ملخص
أثار إسقاط فصل متعلق بتوريد العائلات سيارات من الخارج غضب كثير من التوانسة واعتبروا أن الأمر متعلق بحملة قادتها مجموعة موردي السيارات داخل أروقة البرلمان.
تعالت الأصوات في تونس أخيراً للمطالبة بضرورة تفعيل إجراء سحب الوكالة من عدد من النواب الذين أسقطوا بعض المقترحات التي طرحت خلال نقاش قانون المالية أو ممن تقدموا باقتراحات يراها البعض أنها تخدم بعض الجهات النافذة، وهو ما اعتبره مراقبون عودة إلى النقطة صفر بعد أن حل رئيس البلاد في 25 يوليو (تموز) 2021 البرلمان السابق، ويراه البعض الآخر وبخاصة مساندي قيس سعيد محاولة للفت انتباه النواب حتى يعودوا إلى رشدهم.
من بين الفصول المثيرة للجدل والتي مرت تحت قبة البرلمان، فصل اقترحه أحد النواب يتعلق بتخفيض الأداء الجمركي على المخللات، وهو اقتراح رآه كثيرون غريباً في بلد ينتج الزيتون بكثرة ومواد زراعية كثيرة تستعمل في صناعة هذه المادة. وقال البعض إن صاحب المقترح نائب يشتغل في قطاع توريد المخللات.
وأثار إسقاط فصل آخر متعلق بتوريد العائلات سيارة من الخارج غضب كثيرين واعتبروا أن الأمر متعلق بحملة قادتها مجموعة موردي السيارات في أروقة البرلمان. حتى إن أحد النواب قال في جلسة علنية إن ضغوطاً مورست ضد النواب من أجل عدم تمرير هذا الفصل لمصلحة "كارتلات السيارات". ولعل كل هذه الأحداث جعلت الدعوات تتعالى من أجل سحب الثقة من بعض النواب.
سحب الوكالة
وبخصوص إمكانية تفعيل آلية سحب الوكالة من بعض النواب، يقول رئيس التحالف من أجل تونس سرحان الناصري إن "الدستور نص على ذلك إلا أن هذه الآلية تعتبر شبه مستحيلة"، مضيفاً "لسحب الوكالة من أي نائب يجب جمع 10 في المئة من الأصوات المسجلين بالدائرة الانتخابية وهذا الأمر صعب جداً بل شبه مستحيل، بخاصة أن هذه النسبة لم يستطع النواب جمعها يوم التصويت فمن الصعب جمعها لسحب الوكالة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويضيف الناصري المساند لمشروع رئيس الجمهورية، "موقفنا في التحالف من أجل تونس واضح ويستند إلى أن آليات سحب الوكالة تعتبر حلول ترقيعية ولن تجدي نفعاً"، مستدركا "لكن يعد حل البرلمان هو الحل الأفضل إذا حاد عن المسار الموكول له وهو الدفاع عن حقوق ومكتسبات الشعب والاستجابة لمطالب الناخبين".
ومضى في حديثه بالقول، "لم يعد لدينا وقت لنضيعه. يكفي ما أضعناه خلال 12 عاماً مضت. اليوم بعد هذه الإخلالات التي عشناها مع هذا البرلمان يجب مراجعة القانون الانتخابي وإرجاع الأحزاب السياسية الوطنية التي لم تنخرط في عشرية الفساد إلى المشهد السياسي، وإن لزم الأمر حل هذا المجلس وإعادة انتخاب آخر جديد بقانون انتخابي جديد، وتعديل قانون الأحزاب، والعمل بمبدأ التزامن بين رئاسة الجمهورية والبرلمان أي تجميع الانتخابات في فترة واحدة حتى لا ينفر الناخبون من كثرتها". وأضاف، "اليوم تقريباً نعيش كل سنة انتخابات مرة تشريعية وأخرى رئاسية وثالثة بلدية وهذا يسهم في تراجع الإقبال عليها".
أما بخصوص التغيرات الحاصلة بين البرلمانات السابقة والحالي، أرجع الناصري ذلك إلى "غياب الأحزاب والكتل النيابية، فالبرلمان الحالي قائم على أفراد وحتى الكتل لا تشبه سابقيها"، مضيفاً "الفرق أيضاً أن البرلمان الحالي يخلو من العنف المادي واللفظي الذي شاهدناه سابقاً. لم نر قبل الفترة الأخيرة لوبيات تقف وراء النواب. شاهدنا أيضاً جهداً من نواب وجهلاً من آخرين بسبب انعدام الكفاءات السياسية"، لكن يبقى مجلس اليوم مخالفاً تماماً للبرلمانات السابقة التي عرفتها تونس بعد 2011.
وتابع "البرلمانات السابقة هيمن عليها الإخوان المسلمون لكن للأسف اليوم مناقشة قانون المالية وموازنات الدولة عرى بعض النواب"، مرجعاً بعض الممارسات القديمة كالمتاجرة ببعض الفصول لتحقيق مكتسبات شخصية ولمصلحة بعض اللوبيات النافذة في البلاد.
فصول خلافية
في المقابل، يرى الناشط السياسي علي بن عامر أن "البرلمان ليس مجلس الرئيس والحكومة ولا يجب أن يكون كذلك"، مضيفاً "هو مجلس يجب أن يكون ممثلاً لكل فئات الشعب ولكل جهات البلاد، ويجب أن يعكس التناقضات التي تشق المجتمع، ويكون مجالاً للنقاش حول الشأن العام والسياسات العمومية وبرامج السلطة التنفيذية".
وواصل حديثه، "هنا مربط الفرس، فلا يجب أن يكون مجلس النواب هو المجال الوحيد لتلك النقاشات والمطارحات، بل يجب تفعيل النقاشات والمطارحات حول السياسات العمومية في كل المساحات والمستويات الممكنة، وإن لزم الأمر استنباط وسائل جديدة للدفع نحو مشاركة مجتمعية لرسم السياسات العمومية".
وللرد على الانتقادات التي طاولت نواب الشعب إثر رفضهم قوانين يرى البعض أنها تخدم المواطنين، تقول النائبة سيرين مرابط إن "التهكم الذي تعرض له النواب عبر مواقع التواصل تسبب في مزيد من الضغط بين مجلس الجهات والأقاليم ومجلس نواب الشعب".
وأوضحت أن هذا الأمر "أدى إلى إسقاط مجلس الجهات مشاريع قوانين اقترحها البرلمان بعد الضغوط والجدل بعد تمرير فصول معينة"، مشيرة إلى أن النواب على رغم كل شيء يعملون في تناغم مع مجلس الجهات والأقاليم من أجل إيجاد التوازن لقانون المالية الحالي.
ونبهت إلى أن هناك "توظيفاً خفياً لما يحصل من خلال المطالبة بحل البرلمان وسحب الوكالة". أما بخصوص رفض بعض الفصول التي يأمل آخرون في أن تخفف عبء الضرائب على بعض الفئات، أكدت أن "أي قانون يتعارض مع وزارة المالية لا يمكن أن نمرره حفاظاً على موازنة الدولة". كما نزهت مرابط كل زملائها الذين تم انتقادهم بأن مصالح خاصة وراء رفضهم أو تمريرهم لفصول محددة كفصل المخللات أو السيارات.
وأخيراً، أكد رئيس لجنة المالية بمجلس نواب الشعب عصام شوشان، أنه سيجري تشكيل لجنة متناصفة تضم 10 نواب بين الغرفتين التشريعيتين (مجلس نواب الشعب ومجلس الجهات والأقاليم) للنظر في الفصول الخلافية ضمن مشروع قانون المالية لسنة 2025.