Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الإجهاض في الجزائر واقع لم يعد حصراً على الأوساط الجامعية

أخذ بعداً إجرامياً بعد أن باتت شبكات تشرف عليه ودعوات للعودة إلى تقاليد وأصول المجتمع

الحرم الجامعي معرّض لمختلف الظواهر في ظل تهور بعض الطلاب (الإذاعة الجزائرية)

ملخص

الحبس من سنة إلى خمس سنوات وغرامة تصل إلى 74 دولاراً لكل من أجهض امرأة حاملاً وإذا أفضى إلى الموت فالسجن من 10 إلى 20 سنة

على رغم أنه ظاهرة منتشرة في الجزائر، غير أن سريته جعلت الحديث عنه محصوراً في مساحات ضيقة، إنه الإجهاض الذي بات واقعاً يفرض نفسه أمام التحول الحاصل في المجتمع، ويبقى اللجوء إليه من قبل فتيات من مختلف المستويات والأعمار، وليس مقتصراً على فئة معينة، عكس ما يتم تداوله حول انتشاره في الأوساط الجامعية من دون غيرها.

 

تفكيك شبكات والمرأة على رأس القائمة؟

ولا تزال أخبار تفكيك شبكات ترويج حبوب الإجهاض وإلقاء القبض على ممرضين وممرضات يمارسن هذه الظاهرة، واكتشاف أجنة مرمية وأخرى مخفية، تأخذ حيزاً من "استغراب" المجتمع الجزائري الذي يعتبر الإجهاض من المحرمات التي يجب عدم تداولها داخل الأوساط العائلية على رغم أن القانون يجيزها في بعض الحالات "إذا كان سينقذ حياة المرأة الحامل، أو يُشكل خطراً على صحتها، أو أن حملها سيعرضها لخطر شديد سواء من ناحية الصحة البدنية أو الصحة العقلية".

وكشفت مصالح الأمن السيبرانية بمدينة سطيف شرق الجزائر عن تفكيك شبكة دولية لترويج حبوب الإجهاض والمؤثرات العقلية عبر شبكات التواصل الاجتماعي تضم سبعة أشخاص من بينهم امرأة، وتمت العملية بعد رصد حساب إلكتروني يعرض أدوية للإجهاض بسعر يتراوح بين مليون ومليوني سنتيم، أي بين 75 و150 دولاراً، إذ تم توقيف المشتبه فيه الأول الذي كان يستغل، في عملية الترويج، حساباً افتراضياً باسم فتاة، وينتحل، في حساب آخر، صفة طبيب مختص في أمراض النساء والتوليد. وقالت، في بيان، إنه تم ضبط كمية من حبوب الإجهاض تقدر بـ 5930 قرصاً، بقيمة ستة ملايين سنتيم (نحو 446 ألف دولار)، و1176 وحدة من المؤثرات العقلية، كما تم توقيف بائع في صيدلية، وموظف بمصلحة التوليد، وامرأة تبلغ 38 سنة كانت تتكفل بترويج حبوب الإجهاض، وطبيب مختص في أمراض وجراحة الأعصاب.

وفي الفترة نفسها، أصدر قاضي المثول الفوري بمحكمة سطيف حكماً يقضي بإدانة ثلاثة أشخاص على رأسهم امرأة يمثلون شبكة وطنية، بعقوبة سنتين حبساً، لتورطهم في جنحة ترويج حبوب الإجهاض.

كما دان مجلس قضاء بومرداس، وسط البلاد، متهمة بسنتين حبساً نافذاً عن تهم المتاجرة بحبوب مهلوسة وأخرى خاصة بالإجهاض، وتحركت القضية على إثر معلومات وردت إلى مصالح الأمن تفيد بنشاط مشبوه لامرأة على مستوى الإقامات الجامعية للبنات. واستغلالاً لهذه المعلومات، نصبت الجهات المعنية كميناً سمح بضبطها متلبسة بترويج حبوب الإجهاض والمهلوسات، كما ألقي القبض على شركائها، وهما شقيقها وصديقته الممرضة بأحد المستشفيات الكبرى بالعاصمة.

وسبق ذلك، توقيف عناصر الأمن، بمدينة باتنة، شرق الجزائر، سيدتين بحوزتهما أدوية تستعمل في عمليات الإجهاض وإسقاط الأجنة. وأكد بيان خلية الاتصال والإعلام للمديرية أن المعنيتين كانتا تروجان لهذه الحبوب على مستوى الإقامات الجامعية للبنات بمختلف مناطق البلاد.

قانون وعقوبات

ولا يمنح القانون الجزائري الحق في الإجهاض إلا عندما تكون حياة المرأة أو توازنها النفسي والعقلي مهددين بخطر بسبب الحمل، أو عندما يثبت بصفة أكيدة عن طريق تشخيص ما قبل الولادة أن المضغة أو الجنين مصابان بمرض أو تشوه خطير لا يسمح لهما بالنمو العادي، ولا يسمح بالإجهاض لهذين السببين إلا في المستشفيات الحكومية ويخضع لإذن من الإدارة المختصة.

وخارج هذه الحالات المحددة قانوناً، تبقى ممارسة الإجهاض مندرجة في نطاق المادة 304 من قانون العقوبات التي تنص على أن كل من أجهض امرأة حاملاً أو مفترض حملها بإعطائها مأكولات أو مشروبات أو أدوية أو باستعمال طرق أو أعمال عنف أو بأية وسيلة أخرى، سواء وافقت على ذلك أو لم توافق أو شرع في ذلك، يُعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات، وبغرامة من 500 إلى 10 آلاف دينار، أي بين 3.7 إلى 74 دولاراً، وإذا أفضى الإجهاض إلى الموت فتكون العقوبة السجن الموقت من 10 سنوات إلى 20 سنة.

صورة "سوداوية"؟

وإن كانت الظاهرة تمس مستويات عدة، غير أنها ارتبطت بالطالبات والإقامات الجامعية لاعتبارات عدة أهمها الصورة "السوداوية" التي التصقت بهذه الأماكن على رغم أن الأخيرة ليست كما يتم تداوله، بل هي منبع التربية والعلم والفكر والنجاح، وفي ذلك تقول إحدى الطالبات "إن الإجهاض ليس مرتبطاً بالجامعيات فقط، ولا الإقامات الجامعية للبنات، بل هي ظاهرة تشمل كل فئات المجتمع، غير أن تسليط الضوء على الجامعيات من دون غيرهنّ جعل الظاهرة ملتصقة بهذه الفئة"، منتقدة النظرة السوداوية التي باتت عليها الإقامات الجامعية للبنات، والتي تسببت في كثير من الأحيان ولا تزال، في منع التحاق العائلات بهذه الأماكن منعاً للعار الذي باتت تجلبه. وأبرزت أن الإشارة إلى الإقامات الجامعية، عندما يتعلق الأمر بمثل هذه الظواهر المسيئة تمس بشرف البنات القادمات من خارج المدن، على اعتبار أنهنّ من يشغلن هذه الأماكن.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأضافت الطالبة "أن الحرم الجامعي ليس بهذه الصورة، بل هناك العلم والتربية والسلوك الحسن والنجاح"، لافتة إلى أن النشاط الكبير الذي تقوم به المنظمات الطلابية بات لا ينقطع من أجل مصلحة الجامعيات والمقيمات، وشددت على أن الإدارة باتت تقوم بجهود كبيرة بهدف وضع حد لكل السلوكيات المشينة التي تشوه هذه الأماكن، إذ تقوم بتنظيم دورات رياضية ومسابقات في الطبخ والرسم والألبسة وإقامة جلسات موسيقية من التراث.

خطورة... وأرقام

وفي السياق، اعتبرت الطبيبة جميلة شاوي أن المسار السري للإجهاض يتسبب في حالات مؤلمة ومنها ما تنتهي إلى الوفاة، على اعتبار أنها ممارسة غير آمنة وعلى درجة كبيرة من الخطورة على صحة المرأة، بسبب أن الظروف غير متوافرة والإمكانات قليلة، مشيرة إلى أن معظم العمليات تتم في شقق ومستودعات من دون أي دعم طبي، فيما تجرى أخرى داخل عيادات بشكل خفي بعيداً من الأعين وتجنباً للمتابعة الأمنية، وشددت على أنه في حال مرافقة العملية أخطار فإن الحامل من يدفع الثمن وحدها بعد انسحاب الجميع.

وفي وقت كان إنهاء الحمل غير المرغوب فيه يتم في بلدان أوروبا أو تونس بالنسبة للمرأة ميسورة الحال، بات من الممكن القيام بذلك في الجزائر بشكل سري، على رغم أنه عمل إجرامي بنظر القانون وفئات واسعة من المجتمع، لكن بأسعار تتراوح بين 250 دولاراً و1000 دولار.

وتشير وزارة التضامن إلى أن أكثر من 10 آلاف طفل يولدون سنوياً خارج إطار الزواج، كما تتحدث عن أكثر من ثلاثة آلاف أم عازبة، وهي الأرقام التي تشدد أوساط على أنها لا تعكس الواقع في ظل غياب إحصاءات رسمية عن واقع الإجهاض.

حلول للحد من الظاهرة

وترى أستاذة علم الاجتماع نبيلة واسطي أن عملية الإجهاض سببها ما وصفته بـ "الخطيئة"، لكن الأمر الذي جعلها تطفو على السطح وتفرض نفسها على يوميات المواطنين لجوء كثيرات إليه، وتخصص كثير من العيادات في القيام بهذا الأمر بعيداً من العيون. وانتقدت ممارسات بعض الأطباء الذين يشرفون على هذه العمليات ويتسترون عليها، مشيرة إلى أن الأولياء يتحملون جزءاً من المسؤولية بإخفائهم عملية الإجهاض تحت غطاء الخوف من الفضيحة.

وتتابع واسطي أن "ما يتداول به من أرقام حول الإجهاض، على رغم أن الجهات الرسمية لم تقدم إحصاءات، يكشف عن وضع أخلاقي عنيف يهدد المجتمع الجزائري، ما يستعجل التحرك لتداركه من خلال التطبيق الصارم للقوانين لوضع الحد لهذه الظاهرة، التي أخذت بعداً إجرامياً بعد أن باتت شبكات تشرف عليها"، مضيفة أن "تسهيل الزواج عبر تخفيف المهر وتوفير المساكن وفتح أبواب العمل لمواجهة البطالة، وإعادة الاعتبار للوعي الديني، باتت حلولاً مستعجلة يجب على جميع المعنيين من سلطات ومنظمات ورجال دين مباشرة العمل على تحقيقها قبل أن تنزلق الأجيال إلى ما لا تحمد عقباه ويضيع المجتمع الجزائري".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير