ملخص
تحقيق يسلط الضوء على معاناة فلسطينيين فقدوا أحبتهم تحت ركام الحرب
على مدى الأيام القليلة الماضية، رأت وسام البالغة من العمر 40 سنة عشرات الجثث المتحللة التي انتشلت من تحت الأنقاض في غزة في خضم سعيها المستميت إلى العثور على زوجها المفقود.
كما تفحصت السيدة الفلسطينية والأم لأربعة أطفال 2000 صورة لجثث مجهولة الهوية قتل أصحابها خلال حرب استمرت 15 شهراً - وقد وثقها أطباء غزة ببالغ العناية - جمعت في ألبوم في أقرب مستشفى رئيس.
منذ دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ الأحد الماضي في القطاع المحاصر، تمكنت فرق الاستجابة الأولى والعائلات من دخول مناطق كانت مغلقة أمامهم بسبب القتال. ونقبت العائلات داخل الركام في هذه المناطق سعياً إلى انتشال رفات متحلل، بعضه محترق وممزق أو نهشت الحيوانات البرية نصفه لدرجة أن وسام تقول إنها باتت تكتفي بتفقد الأسنان. هذا إن كان للجثامين من أسنان.
ومع ذلك لم تنجح بعد في العثور على يوسف ذي الـ43 سنة، بعد اختفائه منذ ما يقارب عاماً عندما ذهب لتفقد أحوال والدته فتحية، التي فقدت جثتها هي الأخرى.
وتقول والألم يعتصر صوتها "يسألني أطفالي كل يوم 'أين بابا؟ هل توفي؟ هل اعتقلوه؟ هل سيعود إلى المنزل؟' وهناك عائلات كثيرة مثلي. آمل أن يتمكن أحد من المساعدة في هذه الفاجعة. أين هم؟".
منذ بداية الهدنة التي أبرمت بوساطة أميركية وقطرية بين إسرائيل وتنظيم "حماس" المسلح، شقت عائلات غزة المذهولة طريقها الطويل عبر جبال الركام لتفقد منازلها والعثور على أفرادها المفقودين- ودفن أمواتها بعد طول انتظار. يتكلم المدنيون والطواقم الطبية عن عثورهم على عظام وجماجم تحت دور سويت بالأرض وعن عمليات الحفر لانتشال جثث متعفنة من مواقع القصف وعن العثور على قبور مفتوحة.
فرت وسام وعائلتها من منزلهم في خان يونس باتجاه المواصي التي سميت منطقة إنسانية في أواخر عام 2023. واختفى يوسف في مارس (آذار) 2023 بعد عودته إلى خان يونس للاطمئنان على والدته التي أوت إلى المنطقة برفقة أعضاء من عائلته الممتدة.
بعد مرور شهر أو أكثر على فقدان أثره، تمكنت وسام من التواصل مع جيران لهم أخبروها بتعرض المبنى لقصف جوي ليلة وصوله. وعقب انسحاب القوات الإسرائيلية من خان يونس في أبريل (نيسان)، استطاعت فرق الإنقاذ أن تنتشل جثث 14 فرداً من العائلة التي يعتقد أن 19 من أبنائها كانوا في المكان. وبعد وقف إطلاق النار الآن، عادت وسام إلى المكان في محاولة للعثور على زوجها وأخويه ووالدته وابن أخيه.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتروي قائلة "عندما عدت إلى خان يونس خلال الهدنة، وجدت عدداً كبيراً من الجثث المتحللة التي سحبت للتو من تحت الأنقاض ومن الشوارع. لم أستطع أن أتفقد أي شيء باستثناء الأسنان"، مضيفة أنها تفحصت شخصياً 33 جثة.
وتكمل بقولها "إنه مشهد يستحيل [يعصى] وصفه. عندما أخرجوا الجثامين كان بينها أطفال نهشت الكلاب نصف وجوههم. تفحصت 2000 صورة لجثث وأنا أحاول العثور عليه في ألبوم في مستشفى ناصر. لا يمكننا تأكيد وفاتهم في هذه المرحلة- فهم مفقودون فقط".
شنت إسرائيل حملة قصف غير مسبوقة على غزة في أعقاب هجمات مقاتلي "حماس" الدموية في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 التي أسروا خلالها 250 رهينة من بينهم أطفال وقتلوا ما يربو على 1200 شخص.
وتضيف أن سلطات الصحة الفلسطينية أفادت بإن إسرائيل قتلت في الهجوم الذي أطلقته منذ ذلك اليوم أكثر من 47 ألف شخص وهجرت أكثر من 90 في المئة من سكان القطاع البالغ عددهم مليوني نسمة. كما سوت أجزاء كبيرة من غزة بالأرض فيما تقدر الأمم المتحدة نسبة المنازل المدمرة أو المتضررة بـ92 في المئة من المساكن.
وفي الواقع، أظهر تقرير الأمم المتحدة لتقييم الأضرار الذي نشر خلال الشهر الجاري أن عملية إزالة أكثر من 50 مليون طن من الركام الذي خلفته الحرب تتطلب فترة قد تصل إلى 21 عاماً وتبلغ كلفتها 1.2 مليار دولار (974 مليون جنيه استرليني).
إنما لا يمكن لهذه العملية أن تبدأ سوى إن صمدت الهدنة خلال مرحلتها الأولى الممتدة ستة أسابيع. بموجب بنود الاتفاق الذي دخل حيز التنفيذ الأحد الماضي على أن ينقسم إلى ثلاث مراحل، من المفترض أن تسحب إسرائيل جنودها من وسط غزة وتسمح بعودة الفلسطينيين إلى الشمال خلال فترة أولية تمتد ستة أسابيع. من المتوقع الإفراج عن 33 رهينة في الأقل مقابل إطلاق سراح سجناء فلسطينيين. ومن المزمع أن تبدأ المفاوضات أيضاً لتنفيذ المراحل المقبلة.
خلال الهدنة، تستميت العائلات في البحث عن أحبتها المفقودين.
تقول لينا الضبع إن ابنتها الحبيبة آية ذات الـ13 ربيعاً قتلت في نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 بنيران قناص إسرائيلي فيما كانت تحاول ملء وعاء بالماء داخل مجمع لمدرسة فتيات في مدينة غزة كان يؤوي العائلة. وتضيف لينا أنها وابنها تعرضا أيضاً لإطلاق النار فيما كانا يحاولان مساعدة المراهقة. نفت القوات الإسرائيلية استهداف المدنيين، وهي تصر على أنها تحترم القانون الدولي.
وفي ظل كثافة إطلاق النيران على وقع توغل القوات الإسرائيلية وتقدم هجومها البري، اضطرت عائلة آية إلى أن تدفنها على عجل في قبر بسيط [سطحي ومرتجل]، مستخدمة أسطح طاولات المدرسة وقطعاً من الباطون وجدتها داخل مجمع مدرسة البنات. وتقول لينا إن القوات الإسرائيلية اقتحمت المدرسة بعد ذلك وأمرت بإخلائها فوراً.
أثناء الهدنة، عاد أفراد عائلة آية الذين كانوا قد هربوا إلى مناطق أبعد جنوباً، للمرة الأولى لدفنها بصورة لائقة، لكنهم وجدوا القبر مفتوحاً والعظام مبعثرة على الأرض.
وتشرح والدتها وهي ترسل صوراً لهيكل عظمي متناثر "حاول عمي العثور على موقع القبر فوجد قبرها فارغاً- وعثر على جمجمة ورجلين وعظام صدرها على ما نعتقد وشعر مبعثر داخل مكان القبر وحوله".
ويضيف معين عم آية "اعتقدنا أن الكلاب هي التي فعلت ذلك لكن الكلاب لا تحفر أو تنبش بهذه الصورة، ولا يعقل أنها فتحت القبر. فالقبر صنع بشكل محكم"، وهو يعتقد أن القوات الإسرائيلية هي التي فتحته.
يقول أحمد كيلاني وعمره 36 سنة، وقد نزح من مدينة بيت لاهيا في الشمال إلى خان يونس، إنه حاول بدوره العثور على جثة أخيه محمد خلال الهدنة. قتل محمد أثناء محاولته توصيل الطعام للعائلات وكان حينها يقود دراجته بين بيت لاهيا وبيت حانون. وقد بقي جثمانه في الشارع 22 يوماً بسبب كثافة القتال.
"لم يتمكن أي من أقاربنا من الوصول إلى جثته ونصحونا أيضاً بعدم المخاطرة بحياتنا في محاولة سحبها".
بعد مرور شهر، دفن الجيران محمد على عجل لكن عندما عادت الأسرة إلى المكان الأحد، لم تعثر على جثته- تعرضت المنطقة إلى قصف عنيف لدرجة غيرت ملامحها [تضاريسها] تماماً.
ويقول أحمد "كان محمد أخاً عظيماً. وهو شخص رائع ولا سيما مع والدتي. إن فقدان الأخ بصعوبة فقدان الأب".
أما وسام فتواصل سعيها. وتقول إنها تواصلت مع الصليب الأحمر ومنظمات أخرى كي تستعلم عن احتمال تعرض زوجها وأقاربها الأربعة المفقودين للاعتقال وإن كان هذا هو سبب عدم العثور على جثثهم، لكنها وصلت إلى طريق مسدود.
وتقول بنبرة يائسة "أتمنى أن يتمكن أحدهم من المساعدة في هذه الفاجعة. إن عدداً كبيراً من أسر الجرحى والقتلى والمعتقلين لا يملك أدنى معلومات عنهم".
"وما زالت الأسر تبحث عن كل هؤلاء المفقودين ولا تعلم - أين هم؟ وإن قتلوا أو فقدوا أو اعتقلوا أو أصيبوا - لا نملك أدنى فكرة".
© The Independent