Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تعمدت السينما المصرية الإطاحة بلقب "البيه"؟

ناله الزعماء والسياسيون والشخصيات المرموقة لكن الأعمال الفنية تداولته بصورة هزلية

فيلم "البيه رومانسي" أهان اللقب (مواقع التواصل)

ملخص

 أطاحت السينما المصرية بلقب "البيه" من خلال عشرات الأفلام لجهابذة الفن المصري الذين أسس بعضهم لحقبة السخرية من اللقب والوصول به إلى النهاية أدبياً واجتماعياً، بعدما انتهى من الواقع رسمياً وسياسياً.

تمكنت السينما المصرية من الإطاحة كلياً بلقب "البيه" الذي زرعته السلطة العثمانية في مخيلة الشعب والمجتمع أثناء فترة زعامتها للعالم العربي، وبذلك أكمل الفن بعد قرن من الزمن مهمة السياسة ولكن على مراحل عدة، إذ جاء إنهاء تداول لقب "بيه" رسمياً كنتيجة مباشرة للثورة المصرية العسكرية عام 1952 التي أنهت الملكية وأدت إلى نفي الملك فاروق إلى إيطاليا.

نهاية اللقب

وحققت السينما المصرية ذلك من خلال عشرات الأفلام لجهابذة الفن المصري الذين أسس بعضهم لحقبة السخرية من اللقب والوصول به إلى النهاية أدبياً و اجتماعياً بعدما انتهى من الواقع رسمياً وسياسياً.

كان مقدراً للقب "البيه" الشهير في السينما المصرية أن يمر بمراحل فنية ساخرة وهزلية عدة عقب انتهاء العمل به سياسياً، ليطاح به من عليائه فيصل إلى الحضيض، وحدث ذلك فنياً وعلى مراحل متدرجة بعد أن انتهى تداوله من قبل السلطة الحاكمة وقتها وفي زمن السلطنة العثمانية.

و"البيه" في عشرينيات القرن الماضي وما قبلها كان لقباً حصرياً بيد السلطة التي منحته لزعيم سياسي أو حاكم إداري مرموق أو لقائد عسكري فذ ترتجف لسماع اسمه القلوب، ولكن اللقب الثمين تحول بفضل الفن في وقتنا الراهن إلى رديف للمسخرة والتهكم والاستهزاء من غالبية رموز وشعارات تلك الحقب بكل عباراتها الرنانة.

مرحلة التسعينيات

البواب في تسعينيات القرن الماضي هو "بيه"، ولكن وفق منظور سينما أحمد زكي وفؤاد المهندس وعبر فيلم "البيه البواب" تحديداً، وقبل ذلك وثق فريد شوقي لمرحلة تمسك المجتمع باللقب ولو صورياً، أما مع مطلع الألفية الثانية فشاع استخدام اللقب حتى ناله كثيرون وفي أدوار متنوعة، وظل الحال كذلك حتى وصوله إلى الفتى المدلل محمد إمام عام 2009 من خلال فيلم اجتماعي كوميدي ساخر هو  فيلمر "البيه رومنسي".

ويؤشر استمرار تداول لقب "البيه" في السينما المصرية منذ عقود وحتى يومنا هذا إلى شدة تأثر الشعب والحضارة المصرية المعاصرة بالثقافة التركية التي انتشرت من خلال الحكم العثماني لمصر وأفريقيا قبل قرون من الزمن، ومع أن استخدام اللقب رسمياً توقف نهائياً إلا أن التداول الفني والسينمائي لهذا اللقب امتد طويلاً ليعكس لنا بعض أوجه التأثير العميق لتلك الثقافة وغيرها على بعض المجتمعات، ويمكن القول إن استخدام اللقب فنياً يوضح لمتابعي السينما المصرية تحديداً مراحل التحول الاجتماعي خلال الـ 70 عاماً الأخيرة.

تحول اجتماعي

وكان لا بد للسينما المصرية من مواكبة التحول الاجتماعي الذي صاحب الانتقال من النظام الملكي إلى الجمهوري عام 1952، وخلال هذه التحولات ضاع اللقب التشريفي "البيه" وتلاشى من الوجود تماماً، ولذلك ظهرت بعد تلك الفترة موجة سينمائية امتدت حتى الآن، وثق من خلالها الفن لأثر تلك التحولات في هذا اللقب السياسي العريق سلباً وإيجاباً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وانتهى العمل بلقب "البيه" في مصر  رسمياً بعد ثورة عام 1952، ولذلك مر اللقب واقعياً بمرحلتين محددتين قبل أن تتناوله السينما، وهما مرحلة القوة في العهد العثماني ومرحلة ضعف اللقب في ما بعد الثورة التصحيحية التي من المفترض أنها أنهت الارستقراطية في مصر والسودان، لكن السينما استمرت في تداول اللقب أدبياً لعقود من الزمن بعد ذلك.

عهدة المجتمع

وجاءت المرحلة الثالثة للقب سينمائياً وهي مرحلة فيلم "البيه البواب" (1987) بوصفها مرحلة حاسمة في هذا المخاض، وفي هذه المرحلة أصبح تداول اللقب مباحاً ومفتوحاً، ولكن المجتمع منحه أيضاً في مقابل السلطة أو المال لتأتي رابعاً وأخيراً مرحلة "مسخرة" اللقب، وهي مرحلة تحوله إلى مجرد عنوان عابر لا قيمة له وسط أحداث الحياة المعاصرة.

يمنح لقب "البيه" اليوم لأي شخص حتى ولو كان صبياً مدللاً، وفي مقابل ذلك تظهر مرحلة منح اللقب بناء على الثروة الوهمية أو المنتظرة، وهذه الحال ظهرت جلياً من خلال فيلم "البيه رومنسي" لكل من الفنان محمد إمام ونهلة زكي، ولذلك يمكن القول إن اللقب استمر سينمائياً حتى بعد انتهاء تداوله رسمياً ولكن ضمن سياق آخر غير واقعي أو هزلي، ووفق أهواء المجتمع وبعض المنتجين السينمائيين.

النص السينمائي

يؤخذ السيناريو السينمائي من الواقع دائماً، وفي زمن الأبيض والأسود جسد "وحش الشاشة " الفنان فريد شوقي من خلال أعمال عدة استمرار تمسك المجتمع بالثقافة العسكرية العثمانية التي تجلت فنياً من خلال ثقافة الوظيفة الحكومية (الميري)، فـ "البيه" في كل أدوار تلك المرحلة لا يزال حريصاً على أن يورث اللقب لأبنائه ومجتمعه متجاهلاً تغيرات الحياة، فيعيش "البيه "معوزاً ولا يملك سوى التبجح باللقب ومآثر ماضيه، ليكون مصيره التنازل عن اللقب والانحراف أثناء السعي وراء المال.

ثم تنعكس الصورة تماماً، فالبواب (أحمد زكي) ينال لقب البيه من المجتمع بسبب اجتهاده في الحياة وقدرته على تكوين ثروة مالية بعد قدومه معدماً من الريف إلى المدينة، إذ يُمنح اللقب فترة التسعينيات حصرياً من خلال المجتمع وليس عبر قنوات السلطة ودهاليز السياسة.

فترة العولمة

ولكن الحال الفنية لا تستمر على هذا المنوال بعد دخول المجتمع المصري الألفية الثانية، وفي زمن العولمة ينال اللقب شاب مدلل فاسد نظراً إلى رومنسيته المفرطة وفساده، إذ يقضي الشاب المراهق الفاسد (محمد إمام) في فيلم "البيه رومنسي" للمخرج أحمد البدري غالبية أوقاته في الملاهي الليلية صحبة النساء والمخدرات، وبهذه الطريقة ينتقل اللقب من جيل لآخر ومن حقبة إلى أخرى حتى ينتهي تداوله فنياً بعد أن انتهى واقعياً، ولكن بصورة ساخرة وهزلية.

اقرأ المزيد

المزيد من سينما