ملخص
يمثل البطل الأميركي طموحات وأماني أمة ناشئة صاعدة يشكلها المستعمرون
كثر يشاهدون الأفلام، بخاصة الأميركية، بهدف التسلية وتمضية الوقت، والبعض يشاهدها ليرى إبداعات المخرجين والممثلين والفنيين والإضاءة والتكنولوجيا وغيرها من التفاصيل الفنية التي تحيط بالعمل، لكن قليلين من يرون أو يعرفون الهدف الحقيقي لكل فيلم يصنع ولكل دولار يدفع، فصناعة السينما ليست اعتباطية، فلها غايات معروفة وأخرى غير معروفة، ومنها تلك التي توصل رسائل مبطنة يفهمها العقل اللا واعي عند الإنسان ويتحدث بها في المجتمع بشكل أوتوماتيكي وكأنها أمر مسلم به، ومن أهمها فكرة البطل الأميركي الأوحد التي صبغت السينما في هوليوود بهذه السمة، واحتلت، بصورتها المجازية، الجزء الأكبر من وعي المشاهد بأن أميركا كدولة وكوطن هي بحد ذاتها البطل الأوحد المخلص للعالم. فهل تغيرت النظرة لهذا البطل بين الماضي والواقع الراهن؟ وهل ما زلنا نصدق فكرة البطل الذي لا يقهر؟
البطل الأسطوري
يعرف قاموس "ويبستر" مفهوم البطل بأنه "شخص أسطوري خرافي، يتمتع بقوى أو قدرات خارقة، وهو مقاتل لا يقهر ويتحلى بخصال نبيلة وشجاعة نادرة"، ويعود هذا التعريف إلى معنى البطل في الأساطير التاريخية إذ منها نشأ مفهوم البطل للمرة الأولى، فمفردة البطل "هيرو" بمعناها اللغوي الإغريقي في أصله، هو الخالد بأعماله وإنجازاته وهو نصف إله. ويتحدث الدكتور صديق جوهر في دراسة له عن البطل في التراث الأميركي فيقول "يوجد لكل أمة وثقافة شعبية بطل يعبر عنها مثل جلجامش في بلاد سومر، والأبطال الإغريقيون والرومانيون كأسطورة الملك آرثر وفرسان المائدة المستديرة وغيرهم كثر، إذ تمثل الشخصيات البطولية في تلك الأساطير خصالاً وسجايا شعبية تمنح المعنى والقيمة والشكل والمضمون لهذه الثقافات".
وفي هذا السياق، يستعرض جوزيف كامبل وظيفة البطل الأسطوري في الأساطير التراثية من خلال كتابه "البطل بألف وجه" فيقول "في حياة مجتمع ما ومن قلب ما هو عادي ومألوف ويومي، يبرز، على حين بغتة، البطل المغامر الذي يستحيل على يديه العادي والمألوف واليومي إلى أعاجيب خارقة للعادة، فهو وحده الذي يواجه القوى الخارقة، وهو وحده الذي يحرز الانتصار عليها ويدحرها، وعندما يرجع البطل من مغامرته الخفية يكون امتلك القدرة على منح قومه الهبات والعطايا ذات اليمين وذات الشمال".
ميزة بطل الغرب الأميركي
ويقول الدكتور صدقي في وصف البطل الأميركي "على رغم وجود مشابهات عامة بين سائر أبطال الأساطير باعتبارهم يمثلون ويجسدون أنماط السلوك البشري، كما يميل البشر إلى تصورها وفق ما يشتهون تحققها، فإن بطل الغرب الأميركي يختلف عن أقرانه من أبطال الثقافات الأخرى من جهة ارتباطه نوعياً بأميركا كونها أمة استكشاف وارتياد"، ويتابع "ولأن البطل الأميركي يمثل طموحات وأماني أمة ناشئة صاعدة يشكلها المستعمرون الأميركيون، فإنه يتبدى لنا في روايات وأفلام الاستكشاف الغربي على أكثر من وجه وصورة، فهو، تارة أولى أحد الرواد المستكشفين، وثانية أحد المزارعين الفلاحين، وثالثة الكاوبوي راعي البقر، ورابعة أحد المقامرين، كما قد يكون ممن يستخدمون البنادق والمسدسات لحسم الصراع، أو يكون من رجال القانون أو من الخارجين عن القانون، وباعتباره بطلاً شعبياً أو أسطورياً فإنه يتسم بخصال وسجايا بعينها، فهو جريء وشهم وصاحب مشاعر رقيقة فياضة، كما أنه قاهر البراري القاحلة والخصم القادر على هزيمة الهمجيين والأشرار، وهو مغيث الفقراء ومعيل الضعفاء والمحتاجين، إنه الفارس الذي لا يهبط عن صهوة جواده بحثاً عن مغامرات وبطولات جديدة، وهو الإنسان القادر على كبح جماح انفعالاته وعواطفه فلا يفقد توازنه مهما اضطربت الأمور من حوله، وعلى رغم أنه من حملة السلاح فإنه لا يود قتل أحد إلا مضطراً".
أهداف السينما الأميركية
إن مفهوم البطل الشعبي والأسطوري انتقل من مرويات وجدت على ألواح فخارية أو طينية أو "ورق بردى" منذ آلاف السنوات، أو تلك التي انتقلت شفهياً من جيل لجيل ومن ثقافة إلى أخرى، إلى أن وصلت لتعرض عبر فن المسرح مثل "الأوديسا" و"الإلياذة" ومنها إلى السينما، التي تعتبر حاملة مهمة لموروث الشعوب ومساهمة في صناعة المستقبل عبر التركيز وعرض ما تريد أن توصله للرأي العام بطرق ذكية واضحة ومباشرة تارة، ومؤطرة وغير مباشرة تارة أخرى.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
فكل ما ذكر سابقاً عن البطل الأميركي عززته السينما الأميركية في نفوس أبنائها تحديداً والعالم عامة، فزرعت في ذاكرة كل شخص، شاهد أفلامهم، قصة البطل الأميركي الخارق، وعن هذه الصناعة قال المفكر السعودي الراحل علي الهويريني في أحد اللقاءات، وهو خريج جامعة "كولومبيا" في السينما "كان لدينا آخر كورس في الجامعة، عام 1985، اسمه أهداف السينما الأميركية، وهو ما تركز عليه هوليوود وتصنعه ولا تستطيع أن تشذ عنه. الأمن والمال والموروث والمرجعية. فهناك توجيهات وأبعاد ثقافية وأهداف مرسومة لكل عمل".
وعليه تستمر هوليوود في تسويق فكرة البطل، بحسب الفكرة التي تخدم الوضع الحالي أو المستقبلي للمجتمع الأميركي أو للعالم أجمع من وجهة نظرها.
بين الواقع والصورة المتخيلة
ولكن صورة البطل صاحب القيم والأخلاق لم تكن دائماً هي المقدمة، وهناك صورة أخرى للبطل سماها بعض الكتاب المتخصصين في السينما البطل "البلطجي" الذي يأخذ حقه بيده بعيداً من القانون أو بعد أن يخذله القضاء، وهو برأيهم ما تفعله أميركا على أرض الواقع الدولي، إذ إن بعض الأفلام جعل من اللجوء إلى القانون استثناءً ومن الانتقام الشخصي قاعدة، وهو ما يوجه المتلقي للعمل الفردي أو الجماعي بعيداً من سلطة القانون.
واليوم، بحسب المنتج والمخرج الروسي نيكيتا ميخالكوف "يجب أن يتضمن الفيلم الأميركي واحداً من مثليي الجنس، وآخر ملون البشرة، وبرز الأسود بطلاً من أجل زيادة الإقبال والبيع في شباك التذاكر، فنسبة السود في أميركا تبلغ 12 في المئة، وهي كتلة سكانية تدفع الصناع إلى مراعاتها ومغازلتها، مع أن بطولته مخالفة للتاريخ والواقع، الذي يعاني العنصرية".
ولكن على رغم هذا، فما زال الناس يتفاعلون مع فكرة البطل، فهي الصورة التي يتخيلها كل شخص عن نفسه ويتمناها، فعندما يشاهدها يتماهى معها، إذ إن صناعة الكارتون المخصصة للأطفال تابعها البالغون لما لقصة البطل من وجود أساسي وواضح فيها، فبعض أبطالهم تكون لديهم قدرات غير حقيقية أو منطقية، لكنها توجه في بعض الأحيان إلى البطل الموجود داخل كل إنسان على وجه الكرة الأرضية، مغذين بذلك فكرة أن كل إنسان هو بطل في مكان وزمان ما، وما لاعبو كرة القدم مثل ليونيل ميسي ورونالدو إلا أمثلة بسيطة على المقصد.