Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الوثائقي "نافالني": المعارض الروسي الذي قرر حمل صليبه

يدور الفيلم عن حادثة تسميم السياسي ألكسي نافالني والأحداث التي تلتها

الوثائقي لا يقدم شيئاً جديداً لمتابع الشأن الروسي ولكن أهميته تكمن في وصوله إلى الجمهور العالمي الأوسع (وارنر بروس/ أ ب)

ملخص

يعود بنا الوثائقي #نافالني لحقبة #روسيا ما قبل الحرب على #أوكرانيا التي كانت تبدو – يا للمفارقة - معقولة على رغم قمع المعارضين وسجنهم وتسميم الخصوم ومحاولة قتلهم

تشبه مشاهدة الفيلم الوثائقي "نافالني"، الفائز بجائزة أوسكار في فئة "أفضل وثائقي"، الإبحار في أحداث غابرة، من حقبة صراع داخلي روسي بين سلطة لا تقبل النقد ولا تسمح بالاعتراض، وبين معارضة أو معارضين يبحثون عن الوسائل المتاحة كافة للتعبير فيضربون ويسجنون.

هذا الزمن ولّى إلى غير رجعة اليوم مع إطلاق بوتين حربه الإجرامية ضد أوكرانيا. روسيا اليوم لا مجال فيها لأي اعتراض على السلطات إلا إذا جاء من الصقور أمثال صاحب شركة "فاغنر" العسكرية الخاصة يفغيني بريغوجين أو رئيس جمهورية الشيشان رمضان قديروف.

يدور الوثائقي عن حادثة تسميم المعارض الروسي ألكسي نافالني التي تبدو من تنظيم فرقة قتل متخصصة في وكالة الأمن الفيدرالي (أف أس بي) على رغم نفي السلطات القاطع بذلك.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الوثائقي لا يقدم شيئاً جديداً لمتابع الشأن الروسي ولكن أهميته تكمن في وصوله إلى الجمهور العالمي الأوسع. طبعاً ليس هناك شك في أن ألكسي نافالني هو أشهر معارض روسي وقت تسميمه وحتى اعتقاله بعدها بأشهر عدة ولكن أهمية الوثائقي أيضاً هي في الإضاءة على عمله وحادثة تسميمه وإنقاذه والإنجاز الاستقصائي الرائع في تحديد الفاعلين وعودته لأرض الوطن.

يلقي الفيلم الضوء سريعاً على نشاط نافالني السابق وقدرته الفائقة على جذب الجماهير، خصوصاً الشباب، وفي جميع الأقاليم الروسية وليس فقط في موسكو السهلة نسبياً للعمل السياسي المعارض، إذ تنتشر مكاتبه في طول روسيا وعرضها وربما كان نافالني السياسي الوحيد في روسيا الذي قاد حملته الرئاسية لعام 2018 بهذا الزخم وجال في أنحاء البلاد كافة ترويجاً حتى منعه في النهاية من الترشح.

"كل ما يحتاج إليه الشر لينتصر هو ألا يفعل الأخيار شيئاً"

جولاته اللاحقة على الأقاليم الروسية تحولت إلى هدف تصوير أفلام حول تحقيقاته بالفساد التي كانت منظمته "مؤسسة مكافحة الفساد" تجريها، وأثناء إحدى هذه السفرات في أغسطس (آب) 2020، تعرض لوعكة صحية حادة على متن طائرة التي نفذت إثرها هبوطاً اضطرارياً وكانت هذه إحدى الصدف التي أسهمت في إنقاذ نافالني إضافة إلى حقنه بالأتروبين من قبل مسعفي سيارة الطوارئ التي أقلته في غيبوبة من المطار إلى المستشفى.

الجزء الآخر المهم في الوثائقي هو التحقيق الذي قاده الصحافي الاستقصائي البلغاري في موقع "بيلنغكات" الاستقصائي خريستو غروزيف. ويمكن اعتبار الأخير نجم الفيلم بلا منازع، فلولا جهوده لما عرفنا شيئاً عن فريق القتل الروسي هذا.

بدأ التحقيق بالبحث عن معلومات حول الأشخاص العاملين في مركز أبحاث "سيغنال" الروسي حيث يزعم تركيب "نوفيتشوك"، المادة السامة التي استخدمت ضد نافالني وقبله على أقل تقدير في محاولة قتل العميل الاستخباراتي الروسي السابق سيرغي سكريبال وابنته يوليا في سولسبيري ببريطانيا.

وبعد الوصول إلى أرقام هواتف الاختصاصيين في مركز الأبحاث جرت مطابقة الاتصالات مع الأشخاص الذين كانوا على متن طائرة نافالني نفسها والرحلات التي سبقتها وتلتها في نفس الاتجاهات بيومين، وهنا بدأت تظهر مجموعة من الناس ليتبين بعد مقارنة سجلات الركاب في رحلات نافالني السابقة أنها كانت تلاحقه في معظم رحلاته منذ أعوام.

لمن يتساءل عن كيف تمكن صحافيون عاديون من الحصول على بيانات سواء كانت الاتصالات أو سجلات الركاب أو سجلات الاتصالات، فهي متوافرة بمتوسط سعر 25 دولاراً على الـ"دارك ويب" الروسية حيث يباع كل شيء ممكن بيعه. وهذه الميزة طبعاً ما كانت للتوافر لولا الفساد المستشري في روسيا.

الضربة القاضية في الفيلم، هي اتصال نافالني بأحد أعضاء فريق القتل والتحدث إليه بصفته أحد المسؤولين الرفيعين ليستعلم منه عن تفاصيل فشل العملية وما وجب استنتاجه من التجربة، وعلى رغم أن أول شخصين أو ثلاثة لم يقعوا فريسة هذا التصيد إلا أن الأخير أجاب بإسهاب وفعلياً أثبت حقيقة وجود فريق القتل هذا واستهدافه لنافالني.

لم يكشف الفيلم لمتابعي مسيرة نافالني عن أي جديد، فالأخير والإعلام الروسي المستقل والغربي كانوا نشروا كل هذه التفاصيل  وقت حدوثها. لكن الوثائقي يثبت كم يحتاج الإنسان من الفينة للأخرى إلى أن يعيش مجدداً أحداثاً مضى عليها بعض الوقت ليس فقط ليتذكرها بل ليختبر مجدداً تلك المشاعر المليئة بالغضب أولاً من عملية التسميم الوقحة، ثم بالفرح لشفائه، ثم بالغبطة لكشفه عن الفاعلين بصورهم وأسمائهم.

في نهاية الفيلم نواكب نافالني في عودته لروسيا على رغم الإشارات الكثيرة من السلطات إلى أنه غير مرحب به ويفضل أن يبقى حيث هو. لكنه يقرر العودة فهو كسياسي روسي بكل بساطة لا يمكن أن يناضل من خارجها حتى لو أن نشاطه هذا أوشك على أن يكلفه حياته.

الطائرة التي استقلها ممتلئة بالصحافيين وهو موضع ترحيب معظم المسافرين لدرجة تشعر معها لو أن الطائرة هي عينة من الشعب الروسي لكان من دون شك حصد 70 في المئة من الأصوات. وفي موسكو تجمع الآلاف من مناصريه في المطار بانتظار طائرته التي – يا للمفاجأة – تحول مسارها إلى مطار آخر بعدما خافت السلطات من فقدان السيطرة على الجماهير وبدأت باعتقالهم.

فور دخوله المطار وكما كان متوقعاً اعتقل نافالني وهو منذ ذلك الحين يقبع في السجن أولاً بتهمة خرق شروط الإخلاء المشروط (لم يأتِ إلى مركز الشرطة في الوقت المناسب لأنه كان يعالج من محاولة قتله في ألمانيا – سبب تافه وغير مبرر فعلاً!) ثم توالت التهم الأخرى منها الاحتيال (الادعاء جادل أن الأموال التي جمعها من التبرعات لمؤسسته صرفها على حاجاته الخاصة) وعدم احترام القضاء وغيرها. وهي تهم يبلغ مجموعها حتى اللحظة تسع سنوات حبس.

ينتهي الفيلم بجملة لنافالني ربما يكون مفيداً أن نتذكرها وهي اقتباس ينسب تارة إلى السياسي البريطاني إدموند بروك وتارة للفيلسوف جون ستيوارت ميل، وتقول "كل ما يحتاج إليه الشر لينتصر هو ألا يفعل الأخيار شيئاً".

المزيد من سينما