ملخص
الأحداث الأخيرة في سوريا وتغيير القيادة في دمشق منحت الرئيس التركي ورقة جديدة للعب من أجل إعادة تشكيل خريطة الطاقة الحالية في المنطقة. فالاتفاق البحري مع سوريا قد ينطوي على دمج الجزء الشمالي من قبرص المحتل أو ما تطلق عليه أنقرة "جمهورية شمال قبرص التركية"، الذي يجب أن يسبقه اعتراف دمشق بتلك الجمهورية غير المعترف بها دولياً، ما من شأنه تعزيز مزاعم أنقرة في مصادر الطاقة بشرق البحر المتوسط.
بعد أيام من سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد، تحدث وزير النقل والبنية التحتية التركي عبدالقادر أورال أوغلو، أمام الصحافيين في أنقرة، في شأن بدء مفاوضات مع دمشق لترسيم الحدود البحرية في البحر المتوسط لاستكشاف مصادر الطاقة.
في حين تحدث الوزير التركي في شأن التزام القانون الدولي، لكن التصريح أعاد إلى الأذهان الاتفاق التركي مع حكومة الوفاق في الغرب الليبي عام 2019، الذي عده الاتحاد الأوروبي ودول شرق المتوسط غير قانوني، ولا سيما اليونان التي قالت إن الاتفاق ينتهك بعض المناطق الواقعة ضمن السيادة اليونانية.
وبالمثل، يثير الاتفاق التركي - السوري المحتمل رفضاً من قبرص واليونان، التي حذر مسؤولوها من أن الاتفاق قد يقوض الحقوق السيادية لبلادهم، ويشكل سابقة تتحدى الحقوق البحرية لجزر مثل كريت وقبرص. وقال المتحدث باسم الحكومة القبرصية كونستانتينوس ليتيمبيوتيس في بيان إن أي نية لإبرام اتفاق بين تركيا وسوريا، باعتبارهما دولتين لهما سواحل متجاورة، يجب أن تكون "على أساس القانون الدولي، وتحديداً القانون الدولي العرفي للبحار كما ينعكس في اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، ويجب أن يأخذ في الاعتبار حقوق جمهورية قبرص في المنطقة"، وهو القانون الذي لم تصدق عليه أنقرة.
تركيا ترسخ نفوذاً في المتوسط
تنظر أوروبا إلى منطقة شرق المتوسط كبديل مهم للغاز الروسي، وتشارك أربع دول أوروبية كأعضاء في منتدى غاز شرق المتوسط الذي أُسس عام 2019 بهدف إنشاء سوق غاز إقليمية في المنطقة تكون فيها إسرائيل ومصر مركزاً إقليمياً للطاقة. وفي أبريل (نيسان) 2022 وقعت مصر وإسرائيل والمفوضية الأوروبية مذكرة تفاهم لإمداد القارة الأوروبية بالغاز، وذلك عبر محطات الإسالة المصرية في إدكو ودمياط، حيث تمتلك مصر بنية تحتية قوية في صناعة الغاز الطبيعي، وتسعى أوروبا إلى سد جزء من حاجاتها من الغاز عبر إمدادات الغاز من شرق المتوسط، ضمن خطة لتعويض جزء من واردات الغاز الروسي. وفي إطار التعاون بين دول المنتدى أيضاً، وقعت إسرائيل واليونان وقبرص مشروع الربط الكهربائي.
لكن في ظل استبعاد تركيا من منتدى غاز شرق المتوسط، أقدمت أنقرة منذ عام 2019 على ممارسات استفزازية لجيرانها، بداية من توقيع اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع ليبيا، مما اضطر فرنسا في نوفمبر (تشرين الثاني) 2021 إلى إرسال الفرقاطة "أوفيرني" إلى المنطقة لضمان الأمن والاستقرار في شرق المتوسط، بعد قيام أنقرة مراراً بإرسال سفن مسح زلزالي مع تهديدات بالقيام بالتنقيب عن الطاقة في مناطق تقع ضمن المياه الاقتصادية الحصرية لقبرص، إذ تزعم تركيا أن لها حقوقاً في تلك المياه، غير معترفة بحق قبرص كدولة جزيرة في امتلاك منطقة اقتصادية خالصة تتخطى الحدود المعتادة البالغة 12 ميلاً بحرياً.
وبالنظر إلى الإعلان التركي الجديد لتوقيع اتفاق آخر لترسيم الحدود البحرية مع سوريا، فإن أنقرة تسعى إلى ترسيخ نفوذ جديد في شرق المتوسط، في سياق المنافسة الشرسة بين اللاعبين الإقليميين. وتقول أنقرة إن جزءاً كبيراً من تلك المياه الاقتصادية الخالصة لقبرص إما يتداخل مع جرفها القاري وإما ينتمي إلى القبارصة الأتراك في الجزء الشمالي من الجزيرة الذي تحتله تركيا منذ عام 1974 ولا تعترف به أي دولة سواها. وفيما يرتبط نظام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بعلاقة قوية مع المتمردين السوريين الذين يسيطرون على الحكم حالياً، فيمكن لدمشق أن تكون أكثر استعداداً للاعتراف بمطالبات أنقرة في شأن المنطقة الاقتصادية الخالصة في شرق البحر المتوسط، مما يعزز موقفها في النزاعات الجارية مع اليونان وقبرص.
سوريا تعزز موقف أردوغان
الواقع الجديد في سوريا يمثل فرصة لتركيا للعمل كمركز للطاقة في المنطقة. ووفق مراقبين فإن استقرار سوريا من شأنه أن يعيد إحياء مشروع خط الأنابيب لربط حقول الغاز الطبيعي القطرية بتركيا عبر السعودية والأردن وسوريا، وإن كانت كلفة بناء مثل هذا الخط البالغة 25 مليار دولار قد تجعل المشروع غير قابل للتنفيذ مالياً، بخاصة أن شحنات الغاز الطبيعي المسال تشكل حالياً خياراً أكثر اقتصاداً. وأفادت وسائل الإعلام اليونانية أن مشروعاً آخر في دائرة الضوء هو ربط غرب سوريا بخط أنابيب الغاز العربي الحالي، الذي يربط سوريا بالأردن ومصر، ويمكن أن يوفر لأوروبا الغاز الطبيعي المصري والإسرائيلي.
ووفق تقرير لمعهد تشاتام هاوس في لندن، فإن تركيا تقف في موقف قوي لتشكيل مستقبل سوريا بعد الصراع، نظراً إلى دعمها الجانب المنتصر في الحرب الأهلية. كذلك يمكن للشركات التركية، التي تستعد لتأمين عقود إعادة الإعمار المربحة، أن تستفيد أيضاً من اتفاق حدود بحرية محتمل مع سوريا، وقد تعيد هذه الصفقة تشكيل شرق البحر المتوسط، وتقدم فوائد اقتصادية لكلا البلدين على حساب قبرص.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي حديثها إلى "اندبندنت عربية"، قالت محللة الاستخبارات والأمن لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والباحثة لدى جامعة "سيينا" في إيطاليا روبرتا لا فورتيزا، إن الأحداث الأخيرة في سوريا وتغيير القيادة في دمشق منحت الرئيس التركي ورقة جديدة للعب من أجل إعادة تشكيل خريطة الطاقة الحالية في المنطقة، مشيرة إلى أنه يمكن لتركيا التوصل إلى اتفاقات مع دمشق لدعم إعادة بناء البنية التحتية الرئيسة في البلاد، والحصول على مواقف سياسية مهمة من القيادة السورية الجديدة لاستغلالها على المدى الطويل لحماية المصالح التركية.
إحدى النقاط المركزية في استراتيجية تركيا هي توسيع نفوذها الجيوسياسي في منطقة البحر المتوسط والتحول إلى مركز الطاقة في أوروبا، ومن ثم تلفت الباحثة الإيطالية إلى أن الاتفاق البحري مع سوريا قد ينطوي على دمج الجزء الشمالي من قبرص المحتل أو ما تطلق عليه أنقرة "جمهورية شمال قبرص التركية"، الذي يجب أن يسبقه اعتراف دمشق بتلك الجمهورية غير المعترف بها دولياً، ما من شأنه تعزيز مزاعم أنقرة في مصادر الطاقة بشرق البحر المتوسط.
عقيدة "الوطن الأزرق"
وفي تعليقات سابقة، قال الأدميرال المتقاعد جيهات يايجي، المعروف بدوره في عقيدة "الوطن الأزرق" - التي تتعلق بتوسيع النفوذ التركي نحو السيطرة على البحار الثلاثة، البحر الأسود وبحر إيجه والبحر المتوسط - "إن مثل هذا الاتفاق من شأنه أن يوسع المنطقة الاقتصادية الخالصة لسوريا بنسبة 12 في المئة إلى ما وراء مطالبات جمهورية قبرص، مما يعزز موقف تركيا البحري". ونشرت صحيفة "ميليت" التركية تقريراً يتحدث عن أن التحول في سوريا يخلق فرصة لممر طاقة جديد لأوروبا عبر تركيا.
وهذه الطموحات المتجددة ظهرت جلياً في قمة الطاقة الكبرى التي عقدت في إسطنبول الشهر الماضي، عندما استضاف المسؤولون الأتراك وزراء من كبار منتجي الغاز بما في ذلك أذربيجان وليبيا وأوزبكستان، إلى جانب ممثلين من دول العبور مثل جورجيا والمستوردين من أوروبا الشرقية. وتتلخص رؤية أنقرة في أن تعمل تركيا كنقطة عبور رئيسة بين منتجي الغاز إلى الشرق والجنوب والأسواق إلى الغرب.
ووفق زميل معهد تشاتام هاوس في لندن، كريم الجندي، توفر البنية الأساس الحالية للطاقة أساساً جيداً لهذه الطموحات، لافتاً إلى أن خط أنابيب الغاز الطبيعي عبر الأناضول، الذي ينقل الغاز الأذري إلى أوروبا يثبت بالفعل ملاءمة تركيا كدولة عبور. كما تمتلك البلاد سبعة خطوط أنابيب للغاز، وخمس محطات للغاز الطبيعي المسال، وثلاث وحدات تخزين عائمة، ومنشأتين للتخزين تحت الأرض.
إسرائيل منافس صعب
ومع ذلك يتحدث مراقبون عن أن إسرائيل لن تقبل بنفوذ واسع لتركيا في شرق المتوسط، لا سيما أن منتدى غاز شرق المتوسط عندما أُسس انضمت إسرائيل لتكون مركزاً إقليمياً للطاقة المصدرة إلى أوروبا، إذ يعد ذلك الملف بمثابة السلاح الجيوسياسي الرئيس لتل أبيب التي ترتبط بالفعل بمشروعات واسعة مع قبرص واليونان لتصدير الطاقة إلى أوروبا، أهمها مشروع الربط الكهربائي عبر البحر المتوسط "غريت سي إنتركونيكتور" الذي سيكون أطول وأعمق خط تيار مباشر عالي الجهد في العالم. وقد أعرب الاتحاد الأوروبي عن رغبته في تمويل المشروع الذي من المقدر أن ينتهي العمل فيه بحلول عام 2030.
كما ترتبط الدول الثلاث بمشروع لربط حقل الغاز قبالة سواحل إسرائيل بإيطاليا عبر مرور خط أنابيب من قبرص واليونان، بطاقة سنوية تبلغ 10مليارات متر مكعب من الغاز، ليضمن إمدادات بديلة للغاز الروسي لأوروبا. ومع ذلك يواجه المشروع عراقيل تقنية وجيوسياسية وقد سحبت الولايات المتحدة قبل عامين دعمها للمشروع. ومن جانب آخر تسعى تركيا إلى اقتناص مشروع "إيست ميد" ليمر عبر أراضيها بدلاً من قبرص واليونان. ومن خلال إنشاء خط أنابيب إلى الغرب من سوريا والاتصال بشبكة خطوط الأنابيب العربية الحالية (التي تربط سوريا والأردن ومصر) يمكن لتركيا أن تقدم لمنتجي الغاز الإقليميين مثل إسرائيل ومصر طريقاً إلى الأسواق الأوروبية، مما قد يؤدي على الأرجح إلى إحباط مشروع "إيست ميد".
وفي مقال نشره مركز بيغن - السادات للدراسات الاستراتيجية، ذكر المتخصص في مجال السياسة إيليا ريتج، أن أهداف الطاقة التركية في سوريا من شأنها أن تقوض بعض طموحات إسرائيل في أن تصبح جزءاً من ممر اقتصادي بين أوروبا ودول الخليج، والمعروف أيضاً باسم "ممر الهند والشرق الأوسط وأوروبا". فإنشاء خط أنابيب غاز جديد بين قطر وتركيا يجعل من الأسهل استكمال هذا الطريق ببنية أساسية إضافية، مثل الطرق والسكك الحديد وكابلات الكهرباء، لذا سيكون من الأسهل على الإمارات ودول الخليج الأخرى الاتصال به وتصدير الغاز الجاف وغيره من المنتجات إلى أوروبا عبر تركيا، بدلاً من بناء ممر جديد تماماً عبر الأردن وإسرائيل للوصول إلى شرق المتوسط.
ويضيف أنه في حين من الواضح أن الإمارات لن ترغب في الاعتماد على قطر أو تركيا كشريكي عبور، فيجب على إسرائيل أن تستمر في الترويج لفكرة ممر شرق المتوسط مع قبرص واليونان، وبخاصة للمستثمرين المحتملين في أوروبا والولايات المتحدة، كمكون أساس للخطط الاقتصادية الإقليمية.
تركيا المثيرة للقلق
وتقول لافورتيزا إنه من وجهة النظر الإسرائيلية فإن الاستراتيجية الإقليمية الحالية لتركيا مثيرة للقلق ليس فقط في ما يتعلق بقضية الطاقة ولكن قبل كل شيء في ما يتعلق بموقف أنقرة في سوريا. من ناحية الطاقة يمكن لإسرائيل أن تعزز علاقاتها تدريجاً مع اليونان وقبرص في محور مضاد لتركيا في شرق المتوسط. ولعل أحد الأمثلة على ذلك هو اتفاق الطاقة الذي وُقع في الـ23 من ديسمبر (كانون الأول) 2024 بين اليونان وإسرائيل، والذي يهدف إلى إنشاء ممر كهربائي "أخضر" من إسرائيل إلى الاتحاد الأوروبي عبر اليونان، وتسريع مشروع الربط الكهربائي بين اليونان وقبرص وإسرائيل، وليس من قبيل المصادفة أن عارضت أنقرة الاتفاق على الفور.
وتضيف أن أكبر مخاوف إسرائيل في الوقت الحالي تتعلق بالمواقف التركية في سوريا. فبالنسبة إلى إسرائيل كانت الميزة المباشرة للوضع الذي نشأ في دمشق بلا شك إضعاف إيران و"حزب الله" على الحدود الشمالية، ومع ذلك فإن الخطر على المدى الطويل يتمثل في صعود الجماعات السنية المتطرفة التي تدعمها أنقرة، ووجودها على الحدود الإسرائيلية، وهو ما لا يقل خطورة عن وجود الشيعة واحتمالات تسلل مقاتلين من "حزب الله" إلى سوريا. وربما تخشى إسرائيل أن يتدهور النظام السوري الجديد مرة أخرى ويعيد البلاد إلى هاوية الحرب الأهلية، كما أن إنشاء حكومة إسلامية سنية موالية لتركيا في دمشق وميل سوريا الجديدة المتزايد للدفاع عن المصالح التركية من شأنه أن يتعارض مع مصالح إسرائيل في المنطقة وبخاصة مع فكرتها عن الأمن الإقليمي.
تحالفات محتملة
ومع ذلك تتطلع أنقرة إلى التعاون مع إسرائيل في التنقيب عن الغاز في شرق المتوسط. فقبيل حرب غزة كان البلدان يستعدان لتدشين مشروع لإنشاء خط أنابيب تحت الماء يمتد من تركيا إلى حقل "ليفياثان" وهو أكبر حقل بحري للغاز الطبيعي في إسرائيل، لنقل الغاز إلى دول جنوب أوروبا، ومن ثم يعتقد المراقبون في العواصم الأوروبية أن التطورات الجديدة في المنطقة قد تدفع نحو مزيد من التعاون بدلاً من الصراع بين دول شرق المتوسط وتركيا.
ويرى الجندي أن التطورات يمكن أن تدفع نحو تعاون إقليمي أوسع من خلال مشروعات الطاقة المتعددة الاتجاهات سواء تلك التي تربط مصر واليونان، وإسرائيل وقبرص واليونان، وتركيا وسوريا ومصر والسعودية، إذ يمكن لتلك المشروعات أن تمثل مجتمعة بنية طاقة ناشئة من شأنها أن تدعم أمن الطاقة الإقليمي وتعزز التعاون الاقتصادي وتساعد في الحد من التوترات الجيوسياسية من خلال زيادة الاعتماد المتبادل بين دول المنطقة.
خط أنابيب الغاز العربي
وفي حين أن خطط تركيا لبناء خط أنابيب مع قطر قد تقوض المصالح الإسرائيلية، يقول ريتج إن خطة تركية أخرى قد تساعد إسرائيل على فتح أسواق جديدة لصادراتها من الغاز الطبيعي. فعلى مدى الشهر الماضي أعادت تركيا النظر في إمكانية الاتصال بخط أنابيب الغاز العربي عبر سوريا. وخط أنابيب الغاز العربي الذي افتتح عام 2003 أنشئ في البداية للسماح لمصر بتصدير الغاز الطبيعي شمالاً إلى الأردن وسوريا، ووقعت خطط لتمديد خط الأنابيب إلى تركيا في عامي 2006 و2008 ولكن تُخلي عنها عام 2009، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى النزاعات المالية وحقيقة أن مصر كانت تعاني تقلص مخزونات الغاز المتاح للتصدير. واليوم يخدم خط الأنابيب إسرائيل بصورة رئيسة، حيث ينقل الغاز الإسرائيلي إلى الأردن ومصر بينما يظل القسم السوري غير مستخدم. ويمكن لخط الأنابيب نقل نحو 10 مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي سنوياً، ويمكن زيادة هذه الكمية إلى 15 مليار متر مكعب، في حال إمداد خط الأنابيب بمحطات ضغط إضافية.
ويقول الجندي إن إمكان قيام دولة سورية جديدة مستقرة يخلق فرصة لتركيا للاستفادة من هذه الإمكانات. ومن خلال إنشاء خط أنابيب للغاز إلى الغرب من سوريا والاتصال بشبكة خط أنابيب الغاز العربي القائمة (التي تربط بين سوريا والأردن ومصر)، تستطيع تركيا أن تقدم لمنتجي الغاز الإقليميين مثل إسرائيل ومصر طريقاً أكثر جدوى تجارياً إلى الأسواق الأوروبية مقارنة ببدائل الغاز الطبيعي المسال الحالية.
إذا ما نجحت تركيا في ربط خط أنابيب الغاز العربي في قسمها السوري فمن الناحية النظرية قد تتمكن إسرائيل من نقل الغاز شمالاً عبر الأردن إلى تركيا ومن هناك إلى أوروبا. ومن غير المرجح أن تتحقق مثل هذه الخطة من دون تحسن كبير في العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل وتركيا، فضلاً عن التطبيع بين إسرائيل والنظام الجديد في سوريا. ولكن حتى لو لم يحدث أي من هذه الأمور فما زال بإمكان الغاز الإسرائيلي الوصول إلى تركيا إذا كانت الأردن أو مصر بمثابة "مستخدم نهائي" للغاز الإسرائيلي الذي يبيعانه بعد ذلك إلى تركيا. وقد كان هناك ترتيب مماثل على مدى العامين الماضيين: يُصدر الغاز الإسرائيلي إلى مصر، التي تقوم بدورها بتسييله وتصديره إلى تركيا وغيرها من الوجهات.
تعاون محدود
لكن هذا السيناريو قد يشكل تحدياً فعلياً لمنتدى غاز شرق المتوسط، التحالف الذي يضم مصر وإسرائيل واليونان وقبرص وفلسطين والأردن وإيطاليا وفرنسا. كما يشير الباحث الإسرائيلي إلى أن أي ترتيب تنشئه إسرائيل لبيع الغاز الجاف عبر خط الأنابيب إلى تركيا، حتى بصورة غير مباشرة، قد ينظر إليه من قبل قبرص واليونان على أنه يقوض مصالحهما مع إسرائيل.
ومن ثم يشير إلى ضرورة أن تتخذ إسرائيل خطوات لتهدئة المخاوف لدى قبرص واليونان. وينبغي لها أن توضح أن أي فرصة قد تتاح لإسرائيل لتصدير الغاز عبر تركيا لن تتعارض مع خططها لتعزيز البنية التحتية المشتركة في شرق البحر المتوسط. وحتى إذا تحققت خطط خط الأنابيب في سوريا فلن ترغب شركات الغاز الإسرائيلية في الاعتماد على سوريا وتركيا كدول عبور رئيسة لغازها ولن تستخدمه إلا بحذر وبكميات محدودة. وعلاوة على ذلك، فإن شركات الطاقة الإسرائيلية ليست حريصة على الاعتماد على مصر والأردن كمستخدمين نهائيين لبيع الغاز الإسرائيلي إلى تركيا، ويرجع ذلك جزئياً إلى قضايا سداد الديون. ولا تزال هذه الشركات تفضل طريقاً أكثر مباشرة إلى أسواق جديدة لتنويع محفظتها الاستثمارية، مثل مشروع مشترك للغاز الطبيعي المسال مع قبرص.