ملخص
تختتم اليوم الثلاثاء أنشطة البرنامج الثقافي المصاحب للدورة الـ56 لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، التي انطلقت في الـ24 من يناير (كانون الثاني) الماضي تحت شعار "اقرأ... في البدء كان الكلمة"، بمشاركة 80 دولة، وبحضور جماهيري اقترب من 4 ملايين زائر، فضلاً عن حضور نوعي لسلطنة عمان، ضيف شرف هذه الدورة.
هيمن على معرض القاهرة الدولي للكتاب هذه السنة جو "سياسي"، في ما يشبه رداً "غير مباشر" على تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترمب الداعية إلى تهجير سكان قطاع غزة. وأعلن وزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي خلال لقاء مع جمهور المعرض، أنّ "من دون حل القضية الفلسطينية لن يكون هناك استقرار أو سلام دائم في المنطقة". وأكد عبدالعاطي أن العلاقات المصرية - الأميركية "استراتيجية، على رغم بعض التباينات في وجهات النظر". وأضاف: "هذه العلاقة ليست قائمة على الأفراد، بل على المؤسسات والمصالح المشتركة". وفي لقاء آخر أعلنت سفيرة رومانيا لدى القاهرة أوليفيا تودرين أن الاحتفال بمرور 120 عاماً على تأسيس العلاقات المصرية - الرومانية سيكلل بمشاركة رومانيا كضيف شرف معرض القاهرة الدولي للكتاب العام المقبل.
وغلبت على الأنشطة مناقشات تعكس انقساماً بين الناشرين والتقنيين والباحثين الأكاديميين والكتاب والمترجمين إزاء التطورات المتسارعة لتقنيات الذكاء الاصطناعي في مجالات الإبداع والترجمة والنشر، في موازاة اتفاق على ضرورة التصدي للخروق المتزايدة لأنشطة القرصنة وإهدار حقوق الملكية الفكرية، سواء في النشر الورقي أو النشر الإلكتروني.
وفي هذا الصدد أعرب الأمين العام للاتحاد الدولي للناشرين خوسيه بورغينيو عن أمله في أن تشجع الدول العربية المبدعين، وتعزز دور الناشرين للمساعدة في خلق جيل جديد من الكتاب. وأشاد بـ"التعاون القوي" مع المنظمة العالمية للملكية الفكرية (الويبو)، لكنه لاحظ في الوقت نفسه أن دولاً في أفريقيا وآسيا تواجه مشكلات في تطبيق القوانين المتعلقة بهذا الأمر بصورة كافية، "بسبب قضايا تعليمية واستثناءات قانونية"، مشيراً إلى أن الاتحاد الدولي يعمل على التعاون مع اتحاد الناشرين العرب لمناقشة التحديات المتعلقة بهذه القوانين.
من جانبه أكد رئيس اتحاد الناشرين العرب محمد رشاد أن الاتحاد "يعمل بلا هوادة لحماية حقوق الكاتب والناشر معاً، ويفرض عقوبات صارمة على الناشرين الذين يخرقون القوانين. وشدد رشاد على ضرورة تعزيز وجود المكتبات العامة، لمكافحة انتشار الكتب المقرصنة، سواء كانت ورقية أو إلكترونية. وقال إن "الاستراتيجية الوطنية للملكية الفكرية" في مصر، تمثل إنجازاً كبيراً، لكن عليها أن تعيد النظر في القوانين المتعلقة بصناعة النشر التي تعد واحدة من الصناعات الأكثر أهمية، لكنها لا تحظى بالاهتمام الكافي. وأضاف رشاد، "تم التواصل مع وزراء الداخلية العرب، من أجل تعزيز التعاون في إنفاذ القوانين، وكذلك مع وزراء الثقافة العرب، لتوقيع الاتفاقات الدولية التي تسهم في الحفاظ على الملكية الفكرية، مقترحاً إنشاء "نيابة متخصصة في حقوق الملكية الفكرية"، للفصل في القضايا بصورة أسرع وأدق.
البرنامج المهني
رأى رئيس قسم حماية المحتوى في اتحاد الناشرين الإنجليزي جاك نيوتن أن القرصنة تحتاج إلى تعاون دولي لمواجهتها، وقال "هناك تجارب ناجحة في دول مثل إنجلترا، حيث يوجد قسم متخصص في الشرطة لحماية الملكية الفكرية، فضلاً عن دور الإنتربول في مكافحة القرصنة على المستوى الدولي". من جانبها أكدت نائب رئيس اللجنة التنفيذية في اتحاد الناشرين الأميركي لوي سمبسون أن اللجنة تعمل على حماية الحقوق الحصرية في التأليف والطباعة والبيع، مشيرة إلى أن إنفاذ القانون هو السبيل الوحيد لحماية الحقوق وخلق التوازن بين الناشر والكاتب، مما يسهم في استقرار صناعة النشر. وأكدت ضرورة أن تكون الاستثناءات في القوانين الخاصة بحقوق الملكية الفكرية "مقتصرة على الحالات الضرورية فحسب،، وألا تؤثر في حقوق الناشر والمؤلف". من جانبه تحدث رئيس قسم الابتكار في تطبيق "أبجد" ياسر الزهار عن نجاح المنصة في تعزيز صناعة النشر الرقمية ومواجهة تحديات القرصنة وارتفاع كلف الورق.
وأكد أن منصة "أبجد" تعد نموذجاً يسهم في ربط الناشر والكاتب والقارئ في عصر التحول الرقمي لضمان الاستفادة المثلى من المنصات الرقمية ومواجهة تحدياتها المتزايدة. وفي سياق اجتماعات البرنامج المهني "برديات 4/ القاهرة تنادي" أوضح الناشر شريف بكر أن البرنامج يضم نحو 34 ناشراً من مختلف أنحاء العالم، وهدفه الأساس هو تحفيز الترجمة من العربية والعكس، فضلاً عن تعزيز التفاهم الثقافي بين الشعوب المختلفة، واكتشاف الكتب المناسبة للترجمة، وإبرام اتفاقات تعاون بين الناشرين. وذهب مشاركون في تلك الاجتماعات إلى ضرورة تبني تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في قطاع النشر، مشيرين إلى أن عديداً من البرامج القائمة اليوم تسهم في تحسين جودة العمل، بخاصة تلك المتعلقة بمعالجة اللغة. وذكروا أن هذه الأدوات تساعد في تحسين الكفاءة عبر تقليل الوقت اللازم لإنجاز المهام مثل الترجمة أو إعادة صياغة النصوص، لكنها لا يمكن أن تحل محل العنصر البشري بالكامل.
وأوضح المتحدثون أن الذكاء الاصطناعي يقدم تقنيات مفيدة، مثل المحاكاة الدقيقة وتحليل النصوص، لكنها تحتاج إلى تحسين مستمر لتحقيق نتائج أكثر دقة. وعلى رغم التطور الكبير، أكدوا أن التحدي بين الإنسان والآلة سيظل قائماً، وأن الابتكار البشري سيظل أساس التطور. وناقش الحضور أيضاً كيفية توظيف الذكاء الاصطناعي لتقليل الوقت والجهد المبذولين في العمليات المعقدة، مثل حقوق الملكية الفكرية وإنتاج البرمجيات الموسيقية. وأشادوا بجهود شركات مثل "بوزيترون" التي قدمت حلولاً مبتكرة لتحسين جودة الأداء وتوفير الوقت. كما تطرقوا إلى أهمية تقديم تقنيات موجهة لذوي الحاجات الخاصة، مثل أدوات تعتمد على الذكاء الاصطناعي لجعل المحتوى الرقمي والكتب أكثر توافقاً مع حاجاتهم.
آفاق الترجمة
وأكد عميد كلية اللغات والترجمة في جامعة بدر (مصر) حسين محمود أن الذكاء الاصطناعي لا يمكنه في الوقت الحالي أن يكون بديلاً كاملاً عن المترجم البشري، خصوصاً في مجالات دقيقة مثل الترجمة الطبية والقانونية، إذ يمكن أن يؤدي الخطأ في الترجمة إلى نتائج كارثية. وأعرب عن قناعته بأن دور المترجم البشري لا يزال مهماً للغاية في تقييم النصوص المترجمة، وأنه لا بد من التأكد من صحة الترجمة بصورة مستمرة.
وأشار إلى أن المحتوى العربي على منصات الذكاء الاصطناعي لا يزال في مرحلة مبكرة مقارنة باللغات الأجنبية، حيث تمثل اللغة العربية نحو 5 في المئة من المحتوى المتاح على هذه المنصات مقارنة بـ35 في المئة للغات أخرى. وطالب الروائي أستاذ النقد الأدبي في جامعة الفيوم (مصر) محمد سليم شوشة علماء الإنسانيات والعلوم اللغوية والأدب بالتركيز على كيف أصبح عقل الآلة يحاكي عقل الإنسان في معالجات اللغة. وأوضح أن عقل الآلة سيفسر النصوص، فماذا عن تفسير النصوص الدينية؟
كيف يفسر الذكاء الاصطناعي النصوص بصورة توضح الصواب من الخطأ وبصورة غير متحيزة؟ محذراً من أن هذا التطور التكنولوجي "سيتحول إلى التلاعب بالشعوب بعدما كان يتلاعب بالأفراد". وقال ممثل جائزة كتارا القطرية خالد السيد إن الجائزة استطاعت أن تترك بصمتها في المشهد الثقافي العربي من خلال اعتمادها على مفهوم "الهندسة الثقافية"، أي دمج الثقافة والترجمة مع الاقتصاد. وأشار السيد إلى أن الذكاء الاصطناعي دخل بقوة في عالم الترجمة من خلال الأدوات والبرامج التي توفرها الشركات العالمية، لكن لا يزال العنصر البشري ضرورياً، بخاصة في الترجمة للغة العربية، "بعكس بعض اللغات الأخرى التي تمكنت برامج الذكاء الاصطناعي من التعامل معها بصورة أكثر دقة".
وقال ممثل المركز الثقافي الإسباني في القاهرة الدكتور طه زيادة إن تقنيات الذكاء الاصطناعي يمكن أن تسهم في تحسين سرعة ودقة الترجمة عموماً، لكنه لاحظ أن الذكاء الاصطناعي لا يزال يواجه تحديات في الترجمة الأدبية، بخاصة في الإيقاع اللغوي الذي يشكل جزءاً مهماً من روح النص الأدبي، على حد تعبيره.
ضيف الشرف
خلال لقاء ضمن فعاليات "ضيف الشرف" أكد سفير عمان لدى القاهرة عبدالله الرحبي أن السلطنة بصدد إطلاق مشروع "المختبر الثقافي العماني" في مصر. وأوضح أن هدف المشروع هو تقديم صورة عمان الثقافية والحضارية وإسهاماتها عبر التاريخ، مشيراً إلى أهمية إقامة هذا المشروع في مصر، "لأنها دائماً تسهم في إلقاء الضوء على الحضارة العمانية".
ومن بين الفاعليات المتعلقة بضيف الشرف عقدت ندوة حول الأدب العماني وتطوره في السنوات الأخيرة. أدار اللقاء سليمان المعمري الذي رأى أن فوز جوخة الحارثي بجائزة مان بوكر الدولية عام 2019، يعد "شهادة على النضج الكبير الذي وصل إليه الأدب العماني. هذه الجائزة، وهي ثاني أهم جائزة أدبية في العالم، تأتي كتتويج لعقود من الجهد المستمر لإنهاض الأدب العماني". وقال المعمري إن أول رواية عمانية كانت "ملائكة الجبل الأخضر" لعبدالله الطائي عام 1963، وأول مجموعة قصصية كانت "سور المنايا" لأحمد بلال بحار عام 1981. وأوضح أن عمان تشهد حالياً تطوراً في شتى مجالات الأدب، بما في ذلك الأدب المسرحي، وأدب الطفل، وأدب الرحلة، والسيرة الذاتية، وأدب الرسائل والمذكرات، إضافة إلى البورتريهات الأدبية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
من جانبها قالت الروائية بشرى خلفان، "لا أعتبر أن لديَّ مشروعاً أدبياً واحداً بعينه، بل هي مراحل أكتب فيها عن مسقط، تركز على فكرة الانتماء للمكان والزمان والذاكرة والطفولة". وأضافت أنها دائماً تسعى إلى كتابة تجارب تتفاعل مع روح المكان. وأشار زهران القاسمي إلى أن مشروعاته الأدبية مستوحاة من البيئة العمانية القروية التي تتسم بكم هائل من الأحداث والقصص. وأوضح أن الرواية تتطلب بحثاً عميقاً ووقتاً طويلاً للجلوس مع الناس لتوثيق التفاصيل الدقيقة التي تميز الحياة العمانية. وفي سياق متصل، تحدث الأديب عبدالله حبيب عن أن كتابة الرواية تتطلب خلفية ثقافية موسوعية، حيث يجب على الكاتب أن يمتلك المهارات الفنية والحنكة اللازمة للتعبير عن أفكار معقدة وعميقة. كما استعرض تجربته في كتابة البورتريهات، التي بدأها بعد وفاة أحد أصدقائه الرياضيين، مؤكداً أنه لا يكتب عن المشاهير، بل عن الأشخاص الذين لم ينتصر لهم. ورأى محمد سيف الرحبي، في الكتابة "مغامرة" تتيح له القرب من عالم مُوازٍ. وقال، "أكتب لأجيال قادمة، ولتقديم رؤية جديدة حول الإنسان والمكان". وعن تجربته في كتابة المسرح، أشار الرحبي إلى أن عمله الصحافي ساعده كثيراً في كتابة القصص والدراما المسرحية.
بين الشعر والرواية
وبين اللقاءات التي خصصت لأدباء من مختلف الدول المشاركة في فعاليات البرنامج الثقافي تلك الدورة، برز لقاء مع الشاعر أحمد عبدالمعطي حجازي، طالب خلاله بعودة ملتقى القاهرة الدولي للشعر العربي، "ليس فقط لإنقاذ اللغة العربية، بل لإنقاذ وجودنا جميعاً". وأضاف حجازي، "المصريون والعرب ينتظرون عودة هذا الملتقى الذي يعد منصة لتجديد الشعر العربي والحفاظ على الفصحى". وأشار حجازي إلى ملاحظاته على استخدام العامية في لافتات معرض الكتاب، قائلاً، "لا يصح أن تكون العبارات المكتوبة بالعامية هي أول ما يواجه زوار المعرض، بخاصة أن رسالة هذا الحدث الأهم هي الحفاظ على الفصحى". وخلال إحدى ندوات البرنامج الثقافي أعربت الروائية اللبنانية علوية صبح عن أملها في عودة "ملتقى القاهرة الدولي للرواية العربية" وجائزته، "التي تتمتع بمكانة مرموقة ولها قيمة كبيرة في الساحة الأدبية العربية".
وفي لقاء آخر أكدت الكاتبة اللبنانية هدى بركات أنها جاءت للاحتفاء بروايتها الجديدة "هند" أو "أجمل امرأة في العالم"، قائلة، "لم نستطع أن نحتفي بها في معرض بيروت، فجئنا للاحتفال بها هنا في القاهرة، لأنها أفضل رواية كتبتها". وتحدثت بركات، عن تجربتها الأدبية قائلة، "لم تكن لديَّ خطة مسبقة لتناول قضية محددة أو الدفاع عنها، عندما صدرت روايتي الأولى (حجر الضحك) كنت مهاجرة في باريس، ومع هذه الرواية بدأت أشعر بالغربة، وجدت نفسي أشبه تلك الحروب، والميليشيات، والأحزاب المتناحرة على الحكم، لم أكن أملك مشروعاً محدداً على المستوى الشخصي أو المهني عندما غادرت إلى فرنسا، ولكن شيئاً فشيئاً طاولت غربتي وأرجأت العودة، ليظل هذا الإحساس بالغربة يرافقني".
وعند سؤالها إذا ما كانت تعتبر نفسها من أدباء المهجر، نفت بركات ذلك، موضحة أن مفهوم أدب المهجر تغير بمرور الوقت، وقالت، "المهجريون الأوائل كانوا يحملون حنيناً كبيراً إلى أوطانهم، ويتحدثون عنها باستمرار بسبب اختلاف ظروف سفرهم عن ظروفنا، وكذلك اختلاف الأدب الذي أنتجوه". وأضافت، "رواياتي قد تعتبر سياسية، ولكنها تعكس مفهوم السياسة بمعناها الأخلاقي النبيل، وليس بمعناها الفئوي أو الأيديولوجي". وأكدت أنها تكتب رواياتها باللغة العربية، على رغم إتقانها اللغة الفرنسية، قائلة، "حبي للغة العربية وشوقي لها هما ما يدفعانني للكتابة بها، فاللغة العربية تحمل شحنة عاطفية كبيرة لا أريد أن أفرط فيها، حتى في المناسبات، أفضل الحديث بالعربية على الفرنسية، لأنني أحسبها ما تبقى لي في الغربة".
© The Independent