استقرت أسعار النفط في الأسواق صباح اليوم الخميس بعد تراجعها أمس الأربعاء نتيجة الانخفاض في مخزونات الخام في الولايات المتحدة بقدر أكبر من المتوقع.
إلى ذلك جرى تداول العقود الآجلة لخام برنت القياسي اليوم عند سعر85.92 دولار للبرميل، بينما سجل سعر الخام الأميركي الخفيف (مزيج غرب تكساس) 81.17 دولار للبرميل.
وكانت أرقام إدارة معلومات الطاقة الأميركية أظهرت أمس انخفاض المخزونات بمقدار مليوني برميل للأسبوع الثاني، ليصل حجم المخزونات الأميركية إلى 445 مليون برميل، فضلاً عن إشارات مجلس الاحتياط الفيدرالي (المركزي الأميركي) إلى خفض سعر الفائدة التي رجح محللون أن تظل عند التوقعات بخفضها ثلاث مرات قبل نهاية هذا العام.
وقدّر مسح أجرته "بلومبيرغ إنتليجنس" نشر اليوم تجاوز أسعار النفط في المتوسط بنهاية العام الحالي 2024 حاجز 80 دولاراً الذي يمثل الحد المعقول بالنسبة إلى دول تحالف "أوبك+"، وأظهر المسح أن توقعات غالبية المشاركين فيه استبعدت وصول الطلب العالمي على النفط إلى ذروته بحلول عام 2030 كما تشيع وكالة الطاقة الدولية.
ومنذ نحو عامين تشن وكالة الطاقة الدولية حملة ضد الوقود الأحفوري عموماً، وتكرر في تقاريرها وتصريحات مسؤوليها أن الطلب العالمي على النفط يوشك أن يصل إلى قمته ويأخذ في التراجع لمصلحة مصادر الطاقة المتجددة.
في المقابل، انتقدت منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) حملة وكالة الطاقة الدولية باعتبارها تثير الاضطراب في أسواق الطاقة العالمية.
تهديد غير مباشر بوقف التمويل
في غضون ذلك، تلقت وكالة الطاقة الدولية (تمثل مصالح الدول الصناعية الكبرى المستهلكة للطاقة)، انتقادات غير مسبوقة هذا الأسبوع من أعضاء كبار في الكونغرس الأميركي من الحزب الجمهوري، بعدما اتهموها بأن موقفها "كقائد حملة التهليل للتحول في مجال الطاقة" يضر بأمن الطاقة العالمي ويثير الاضطراب في الأسواق.
جاء ذلك في رسالة موجهة إلى مدير الوكالة فاتح بيرول، مؤرخة أمس وموقعة من عضو لجنة الطاقة والموارد الطبيعية في مجلس الشيوخ السيناتور جون باراسو ورئيسة لجنة الطاقة والتجارة في مجلس النواب كاتي ماكموريس رودجرز.
وجاء في الرسالة شديدة اللهجة "نرى أن وكالة الطاقة الدولية أصبحت خلال الأعوام الأخيرة مصدراً للإضرار بأمن الطاقة بترويجها ضد التشجيع على مزيد من الاستثمارات في مصادر الطاقة، خصوصاً النفط والغاز والفحم ويتعين أن يقلقهم جداً استغلال بعض الأطراف لتوقعات وتقديرات وكالة الطاقة الدولية وغيرها من أجل تبني سياسات تضر بشدة بأمن الطاقة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وطالبت الرسالة بيرول بتفصيل التمويل الذي تلقته وكالته من الولايات المتحدة خلال الأعوام الـ10 الأخيرة، وبحسب تقرير نشرته "غلوبال كوموديتيز إنسايتس" التابعة لوكالة التصنيف العالمية "ستاندرد أند بورز" فإن رسالة أعضاء الكونغرس ستشكل ضغطاً إضافياً على الوكالة الدولية ومديرها في شأن توقعات الوكالة حول الطلب العالمي خلال عام انتخابات رئاسية أميركية.
يشار إلى أن وكالة الطاقة الدولية أنشئت بعد أزمة النفط في سبعينيات القرن الماضي، ومع أنها تنضوي تحت منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي، إلا أنها تحصل على تمويلها من الدول الأعضاء.
وبحسب موقع وكالة الطاقة الدولية فإن موازنتها يتفق عليها كل عامين، ويسمح للدول الأعضاء بتقديم مساهمات طوعية غير التزاماتها في الموازنة، وبعد مؤتمر المناخ "كوب 26" عام 2022 تلقت الوكالة تمويلاً إضافياً من الدول الأعضاء بمقدار 20 مليون يورو (22 مليون دولار) لدعم زيادة جهودها في ترويج الانتقال إلى الطاقة النظيفة في الدول الصاعدة.
ونقلت "غلوبال" عن مصادر لم تسمِّها أن الجمهوريين في الولايات المتحدة يسعون إلى خفض التمويل لوكالة الطاقة الدولية بعد نتائج الانتخابات هذا العام، وتضيف تلك المصادر أن كل أشكال التعاون بين الولايات المتحدة والوكالة ستخضع للمراجعة والفحص بما في ذلك التمويل.
دور أوبك
في الوقت ذاته أشادت الرسالة بدور "أوبك" مشيرة إلى توقعاتها بأن الطلب على الطاقة من الوقود الأحفوري مستمر في النمو ربما حتى عام 2050، بخاصة الطلب على الغاز الطبيعي، وهو ما يتسق مع تقديرات مؤسسات كبيرة مثل معهد اقتصاديات الطاقة في اليابان وغيره وأيضا تقديرات كبرى شركات الطاقة مثل "بريتيش بتروليم" (بي بي) و"إكسون موبيل" وغيرها. وذلك على عكس تقديرات وكالة الطاقة الدولية المبالغة في التهليل لتحول الطاقة والتي تتوقع وصول الطلب ذروته بنهاية العقد الحالي 2030.
الطلب العالمي
في تلك الأثناء، تروج وكالة الطاقة الدولية باستمرار خلال العامين الأخيرين لقرب نهاية الاعتماد على النفط، مما يتعارض مع أساسات السوق وتقديراته وأيضاً توقعات كبار العاملين في القطاع.
وقبل أيام، خلال أسبوع عن الطاقة في تكساس بالولايات المتحدة انتقد كبار مسؤولي شركات الطاقة الكبرى تقديرات وكالة الطاقة الدولية، إذ اعتبر المدير التنفيذي لعملاق الطاقة السعودية "أرامكو" أمين الناصر أن الدعوات إلى التخلي عن الوقود الأحفوري نوع من "الفانتازيا".
كذلك عبر رؤساء شركات كبرى مثل "إكسون موبيل" و"شيفرون" و"توتال" عن القلق الشديد من الدعوات إلى التحول السريع في مجال الطاقة وطالبوا باستمرار الاستثمار في قطاع النفط.
وكثيراً ما ردت منظمة "أوبك" على تقارير وبيانات وتصريحات وكالة الطاقة الدولية واعتبرتها عامل اضطراب في الأسواق. وفي مقابلة العام الماضي مع "إنرجي إنتليجنس" قال الأمين العام لـ"أوبك" هيثم الغيض تعليقاً على رسائل الوكالة إن "تغيير الحقائق والاستمرار في توجيه الاتهامات الباطلة هو أمر ضار ويؤدي إلى عدم استقرار السوق واضطرابها"، مضيفاً أن "أوبك" حذرت كثيراً من ذلك (يقصد تراجع الاستثمار في صناعة النفط) منذ أعوام.
وأوضح الغيض أنه "على العكس، نرى أن جهودنا لضمان استقرار سوق النفط العالمية مفيدة جداً للاقتصاد العالمي في المديين المتوسط والطويل لأنها تشجع الاستثمارات بما يسمح بزيادة سعة الطاقة الإنتاجية، ويجنبنا ارتفاع الأسعار الذي يمكن أن يضر بالاقتصاد العالمي".
وكانت ورقة بحثية مقدمة إلى مجلس محافظي الاحتياط الفيدرالي نهاية العام الماضي ضمن سلسلة محادثات مالية واقتصادية خلصت إلى أن دور "أوبك"، "في غاية الأهمية للحفاظ على استقرار أسواق الطاقة العالمية، خصوصاً في أوقات الاضطرابات والمضاربات"، مضيفة أن "رسائل المنظمة تقلل من فرص التذبذب الكبير في الأسعار وتدفع المتعاملين في السوق إلى توازن أوضاعهم".