ملخص
عادة ما تبدأ هذه التطبيقات بإغراء المستخدمين بمبالغ صغيرة كهدية عند التسجيل، مثل منح 10 إلى 20 دولاراً لكل مستخدم جديد، لكن هذه المبالغ لا تعدو كونها مجرد أرقام وهمية لا يمكن سحبها نقداً.
"سجل لتربح 10 دولارات يومياً"، كانت هذه إحدى العبارات التحفيزية التي استدرجت الشاب الكردي حسن لتحقيق أرباح مالية عبر إيداع أموال بواسطة أحد التطبيقات الإلكترونية الوهمية، قبل أن يفاجأ بعجزه عن استعادة وديعته التي تخطت على مراحل 3 آلاف دولار.
حسن واحد من مئات المواطنين في إقليم كردستان العراق الذين وقعوا ضحية لتطبيقات مالية وهمية تسببت لهم في خسائر فادحة تقدر بملايين الدولارات، وانتشرت هذه التطبيقات خلال وقت يعاني الإقليم منذ أكثر من عقد أزمة مالية مزمنة وصعوبة في تأمين رواتب موظفي القطاع العام، جراء الخلافات مع الحكومة الاتحادية في بغداد.
آلية الاستدراج
مع تسارع العالم نحو الرقمنة أصبحت التطبيقات المالية أداة رئيسة لإدارة الأموال، لكن بعضها الذي يبدو للوهلة الأولى فرصاً ذهبية تحمل معها وعوداً براقة لتحقيق أرباح سريعة تحول إلى كابوس لدى كثر، وبخاصة في المناطق التي تعاني ضعفاً في التعامل مع العالم الرقمي، ويعد إقليم كردستان في هذا الجانب وجهة خصبة لمثل هذا النوع من التطبيقات.
عادة ما تبدأ هذه التطبيقات بإغراء المستخدمين بمبالغ صغيرة كهدية عند التسجيل، مثل منح 10 إلى 20 دولاراً لكل مستخدم جديد، لكن هذه المبالغ لا تعدو كونها مجرد أرقام وهمية لا يمكن سحبها نقداً، ثم تبدأ التطبيقات في تقديم مغريات أكبر مثل إيداع 50 دولاراً للحصول على ربح يومي يقدر بـ10 دولارات عبر الدخول إلى روابط معينة. وفي الواقع لا تقدم هذه التطبيقات أية خدمات حقيقية، بل تقوم بسرقة أموال المستخدمين وإظهارها كأرقام وهمية في حساباتهم. وعند محاولة سحب الأموال يواجه المستخدمون مشكلات تقنية أو يتوقف التطبيق عن العمل تماماً.
ومن خلال بحث أجرته "اندبندنت عربية" بالتعاون مع خبراء في التكنولوجيا الرقمية رُصدت تطبيقات وهمية عدة، أحدها انتشر سيطه منذ عام 2023، وادعى أنه يستثمر الأموال عبر الذكاء الاصطناعي، ولكنه توقف أخيراً فجأة عن السماح للمستخدمين بسحب أموالهم، وقدرت الخسائر بنحو 10 ملايين دولار تخص مواطنين أكراداً.
تطبيق آخر كان يعمل على تأجير عجلة "السكوتر" في دول مختلفة ووعد المستخدمين بأرباح كبيرة، لكنه توقف هو الآخر عن العمل بصورة مفاجئة، مسبباً خسائر تقدر بنحو 6 ملايين دولار، ومن المحتمل أن تكون الأرقام الحقيقية أكبر بكثير، إذ يتجنب كثير من الضحايا الكشف عن هوياتهم.
غزوان جمعة أحد المشتركين الجدد في موقع يقدم أرباحاً على الودائع، يقول إنه أودع 100 دولار وتلقى مباشرة خمسة دولارات كهدية، وزاد رصيده بالتدرج إلى 182 دولاراً. ويقول إن الموقع يلزم المشترك بتوجيه دعوة لمشتركين آخرين كشرط للسماح له بسحب أمواله"، مؤكداً أن صديقاً له "أودع 1000 دولار وتلقى بعض الأرباح لكنه فوجئ لاحقاً بعدم قدرته على سحب وديعته".
لإبعاد الشبهات
لا تنحصر الأخطار بالتطبيقات والمواقع وحدها، بل تمتد إلى منصات التواصل الاجتماعي التي تعد وجهة سهلة لعمليات القرصنة، ويحذر متخصصون من وجود مجموعات تعرف باسم "الذباب الإلكتروني" تعمل على اختراق أو سرقة الحسابات الإلكترونية والحسابات البنكية، ففي منتصف شهر يناير (كانون الثاني) الماضي حُذر من حساب "فيسبوك" يزعم أنه يقوم بجمع التبرعات لمؤسسة خيرية بغية تقديم مساعدات للمتضررين في قطاع غزة، إذ يرسل رابطاً للمستخدمين ويطلب منهم إدخال معلوماتهم، وتبين في ما بعد أنه أداة لاختراق الحسابات على المنصة، وكذلك الحسابات البنكية والـ"واتساب".
كثير من المستخدمين يتلقون رسائل مجهولة المصدر أو من أشخاص بهوية مزيفة، تقدم لهم عروضاً للحصول على مكاسب مالية. إسماعيل خضر كان تلقى رسالة عبر تطبيق "واتساب" قال فيها المرسل إنه "يعمل مديراً للتوظيف في قسم العملاء، وقدم لي عرضاً للتوظيف بدوام جزئي ومن المنزل عبر الهاتف أو الكمبيوتر، والعمولة من 30 إلى 90 دولاراً يومياً، من خلال الدخول إلى رابط تشعبي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أما الشاب سامال عمر فيقول "صادفني موقع يكلف مرتاديه مهام لنشر عشرات الإعلانات يومياً مقابل أرباح تسجل لحساب المشترك، واكتشفت لاحقاً أن الموقع يقيد أحياناً جزءاً من الرصيد، ويطلب من المستخدم أن يرسل أموالاً بقيمة الرصيد المقيد، وبعدها يرفع القيد مع منح أرباح إضافية إلى الحساب".
يقول المتخصص في التكنولوجيا والأمن السيبراني سربست نجم الدين إنه يتلقى عدداً من الاتصالات والرسائل من ضحايا هذه التطبيقات يومياً، وقد أرسلوا له صور حساباتهم التي قُيدت، ومن بين هذه الحالات شاب أودع ما يقارب 4 آلاف دولار في أحد التطبيقات، وطلب منه إيداع 3 آلاف دولار إضافية لاستعادة أمواله، وهو ما يعرف بتقنية "الابتزاز المالي التدريجي".
وأضاف أنه سجل حالة أخرى لضحية خسرت 20 ألف دولار عبر تطبيق وهمي"، لافتاً إلى أن "نحو ألف مستخدم خسروا ما مجموعه 6 ملايين دولار خلال شهر ديسمبر (كانون الأول) 2024 فحسب، عدا آخرين لا يرغبون في البوح بورطتهم".
وعزا نجم الدين ظاهرة الإقبال على هذه الوسائل إلى "تدني الوعي المعرفي لدى بعض المستخدمين، وتجاهل المحاذير من الأخطار، والطمع في تحقيق الربح السريع".
تحذيرات حكومية
"الحيل التقنية لا تتوقف عند حد"، يقول المواطن سامان جمال الذي سبق أن تلقى رسالة من صحفة تنتحل اسم بنك معروف في العراق، وتقوم بإجراء اتصالات مع الأفراد وتقول لهم إن بطاقاتهم البنكية فيها مشكلة، ويطلبون منه تقديم معلومات بغية إصلاحها، لكنها في النهاية تكون عملية قرصنة للحسابات ومن ثم سحب أموال المودعين.
وسبق أن حذرت السلطات الأمنية في أربيل المواطنين من التعامل مع هواتف أرقام أجنبية تعرض فرص عمل للحصول على أرباح عبر رسائل إعلانية من طريق تطبيق "واتساب" للمواطنين، وتطالبهم بإدخال الرقم السري لحساباتهم، ومن خلاله تجري سرقة جميع الحسابات التابعة للرقم، ومن ثم تبتز المستخدم للحصول على مبالغ مالية طائلة.
وفي هذا الخصوص قال الناطق باسم وزارة النقل والمواصلات في الإقليم ديلان رشاد، إن "هذه التعاملات فردية، والمواطن نفسه مسؤول عن أي تعامل غير قانوني. ونحن في الوزارة قدمنا فقط مشروع الحزمة الأسرية للمواطنين، التي حُظر من خلالها مثل هذه المواقع، وتتيح للمستخدمين المنصات الموثوقة فحسب. وأي شخص يقوم بتعامل غير قانوني يتحمل مسؤوليته بصورة شخصية، ويمكنه تقديم شكوى في المحكمة لاستعادة حقوقه".
ونوه بأن "الحزمة الأسرية المعمول بها حُظرت عبرها المواقع الإباحية والمقامرة والعملات الإلكترونية بجميع أنواعها وإعلانات المشروبات الكحولية والأسلحة، والإساءة للأديان وخطاب الكراهية".
ومن جهته كشف المستشار في مجال التقنية الرقمية كيوان عن رصده نماذج أخرى من طرق الاحتيال الرقمي عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أحدها قدم عرضاً جاذباً لتحقيق ربح شهري يراوح بين 500 و1000 دولار، وعرض آخر يعطي أرباحاً تصل إلى 30 في المئة شهرياً من خلال الاستثمار في استئجار فندق عبر تطبيق "بوكينغ".
طرق النصب شملت أيضاً موقعاً يروج لعملة رقمية جديدة غير معروفة للتداول، وهي في الواقع لا تمنح أية أموال حقيقية، ويمكن استبدالها نقداً في بعض الأماكن المحدودة وفقاً لرغبة المستخدمين من دون أية منصة رسمية تضمن التداول.
ويقول نجم الدين إنه توقف عند أمور عدة مثيرة للشك حول الشبكة، إذ يلزم المشترك الجديد الموافقة على بعض الشروط، وهي التعرف على جميع شبكات الإنترنت التي يتصل بها هاتف المشترك ونظام تشغيله والأرقام المخزنة عليه، وكذلك البريد الإلكتروني ووسائل التواصل الأخرى، وتتبع الموقع الجغرافي والوصول إلى أخطر جزء في الهاتف وهو سجل العمليات الذي يحوي جميع الاتصالات الصادرة والواردة وحتى الردود عليها، مع إمكان الوصول إلى ملفات الوسائط مثل الصور والفيديوهات الشخصية.
تجارب سابقة
تتكرر مثل هكذا عمليات احتيال في الإقليم على رغم تجارب سابقة لقيت حينها صدى واسعاً، ففي ربيع عام 2023 ألحقت منصة تدعى "جافا آي" خسائر قدرت بنحو 20 مليون دولار بالمواطنين بعد عام من اشتهارها داخله، إذ كانت تزعم أنها تتيح الاستثمار في الأفلام من خلال شراء تذاكرها وتحقيق أرباح كبيرة، مع ذلك أغلقت المنصة فجأة وتبين أن عدداً من المشتركين لم يتمكنوا من سحب أموالهم وقدر عددهم بنحو 10 مشتركين، بينما أظهر بحث قبل إغلاقها أن رصيدها الكلي كان تجاوز 80 مليون دولار.
وخلال أغسطس (آب) 2022 كشف أيضاً عن خسائر لحق بالمواطنين بلغت نحو 10 ملايين دولار عبر تطبيق استثماري عرف بـ"زيد ميديا"، وذكرت وسائل إعلام محلية أن بعض المشتركين قاموا ببيع ممتلكاتهم كالمنازل والذهب بغية الاستثمار في التطبيق.
ويقر مسؤولون أمنيون بصعوبة التحقق وملاحقة الجناة في مثل هكذا عمليات احتيال، لأن هويات القائمين على المنصات والتطبيقات وأماكن إقامتهم تكون مجهولة، وبخاصة إذا ما كانوا مقيمين خارج البلاد.
وعن كيفية التصدي لهذه الظاهرة ينصح نجم الدين "بضرورة تعزيز الرقابة الحكومية على هذه التطبيقات والمنصات والتأكد من صدقيتها، مع أهمية تعزيز الوعي المجتمعي بأخطار التعامل مع التطبيقات الوهمية، وتوعية المواطنين بكيفية التعامل بحذر معها، ويجب على المستخدمين عدم الثقة في العروض المبالغ فيها، فإذا بدت العروض كبيرة جداً لدرجة يصعب تصديقها فمن المرجح أن تكون وهمية، وكذلك إجراء بحث حول التطبيق والتحقق من كونه حاصلاً على ترخيص رسمي، والحذر من مشاركة المعلومات الشخصية أو المصرفية مع أي تطبيق غير موثوق، فضلاً عن أهمية مطالبة الشركات الكبرى بإزالة التطبيقات المشبوهة من متاجرها الإلكترونية".