ملخص
هناك أسباب أخرى وراء الانهيار في مؤشرات الأسهم حول العالم نتيجة عمليات البيع الكثيفة مثل توقعات التباطؤ الاقتصادي في ظل استمرار التشديد النقدي
مع انتصاف موسم إفصاح الشركات عن أدائها المالي للربع الثاني، شهدت الأسوق في الأسبوعين الماضيين إعلان ست من شركات التكنولوجيا الكبرى المعروفة بوصف "السبع الكبار" نتائجها المالية. ولم تكن كلها في النطاق الإيجابي كما توقعت السوق، مما جعل كثيراً من المحللين يركزون على تردد المستثمرين في شأن فورة النمو المضطرد لقطاع التكنولوجيا، بخاصة ما يرتبط منه بالذكاء الاصطناعي.
جاءت البيانات المالية لشركات كبرى مثل "غوغل" و"مايكروسوفت" و"أمازون" أقل من توقعات المستثمرين والمحللين، وكان الاستثناء شركة "ميتا" المالكة لموقع التواصل "فيسبوك" التي عززت البيانات الإيجابية عائداتها وأرباحها في الربع الثاني بتعهد مواصلة الاستثمار في الذكاء الاصطناعي.
بحسب بيانات وأرقام شركة "إل أس إي جي" للأبحاث فإن شركتي "أبل" و"تيسلا" هما الوحيدتان اللتان شهدتا ارتفاع قيمتهما السوقية في يوليو (تموز) الماضي، ومع ذلك تخلص مستثمر كبير مثل وارين بافيت من أكثر من نصف الأسهم التي يملكها صندوق "بيركشاير هاثاواي" في شركة "آبل". ومع أن السبب المعلن هو سعي الصندوق إلى زيادة السيولة لديه، إلا أن "آبل" كما اعتاد بافيت أن يكرر هي أهم استثمار لصندوقه، ومع ذلك باع أكثر من 55 في المئة من أسهمه فيها.
تصحيح قوي
صحيح أن هناك أسباباً أخرى وراء الانهيار في مؤشرات الأسهم حول العالم نتيجة عمليات البيع الكثيفة، مثل توقعات التباطؤ الاقتصادي في ظل استمرار التشديد النقدي، إلا أن الفورة التي بدأت منذ عامين في قطاع التكنولوجيا بسبب ضخ مئات مليارات في شركات الذكاء الاصطناعي التي بدأت تهدأ وتستقر، حتى أن صحيفة مرموقة في عالم الأعمال مثل "فاينانشيال تايمز" نشرت قبل أيام تحليلاً ينعى صناعة أشباه الموصلات باعتبار أن منحنى نموها لم يعد صاعداً بل آخذ في الهبوط.
تزامن ذلك مع البيانات المخيبة للآمال في إفصاح شركة "إنتل"، وما تلاه من إعلان الشركة خطط تسريح أكثر من 15 ألفاً من العاملين فيها لتقليل النفقات، وهوى سعر سهم الشركة بنسبة 26 في المئة، في أسوأ هبوط له في 40 عاماً، والتبرير المعلن هو أن الشركة تريد ضبط دفاترها في محاولة لتعزيز قدراتها التنافسية وزيادة حصتها من سوق معالجات الكمبيوتر في منافسة مع نظيرتها "إيه أم دي" وغيرها.
لكن "إنتل" مثل غيرها، استثمرت مليارات في بناء مصانع جديدة والتوسع في قطاع الذكاء الاصطناعي للشركة من دون تحقيق العائدات المتوقعة، وذلك هو شعور غالب المستثمرين الذين يدركون أن أمامهم ضخ مزيد في قطاع الذكاء الاصطناعي، وتقدر بعض شركات الأبحاث والاستشارات أن البنية التحتية للذكاء الاصطناعي ما زالت تحتاج إلى نحو تريليون دولار، إلا أن هذا التصحيح القوي في أسعار أسهم شركات التكنولوجيا، بخاصة تلك المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، يثير المخاوف من أن العائدات والأرباح التي انتظرها المستثمرون منذ عامين قد لا تأتي، وما لم تبدأ شركات الذكاء الاصطناعي في تحقيق عائدات قوية وأرباح، لن يكون من السهل إغراء المستثمرين بضخ مزيد من المليارات فيها.
فقاعة ومغالاة
بدأت أقسام البحوث والاستشارات في البنوك الاستثمارية الكبرى، مثل "غولدمان ساكس" وغيرها، تعيد النظر في تقديراتها لشركات الذكاء الاصطناعي وتنصح عملاءها بالحذر، حتى شركة "إن فيديا" لصناعة الرقائق الإلكترونية التي كانت أكبر مستفيد من فورة الاستثمار في الذكاء الاصطناعي تراجعت عما وصلت إليه في يونيو (حزيران) الماضي حين أصبحت لفترة وجيزة جداً أكبر شركة في العالم من حيث القيمة السوقية، ولا شك في أن الانهيار الحالي في مؤشرات الأسهم في السوق الكبرى سيأكل مزيداً من القيم السوقية للشركة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في رسالة للعملاء هذا الأسبوع حذر صندوق التحوط "إليوت مانجمنت" من أن شركة "إن فيديا" في وضع "فقاعة تغلي"، وأن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التي دفعت صناعة الرقائق الإلكترونية نحو زيادة قيمتها السوقية "مبالغ في تقييمها". وقال الصندوق، الذي يدر أصولاً بنحو 70 مليار دولار، في رسالته التي نشرت فحواها "فايننشيال تايمز"، إن شركات التكنولوجيا الكبرى (السبع الكبار) بخاصة "إن فيديا" في وضع فقاعة.
لا يقتصر الأمر على "إن فيديا"، بل هناك مثال لشركة أخرى قد لا تكون بحجم "إن فيديا" بالتالي لا تلقى الاهتمام الإعلامي مثلها، هي شركة "آرم" التي فقدت في الأسابيع الأخيرة نحو 40 في المئة من قيمتها السوقية.
هناك عامل مهم يجعل بعض المحللين يقللون من حجم الأخطار في قطاع التكنولوجيا وبالنسبة إلى الذكاء الاصطناعي، وهو أن تلك الشركات أكثر حساسية لأسعار الفائدة، ومع تردد البنوك المركزية الكبرى حول العالم في التحول عن سياسة التشديد النقدي، سواء بتأخير بدء خفض الفائدة أم الخفض بقدر ضئيل، تهبط أسهم تلك الشركات أكثر من غيرها.
إلا أن ما جاء في رسالة صندوق التحوط للعملاء لا يخلو من الصحة، فهناك تحذيرات قوية من أن بعض منتجات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي الجديدة قد لا تعمل من أصله، بالتالي فإن المبالغة الشديدة في قدرة تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي على قيادة الأسواق تمثل الخطر الأكبر.
من المهم الإشارة إلى أن المغالاة في القيمة وغليان الفقاعة لا يعني بالضرورة أنها تتجه نحو "انفجار" يمثل انهياراً للقطاع، وإنما قد يكون من المفيد "سحب بعض الحرارة من الفقاعة" كما يفترض بعض المحللين والاقتصاديين، وربما يكون التصحيح القوي في أسعار الأسهم الذي نشهده الآن عملية "تبريد" لغليان أسهم شركات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي خصوصاً.