Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يعود المهاجرون من أصحاب المشاريع للسودان بعد توقف الحرب؟

يبقى الاستقرار السياسي والاقتصادي العامل الأهم في إعادة بناء القطاعات وتحقيق نهضة اقتصادية مستدامة

يصعب حماية المشاريع الصغيرة والمتوسطة من ظرف طارئ وغير متوقع مثل الحرب الحالية في السودان (اندبندنت عربية - حسن حامد)

ملخص

يصعب حماية بعض المشاريع الصغيرة والمتوسطة من ظرف طارئ وغير متوقع مثل الحرب الحالية في السودان، وبالتالي لن تقبل شركات التأمين إدراج هذا النوع من الحروب ضمن باقات التأمين.

افتتحت نهى عبدالحفيظ، كغيرها من مئات السودانيات اللواتي برعن في مجال التجميل والعناية بالبشرة والشعر، مركزها في قلب الخرطوم، وقد تميز بتقديم خدمات تجميلية منوعة، وبسبب الوضع الاقتصادي المتذبذب في السودان فقد أنفقت ملايين الجنيهات ليصبح مشروعها واقعاً، لكن بين ليلة وضحاها وبينما كانت تستعد للموسم الأكثر ازدحاماً قبيل عيد الفطر عام 2023 اندلعت الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع، فدمرت أحلامها وحولت مشروعها إلى رماد.

لم تستسلم نهى وبعد عام كامل من الحرب قررت بدء رحلة جديدة في القاهرة متحدية كل الظروف والعقبات التي واجهتها، لكن مع الأنباء المتداولة عن الانتصارات الكبيرة التي حققها الجيش في العاصمة وعدد من المناطق في ولايات أخرى ظل يراودها السؤال التالي: هل بالإمكان العودة من جديد للبلاد واستعادة نشاطها في حال استقرار الأوضاع؟

وتقول نهى إن "مركزي الذي خسرته في مدينة الخرطوم لم يكن من السهل الوصول إلى ما حققته فيه، إذ واجهت المصاعب المتمثلة في الضرائب واستيراد أفضل الأجهزة والمنتجات وغيرها، وخسارتي له كانت أشبه بصفعة لم أستفق منها لمدة عام كامل حتى لملمت أطرافي وعدت للعمل من جديد في القاهرة التي تشهد استقراراً في الأوضاع".

وعن احتمال عودتها للعمل في الخرطوم في حال توقفت الحرب قالت إن "العودة للسودان قرار صعب ومؤجل لأن الاستقرار الأمني مهم وضروري لأصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة الذين بنوا مشاريعهم بتعب شديد، ولذلك لا أظن أنني سأعود قريباً حتى إذا انتهت الحرب فأنا بحاجة إلى أعوام طويلة حتى أستعيد الثقة وأعود لنشاطي في البلاد من جديد".

تعطش السوق

في حين قال السر محمد الفاتح الذي بدأ كتاجر صغير ثم أصبح صاحب محل فضيات في سوق أم درمان، "بدأت العمل التجاري بمحل صغير في مجال بيع وتصميم المشغولات الفضية قبل عامين من اندلاع الحرب، وتمكنت خلال فترة وجيزة من كسب ثقة العملاء بسبب تركيزنا على الجودة، وكنت أحلم بتمدد نشاطنا في عدد من مدن البلاد لكن الحرب حطمت آمالنا واتخذت قراراً بنقل مشروعي إلى دبي بعد أن خسرت كل ما أملكه جراء هذه الحرب، وهي خطوة جاءت بعد درس السوق والفرص المتاحة"، مضيفاً أن "السوق العالمية منحتنا فرصة مميزة للانتشار ولم نشعر بفداحة خسارتنا لأننا انطلقنا بقوة مما جعلنا نفكر في التوسع في الأسواق العالمية، وعلى رغم فداحة الحرب لكن الأمر كان أشبه بالصحوة إذ كنا في الماضي محدودي الأفق".

وعن احتمال عودته للسوق السودانية أكد الفاتح "أنا مستعد في حال هدأت الأوضاع لأنه من المؤكد أن السوق ستكون متعطشة لكل أنواع المشاريع، وبالتالي يكون النجاح أكبر وبخاصة أن السوق السودانية من الأسواق الواعدة والمهمة بالنسبة إلي، وفي تقديري أن الطلب على الفضة لم يتراجع بل هناك تعطش واضح للمنتجات ذات الجودة العالية والتصاميم المميزة وبخاصة مع قلة المعروض".

تكيف وابتكار

وليست نهى والسر وحدهما بل إن آلافاً من أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة في السودان يواجهون تحديات غير مسبوقة بسبب الحرب التي أثرت في الاقتصاد والبنية التحتية، حيث تعاني كثير من المشاريع نقص التمويل وانقطاع الإمدادات مما أجبر كثيرين على تبني نماذج تشغيل مرنة مثل التجارة الإلكترونية والعمل عن بُعد، وفي المقابل انتعشت بعض القطاعات مثل الزراعة والخدمات الأساس بسبب الحاجة الملحة إلى الغذاء والسلع الضرورية.

ومع استمرار الحرب سيظل مستقبل هذه المشاريع مرهوناً بمدى قدرتها على التكيف والابتكار، لكن الاستقرار السياسي والاقتصادي يبقى العامل الأهم في إعادة بناء قطاع المشاريع الصغيرة والمتوسطة وتحقيق نهضة اقتصادية مستدامة في السودان.

تأثير بالغ

وفي هذا الصدد قال رئيس قسم الدراسات الاقتصادية في مركز للدراسات السياسية والإستراتيجية الفاتح عثمان محجوب إن "ولاية الخرطوم تعتبر المقر الرئيس في السودان لقطاعي الخدمات والصناعة، إذ تقدر مساهمة قطاع الخدمات بنحو 50 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، وتتركز 70 في المئة من هذا القطاع في ولاية الخرطوم، في حين تحتل الصناعات الصغيرة والمتوسطة 70 في المئة من مساهمة القطاع الصناعي البالغة 25 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي".

وعن الدمار الذي أحدثته الحرب أفاد بأنه "حدث خلال هذه الحرب تدمير رهيب مصحوب بسرقات شملت نصف المشاريع التي تنتمي للقطاعين الخدماتي والصناعي، بينما نجح بعضهم في نقل معظم مشاريعهم إلى الولايات الآمنة، وهؤلاء لا تتعدى نسبتهم 15 في المئة تقريباً من مُلاك المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وعليه فإن معظم تلك المشاريع ستعاني فقداناً كاملاً أو جزئياً لمكوناتها وأصولها النقدية، وهو أمر يصعب تعويضه من دون معونات حكومية وإقليمية ودولية".

وأضاف محجوب أن "رأس المال جبان ويخشى المغامرات، لكن المغامرين موجودين وهذه أيضاً من سمات رجال الأعمال، ولهذا السبب واصل قطاعا الخدمات والصناعة العمل في أم درمان على رغم القصف المدفعي المتقطع، ويمكن التأكيد أن المغامرين سيكونون دوماً أول الداخلين خلف الجيش بحثاً عن فرص الربح"، متوقعاً أن "تنتعش قطاعات الخدمات بسرعة متناهية تفوق قطاع الصناعة نظراً إلى الطلب العالي جداً على الخدمات الصحية والتجارية والتعليمية والمصرفية، فضلاً عن قطاعي الاتصالات والمواصلات، أما قطاع البناء والتشييد فسيكون الأول والأسبق للازدهار بعد التأكد من استقرار الأوضاع الأمنية في ولاية الخرطوم".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي ما يتعلق بشركات التأمين وتغطيتها لخسائر الحرب قال محجوب إنه "يصعب حماية تلك المشاريع الصغيرة والمتوسطة من ظرف طارئ وغير متوقع مثل الحرب الحالية في السودان، وبالتالي فلن تقبل شركات التأمين إدراج هذا النوع من الحروب ضمن باقات التأمين"، منوهاً إلى ضرورة الاستفادة من دروس الحرب بعدم تمركز المشاريع الصغيرة والمتوسطة في العاصمة فقط، فلا بد من انتشارها في الولايات المختلفة تفادياً لفقدان كامل رأس المال بسبب التقوقع في مكان واحد.

وعن إمكان عودة المشاريع سريعاً للخرطوم قال محجوب إن "من يفكر في العودة للخرطوم عليه أولاً القيام بزيارة ميدانية للبحث عن الفرص المتاحة على أرض الواقع قبل اتخاذ أي قرار بنقل مشاريعه مرة أخرى إلى العاصمة".

تنشيط الاستثمار

من جانبه أكد المسؤول في الغرفة التجارية ود الحسن محمد أهمية إعادة تنشيط قطاع الأعمال والاستثمار في السودان بعد انتهاء الحرب الحالية، وذلك من خلال تحسين الأوضاع الاقتصادية عبر سياسات دعم المستثمرين وإعادة تأهيل البنية التحتية وتشجيع ريادة الأعمال وتحسين النظام المصرفي، مضيفاً أن "إعادة الثقة في الأسواق عبر دمجها إقليمياً ودولياً من أهم الخطوات التي يجب القيام بها، فالسودان يمتلك مقومات اقتصادية قوية يمكنها تحقيق اقتصاد أكثر استدامة وقدرة على التنافس مستقبلاً".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير