتسون، "الأشهر القليلة الماضية غيرت كثيراً في شكل المنطقة وأدخلت حيوية مختلفة للغاية في سيناريو هو الأفضل". وأضاف أن السؤال الذي يطرح نفسه الآن يتعلق بما إذا كانت خطة ترمب بالنسبة إلى غزة ستؤجج التوتر من جديد.
وقوبل اقتراح ترمب "تنظيف غزة" وإنشاء "ريفييرا الشرق الأوسط" في القطاع بإدانة دولية، وأشارت وكالة "ستاندرد أند بورز غلوبال" للتصنيفات الائتمانية إلى أنها ستزيل تحذير خفض تصنيف إسرائيل إذا استمر وقف إطلاق النار، وهي تقر بوجود صعاب وتعقيدات، لكنه احتمال موضع ترحيب في وقت تستعد فيه إسرائيل لأول بيع كبير للديون منذ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار.
عدم القدرة على التنبؤ
قال مايكل فيرتيك، وهو مستثمر أميركي في مشروعات عالية الأخطار والرئيس التنفيذي لشركة (موديل كود دوت أي آي) للذكاء الاصطناعي، إن انحسار التوتر أسهم في اتخاذه قراراً بفتح فرع في إسرائيل.
ويطمح إلى توظيف مبرمجين محليين مهرة، لكن الوضع الجيوسياسي يؤدي دوراً أيضاً.
وقال "مع وجود ترمب في البيت الأبيض، لا أحد يشك في أن الولايات المتحدة تدعم إسرائيل في القتال"، موضحاً كيف يوفر هذا قدرة على التنبؤ حتى لو اشتعلت الحرب مجدداً.
وتظهر بيانات البنك المركزي أن المستثمرين في السندات بدأوا يعودون أيضاً بعدما ظلوا بعيدين بصورة كبيرة عندما زادت إسرائيل إنفاقها على الحرب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال وزير الاقتصاد الإسرائيلي نير بركات لـ"رويترز" في مقابلة يناير (كانون الثاني) الماضي إنه سيسعى إلى الحصول على حزمة إنفاق أكثر سخاءً تركز على "النمو الاقتصادي الجريء".
لكن العقبة أمام مستثمري الأسهم هي أن إسرائيل كانت واحدة من أفضل الأسواق أداءً في العالم خلال 18 شهراً التي أعقبت هجمات السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، لكنها في تراجع منذ وقف إطلاق النار، الذي تزامن مع عمليات بيع كبيرة في قطاع التكنولوجيا بالولايات المتحدة.
وقالت رئيسة الأبحاث في "ليدر كابيتال ماركتس" في تل أبيب، سابينا ليفي، "خلال عام 2024، أعتقد أننا علمنا أن السوق لا تخشى الحرب حقاً بل الصراع السياسي الداخلي والتوترات". وأضافت أنه إذا انهار وقف إطلاق النار "فمن المعقول أن نفترض رد فعل سلبياً".
في الواقع، كان رد فعل بعض المستثمرين سيئاً تجاه مقترح ترمب الصادم في شأن غزة.
وقال رئيس قسم الأسواق الناشئة لدى "أموندي"، وهي أكبر شركة لإدارة الأصول في أوروبا، يرلان سيزديكوف، إن شركته اشترت سندات مصرية بعد اتفاق وقف إطلاق النار لكن خطة ترمب التي تتوقع استقبال مصر والأردن مليوني لاجئ فلسطيني دفعت الشركة إلى تغيير موقفها.
اعترضت الدولتان على فكرة ترمب لكن الخطر يكمن، بحسب ما أوضح سيزديكوف، في أن يستغل الرئيس الأميركي اعتماد مصر في التسليح القوي للبلاد على الدعم الذي توفره العلاقات مع الولايات المتحدة، وكذلك مساندة صندوق النقد الدولي، في ظل أزمة اقتصادية كبرى مرت بها مصر في الآونة الأخيرة.
ولا يزال الحد من هجمات جماعة الحوثي في اليمن على السفن في البحر الأحمر أمراً بالغ الأهمية أيضاً، إذ خسرت مصر 7 مليارات دولار، أي ما يتجاوز 60 في المئة من إيرادات قناة السويس، في العام الماضي مع تحويل شركات الشحن مسار سفنها إلى طريق رأس الرجاء الصالح حول قارة أفريقيا درءاً لأخطار تعرضها لهجمات.
وقال سيزديكوف "ليس من المرجح أن ترحب الأسواق بفكرة خسارة مصر لهذا الدعم (الثنائي والمتعدد الأطراف)، ونحن نتخذ موقفاً أكثر حذراً لنرى كيف ستتطور هذه المفاوضات".
إعادة البناء وإعادة الهيكلة
يتوقع آخرون أن تكون إعادة بناء المنازل والبنية التحتية التي تعرضت للقصف في سوريا، وأماكن أخرى فرصة لشركات البناء ذات الوزن الثقيل في تركيا.
وقال مبعوث ترمب للشرق الأوسط ستيف ويتكوف إن إعادة إعمار غزة ربما تستغرق ما بين 10 أعوام و15 عاماً، وفي الوقت نفسه يقدر البنك الدولي الأضرار التي لحقت بلبنان بنحو 8.5 مليار دولار، أي ما يقارب 35 في المئة من ناتجه المحلي الإجمالي.
وارتفعت السندات الحكومية اللبنانية بما يزيد على المثلين عندما أصبح من الواضح في سبتمبر (أيلول) 2024 أن قبضة جماعة "حزب الله" في لبنان تضعف، وواصلت الارتفاع مع تفاؤل الأسواق بمعالجة أزمة البلاد.
وستكون وجهة الرئيس اللبناني الجديد جوزاف عون، في أول زيارة رسمية للخارج، هي السعودية التي ينظر إليها على أنها داعم رئيس محتمل.
ويقول حملة السندات إن هناك اتصالات أولية مع السلطات الجديدة أيضاً.
وقالت رئيسة قسم الدخل الثابت للأسواق الناشئة لدى "أكسا إنفستمنت ماندجرز" ماجدة برانيت "قد تحدث أمور مهمة بالنسبة إلى لبنان عام 2025 إذا أحرزنا تقدماً نحو إعادة هيكلة الديون"، لكنها أضافت أن الأمر لن يكون سهلاً.