Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أستاذ جامعي مغربي يدرس الصينيين بلغتهم

نقلة نوعية في النظام التعليمي انتشلت أكثر من 500 مليون مواطن من تحت خط الفقر خلال الأعوام الـ40 الماضية

اعتمدت الحكومة الصينية إصلاحات متواصلة وأنشأت مراكز بحث وتطوير في جميع أنحاء البلاد (اندبندنت عربية)

ملخص

الأستاذ الجامعي ناصر بوشيبة أول مغربي يدرس الطلبة الصينيين باللغة الصينية في إحدى جامعات "بلاد التنين"

يعد الأستاذ الجامعي ناصر بوشيبة أول مغربي يدرس الطلبة الصينيين باللغة الصينية في إحدى جامعات "بلاد التنين"، هي جامعة "صن سات سين"، غير أن مساره الحافل لم يكن سهلاً ولا يسيراً، و"الطريق إلى الصين" لم تكن محفوفة بالورد بقدر ما كانت ملبدة ببذل التضحيات ومقارعة التحديات.

في هذا الحوار يتحدث بوشيبة الذي يستقر حالياً في المغرب ويقود قاطرة التنسيق لجلب استثمارات صينية إلى المغرب والقارة الأفريقية وحتى الخليج العربي، عن ذكرياته في خصوص اختياره وهو لا يزال طالباً جامعياً، وجهة الصين، تحديداً، وأبرز محطات حياته في هذا البلد الآسيوي العملاق وكيف أنه استطاع تدريس الصينيين باللغة الصينية في أعرق جامعات بلدهم.

عوامل الجذب

يقول بوشيبة رداً على سؤال يتعلق بعوامل الجذب التي دفعته إلى اختيار الصين للهجرة إليها إنه "خلال تسعينيات القرن الماضي كانت الولايات المتحدة وكندا من بين الوجهات الأكثر جاذبية للشباب المغاربة"، مشيراً إلى أن ممارسته المنتظمة لرياضة التايكواندو ومشاركاته في عدد من البطولات المحلية والوطنية، جعلت زملاءه حينها لا يتفاجأون باختياره الصين وجهة لمتابعة دراسته وبناء مسار مهني هناك.

في الـ19 من سبتمبر (أيلول) عام 1995 شد الطالب ناصر الرحال إلى العاصمة الصينية بكين وهو لا يعلم متى ستنتهي هذه المغامرة وما التحديات التي سيواجهها، غير أنه اليوم بعد ما يناهز ثلاثين عاماً، ما زال يعيش ما أسماه "الحلم الصيني" بكثير من الرضا والإثارة باعتبار أن الصين، وفقه، تمنح كل باحث عن مستقبل أفضل جميع الإمكانات لتحقيق حلمه بغض النظر عن بلده أو جنسيته.

ويحكي بوشيبة نتفاً من مساره في الصين، "درست في بكين مدة خمسة أعوام وحين ظننت أنني أتقنت اللغة الصينية، اكتشفت أن ذلك ليس أمراً هيناً، وأن كل منطقة في الصين لها خصائص ومميزات تختلف عن الأخرى، فاتخذت قراراً سيصفه بعضهم بالمتهور، ولكن كان بالنسبة لي محورياً في ما سيليه من نجاح".

اكتشاف الصين

ويشرح بوشيبة أنه في ليلة باردة من شتاء عام 2001، اتجه إلى محطة القطار العربية ببكين وهو عازم على اكتشاف الصين وبناء مسار مهني يثمن القدرات اللغوية والثقافية التي اكتسبها في الجامعة، ليختار شنغهاي من اللائحة الإلكترونية للوجهات. وبعد بضع ساعات وجد نفسه في قطار ليلي يشق المقاطعات الصينية متوجهاً نحو "لؤلؤة الشرق" شنغهاي التي تغنى بها الكتاب والشعراء الغربيون منذ أواخر القرن الـ19.

ويردف "بعدما اكتسبت تجربة مهنية في التسويق مع شركة أميركية في شنغهاي، اكتشفت أن مرادي هو المقاولة وخلق الفرص، وليس العمل في شركة عابرة للقارات كما معظم الأجانب في شنغهاي آنذاك. فكان أن توجهت جنوباً إلى محج المقاولين الشباب، تحديداً إلى كوانجو وشنجن، وكذلك هونغ كونغ، حيث طورت قدراتي المقاولاتية وتعلمت تدبير المقاولة في السوق".

يتابع بوشيبة مستحضراً تلك الفترة من حياته في الصين "كان هناك صوت خافت بداخلي يذكرني بأن الخبرة العملية تحتاج إلى قواعد نظرية، فكانت فرصة الرجوع إلى الجامعة كأستاذ محاضر وطالب في الوقت نفسه، وتمكنت من نيل الدكتوراه في النظريات السياسية، تخصص الاستثمارات الصينية في أفريقيا".

تدريس الصينيين بلغتهم

أما في خصوص تمكنه من تدريس الصينيين بلغتهم في جامعات بلدهم، فأفاد بوشيبة بأن جامعة "صن سات سين" تعد من الجامعات الأكثر انفتاحاً في البلاد، إن لم تكن الأكثر جرأة على اعتماد مقررات وطرق تعليمية مبتكرة.

واسترسل المتحدث "بمجرد أن عرضت برنامجاً تعليمياً عملياً يهدف إلى تقوية القدرات المقاولاتية للطلبة الصينيين والأجانب، قبِل رؤسائي في معهد اللغات الأجنبية وبعدها على مستوى الجامعة، تقديمي دروساً لفائدة طلبة الإجازة والماجستير".

وبنبرة تتضمن شيئاً من الافتخار، يكمل "ما زلت أتذكر دهشة الطلبة الصينيين مع ابتداء كل فصل عندما ألقي الدروس باللغة الصينية، وكانت النتائج إيجابية، وما زال زملائي في الجامعة يتذكرون كيف كان طلبتي يلبسون البذلة مع ربطة العنق ويتحولون إلى أشخاص مهنيين في حصصي التعليمية".

ولفت بوشيبة إلى أنه عند وصوله إلى الصين في تسعينيات القرن الماضي، كان هناك ما يقارب 20 طالباً مغربياً، معظمهم يدرسون مواد علمية باللغة الصينية ومتفوقون جداً في مجالاتهم وكثر منهم حصلوا على عروض مغرية في دول غربية ومع مؤسسات عالمية بعد تخرجهم في الجامعة.

ووفق المتحدث، ربما يكون هو أول مغربي درّس الطلبة الصينيين باللغة الصينية في الجامعات الصينية بفضل برنامج تعليمي طوره مع شركائه الصينيين. لكن اليوم يوجد مغاربة آخرون يدرسون في الصين بعدما حصلوا على الدكتوراه.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

سمات نظام التعليم في الصين

وبالتعريج على نظام التعليم في الصين يقول بوشيبة إنه إلى وقت قريب كان يعتمد على طرق تقليدية تتجه فيها المعلومات في سياق وحيد من الملقي إلى الطالب، ولكن مع إطلاق الإصلاحات السياسية والاقتصادية في ثمانينيات القرن الماضي وانفتاح الصين بشكل أكبر على الدول الغربية المتقدمة، اعتمدت بكين إصلاحات متواصلة، منها تطوير المقررات فأنشأت مراكز بحث وتطوير في جميع أنحاء البلاد، وتدريب الأساتذة على أحدث طرق التعليم، وكذلك الإنفاق الباذخ في تمويل كل ما له علاقة بالبحث العلمي.

وسرد المتكلم في هذا الصدد مثالين خلال عمله في الجامعة الصينية، الأول أنه عندما تحتاج الحكومة إلى تطوير قطاع ما، فهي تتجه إلى المعهد ذي الصلة في الجامعة الذي تناط به مهمة وضع برنامج متكامل للنهوض بهذا القطاع، مشيراً إلى أنه شارك في "برامج لمحاربة الفقر في الأرياف وتطوير الخدمات الإلكترونية الحكومية وكذلك تمويل مشاريع الشباب المبتكرة".

وأما المثال الثاني، بحسب بوشيبه، فيخص وفرة المنح الدراسية لفائدة الطلبة الصينيين المتفوقين، بحيث يقوم خريجو الجامعات الناجحون بعد تحقيقهم إنجازات في مشاريعهم، بتخصيص هبات للجامعة ليصار إلى توزيعها على الطلبة المحتاجين، مورداً أنه بصفته رئيساً شرفياً لجمعية خريجي جامعة "صن سات سين"، كان يسجل وجود فائض في المنح كل سنة لا يوجد من يستفيد منها.

الفوارق التنموية

ورداً على سؤال يتعلق بالفوارق التنموية بين الصين وبقية بلدان العالم، أبرز بوشيبة أنه "في الصين هناك استمرارية في البرامج التنموية، إذ يعتبر الحزب الشيوعي الحاكم الضامن لتتبع الخطط وتنقيحها وحتى التراجع عنها".

واستطرد لدعم فكرته قائلاً "من أهم خاصيات هذا الحزب أنه لا يهاب الأخطاء بقدر ما يخاف من تكرارها، وذلك على جميع المستويات وفي كل القطاعات، وهي ميزة تنافسية أساسية للمنظومة الصينية الناجحة جداً".

واستدل الضيف على كلامه بأن "الصين انتشلت أكثر من 500 مليون مواطن من تحت خط الفقر خلال الأعوام الـ40 الماضية، وهو ما يفوق تقريباً جميع مواطني العالم العربي".

مشاريع حالية

ورداً على سؤال في شأن مشاريعه الحالية بعد رجوعه إلى المغرب منذ عام 2016، قال بوشيبة إنه يحاول الإسهام في نقل التجارب الصينية الناجحة إلى بلده، إذ تمكن بمساعدة شركائه في الصين من تنزيل مشاريع شراكة في مجالات حيوية من قبيل تحلية مياه البحر والتنقيب عن المعادن والزراعة الصحراوية في واحات الصحراء المغربية، وكذلك في المجالين السياحي والثقافي من خلال إيفاد طلبة مغاربة عبر منح دراسية للقيام بأبحاث علمية في الجامعات الصينية.

وختم بوشيبة كلامه قائلاً "أثار هذا النجاح الذي تحقق في المغرب اهتماماً كبيراً من قبل بعض الفاعلين في الوطن العربي، ونحن بصدد القيام بجولة في دول الخليج العربي لمشاركة رؤيتنا في كيفية الاستفادة من الفرص التي تقدمها الشراكة مع الصين".

المزيد من تقارير