ملخص
من المتوقع أن يصل عدد مستخدمي البريد الإلكتروني على مستوى العالم إلى 4.6 مليار بحلول عام 2025
أصبح البريد الإلكتروني جزءاً أساساً في المجتمع الافتراضي، وعلى رغم ظهور وبروز تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي والدردشة وبرامج المراسلة عبر الهاتف المحمول، فإن عدد مستخدمي البريد الإلكتروني على مستوى العالم وصل إلى أربعة مليارات عام 2020، ومن المتوقع أن يرتفع هذا العدد إلى 4.6 مليار بحلول عام 2025.
وبالنظر إلى عدد الأشخاص الذين يستخدمون البريد الإلكتروني يومياً، فليس من المستغرب أن يكون هناك 3.137 مليون بريد إلكتروني في الثانية، وفقاً لأحدث التقارير التي تبين أنه يتم إرسال 333.2 مليار بريد إلكتروني يومياً، ومن المتوقع أن يرتفع عدد رسائل البريد الإلكتروني التي ترسل يومياً إلى 376.4 مليار بحلول عام 2025، لكن عدداً كبيراً من البريد الإلكتروني لا يحمل الاسم الحقيقي لمستخدمه، إذ يعمد كثر إلى إنشاء حسابات بأسماء وهمية يختارونها بقصد معين أو قد ينشأ عدد من الحسابات بأسماء متعددة لأغراض مختلفة، مما يفسر كثافة وكثرة استخدامه. فلماذا يستخدم الأشخاص أسماء غريبة لبريدهم الإلكتروني؟ وهل يخفون شيئاً من وراء هذا التصرف؟
إظهار الذات الداخلية
ذهبت جملة من الباحثين إلى أن الاتصال عبر الإنترنت يشجع على إخراج وإظهار الذات الداخلية للفرد لأن نوع العلاقات القائمة فيها يعبر عنها أساساً من طريق الفكر، أما الجسد فلا يتدخل في أي حال من الأحوال. فالهوية الشخصية للأفراد في المجتمع الحقيقي قد تتأثر بالعناصر المعيارية الاجتماعية، وكذلك بالعناصر الفيسيولوجية، مما يؤدي إلى كبت الذات الداخلية، أما العالم الافتراضي فإنه يتيح اتصالاً قائماً على التعبير عن الذات الداخلية وتحقيق الأنا الأعلى، ويتيح أيضاً تثبيطاً للعناصر المعيارية للأنا أو الذات الاجتماعية، وهو قد يثري شخصية الفرد. ويرى باحثون آخرون أن المجتمعات الافتراضية تفسح المجال للفرد بأن يضع هويته محل استكشاف وتجريب، أي بإمكانه أن يقدم نفسه كما يشاء وعلى النحو الذي يريد، وهو السلوك الذي يتعذر عليه في المجتمع الواقعي، حتى إن بعض العلماء أطلقوا على العوالم الافتراضية اسم ورش الهوية (Identity Work).
إن الانخراط في الفضاء الافتراضي مع أنه يتصل بمطالب محددة كالاسم والسن والجنسية وغيرها من مؤلفات الهوية، إلا أن التحايل في هذا الفضاء وارد، إضافة إلى انتحال شخصيات متعددة في آنٍ واحد تنتمي إلى فضاءات تصنع لنفسها هوية وهمية، وكثر ممن يرتادونها لهم أسماء مستعارة ووجوه ليست وجوههم، وبعضهم له أكثر من حساب بأكثر من هوية وفق غاياته، فهويته مع زملاء العمل وأخرى مع الأصدقاء وهويات أخرى لأغراض أخرى.
مآرب التخفي
وللأشخاص أغراض ومآرب من التخفي، إذ يستطيع المستخدم أن يبتكر شخصية إلكترونية افتراضية يستخدمها في مجتمعه الافتراضي من خلال تقمص هوية خفية أو اسم مستعار في غرف الدردشة، التي قد تكون ذات مضمون سياسي أو علمي أو رياضي أو جنسي أو غيره. وتسمح ميزة الهوية الخفية في المجتمع الافتراضي في التعبير عن النفس بصورة أكبر، تبعده عن التقيد بالقواعد الروتينية التي يفرضها المجتمع الواقعي، وتساعد الفرد على لعب أدوار مختلفة قد يعجز عن تحقيقها في حياته اليومية الاعتيادية، فتأتي التفاعلات الافتراضية حرة صريحة تبرز ما يريده الفرد بغض النظر عن المضمون وقيمته.
إن مزاحمة العالم الافتراضي للواقعي ينطبق ضمن صراع الذات الاجتماعية بالذات الرقمية، إذ يتضمن الواقع حدوداً ومعايير ضمن الشرع والعرف، يتنصل البعض من ذلك الواقع للافتراض تحقيقاً لحريات أكبر وإفساحاً للتعبير عن أغوار الذات المكبوتة، بأقنعة رقمية، فتثبت العناصر المعيارية للأنا الاجتماعية، وتصبح الهوية الحقيقية عرضة للتمرد، إذ إن التقمص واستخدام الأقنعة الوهمية، الصورة والاسم والتوجه، يجعل الذات الاجتماعية عرضة للفصام الاجتماعي، فتتلون بتلون المواقع ومتطلبات الطرح. ويشير فرويد إلى أن الخبرات المكبوتة تبدأ بحياة جديدة شاذة في اللاشعور وتبقى هناك محتفظة بطاقتها تتحين فرصة للخروج. وما دام أسباب الكبت قائمة، فإن اللاشعور يظل مغترباً على صورة انفصال عن الشعور، وما محاولة الأنا في التوفيق بين ضغط الواقع ومتطلبات الهوى وأوامر الأنا الأعلى إلا هرباً من اغتراب الفرد عن الواقع الاجتماعي.
شريان حياة
لقد انفجر العمل من بعد والتفاعل عبر الإنترنت منذ جائحة كورونا، إذ زاد حجم البريد الإلكتروني بنسبة سبعة في المئة بعد تفشي المرض، وسجلت أهم الزيادات من ناحية الحجم في مارس (آذار) ويوليو (تموز) 2020، وقد لعب متخصصو التسويق عبر البريد الإلكتروني دوراً مهماً في مساعدة الشركات على التواصل وتوصيل رسائلهم إلى العملاء بصورة أفضل من أي وقت مضى، كما بلغ إجمالي النمو في حجم البريد الإلكتروني الشخصي سبعة في المئة وقد كان 2.5 في المئة عام 2019، إذ رأت مؤسسات عدة أن البريد الإلكتروني هو شريان الحياة الحيوي في عام 2020، فقد كان قناة اتصال موثوقة وجديرة بالثقة استخدمتها الشركات للتواصل مع عملائها أثناء الوباء، وكانت أيضاً أداة حيوية للمبيعات والمشاركة وتسويق المحتوى.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبما أن البريد الإلكتروني يعد أساساً في أي تسجيل عبر الإنترنت، إن كان في وسائل التواصل الاجتماعي أو المنتديات والكورسات والتسويق، وغيرها، فقد عمد كثير من الشركات الناشئة التي اختصت بزيادة عدد المتابعين في "إنستغرام" وغيرها من وسائل التواصل، على توظيف أشخاص يقوم عملهم على إنشاء حسابات لبريد إلكتروني بأعداد كبيرة قد تتجاوز الـ50 أو الـ100 ومنها ما يناهز الـ1000 بطرق متعددة شرعية أو غير شرعية، وذلك لكي ينتج من هذه الحسابات حسابات أخرى على أنها حقيقية، فتقوم بطريقة معينة برفع عدد متابعي صفحة ما على أنهم أشخاص حقيقيون، في وقت هم مجموعة حسابات لشخص واحد يعمل من خلالها، وهي تجارة أصبحت رائجة ورابحة والعروض دائمة بحسب عدد الإيميلات التي يريدها الزبون.
السياسيون الأكثر تخفياً
كما يفسر عدد من الأشخاص وضع اسم غريب، وربما مضحك لبريده الإلكتروني بتعرضه مسبقاً للتحرش الإلكتروني أو بسبب الضغوط الاجتماعية التي لا تسمح للفرد بالتعبير عن رأيه وتوجهاته بصورة واضحة، فيهربون من المراقبة أياً تكن، وهناك من يقول إن لديه بحدود 10 حسابات للبريد الإلكتروني، قد يكتفي بثلاثة منها للعمل وأخرى للأصدقاء والمعارف وبعضها للاشتراكات المختلفة.
ولم يقتصر التستر بأسماء غريبة ومتعددة على العامة، فقد تخطى بعض السياسيين الحد بعدد مبالغ فيه من الحسابات، كتلك التي أحصاها الأرشيف الوطني الأميركي للرئيس جو بايدن بـ5400 رسالة بريد إلكتروني استخدم فيها أسماء مزيفة لنقل المعلومات الحكومية إلى ابنه هانتر وآخرين، خلال توليه منصب نائب الرئيس في عهد الرئيس باراك أوباما.
وجاء البحث استجابة لطلب قانون حرية المعلومات الصادر في يونيو (حزيران) 2022 من قبل مؤسسة South Eastern Legal Foundation، وهي مجموعة قانونية دستورية غير ربحية. وسعى الطلب إلى الحصول على رسائل بريد إلكتروني تتعلق بحسابات روبن وير وروبرت إل، بيترز وجي آر بي وير، وهي أسماء مستعارة كان من المعروف أن الرئيس البالغ من العمر 80 سنة يستخدمها في البيت الأبيض خلال فترة عمله نائباً للرئيس الأسبق باراك أوباما.