ملخص
ما ألقي على غزة من قنابل أحدث دماراً أشبه بما حصل في هيروشيما، لكن ماذا بقي من غزة؟ وهل باتت عودة النازحين لأماكنهم مستحيلة؟
في القرن الـ 20 كانت هيروشيما رمزاً للدمار الشامل، فيما جسد قطاع غزة في القرن الـ21 نموذجاً لحرب ضارية لم يشهد العالم مثلها منذ الحرب العالمية الثانية، وخلال عام واحد من القتال تسببت العمليات العسكرية، التي لم تتوقف سوى مرة واحدة، في دمار هائل، وخلف التوغل البري في مختلف محافظات القطاع أطناناً ضخمة من الركام، وفي ظل هذا الوضع ماذا بقي من غزة؟
في قطاع غزة خمس محافظات، اجتاحت القوات الإسرائيلية أربعاً منها، حيث توغّل الجيش في محافظة الشمال (تضم بيت حانون وبيت لاهيا وجباليا وقرى صغيرة)، وأيضاً اجتاحت الدبابات محافظة غزة، ومدينة خان يونس جنوباً، ولا يزال الجيش يتمركز في محافظة رفح أقصى الجنوب، أما محافظة دير البلح، وسط القطاع، فهي المكان الوحيد الذي لم يصل الجيش الإسرائيلي إلى عمقه.
دمار يصعب فهمه
في كل محافظة يدخلها الجيش الإسرائيلي تسبب العمليات العسكرية دماراً واسعاً في البيوت والأراضي الزراعية والبنية التحتية والمستشفيات والمرافق الحيوية، وتقضي على مظاهر الحياة، وتجعل من الصعب عودة النازحين إلى تلك المناطق.
بالمجمل يوجد في مختلف محافظات قطاع غزة نحو 245667 مبنى سكنياً، وأكثر من نصف هذه المباني تعرض لأضرار شديدة نتيجة القتال العسكري، وبحسب الأمم المتحدة، فإن الجيش الإسرائيلي ألحق دماراً في 163.778 وحدة سكنية، ما يعني أن 66 في المئة من مساكن النازحين باتت متهالكة ولا يمكنهم العيش فيها.
ويقول مدير برنامج الأمم المتحدة لإزالة الألغام في الأراضي الفلسطينية مونغو بيرش "مستوى الدمار الذي لحق في غزة يستعصي على الفهم، المنازل تمت تسويتها بالأرض فبدت كما لو أنها لم تسكن من قبل، المظهر العام في القطاع يبدو وكأن الحياة لم تنبض هناك من قبل"، ويضيف "غزة ستكون غير صالحة للسكن إلى حد كبير، عملية إعادة النازحين صعبة للغاية، لأن عملية التعافي من الدمار الهائل وغير المسبوق يصعب التعامل معها، إن ما حدث في غزة مهمة لم يسبق للمجتمع الدولي أن تعامل معها منذ الحرب العالمية الثانية".
ملخص الدمار
في التحديث التاسع لتقييم الأضرار التي لحقت في مباني قطاع غزة، الذي أصدره مركز الأمم المتحدة للأقمار الصناعية، تبين أن الجيش الإسرائيلي دمر 52564 مبنى تدميراً كاملاً، و18913 مبنى تضرر بشدة، و35591 مبنى ربما يكون قد تضرر، و56710 مبانٍ تضررت بصورة معتدلة.
وبحسب إحصاء منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف"، فإن الحرب دمرت 477 مدرسة أي نحو 85 في المئة من إجمالي المنشآت التعليمية البالغ عددها 564.
وأصدرت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة "الفاو" تحديثاً عن صحة الأراضي الزراعية وكثافتها في قطاع غزة، تبين من خلاله أن حوالى 68 في المئة من حقول المحاصيل الدائمة قد جرفتها إسرائيل، أي 102 كيلومتر مربع بات من الأراضي البور.
ويفيد مختبر أدلة الأزمات التابع لمنظمة العفو الدولية بأن إسرائيل دمرت 1190 كيلومتراً من شبكة الطرق بصورة كاملة، وألحقت أضراراً بمسافة 415 كيلومتراً مربعاً من شوارع القطاع.
أما المكتب الإعلامي الحكومي في غزة فقد أحصى تدمير 200 منشأة حكومية و20 مؤسسة تعليم عال، و610 مساجد وثلاث كنائس.
الدمار الهائل لا يشبه أي شيء
ويقول مسؤول عمليات نزع الألغام في الأمم المتحدة عن قطاع غزة بيرش "كمية الركام التي ينبغي إزالتها في غزة أضخم بكثير مما سببته الحرب العالمية الثانية، إن معدل الأضرار التي تم تسجيلها لا يشبه أي شيء قمنا بدراسته من قبل، إنه أسرع بكثير وأوسع نطاقاً من أي أمر سبق وقمنا بمسحه، أضخم من دمار العراق وباكستان وسوريا وحتى أضخم من الدمار في أوكرانيا". ويوضح بيرش أن عاماً من تدمير غزة تسبب في ترك 300 كيلوغرام من الأنقاض في كل متر مربع من مساحة القطاع، وعند استخدام أسطول يضم 100 شاحنة سيستغرق رفع الركام نحو 15 عاماً، لافتاً إلى أن إعادة إعمار غزة سوف تحتاج إلى 40 مليار دولار و80 عاماً إذا توقفت الحرب اليوم. وعلى عكس الدمار، فإن بيرش يشير إلى أن ما تبقى في غزة 81.889 وحدة سكنية فقط، ومن المفروض أن يعيش فيها 2.2 مليون نسمة، هذا أمر مستحيل عملياً، "لذلك فإنه يمكن القول إن غزة انتهت".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
إعادة النازحين صعبة
ويؤكد بيرش أن الحياة في غزة مستحيلة، لفترة طويلة، حتى بعد انتهاء الحرب، وأن إعادة النازحين إلى أحيائهم ستكون مهمة شديدة الصعوبة، إذ تمت تسوية المباني بالأرض أو جعلها غير سليمة من الناحية الهيكلية، كما دمرت البنية التحتية، بما في ذلك موارد المياه ومنشآت الصرف الصحي. ويوضح أن غزة تحتاج إلى خطة تشبه "خطة مارشال" التي رعتها الولايات المتحدة عند إعادة إعمار أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، وذلك لجعلها منطقة صالحة للسكن مرة أخرى، ولكنه يشكك بأن يستطيع سكان غزة والنازحون تحمل الحياة الصعبة المرة التي تخلفها الحرب عليهم.
ويقول مدير المكتب الإعلامي الحكومي في غزة إسماعيل الثوابتة "إسرائيل لم تستخدم قنبلة ذرية ضد غزة لكنها استخدمت أسلحة ذات قدرة تدميرية هائلة، إن مشاهد الدمار في غزة تعيد للأذهان مأساة هيروشيما اليابانية مع اختلاف الأسلحة المستخدمة".
سكان غزة يعتقدون أن عودتهم غير مستحيلة
وبحسب تقديرات حكومة غزة، فإن المتفجرات التي ألقاها الجيش الإسرائيلي على القطاع تعادل سبعة أضعاف القنبلة الذرية التي ألقيت على هيروشيما، ويوضح الثوابتة "أن ما حدث في غزة لا يختلف كثيراً عما حدث في المدينة اليابانية إذ واجه 10 في المئة من سكان القطاع القتل أو الإصابة وهذه نسبة قتلى هيروشيما نفسها". ويرى الثوابتة أن عودة النازحين لأماكنهم مستحيلة نظرياً، "لكن عملياً ممكن حدوث ذلك إذا سمح الجيش الإسرائيلي لسكان شمال القطاع بالعودة إلى مناطق سكنهم، وأنه يمكن، بصورة تدرجية، عودة الحياة لطبيعتها"، لافتاً إلى أن سكان غزة يستطيعون التأقلم مع الصعاب ويواجهون التحديات.
في تبرير الجيش الإسرائيلي في شأن حجم الأضرار، قال المتحدث دانيال هاغاري "قواتنا تستهدف كلاً من مقاتلي ’حماس‘ والبنية التحتية للفصائل، إن ’حماس‘ تتعمد إقامة مقراتها في المناطق المدنية، وهذا ما يفسر حجم الدمار"، لكن وحدة المتحدثين باسم الجيش شككت في نسبة الدمار الصادرة عن الأمم المتحدة ولم تفصح عن أي بيانات تتعلق بالأمر، ولا في ما تبقى من قطاع غزة.