ملخص
تحمل كلمة "زميلي" في الواقع دلالات طبية وأكاديمية وعلمية كثيرة، إلا أن استخدامها الفني الذي يستلهم ثقافة الأحياء والشوارع يدل على تغيرات كثيرة في واقع المجتمعات الشرقية.
من بين مفردات عدة بدا استخدام كلمة زميلي في السينما العربية الشبابية تحديداً، تجسيداً لانحسار مفاهيم ملتزمة كثيرة يمكن وصفها بالنمطية والتقليدية، بل وتفشي الثقافة الغربية في المجتمعات الشرقية، فاستخدام كلمة زميلي بدلاً من صاحبي أو صديقي في الفن بعد حقبة الألفية الثانية تحديداً، دلالة على اتساع العلاقات الإجرامية في الشارع لتصبح العلاقة بين المجرمين أكثر قوة وسلاسة وأخطر من ذي قبل.
وبصورة أكثر اتساعاً ووضوحاً يمثل استخدام مفردة الزميل بدلاً من الصاحب والصديق دلالة على ارتفاع نسبة خطر هؤلاء الأشخاص، وحتى فترة الثمانينيات من القرن الماضي ظل استخدام كلمة الزميل في السينما والفنون متداولاً ضمن سياقه الملتزم اجتماعياً، إذ تشير كلمة الزميل إلى الرفيق في العمل أو السفر أو النظير على مقاعد الدراسة لا أكثر.
الزميل قديماً
خلال حقبة الأبيض والأسود وأثناء فترة الفنان المصري الراحل فؤاد المهندس ومجايلييه من جهابذة الفن العربي والمصري، حافظت كلمة الزميل على بعدها الفكري السليم، فالزميل ما هو إلا أستاذ جامعي أو باحث وأكاديمي مرموق أو حتى محاضر، فالزمالة بالضرورة هي وظيفة في جامعة أو مؤسسة كبيرة، وهي رصيد إنساني كبير يحدد مكانة الشخص اجتماعياً وسياسياً.
من هنا ظهرت شخصية الزميل ضمن أعمال ملتزمة وجادة ومن أشهرها مسرحية "سك على بناتك" عام 1980، إذ يجهد الدكتور رأفت ليعكس صورة مشرفة عن أسرته أمام زملائه في العمل، لكن الأمور انقلبت رأساً على عقب عام 2012، ففي فيلم "الألماني" من بطولة محمد رمضان ظهر استخدام مغاير تماماً لمفردة الزميل على لسان شخصية شعبية هي شخصية "إيكا" وبطريقة تدلل على عمق التغييرات الاجتماعية التي عانتها الثقافة العربية خلال ما زاد على ثلاثة عقود من الزمن.
عقود من عمر السينما
وخلال عقود من عمر السينما والفنون رصدت الأفلام والمسرحيات الشهيرة ظواهر اجتماعية عدة، على غرار ظاهرة تحوير المفردات واستخدام كلمات ذات دلالة علمية في سياق إجرامي، ويعد استخدام كلمة "زميل" في السينما أخيراً واحداً من أخطر تلك التحويرات السلبية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تحمل كلمة زميلي في الواقع دلالات طبية وأكاديمية وعلمية كثيرة، إلا أن استخدامها الفني الذي يستلهم ثقافة الأحياء والشوارع يدل على تغيرات كثيرة في واقع المجتمعات الشرقية، فالزميل لم يعد أستاذاً جامعياً أو طبيباً شهيراً أو حتى رائداً في مجال الفضاء، لكنه تحول إلى مجرم خطر يمارس البلطجة وفنون القتل والسلب والسرقة، استناداً إلى بعض الأعمال الشهيرة المذكورة أو التي سيأتي ذكرها لاحقاً.
في الحياة الواقعية
الزميل في الحياة الواقعية هو الباحث والأكاديمي والمحاضر الجامعي، وهو شخص مرموق اجتماعياً لأنه يقدم دراسات في مجال مهنة التعليم، وتصل مكانة الزميل في مجالات بحثية إلى مرتبة محاضر وأستاذ جامعي، وهناك أنواع أخرى من الزمالة مثل زمالة الدراسات العليا وزمالة المنح الدراسية والزمالة الطبية إلى جانب الزمالة في مجالات البحث والتطوير لدى شركات التقانة والمعلوماتية والفضاء، لكن مفردة الزميل انحدرت من عليائها لتصل إلى السينما بعد أن تداولها قطاع المجرمين.
وخلال عقود عدة وتحديداً منذ فترة الثمانينيات وحنى يومنا هذا، تمكنت السينما من رصد كيفية إزاحة هذه المفردة عن عرشها العلمي والأكاديمي واستخدامها بشكل آخر مغاير تماماً، إذ وردت مفردة زميلي في أعمال سينمائية عدة ضمن سياق ثقافة الشارع والجريمة، وكان أشهر استخدام لها في "الألماني" للمخرج علاء الشريف وفي أعمال كثيرة أخرى، ويمكن القول إن المفردة انتقلت خلال عقود زمنية عدة من مجال البحث الأكاديمي والطبي والعلمي لتدخل عالم السينما من منظور مختلف، وذلك بعدما ترددت كثيراً في سياق آخر هو سياق "الجدعنة" والشر الذي يمارسه بعض البلطجية في الشوارع وأزقة الأحياء والحارات.
رؤية من قرب
بصورة تفصيلية لمثال الفنانين "الأستاذ" و"الأسطورة"، قدم فؤاد المهندس عام 1980 مسرحية كوميدية مصرية بعنوان "سك على بناتك"، وهي عمل يحكي قصة دكتور جامعي يحاول أن يزوج بناته بسرعة ليتفرغ لحب حياته، وفي هذا العمل يمثل الدكتور رأفت مثال الالتزام ويتفاخر باستمرار أمام أنسبائه بزملائه من الأساتذة الجامعيين الذين يجب أن يليق الفرح بمكانتهم المرموقة اجتماعياً، ووقتها كانت كلمة أو مفردة "زميل" مؤشراً إلى معناها الحقيقي، وهو زميل الدراسة أو العمل.
وفي المقابل لعب مراد فكري صادق دور "إيكا" البلطجي الذي يستخدم كلمة زميلي في غير مكانها وذلك في فيلم "الألماني"، وبين الفترتين وخلال ما زاد على ثلاثة عقود تعرض المجتمع المصري خصوصاً والعربي عموماً إلى تقلبات اجتماعية عدة وثقافة خطرة أدت إلى تفشي ثقافة الشارع، لتصل إلى درجة غير مسبوقة وهي سيطرة لغة الجريمة والثقافة الشعبية على بعض المفردات والمصطلحات العلمية والطبية.
حقبة غربية
يدل استخدام كلمة أو مفردة "زميلي" في السينما المصرية حديثاً على حقبة انتشار الثقافة الغربية في الفن العربي، ويمكن القول إن استعارة الفن لهذه المفردة من مجالها الأصلي، وهو المجال العلمي والأكاديمي، ما هو سوى مؤشر على تفشي هذه الثقافة في الشوارع والحارات والحياة اليومية، وكلمة الزميل قبل فترة الفن الشبابي بعد عام 2010 كانت مرادفاً للمكانة الاجتماعية المرموقة، لكنها انتقلت بعد ذلك إلى مجال آخر مختلف تماماً وهو مجال الفضائح الأدبية، إذ تدل المفردة على ثقافة الشارع السوداء التي تتمحور دائماً حول الشر والجريمة.