ملخص
في الأسابيع القليلة الماضية، ظهرت الأعلام الإسرائيلية على قمم تلال يطالب بها بعض المستوطنين في وادي الأردن بالضفة الغربية، مما زاد مخاوف كثير من الفلسطينيين حيال سيطرة أكبر لإسرائيل على تلك المناطق.
بعد التوسع غير المسبوق لنشاط إسرائيل في بناء المستوطنات، يتطلع بعض المدافعين عن بناء المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة إلى دونالد ترمب لتحقيق حلم فرض السيادة على منطقة ينظر إليها فلسطينيون على أنها أساس دولة لهم في المستقبل.
وتتغير ملامح الضفة الغربية بسبب التوسع السريع في المستوطنات اليهودية منذ عودة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على رأس ائتلاف قومي يميني متطرف قبل عامين. وخلال ذلك الوقت تفجرت أعمال عنف المستوطنين، مما أدى إلى فرض عقوبات أميركية.
وفي الأسابيع القليلة الماضية ظهرت الأعلام الإسرائيلية على قمم تلال يطالب بها بعض المستوطنين في وادي الأردن بالضفة الغربية، مما زاد مخاوف كثير من الفلسطينيين حيال سيطرة أكبر لإسرائيل على تلك المناطق. وأقام بعض المستوطنين صلوات من أجل فوز ترمب قبل الانتخابات.
استعادة السيادة
وقال يسرائيل ميداد وهو ناشط وكاتب يؤيد ضم إسرائيل الضفة الغربية، متحدثاً عن فوز ترمب من داخل المنزل الذي عاش فيه لأكثر من أربعة عقود في مستوطنة شيلو بالضفة الغربية "لدينا آمال كبيرة. نحن حتى متفائلون إلى حد ما".
واحتفى مستوطنون بترشيح ترمب مسؤولين معروفين بآرائهم المؤيدة لإسرائيل لمناصب في إدارته، ومن بينهم السفير مايك هاكابي، وهو مسيحي إنجيلي قال إن الضفة الغربية ليست تحت الاحتلال وإنه يفضل مصطلح "تجمعات" على "مستوطنات".
وعلى مدى أكتوبر (تشرين الأول) الماضي دفع وزراء بالحكومة الإسرائيلية ومدافعون عن المستوطنات ممن لديهم علاقات مع اليمين المسيحي في الولايات المتحدة بصورة متزايدة بفكرة "استعادة السيادة" على الضفة الغربية في تصريحات عامة. ولم تعلن حكومة نتنياهو أي قرار رسمي في شأن هذه المسألة. ورفض متحدث باسم مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي التعليق عند إعداد هذا التقرير.
موقف ترمب؟
وليس من المؤكد بأي حال من الأحوال أن ترمب سيدعم خطوة من شأنها تهديد طموح واشنطن الإستراتيجي المتمثل في التوصل إلى اتفاق أوسع بموجب اتفاقات أبراهام لتطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية، التي ترفض مثل معظم دول العالم السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية.
وقال دينيس روس وهو مبعوث أميركي سابق للشرق الأوسط في إدارات ديمقراطية وجمهورية استناداً إلى تقييمه الخاص لاعتبارات السياسة الخارجية للرئيس المنتخب، "رغبة ترمب في توسيع اتفاقات أبراهام ستكون على رأس الأولويات". وأضاف "لا يمكن أن يفكر السعوديون بجدية في الانضمام إذا ضمت إسرائيل رسمياً الضفة الغربية".
ومن شأن ضم الضفة الغربية القضاء على أي أمل في حل الدولتين الذي سيفضي إلى تأسيس دولة فلسطينية مستقلة، وكذلك تعقيد الجهود المبذولة لإنهاء الحرب المستمرة منذ أكثر من عام في قطاع غزة التي امتدت إلى لبنان.
وخلال ولايته الأولى نقل ترمب السفارة الأميركية في إسرائيل إلى القدس، وأنهى موقف واشنطن الراسخ منذ فترة طويلة بأن المستوطنات غير قانونية، لكن في عام 2020 أحبطت خطته لإنشاء جزء من دولة فلسطينية على طول الحدود القائمة جهود نتنياهو من أجل فرض السيادة الإسرائيلية على المنطقة.
ولم يكشف الرئيس المنتخب عن خططه للمنطقة. كما لم تجب المتحدثة الانتقالية باسم الرئيس الأميركي الجديد كارولين ليفيت عن أسئلة حول السياسة الخارجية، وقالت فقط إنه "سيعيد السلام من خلال القوة في أنحاء العالم".
أرض فلسطينية
ومع ذلك قال وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، أحد أبرز الوزراء المؤيدين للمستوطنات في الحكومة، قبل أيام، إنه يأمل في أن تتمكن إسرائيل من ضم الضفة الغربية في عام 2025 بدعم من إدارة ترمب.
وقال رئيس مجلس يشع، الذي يجمع تحت مظلته مجالس المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية، يسرائيل غانتس، في مقابلة إنه يأمل في أن "تسمح" إدارة ترمب للحكومة الإسرائيلية بالمضي قدماً في خطط ضم الضفة الغربية.
وقاد غانتس صلاة من أجل فوز ترمب عند أنقاض كنيسة بيزنطية قديمة في شيلو قبل انتخابات الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري. وقال "صلينا من أجل أيام أفضل لشعب الولايات المتحدة الأميركية ولإسرائيل". وشيلو منطقة يزورها كثير من السياسيين الأميركيين، منهم هاكابي وبيت هيغسيث، مرشح ترمب لمنصب وزير الدفاع.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وصرح هاكابي الأسبوع الماضي لـ"أروتز شيفا"، وهو موقع إخباري إسرائيلي مؤيد لحزب حركة الصهيونية الدينية بزعامة سموتريتش، بأن أي قرار في شأن الضم يرجع إلى الحكومة الإسرائيلية، ولم يرد هاكابي بعد على طلب للتعليق.
وقال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية واصل أبو يوسف إن أي إجراء من هذا القبيل من جانب الحكومة الإسرائيلية لن يغير من حقيقة أن هذه أرض فلسطينية.
حصار
تقع شيلو ومستوطنة عيلي المجاورة قرب وسط الضفة الغربية، على بعد ساعة من القدس على الطريق السريع 60، وهو طريق سلس يتناقض بصورة حادة مع الطرق المليئة بالحفر التي تربط المدن الفلسطينية في المنطقة.
وقال الناشط الفلسطيني بشار القريوتي من قرية قريوت المجاورة إن توسع مستوطنتي شيلو وعيلي جعل القرى الفلسطينية في وسط الضفة الغربية محاصرة.
وتحدث القريوتي عن زيادة في أعداد المستوطنين الذين يمضون في أعمال البناء من دون انتظار صدور الأوراق الرسمية من الحكومة الإسرائيلية، وهي زيادة أشارت إليها أيضاً منظمة (السلام الآن) الإسرائيلية الناشطة التي تتابع قضايا الاستيطان.
وقال القريوتي، "المستوطنون فعلياً ينفذون خطة الضم على أرض الواقع وبعد السابع من أكتوبر 2023 تمت السيطرة على جميع الأراضي ما بين شيلو وعيلي... القرى الفلسطينية وسط الضفة الغربية أصبحت موجودة وسط جزيرة استيطانية". وتابع "اليوم كل المناطق (سي) وسط الضفة الغربية أصبحت تحت سيطرة المستوطنين".
والضفة الغربية، التي يشير إليها كثير في إسرائيل بالاسم التوراتي يهودا والسامرة، هي منطقة على شكل كلية الإنسان يبلغ طولها نحو 100 كلم وعرضها 50 كلم، وهي في قلب الصراع الإسرائيلي الفلسطيني منذ استولت عليها إسرائيل في حرب عام 1967.
وتعد معظم الدول هذه المنطقة أرضاً محتلة وتعتبر المستوطنات غير قانونية بموجب القانون الدولي، وهو الموقف الذي أيدته محكمة العدل الدولية، أعلى محكمة تابعة للأمم المتحدة، في يوليو (تموز) الماضي.
وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن نحو 750 ألف فلسطيني نزحوا من ديارهم عند قيام دولة إسرائيل عام 1948. ويطالب الفلسطينيون بأن تكون الضفة الغربية نواة لدولة مستقلة في المستقبل، إلى جانب قطاع غزة المطل على البحر المتوسط في الجنوب.
لكن انتشار المستوطنات اليهودية، التي تزايدت بصورة كبيرة في أنحاء الضفة الغربية منذ توقيع اتفاق أوسلو للسلام قبل 30 عاماً، أدى إلى تحول المنطقة.
أُسست شيلو الحديثة في سبعينيات القرن الـ20 وهي بلدة مسورة ذات شوارع هادئة ومنازل أنيقة. وتحظى بمكانة خاصة باعتبارها موقع مسكن بني إسرائيل بعد خروجهم من مصر وظلوا فيه لمدة 300 عام. وبلغ عدد سكانها في عام 2022 نحو 5 آلاف.
بالنسبة إلى مؤيدي المستوطنات اليهودية فإن الروابط التوراتية هي ما تمنحهم الحق في وجودهم هناك بغض النظر عما قد يحدده القانون الدولي. وقال ميداد "حتى لو حكمها البيزنطيون والرومان والمماليك والعثمانيون، كانت أرضنا".
وبناء على ذلك، يرفض المدافعون عن المستوطنات مصطلح "الضم"، الذي يقولون إنه يوحي بالاستيلاء على أراض أجنبية.
مستويات غير مسبوقة
بلغ معدل بناء المستوطنات في الضفة الغربية مستويات غير مسبوقة في عام 2023. ومنذ بدء الحرب في غزة في أكتوبر 2023، أدت سلسلة من الطرق الجديدة وأعمال الحفر والتمهيد إلى تغيير واضح في مظهر سفوح التلال في أنحاء المنطقة، لكن الانتقادات التي وجهتها إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لم تفلح في وقف الأمر.
في الوقت نفسه تصاعدت أعمال العنف التي يرتكبها المستوطنون اليهود ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية، بما في ذلك حول مستوطنة شيلو، مما أثار تنديدات دولية وعقوبات أميركية وأوروبية أحدثها الأسبوع الماضي على أشخاص يعتقد أنهم اضطلعوا بدور كبير في هذه الأفعال.
ويقول زعماء المستوطنين، ومن بينهم غانتس، إن العنف ليس له مكان في حراكهم. وتزعم حركة المستوطنين أنهم يوفرون الأمن لبقية إسرائيل بوجودهم في المناطق القريبة من البلدات والمدن الفلسطينية.
حقيقة لا رجعة فيها
اتخذت سلسلة من الخطوات لتعزيز وضع إسرائيل في الضفة الغربية منذ تولي حكومة نتنياهو السلطة عبر اتفاق لتشكيل ائتلاف ينص على أن "الشعب اليهودي له حق طبيعي في أرض إسرائيل".
وقال رئيس كتلة حزب الصهيونية الدينية بزعامة سموتريتش في الكنيست، أوهاد طال، "إننا نغير كثيراً من الأشياء على الأرض لنجعل وجود إسرائيل في يهودا والسامرة أيضاً حقيقة".
وكان يتحدث وبجواره قبعة ترمب الحمراء الشهيرة التي تحمل شعار "لنجعل أميركا عظيمة مجدداً" على أحد الرفوف في مكتبه في الكنيست. وتابع قائلاً إنه وُضعت آلية كاملة "لتطبيق السيادة بصورة فعالة على يهودا والسامرة، لجعل الوجود اليهودي هناك واستمراره حقيقة لا رجعة فيها".
وجرى تسليم عديد من المهمات المتعلقة بالمستوطنات التي كان الجيش يتولاها في السابق إلى إدارة الاستيطان، وهي هيئة مدنية تخضع مباشرة لوزير المالية سموتريتش، الذي يضطلع بدور إضافي بوزارة الدفاع يجعله مسؤولاً عن إدارة الضفة الغربية.
وفي عام 2024 تم إعلان ما يقارب 6 آلاف فدان تابعة لدولة إسرائيل، وهو تصنيف يسهل بناء المستوطنات. وقالت منظمة السلام الآن في تقرير صدر في أكتوبر الماضي إن هذا يمثل أكبر توسع سنوي مسجل، ويعادل نصف إجمالي المناطق التي أُعلنت أراضي دولة في العقود الثلاثة الماضية.
وأُنشئ ما لا يقل عن 43 موقعاً استيطانياً جديداً خلال عام 2023، مقارنة بمتوسط يقل عن سبعة مواقع استيطانية سنوياً منذ عام 1996، وفقاً لتحليل منفصل من منظمة السلام الآن.
وغالباً ما تكون المواقع الاستيطانية تابعة لمستوطنات قائمة على قمم التلال القريبة مما يسمح للموقع الأصلي بالتوسع، وتزود بطرق جديدة تمتد كيلومترات عدة وغير ذلك من مرافق البنية التحتية.
وقال مجلس يشع إن ما يقارب 70 من هذه المواقع، التي غالباً ما تقام مخالفة للقانون الإسرائيلي، حصل على دعم حكومي هذا العام.
وأكدت المديرة التنفيذية بمنظمة ييش دين، وهي منظمة إسرائيلية أخرى تتابع الاستيطان، زيف شتال، "إنها فكرة ذكية... إنهم لا يسنون تشريعاً الآن قائلين ’إننا نضم الضفة الغربية‘، بل ينفذون ذلك وحسب".