Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مقتل نافالني: الثمن النهائي لمعارضة فلاديمير بوتين

أمضى السياسي المعارض في حجرة انعزالية عقابية في السجن نحو 300 يوم خلال سنوات الاعتقال الـ3

الناس تستمر بالتوافد إلى قبر أليكسي نافالني" في جبانة "بوريسوفسكوي" بموسكو (حساب تيليغرام لوشنيكوف)

ملخص

رحيل نافالني بهذا الطريقة شكل صدمة كبيرة لأنصاره لكنها اليوم تبدو نتيجة منطقية لجولات التعذيب ومحاولة القتل التي عايشها

أصعب ما في موت شخص ما هو نهائية الحدث وفداحته. والموت المتوقع بسبب الشيخوخة أو المرض في سن الكبر هو أهون من الموت المأسوي والناجم عن فعل إنسان تجاه إنسان آخر. وفي الحالة الأخيرة إن كان الشخص المقتول بارزاً ولامعاً ومثالاً لعشرات ومئات الآلاف من المواطنين يكون موته كارثة بالنسبة إليهم.

في حالة المعارض الروسي أليكسي نافالني يصعب تصديق ما حدث، يصعب إدراك أن الشخص الذي طغى على الساحة السياسية الروسية المعارضة لن يكون قادراً على التعليق على ما حدث. لن نسمع ماذا يملك نافالني ليقوله عن موته. قد يلجأ البعض إلى كلماته في الوثائقي الذي يحمل اسمه باعتباره تعليقاً أو وصية أخيرة ولكن هذا لا يكفي.

ومما قاله حينها: "لا تستسلموا... إذا حدث هذا [موتي]، فهذا يعني أننا أقوياء بشكل غير عادي في هذه اللحظة، لأنهم قرروا قتلي. نحن في حاجة إلى استخدام هذه القوة... كل ما يحتاج إليه الشر لينتصر هو ألا يفعل الأخيار شيئاً. لذلك التقاعس غير مسموح".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولماذا الآن؟ هل كان موته محدداً مسبقاً أم هو نتيجة تراكمات من التعذيب النفسي والجسدي التي خضع لها خلال السنوات الثلاث الأخيرة؟ بكل الأحوال إنها عملية قتل. وقد يكون قتلاً بطيئاً أو نفذ بدم بارد قبل إعلان موته بساعات. دعونا ألا ننسى أنه هناك تسجيل للمعارض من يوم 15 فبراير (شباط) يظهر فيه عبر اتصال الفيديو أثناء مشاركته في إحدى جلسات التقاضي بينه وبين إدارة السجن التي رفع شكاوى عديدة بحقها. وفي هذا الاتصال ظهر نافالني مرحاً وأطلق دعابات ولم يكن هناك ما يشير إلى نكسة صحية وشيكة.

بكل الأحوال، صدرت تصريحات من "إنسايدر" الروسية و"بيلينغكات"، النشرتان معروفتان بتحقيقاتهما الاستقصائية والأخيرة كشفت أسماء "مجموعة القتل" الروسية التي قامت بمحاولة التسميم الفاشلة لأليكسي نافالني، وتحديداً من الصحافي خريستو غروزيف بأنه سيعمل جهده لكي يكشف ما حدث مع نافالني في الساعات الأخيرة من حياته. وعلينا أن نأمل أنه سيفلح في جهده هذا.

ويلوم البعض نافالني على عودته إلى روسيا من ثم كتابته لمصيره المحتم بنفسه، ولكنني أتفهم قراره تماماً، فالجندي أيضاً يذهب إلى المعركة دفاعاً عن وطنه رغم إدراكه أن الموت هناك يحيط به من كل الجهات ومع ذلك يمشي نحو مصيره لأن الموت ليس سبباً للتراجع عن هكذا معركة.

من كان ليكون نافالني في الغربة؟ لربما كان تحول إلى اسم إضافي من بين الأسماء المعروفة في أوساط المنفيين الروس أمثال ميخائيل خودوركوفسكي وغاري كاسباروف وغيرهم. وهل فعلياً بمقدورك التأثير أو التفاعل مع السياسة الروسية (بكل التقييدات التي فيها) من فيلنيوس أو برلين. طبعاً هو أمر صعب من السجن أيضاً ولكنك في الأقل تقول لأنصارك "ها أنا هنا بينكم".

وماذا عن السجن الروسي؟ أعترف أنني كنت على اقتناع تام بأنه المكان الأكثر أماناً لأي معارض روسي وخصوصاً من طينة نافالني، إذ في الأقل لن يتجرؤوا على تسميمه أو قتله وهو في عهدتهم. لكن يبدو أنني كنت متوهماً جداً.

وأمضى نافالني أكثر من ثلاث سنوات في السجن. وقبل يومين من وفاته/مقتله، في 14 فبراير أرسل للمرة الـ27 إلى "الزنزانة العقابية" (تلفظ "شيزو" بالروسية) وذلك بعد أيام قليلة من مغادرته لها. وبالمجموع قضى السياسي المعارض هناك نحو 300 يوم. من بين أسباب إرساله إلى "الزنزانة العقابية"، على سبيل المثال، أن السياسي "عرف عن نفسه بشكل غير صحيح"، "كان يفك بانتظام الزر العلوي من ردائه"، رفض "غسل السياج"، "قام بتنظيف ساحة التمرين بشكل سيئ وأهان ضابط المباحث الملازم نيموفيتش من خلال مخاطبته بـ"الملازم نيموفيتش" وليس باسمه الأول واسم والده، كما درجت العادة في روسيا.

و"الزنزانة العقابية" هي عبارة عن حجرة خرسانية (ثلاثة أمتار بـ2.5 متر) يقصد منها تلقين المساجين درساً وتعذيبهم. ووصفها نافالني في إحدى رسائله كالتالي: "لا يوجد فيها تهوية... السرير الحديدي مثبت على الحائط، كما هي الحال في القطار. في الخامسة صباحاً، يأخذون مرتبتك ووسادتك (وهذا ما يسمى "المعدات الناعمة") ويرفعون سريرك [ويقفلونه لمنعك من الاستلقاء]. وفي الساعة التاسعة مساءً، ينزل السرير مرة أخرى وتعاد المرتبة. وهناك طاولة حديدية، مقعد حديدي، مغسلة، فتحة في الأرض. هناك كاميرتي مراقبة في الحجرة".

وفي حالة نافالني جرت العادة على تشغيل أغان وطنية في "الزنزانة العقابية" وكلمات بوتين حول "العملية العسكرية الخاصة" في أوكرانيا وهو ما اعتبر المعارض الروسي دليلاً على أن تصريحات الرئيس الروسي توازي وسائل تعذيب.

وكان السياسي الروسي نقل في 25 ديسمبر (كانون الأول) إلى معسكر السجون الرقم "3" في بلدة "خارب" (المعروف باسم "الذئب القطبي") في المنطقة القطبية الروسية وهو من أكثر السجون الروسية قساوة وأبعدها عن المناطق الحضرية. ولم يمض على وصوله أكثر من أسبوعين بقليل حتى اقتيد إلى "الزنزانة العقابية" في التاسع من يناير (كانون الثاني) وكانت المرة الـ24 في حينها.

اليوم عندما نسترجع الأحداث، تبدو أنها ذات تسلسل منطقي، ففي سبتمبر (أيلول) الماضي اعتقلت السلطات محاميه الثلاث (وهم ما زالوا قيد الاعتقال) الذين كانوا وسيلته للتواصل مع العالم الخارجي وأنصاره، فقلت المعلومات عنه بصورة كبيرة وكادت تنعدم. وفي ديسمبر، كما ذكرنا أعلاه، نقل إلى معسكر السجون البعيد وهي خطوة تبدو كأنها مقدمة لقتله بعيداً قدر الإمكان عن الأعين.

كان الاعتقاد السائد أن نافالني محكوم بالسجن تحديداً لحين خروج بوتين من السلطة، ولكن الأمل برؤية نافالني حراً، ورئيساً لروسيا، وربما تكرار تجربة مانديلا الجنوب الأفريقية مات واندثر. وكما رأينا ما حدث مع يفغيني بريغوجين، فإننا نفهم أن بوتين لديه حسابات شخصية، وعقد نفسية، ومنظور ملتوي لدور روسيا في العالم. وبطبيعة الحال فهو يميل إلى قرارات قد تعتبرها الغالبية غير منطقية ومتطرفة.

نافالني كان شخصاً شجاعاً، وعاش طبقاً لمبادئه، وفي عالم آخر كان يجب أن يحظى بفرصة عادلة لتطبيق مشروعه السياسي، ولكن الحقيقة الصادمة هي أننا نعيش في زمان ما زال يشهد تصفيات جسدية وعمليات قتل بشعة وحروب إجرامية من غزة إلى أوكرانيا.

ليس هناك شخصية أخرى قادرة على الحلول مكانه، ولا هو النظام الاستبدادي في روسيا يخول أحداً بلعب دور كهذا الآن خصوصاً. سيكون على الروس الانتظار لكي تأخذ الأمور مجراها بنفسها، كما انهار البيت السوفياتي على نفسه، سيأتي الوقت وينهار النظام الذي بناه بوتين وتأخذ العدالة مجراها. وسنرى في كل مدينة روسية شارع وساحة باسم نافالني وجميع المعارضين الذي سقطوا ضحايا للنظام الحالي.

المزيد من تحلیل