ملخص
في ساحة ميدان فلسطين، أشهر معلم داخل مدينة غزة، أقامت "حماس" منصة لتسليم الرهائن الإسرائيليات، وانتشر مقاتلون من وحدة النخبة الأساسية للحركة بزيهم العسكري الكامل وهم يحملون سلاحاً في استعراض واضح للقوة، إلى جانبهم انتشر عناصر الشرطة لمحاولة تنظيم حشود الناس، وهو مشهد لم ير في الحرب ولكنه يحمل دلالات لا لبس فيها.
رافق لحظة تسليم "حماس" للرهائن الأربعة عرض عسكري للفصائل المسلحة، إلى جانب ظهور الشرطة التابعة لحكومة غزة، وقد بدت الحركة التي تعرضت لضربات قاسية على يد الجيش الإسرائيلي وكأنها لم تخسر كثيراً من قوتها العسكرية، فهل حافظت فعلاً على قوتها رغم ما تعرضت له أثناء الحرب؟
كثيراً ما تحدث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، عن نجاح جيشه في تدمير قدرات "حماس" العسكرية، وقبل توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في غزة قال، "باتت قوة (حماس) صفراً، إذ ألحقت قواتنا هزيمة ساحقة بالحركة".
وطالما شدد نتنياهو على هزيمة "حماس" في غزة وتحقيق النصر المطلق عليها، لكن بعد توقف إطلاق النار ظهرت الفصائل المسلحة مرة أخرى في غزة، وسعت "حماس" لإثبات وجودها عسكرياً وحكومياً وكذلك سياسياً.
استعراض قوة
في ساحة ميدان فلسطين، أشهر معلم داخل مدينة غزة، أقامت "حماس" منصة لتسليم الرهائن الإسرائيليات، وانتشر مقاتلون من وحدة النخبة الأساسية للحركة بزيهم العسكري الكامل وهم يحملون سلاحاً في استعراض واضح للقوة، إلى جانبهم انتشر عناصر الشرطة لمحاولة تنظيم حشود الناس، وهو مشهد لم ير في الحرب ولكنه يحمل دلالات لا لبس فيها.
يقول الباحث السياسي محمود العجرمي، "تشير مشاهد حركة (حماس) إلى أن هدف إسرائيل الأساس بالقضاء على الحركة لم يتحقق، وأن الجيش عجز عن بسط السيطرة والسيادة على غزة، وأن (حماس) حافظت على قدراتها العسكرية والسلطوية والسياسية".
ويضيف، "رسالة الحركة واضحة بأنها رغم الخسائر الفادحة التي تكبدتها خلال الحرب بين مقاتليها وضباط الشرطة والقادة السياسيين ومسؤولي الحكومة، فإنها تظل القوة الفلسطينية المهيمنة في القطاع، وهي ترغب بالمشاركة في اليوم التالي لغزة".
تتحدث إسرائيل عن تضعضع "حماس"، وهو أمر لا لبس فيه، لكن الحركة الفلسطينية تعمل على إعادة تنظيم صفوفها، وكذلك على إعادة تجنيد عناصر بدل المقاتلين الذين فقدتهم. يوضح العجرمي أن الحركة تعمل بصورة مؤسساتية في جميع أطرها، لذلك فإنها لا تزال تحكم غزة باقتدار.
أفصح "الكونغرس" الأميركي في تقرير رسمي، عن معلومات أن جمعتها وكالة الاستخبارات المركزية تفيد بأن "حماس" نجحت في تجنيد 15 ألف مقاتل جديد، مما يشير إلى أن الحركة ستظل تمثل تهديداً لإسرائيل التي فشلت في القضاء عليها.
لقد تمكنت إسرائيل خلال الحرب من تصفية كتائب "حماس" وقتل قادتها من الصف الأول وحتى الخامس، لكن نظام الحركة المؤسساتي يعني أنه في حال قتل أي قائد يحل آخر محله ليتسلم المهام، مما ساعدها في النهوض مباشرة بعد وقف القتال.
يشير العجرمي إلى أن "حماس" استغلت قوتها المؤسسية، وعملت على تكييف نفسها ميدانياً، ونجحت في تحويل تهمة التسبب في تدمير غزة إلى عرض لمرونتها، مما منع تل أبيب من ادعاء أي نصر سياسي أو عسكري، فالحركة فكرة والأفكار لا تموت.
الانتصار كصورة
وزير خارجية إسرائيل جدعون ساعر، اعترف بعدم تحقيق أي نصر على "حماس" قائلاً، "لم نهزم الحركة الفلسطينية بعد، لكننا على رغم ذلك متمسكين بأهداف الحرب، وسنعمل باجتهاد على إزاحتها من المشهد في غزة".
والمشهد في غزة يبدو مختلفاً قليلاً، إذ استعرضت "حماس" قوتها، واستخدمت سيارات رباعية الدفع بيضاء ونظيفة تماماً ودراجات نارية وعناصر يرتدون زياً موحداً ومرتباً، وأقامت عرضاً عسكرياً صغيراً وسط جمهور واسع، بينما طائرات الـ"درون" توثق هذه اللحظات، لتظهر نفسها كحركة منظمة تماماً.
يبين العجرمي أن ما ساعد "حماس" على النهوض منذ بدء اتفاق وقف إطلاق النار هو سرعتها في إنتاج قادة، إذ ما دام جهاز الأمن موجوداً ستبقى الحركة، ولا يهم مقدار الضعف عسكرياً وسياسياً أو حتى مالياً، لأن كل هذه الأمور يمكن تعويضها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في الواقع، يبدو أن "حماس" تتصرف وفقاً لاتفاق وقف إطلاق النار، إذ بموجبه يسمح لعناصر الحركة بالظهور لتسليم الرهائن، كما تتولى الشرطة التي تشرف عليها "حماس" مسؤولية إدارة القانون والنظام بين الفلسطينيين بصورة عامة، كما ستحافظ على تنقل النازحين من الجزء الجنوبي إلى الشمال.
تقول الباحثة السياسية ميساء أبوغنام، إن "حماس انتهت فعلياً، وتم منحها صورة وهمية للنصر، وذلك باتفاق مع إسرائيل استعداداً لإزاحتها عن المشهد لاحقاً، وما يجري الآن مجرد عرض فقط ولا يعني قوة فعلية للحركة".
لكن لضابط الاستخبارات الإسرائيلي السابق مايكل ميلستين، رأياً آخر إذ يقول إن "(حماس) كانت في غزة قبل الحرب، وإلى الآن لا تزال موجودة، وستظل قوة لا يمكن تجاوزها في القطاع، ورغم تعرضها لأضرار غير مسبوقة تظل اللاعب المهيمن".
ويضيف، "لست مقتنعاً بأن الحركة تعتقد أنها تستطيع العودة إلى حكم غزة، رغم أنه في الوقت الحالي لا يوجد بالتأكيد أحد على الأرض سواهم يستطيع تولي المسؤولية، إنهم يستغلون وقف إطلاق النار للتعافي والسيطرة والعودة بقوة".
وفي تقييم ميلستين فإن "حماس" لا تزال تمتلك ما لا يقل عن 50 في المئة من قوتها القتالية، ورغم أنها قد لا تمتلك كثيراً من الصواريخ، فإن لديها ما يكفي من الأسلحة التي تمكنها من السيطرة على قطاع غزة، وسوف يتطلب إبعادها من السلطة حملة طويلة الأمد، لكن لا يبدو أن هناك جهة فاعلة مستعدة للقيام بذلك".
استئناف الحرب
يقول القيادي في "حماس" سامي أبوزهري، "الحرب وضعت أمام الحركة صعوبات وتحديات كبيرة، لكنها أثبتت قدرتها على التكيف والاستمرارية، فمنذ بدء الحرب وحتى الآن تستطيع (حماس) تعويض خسائرها، ونحن لا نزال في غزة بينما فشل الجيش الإسرائيلي في تحقيق أهدافه".
أما في إسرائيل فيقول المتحدث العسكري أفيخاي أدرعي، "ما يقوم به عناصر (حماس) مجرد مسرحية على الأرض، الجيش نجح في تدمير الحركة، وهؤلاء أقلية وعصابات تحتفظ بالرهائن، نحن سنواصل تدمير (حماس) بعد تحرير المحتجزين".
ويبدو أن إسرائيل لم تتخلَ عن هدف الحرب المعلن المتمثل في تفكيك الجناح العسكري لـ"حماس" وحكومتها، مما يشير بقوة إلى أنهم قد يستأنفون الحرب بعد تحرير الرهائن. ويؤكد وزير الخارجية جدعون ساعر أن حكم "حماس" يشكل خطراً على أمن تل أبيب، وأن إسرائيل لم توافق على وقف إطلاق نار دائم يترك الحركة في السلطة.