ملخص
سيكون للاقتصاد التركي التأثير الأكبر، أما بالنسبة إلى العراق فهو الأكثر استيراداً للسلع السورية من دول الجوار، فيما يعد الاستقرار السياسي في الأردن عاملاً إيجاباً على سوريا، وفي الحال اللبنانية من المتوقع أن يكون الاقتصاد السوري أكثر تأثيراً في نظيره اللبناني، فيما الحدود السورية مع إسرائيل وفلسطين مغلقة كلياً.
تخرج سوريا منهكة من حرب تعد واحدة من أبشع حروب العصر الحديث، خلفت مئات آلاف القتلى والمفقودين وملايين اللاجئين، ومدناً بأكملها مدمرة واقتصاداً منهاراً وبنية تحتية معدومة، وفي ظل كل هذه الفوضى يشرق ضوء أمل ببدء إعادة بناء البلد المرهق، وهذا تواجهه تحديات كبرى من أهمها الاقتصاد الذي يعد العامل الأساس لأي نهوض، وبطبيعة الحال يؤثر اقتصاد دول الجوار بصورة مباشرة في سوريا، وقوة وأهمية اقتصاد الجوار ستنعكسان سلباً أو إيجاباً على سوريا.
تحيط بسوريا خمس دول متفاوتة القوة الاقتصادية والتداخل معها، أقواها تركيا ذات الحدود الأطول التي تتمتع باقتصاد يدخل ضمن أقوى 20 اقتصاداً في العالم، وفي الشرق السوري العراق الذي يعاني أزمات اقتصادية محدودة وتجارة مع سوريا أيضاً محدودة، وعوامل الاستقرار غير منضبطة، وفي الجنوب الأردن، أكثر دول الجوار استقراراً على الصعيد السياسي، لكن الاقتصاد الأردني ليس لديه كثير ليقدمه لسوريا، أما الحدود السورية مع فلسطين وإسرائيل فهي مغلقة بالكامل ولا يوجد أي تأثير لها في سوريا ولا يوجد أي تبادل تجاري، ولا يوجد توقعات بفتحها في المديين القريب والمتوسط، لذلك لا يؤثر الاقتصاد الفلسطيني أو الإسرائيلي في سوريا بالمطلق، أما الدولة الأخيرة فهي لبنان، ويشهد هو الآخر أزمة اقتصادية خانقة ممتدة منذ أعوام، ومن المتوقع أن يؤثر الاقتصاد اللبناني في الجار السوري بصورة محدودة.
تركيا الأكثر تأثيراً في الاقتصاد السوري
رجل الأعمال التركي محمد شريف أوغلو، يقول في حديثه إلى "اندبندنت عربية" إنه "بطبيعة الحال سيكون الاقتصاد التركي الأكثر تأثيراً في سوريا لأسباب متعددة، أولها أن اقتصاد تركيا هو أقوى اقتصاد في الدول المجاورة لسوريا، ثانياً تعد الحدود التركية هي أطول حدود لسوريا مع دول الجوار، ولتركيا تأثير كبير بخاصة في شمال سوريا، وطوال الأعوام الماضية كانت تركيا تصدر البضائع والسلع إلى شمال سوريا، واليوم تواصل تصديرها إلى باقي الأراضي السورية، وأيضاً تعد البوابات الحدودية التركية مع سوريا إحدى أهم وسائل إدخال المساعدات الدولية إلى سوريا، وبعد أن تشهد سوريا نوعاً من الاستقرار سيفضل كثير من المستثمرين الأتراك الدخول إلى الساحة السورية والاستثمار هناك، ومن جانب آخر، على رغم أن الوضع السياسي في سوريا تغير فإن هناك مئات الآلاف من السوريين العاملين في تركيا ربما لن يعودوا إلى بلدهم وسيواصلون عملهم في تركيا وسيواصلون إرسال الحوالات المالية لذويهم في سوريا، وهذا سينعكس بالطبع على الاقتصاد السوري".
ويضيف أوغلو أنه "على رغم كل هذا فليس من المستبعد أيضاً أن تكون هناك بعض التأثيرات السلبية للاقتصاد التركي في سوريا، إذ إن الاعتماد الكبير على المنتجات التركية يقلل من قدرة المناطق السورية على تحقيق الاكتفاء الذاتي، مما يجعلها عرضة لتقلبات الاقتصاد التركي أو تغيرات السياسات التركية، كذلك فإن الاقتصاد السوري قد يتأثر بصورة مباشرة بتغيرات قيمة الليرة التركية، بخاصة إذا استمر تداول الليرة التركية بصورة كبيرة في الأسواق السورية، ومع هذا من المهم تعزيز التعاون بين الجانبين لتقليل التبعات السلبية وزيادة فرص التنمية، مع التركيز على دعم المشاريع المحلية السورية لتعزيز الاستقلال الاقتصادي، وإذا استقرت الأوضاع السياسية أكثر يمكن أن تتحول تركيا إلى بوابة اقتصادية مهمة لإعادة إعمار سوريا".
التأثير الاقتصادي لدول الجوار على سوريا قبل 2011
من جانب آخر يرى الباحث الاقتصادي السوري أسامة القاضي في حديث خاص أن "التجارة البينية ما بين سوريا ودول الجوار كانت ضعيفة للغاية وكانت حساسة جداً، بسبب التجاذبات السياسية وعمليات الابتزاز التي كان يقوم بها النظام السابق، لدرجة أن التبادل التجاري قبل 2011 مع أية دولة من دول الجوار لم يتجاوز مليار دولار باستثناء تركيا التي وصل التبادل التجاري معها إلى ما يقارب ملياري دولار عام 2010، أما في ما يتعلق بالمستقبل فمن الطبيعي أن يكون انتعاش اقتصاد أية دولة من دول الجوار هو انتعاشاً للاقتصاد السوري، ويجب على دمشق أن تستفيد من قوة اقتصاد الدول المجاورة وخبراتها، وفي المقابل على هذه الدول أن تكون منفتحة على سوريا أكثر، لكن كل هذا يجب ألا يؤثر في المنتج الوطني المحلي، ليكون هذا المنتج محمياً".
كيف يؤثر الاقتصاد اللبناني على نظيره السوري؟
يقول الباحث الاقتصادي اللبناني أحمد علوش إن "الاقتصاد اللبناني له تأثير ملموس في الاقتصاد السوري، إذ إن لبنان تاريخياً كان بمثابة خلفية للاقتصاد السوري بخاصة في ظل العقوبات الدولية المفروضة عليها، والقطاع المصرفي اللبناني كان يشكل منفذاً للسوريين لتحويل الأموال وإجراء المعاملات المالية قبل الأزمة المالية في لبنان، وكذلك تعتمد السوق السورية على بعض السلع والخدمات اللبنانية مثل المنتجات الغذائية والمواد الأساس، وهذا الشيء يعزز حركة التجارة بين البلدين، وأيضاً يعتبر لبنان محطة رئيسة لدخول الاستثمارات والسلع إلى سوريا خصوصاً مرفأ بيروت الذي كان يلعب دوراً رئيساً في تأمين حاجات السوق السورية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويضيف علوش أنه "مع أزمة الاقتصاد اللبناني تأثرت القدرة على تلبية الحاجات بصورة كبيرة، مما أدى إلى زيادة الضغوط على الاقتصاد السوري، لذلك يمكن القول إن الاقتصادين مترابطان بصورة وثيقة، وأية أزمة في لبنان تنعكس بصورة مباشرة على سوريا، ومع ذلك أعتقد أن تأثير الاقتصاد السوري في لبنان سيكون أكبر من تأثير الاقتصاد اللبناني في سوريا، بسبب طبيعة الجغرافيا السورية الواسعة وكثرة الموانئ والمطارات والحدود مع دول أخرى مثل تركيا والعراق وغيرهما".
العراق الأكثر استيراداً للسلع السورية
ويرى المحلل العراقي أيمن الشمري بأن "الاقتصاد العراقي قائم بصورة أساس على النفط، وعلى رغم ذلك فإن الاقتصاد العراقي يلعب دوراً حيوياً في التأثير في مستقبل سوريا، وذلك نظراً إلى العلاقات التاريخية والجغرافية والتجارية بين البلدين، من أهم عوامل التأثير هي التجارة الثنائية والتكامل الاقتصادي، إذ إن العراق هو أحد الأسواق المهمة للمنتجات السورية، خصوصاً المنتجات الزراعية والصناعية، وأي تطور في الاقتصاد العراقي، مثل النمو الاقتصادي أو الأزمات، يؤثر مباشرة في حجم الصادرات السورية، ومن ناحية أخرى فإن استقرار الاقتصاد العراقي يعزز من مشاريع النقل المشتركة مثل الطرق البرية والمعابر الحدودية، مما يسهل حركة البضائع ويدعم الانتعاش الاقتصادي السوري".
ويضيف الشمري أن "عاملاً آخر من عوامل التأثير هو مشاريع البنية التحتية والطاقة، إذ يمتلك العراق احتياطات هائلة من النفط، ويمكن أن يكون مصدراً للطاقة لسوريا، والتعاون في مجال الطاقة قد يشمل تزويد سوريا بالنفط أو إعادة تشغيل خطوط الأنابيب بين البلدين، وأيضاً قد يكون العراق شريكاً في دعم مشاريع إعادة الإعمار في سوريا من خلال خبراته وشركاته في قطاع البناء، وأيضاً في حال استقرار العراق اقتصادياً يمكن أن يكون شريكاً أساساً في مبادرات إقليمية للتكامل الاقتصادي تشمل دول المشرق العربي، مما يعزز من فرص الاستثمار والنمو لسوريا، ولا ننسى أيضاً أن العراق يعتمد جزئياً على موانئ دول الجوار للوصول إلى الأسواق العالمية، لذلك فإن تطوير موانئ سوريا يمكن أن يصبح خياراً اقتصادياً إستراتيجياً للعراق، مما يخلق فرصة لزيادة العائدات السورية، وهذا كله فضلاً عن الاستثمارات العراقية المحتملة في سوريا".
ويختم الباحث العراقي حديثه بالقول إنه "من الطبيعي أن يكون استقرار العراق أمنياً واقتصادياً ينعكس إيجاباً على الأوضاع الحدودية مع سوريا، مما يسهم في تعزيز التجارة وتقليل تهريب السلع، وهذا أيضاً مرتبط بالاستقرار السياسي، بالنسبة إلى العراق فهو يتمتع بعلاقات جيدة مع القوى الإقليمية والدولية، مما يمكن أن يدعم الجهود المشتركة لإعادة الاستقرار إلى سوريا، ومع هذا فإن هناك تحديات أخرى، إذ إن أي تدهور اقتصادي في العراق، مثل انخفاض أسعار النفط أو الأزمات السياسية قد يؤدي إلى تراجع التجارة والاستثمارات مع سوريا، وأيضاً إذا واجه العراق ضغوطاً سياسية أو اقتصادية، فقد يتباطأ التعاون مع سوريا".
على أية حال، تعد تركيا هي الأكثر تأثيراً في مستقبل الاقتصاد السوري بين دول الجوار، وجميع دول الجوار يرتبط تأثيرها الاقتصادي في سوريا بعاملين أساسين، أولاً قوة اقتصاد تلك الدولة، وثانياً علاقة تلك الدولة بالحكومة السورية المقبلة.