Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أزمة الصحة النفسية تدمر المدرسين في بريطانيا

مع معاناتهم نوبات هلع أثناء الحصص الدراسية مع عملهم لمدة 60 ساعة أسبوعياً ومحاولتهم التخلي عن مهنة التعليم نهائياً، نتحدث إلى بعض المدرسين ورواد الجمعيات الخيرية لمعرفة سبب المعاناة والتغييرات المطلوبة

استقالات بأرقام قياسية للمدرسين في بريطانيا (آي ستوك)

ملخص

كثيراً ما اعتبر التدريس أحد أكثر المهن تقديراً، إلا أنه من أصعب المهن أيضاً. والأمر يزداد سوءاً. فبحسب دراسة أجرتها مؤسسة خيرية للصحة العقلية في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، تبين أن سلامة المدرسين النفسية وصلت إلى أدنى مستوياتها منذ خمس سنوات، مع ارتفاع معدلات التوتر والأرق والإرهاق

كيت * تحب التدريس. تحب الذهاب إلى عملها في المدرسة الابتدائية كل يوم، الوقوف أمام فصلها، ومشاهدة الأطفال يتعلمون. إنها الوظيفة التي كثيراً ما حلمت بها. وعلى رغم هذا، تقول إن اختيارها لمهنة التعليم هو أحد أكثر القرارات التي تندم على اتخاذها. فمتطلبات العمل بدأت تصيبها بنوبات الهلع، ولديها كثير من الأعمال المرتبطة بوظيفتها التي تتابعها خارج أوقات العمل في المدرسة، حتى إنها بالكاد خرجت من منزلها في الأسابيع الأخيرة. وتشعر الآن بحاجتها للاستقالة. فما الخطأ الذي حصل؟

تقول كيت: "إن الوجود في الفصل أمر مثالي للغاية، ولكن كل المسؤوليات الأخرى هي ما يجعلني أكره التعليم". سواء كان الأمر يتعلق بجبل الأوراق المتراكمة على مكتبها، أو سيل رسائل البريد الإلكتروني، أو كل الاجتماعات والمخاوف المتعلقة برعاية الأطفال، فقد أصبح الأمر مفرطاً. مشاعر كيت يشاركها الكثر. كثيراً ما اعتبر التدريس أحد أكثر المهن تقديراً، إلا أنه من أصعب المهن أيضاً. والأمر يزداد سوءاً. فبحسب دراسة أجرتها مؤسسة "دعم التعليم" Education Support الخيرية للصحة العقلية في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، تبين أن سلامة المدرسين النفسية وصلت إلى أدنى مستوياتها منذ خمس سنوات، مع ارتفاع معدلات التوتر والأرق والإرهاق. ففي عام 2017، أبلغ 67 في المئة من معلمي المدارس عن شعورهم بالتوتر، بينما ارتفع هذا المعدل إلى 78 في المئة بحلول عام 2023.

والأرقام الأخرى تزداد سوءاً أيضاً، حيث وجدت دراسة استقصائية لأعضاء النقابة الوطنية لمعلمي المدارس NASUWT هذا العام أن بعض المدرسين قد وصلوا إلى درجة الانتحار بسبب ضغوط العمل. ومن بين 12 ألف مدرس [شاركوا في الاستقصاء]، أبلغ 23 في المئة عن استهلاكهم مزيداً من الكحول، و12 في المئة عن استخدام أو زيادة استخدام الأدوية المضادة الاكتئاب، وقال 3 في المئة إنهم قاموا بإيذاء أنفسهم نتيجة لضغوط عملهم. ودفعت هذه النتائج أعضاء النقابة إلى دعم استراتيجية منع انتحار المدرسين خلال المؤتمر السنوي للنقابة الذي انعقد في شهر مارس (آذار) الماضي.

ولا عجب أن أعدادا قياسية من المدرسين يهجرون المهنة. فقد وجد أحدث استطلاع للقوى العاملة أجرته وزارة التعليم البريطانية أن 40 ألف مدرس استقالوا من المدارس الحكومية في العام الدراسي 2021/2022 – أي ما يقارب تسعة في المئة من القوى العاملة في التدريس، وهو أعلى نسبة منذ أن بدأت الوزارة بنشر البيانات المشابهة في عام 2011. كما أن آخرين كثراً يفكرون في الأمر. هناك مجموعة على موقع "فيسبوك" تسمى "الحياة بعد التدريس - اترك الفصل الدراسي وازدهر"، تضم حالياً 159 ألف عضو وهي مليئة بالمشاركات التي تدعو إلى اليأس.

سينيد ماك بريارتي، رئيسة مؤسسة "دعم التعليم"، لم تتفاجأ بالأمر، فقد شاهدت المدرسين منهارين من البكاء بسبب عدم قدرتهم على تخصيص موازنة لدفع فواتير تدفئة المدارس بعد ارتفاع أسعار الطاقة في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا. ولقد تحدثت أيضاً إلى عديد من المدرسين الذين كانوا يفكرون بالانتحار، وأكثر من مدرس اعترف بأنه يتخيل أنه يصدم سيارته عمداً في طريقه إلى العمل، حتى لا يضطر إلى الدخول إلى المدرسة. وتقول "هناك كثير من الأشخاص الذين يعانون نفسياً بسبب هذه المهنة"، مضيفة أن "هذا شيء محزن للغاية. لأن لديهم شعوراً واضحاً بالهدف من هذه الوظيفة، وهم حقاً يريدون جعل العالم مكاناً أفضل. إنهم مليؤون بالحيوية والنشاط، ولكن تحطمهم تجربة العمل في المدارس ومتطلباتها. إنها مأساة حقاً أننا لا نستطيع القيام بذلك بصورة صحيحة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في العام الماضي كانت إضرابات المدرسين الأكبر منذ عقد من الزمن وجرى إلغاؤها في نهاية المطاف بعد أن صوت أعضاء أربع نقابات تعليمية لقبول عرض الحكومة بزيادة الأجور بنسبة 6.5 في المئة. ومع ذلك، فقد كان هناك اعتقاد خاطئ بأن الإضرابات كانت تتعلق بالمال فحسب. نعم، رواتب المدرسين منخفضة مقابل العمل الذي يقومون به (تبدأ الرواتب من 30 ألف جنيه استرليني)، لكن الإضرابات كانت أيضاً بسبب عبء العمل ونقص الموظفين وتمويل الموارد الأساسية مثل الأقلام والكتب المدرسية.

وبحسب ماك بريارتي فإن أحد الأسباب الرئيسة لتراجع الصحة النفسية بين المدرسين هو عدم التوازن بين العمل والحياة الشخصية، في حين أن اليوم الدراسي ينتهي نحو الساعة الثالثة بعد الظهر، لكن يوم العمل لا ينتهي في الوقت نفسه، حيث يكون لدى المدرسين كثير من الأعمال التي يتعين عليهم القيام بها - بما في ذلك ملء الأوراق المتعلقة بقضايا الحماية أو بالطلاب ذوي الحاجات الخاصة - إضافة إلى التخطيط للحصص ووضع الدرجات. تقول ماك بريارتي: "علينا السيطرة على عبء العمل. لقد كانت منظمة الصحة العالمية واضحة جداً في أن العمل أكثر من 55 ساعة في الأسبوع يضر بصحتك بصورة خطر، ولكن عديداً من المدرسين يقومون بذلك، وهذا أمر طبيعي بالنسبة لهم". تم التعاقد مع كيت للعمل 35 ساعة أسبوعياً في مدرستها، لكنها تقدر أنها عادة ما تنتهي بالعمل ما يصل إلى 60 ساعة. وهي تعمل كل ليلة بعد انتهاء اليوم الدراسي وطوال اليوم في أيام الأحد. يوم السبت هو يوم إجازتها الوحيد.

بدأت كيت تعاني نوبات الهلع بسبب عبء عملها وأصبحت تشرب الخمر أكثر من المعتاد لتتمكن من التأقلم. تقول: "أشرب الخمر عندما أحاول الاسترخاء". وتضيف: "عندما أعود إلى المنزل من المدرسة كل ليلة، في الساعة الرابعة أو الخامسة مساءً، أذهب تلقائياً لأخذ كأس من النبيذ بمجرد دخولي الباب، وأقضي ساعة في تناول كوبين أو ثلاثة. عندما أشعر بالقلق يوم الأحد، أشرب زجاجة كاملة أثناء قيامي بالعمل. إنه أمر محرج للغاية".

 

مايكل*، الذي ترك التدريس أخيراً للقيام بدور مختلف في التعليم لكن خارج الفصل الدراسي، يمكنه أن يفهم فقدان التوازن بين العمل والحياة الشخصية. يقول: "أنا حقاً سعيد لأنني كنت مدرساً - لقد تعلمت كثيراً والطلاب كانوا رائعين، لكنني شعرت بأن الأمر لا يحتمل، ولم أستطع الاستمرار به. لم أستطع حقاً أن أحظى بحياة شخصية". ولقد أثر عمله فيه نفسياً أيضاً. يقول: "لقد وجدت العبء النفسي للأمر صعباً للغاية. أحد العوامل الرئيسة هو أنني كنت آخذ عملي إلى المنزل، وليس بالمعنى الجسدي فحسب، بل عقلياً أيضاً. حتى حين لم يكن لديَّ علامات لوضعها على أعمال الطلاب، كنت أشعر بالقلق في شأن أحد الطلاب، أو كيف سيكون الدرس في اليوم التالي".

وصل الأمر إلى المرحلة التي كان يصل فيها إلى العمل، ويجلس في سيارته و"يتوقف عن الحركة تماماً". ويقول: "أدركت الآن، بفضل العلاج، أن هذا كان نوعاً من للقتال أو الهرب والذي يحدث عندما تشعر أنك في خطر". وفي أحد الأيام، عندما تلقى بعض الأخبار الشخصية الصعبة أثناء وجوده في العمل، بلغ الأمر أوجه. ويعلق: "كنت في منتصف عرض فيلم للطلاب وذهبت إلى غرفة الموظفين وأصبت بنوبة هلع. فقدت الوعي. شعرت وكأنني غير قادر على التنفس. ذهبت لرؤية زميلة وكانت الدموع تنهمر على وجهي، وأخبرتني أن أذهب إلى المنزل وأتعامل مع الموقف. في الواقع، لم أعد بعد ذلك أبداً. كان ذلك آخر يوم لي، وانتهى بي الأمر بالحصول على موافقة للمغادرة من طبيبي".

عديد من المهام التي يتعين على المدرسين القيام بها خارج ساعات الدراسة هي ما تسميه ماك بريارتي "العمل الفارغ". وتقول: "لا يشتكي المدرسون أبداً من وقت يقضونه مع الأطفال أو من الأشياء التي يقومون بها أثناء الوظيفة. المشكلة هي العمل الفارغ - إعداد البيانات لبعض الأشياء التي تبدو عديمة الجدوى. وهذه المشكلة تقع على عاتق الحكومة لأن هناك طلبات حكومية من المدارس تخلق عبء العمل هذا. وهي أيضاً مرتبطة بنظام المساءلة. عندما يخشى الناس أن يأتي مفتش ويبحث عن الدليل على إنجاز أجزاء معينة من العمل، فإنهم يريدون توثيق كل شيء. لذا، هناك ثقافة امتثال عالية جداً في كثير من المدارس".

"بدأت أشعر بالذعر قليلاً لأنني شعرت وكأنني أضرب رأسي بالحائط"

مايكل

 

وتضع عمليات وتقارير التفتيش الصادرة عن "أوفستيد" Ofsted [مكتب المعايير في التعليم وخدمات الأطفال، هي مؤسسة تابعة للحكومة البريطانية مسؤولة عن تقديم تقارير حول أداء المؤسسات التعليمية ومؤسسات رعاية الأطفال] المدارس والمدرسين تحت ضغط شديد. في العام الماضي، أقدمت روث بيري، مديرة مدرسة، على الانتحار بعد تلقيها أخباراً عن انخفاض تصنيف "أوفستيد" لمدرستها في منطقة ريدينغ. وأدت وفاتها إلى احتجاجات ضد عملية التفتيش العقابية، إذ قال مديرو المدارس من جميع أنحاء البلاد إنهم يفكرون في رفض دخول "أوفستيد" حتى تلتزم هيئة التفتيش بالقيام بتغيير كبير. وأفيد الشهر الماضي أن أحكام "أوفستيد" ذات العبارة الواحدة والتي تقيم بها المدارس من قبيل "غير ملائم" ستلغى لمصلحة أوصاف أكثر دقة - لكن وزارة التعليم نفت ذلك.

شعر مايكل، الذي كان يدرس طلاب مرحلة الشهادة الثانوية، بضغط كبير لضمان حصول طلابه على درجات جيدة بعد جائحة كورونا. انضم إلى طاقم التعليم في مدرسته في وقت "كانت (أوفستيد) تراقبهم خلاله بشدة"، وقاموا خلاله برفع مستوى تصنيف الثانوية من "غير ملائم" إلى "جيد". ولكن بعد ذلك، أثناء فترات الإغلاق، قدم نظام للدرجات يعتمد على تقييم المدرسين ليحل محل الاختبارات الرسمية الملغاة. وخلال فترات الإغلاق اللاحقة، وجد مايكل نفسه يقوم بتدريس الطلاب الذين تعطلت دراستهم في شهادة الثانوية العامة، ولاحظ انخفاضاً حاداً في نتائجهم مقارنة بالدفعات السابقة. يقول: "بدأت أشعر بالذعر قليلاً لأنني شعرت وكأنني أضرب رأسي بالحائط. لا أستطيع التأثير في حياة هؤلاء الأشخاص وتوجيههم في اتجاه أفضل".

كما انخفض الحضور. يقول مايكل: "كانت ثانويتي، بسبب مشكلات مالية، أكثر تردداً في طرد الطلاب. تصبح المشكلة بعد ذلك أنه إذا لم يحضر شخص ما، فسيكون لذلك تأثير غير مباشر على الطلاب الآخرين. بدأت أرى انخفاضاً كبيراً في الحضور، لأن الطلاب يرون الآخرين يفلتون من العقاب".

كان لجائحة كورونا تأثير مدمر على المدارس البريطانية. كانت هناك روايات عن أطفال صغار، قضوا سنواتهم الأولى في الإغلاق، "يصلون إلى سن الدخول إلى المدرسة وهم لا يزالون يرتدون الحفاضات، وغير قادرين على استخدام السكين والشوكة، بسبب تأثير الإغلاق على النمو في سنواتهم الأولى". يعد انخفاض الحضور المدرسي وتدهور السلوك من المشكلات التي يواجهها الطلاب الأكبر سناً، وذلك نتيجة انهيار العلاقة والثقة بين المدارس وأولياء الأمور. وأسهمت كورونا أيضاً في ارتفاع مستويات الفقر في المملكة المتحدة، ويعود ذلك إلى حد كبير لخسارة مصدر الدخل لدى عديد من العائلات. ويعيش نحو 4.2 مليون طفل في فقر نسبي في البلاد، في حين أن عدد اليافعين الذين يعيشون في فقر مدقع - مما يعني أن أسرهم لا تستطيع تحمل كلف كسوتهم أو تنظيفهم أو إبقائهم دافئين - قد تضاعف ثلاث مرات خلال السنوات الثلاث الماضية.

 

تقول ماك بريارتي: "تأثير الفقر في الفصول الدراسية لا يقتصر فقط على نقص السلع المادية، بل كل ما يرتبط به - لذلك لديك أطفال لا ينامون، ربما لأن ليس لديهم سرير، وربما لا يأكلون". ويصبح الأطفال الذين يعيشون في هذه الظروف مضطربين ومرهقين وغير قادرين على التركيز. وتضيف بريارتي: "إذا كنت قد انتقلت إلى مهنة التدريس بسبب رغبتك في مساعدة الأطفال والشباب على التعلم، أو ليكونوا في أفضل حالاتهم، أو لكي يحبوا الفن، فلن تتمكن من القيام بأي شيء من هذا إذا كان الأطفال جائعين ولا يعيشون في أمان ولا يتم الاعتناء بهم بصورة جيدة. هذا ما يكمن وراء أرقام الفقر".

وسبب رئيس آخر لإبعاد المدرسين عن وظيفتهم الرئيسة - التعليم - هو الحالة السيئة للخدمات العامة في البلاد. تقول ماك بريارتي: "إن لم تتمكن من إحالة طفل بأمان إلى خدمات الصحة النفسية، أو إن لم تكن الرعاية الاجتماعية قادرة على التعامل مع حالة خطرة، أو إن لم تتمكن من الحصول على الدعم المناسب لطلابك من ذوي الحاجات الخاصة، فهذه من الأمور الصعبة جداً. إذا كان لديك طفل يفصح عن أفكار انتحارية، فلن تحصل بالضرورة على أي دعم للصحة النفسية بالوقت المناسب. إنه عبء عاطفي حقيقي على الأشخاص الذين يعملون في الوظيفة، وليس من ضمن توقعاتهم".

تصف كيت نفسها بأنها أكثر من مجرد معلمة للأطفال الذين تعمل معهم، قائلة إنها في كثير من الأحيان هي "العاملة الاجتماعية، ومقدمة الرعاية، والحامية" لهم. وتقول: "لديَّ أيضاً كثير من الأطفال ذوي الحاجات الخاصة في صفي، لكن كثير منهم موجودون على قائمة الانتظار للحصول على خطة الدعم. قد يستغرق الحصول على التمويل ما يصل إلى عام ونصف العام، وفي هذه الأثناء، يتعامل المدرس مع هذه القضية الكبيرة، دون أي دعم".

وتعد مسألتي السلوك وإدارة السلوك أيضاً من العوامل الرئيسة في مشكلات الصحة النفسية بين المدرسين. تقول كيت: "في العام الماضي، كان في صفي طفل صغير عنيف للغاية. كان يضربني ويعضني ويضرب الأطفال الآخرين. ولم يتم استبعاده حتى اشتدت الأمور بعد إصابة شخص قرب عينه، ربما بعد نحو ثمانية أشهر من حوادث العنف، وذلك ببساطة لأنه لا يوجد مال. فقدت المدرسة القدرة على إدارة هذا السلوك. لم يكن لديهم فرق سلوك مساندة للتعامل مع الوضع. ولم يكن لديهم وحدة لإحالة التلاميذ يمكن للطفل أن يذهب إليها مباشرة لأنهم مثقلون بالأعباء. لقد وصلت قدرتهم الاستيعابية إلى ذروتها".

تميل مشكلات السلوك إلى التفاقم عندما يكون الأطفال مشتتي الانتباه، أو عندما تكون فترات انتباههم منخفضة. تقول ماك بريارتي: "إن مستوى المشاركة الرقمية من قبل الأطفال والشباب يغير مدى الانتباه وقدرتهم على التركيز". وترى أن استخدام الأطفال للهاتف والإنترنت يجلبان مشكلات أخرى إلى الفصول الدراسية مما يجعل وظائف المدرسين أكثر صعوبة. وتوضح: "إن كمية المعلومات - الجيدة والسيئة، والصحيحة والكاذبة، والموثوقة وغير الموثوقة - التي يمكن للأطفال الوصول إليها لا مثيل لها من قبل". وقالت: "كنت أجلس في الحافلة مع أصدقاء ابني منذ بضعة أيام، وهم أطفال في العاشرة من عمرهم، كنت أصحبهم إلى حفلة. كان أحد الأطفال يستخدم هاتفه، وكان يتصفح صوراً مروعة لجثث متحللة. قلت، 'عمرك 10 سنوات. كيف تنظر إلى هذا؟' ما يمكن للأطفال الوصول إليه صادم، وهذا يجلب إلى الفصل الدراسي مجموعة من المشكلات غير المتوقعة في كثير من الأحيان. في المؤسسة الخيرية، سئلنا: 'كيف أتحدث مع الأطفال حول الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني؟' لذلك نجري ندوات عبر الإنترنت حول كيفية مناقشة المواضيع الصعبة [مع الأطفال] بأمان قدر الإمكان".

إذاً ما هي الحلول لتحسين الصحة النفسية للمدرسين؟ تقدم بعض المدارس للمدرسين يوم إجازة كل أسبوعين في محاولة لتحسين عافيتهم وجذب أشخاص جدد إلى المهنة. تحظر عديد من المدارس في جميع أنحاء البلاد بالفعل استخدام الهاتف المحمول، إذ أطلقت الحكومة حملة صارمة في هذا الشأن في شهر فبراير (شباط) الماضي. وتوفر مؤسسة "دعم التعليم" خط مساعدة مجاني للمدرسين المتعثرين، في حين تقدم المؤسسة الخيرية "الصحة النفسية في المملكة المتحدة" Mental Health UK على موقعها النصائح حول التعامل مع التوتر، والحصول على نوم جيد أثناء الليل، والحفاظ على توازن صحي بين العمل والحياة.

لكن ماك بريارتي تقول أن كثيراً من التغييرات الضرورية يجب أن تصدر عن الحكومة، "إنهم في حاجة إلى معالجة تمويل الخدمات بصورة أوسع. يجب تمويل الحاجات التعليمية الخاصة. ونحن في حاجة إلى استراتيجية تتمحور حول الأطفال الذين يعيشون في الفقر تلائم بلداً غنياً مثل بلدنا. لقد انخفضت أجور المدرسين بالقيمة الحقيقية منذ عام 2010، وموضوع الأجور أمر مهم، لأنه يعبر عن القيمة، وفي الوقت الحالي، الرسالة هي أن المجتمع لا يقدر التعليم حقاً. يتعين عليهم إعادة تحديد متطلباتهم من المدارس ومطالبتهم ببذل جهد أقل بكثير، أو تخصيص مزيد من الأموال للسماح لهم بتوفير الموارد للأمور الكثيرة التي طلب منهم القيام بها. هذا هو الخيار".

وتضيف: "كل شيء آخر، بالنسبة لي، هو مثل تحريك الكراسي على سطح سفينة (تيتانيك)".

*تم تغيير أسماء المشاركين في هذه المقالة.

© The Independent

المزيد من تقارير