ملخص
بعض العلماء الأشرار تسببوا للبشرية بويلات أهمها الأسلحة الفتاكة التي حولت حروب القرن الـ20 إلى مجازر
حقق العلم للإنسان منجزات عظيمة، واستطاع في قرون قليلة أن ينجز ما عجزت عنه البشرية خلال آلاف السنين، لكن بعض العلماء الأشرار تسببوا للإنسانية بويلات كثيرة، أهمها الأسلحة الفتاكة التي حولت حروب القرن الـ20 إلى مجازر تاريخية لم يشهد لها التاريخ مثالاً، فشخصية العالم الشرير كانت معلومة ومتداولة منذ الحضارات الغارقة في القدم من خلال شخصية الساحر أو مشعوذ القبيلة، ومع التقدم البشري تطورت العلوم النظرية، وعبرت شخصية "الخيميائي"، وهي من شخصيات الفلسفية الإغريقية الطبيعية، عن بعض هواجس الناس ومخاوفهم من سوء سلوك بعض العلماء.
تجاهل
لذلك تجاهل الإنسان القديم دور العلم المبني على فلسفة شخصية في الحياة طويلاً، إلى أن بدأ الأدب العالمي في التركيز على شخصية العالم الشرير مجدداً في القرن الـ18 الميلادي، مما استدعى طرحها ومناقشتها إعلامياً وأدبياً والتعبير عن بعض مكنوناتها العميقة من خلال الفن والدراما المحلية، وصولاً إلى شاشة التلفاز، ومن ثم ظهورها الطاغي في السينما العالمية، إذ دخلت هذه الشخصية الجدلية المشتقة من الفلسفة الإغريقية في أطوار غريبة مركبة، بل إنها تسللت إلى السينما والدراما في كثير من الأحيان من خلال دور الأستاذ الجامعي المجنون أو العالم الشرير المحض الذي ظهر في بعض أفلام الرعب.
الظهور الأول
وظهرت شخصية العالم الشرير للمرة الأولى في الأدب الإنجليزي في القرن الـ17، من خلال حكايات بعنوان "رحلات غوليفر" للكاتب جوناثان سويفت، على شكل عالم متبلد، أي إنه عديم المشاعر وبارد الأعصاب، وسرعان ما تطورت الشخصية من خلال السينما العالمية، لتؤخذ صورتها النمطية، إذ أصبحت شخصية الرجل ذي الشعر الأشعث والسلوك الهمجي في زي المختبر أيقونة سينمائية، لكن حكاية العالم الشرير أو الأستاذ المجنون أقدم من ذلك بكثير، وتعود إلى التاريخ الفعلي في الحضارة اليونانية، إذ تمتع أرخميدس ببعض صفات العالم المجنون، وكذلك سقراط، وفق صديقه المقرب المؤلف المسرحي أريستوفان الذي صوره وهو يلعب بأدوات غريبة ويعمل تجارب لتحديد صفة الغيوم.
جنون بريء
ودارت هذه الحكايات في بداياتها حول فكرة العبقرية التي تقود للجنون، وهو جنون بريء، لكنه يحمل نوايا خبيثة، إذ أكد الأدب قديماً وحتى عصر الحضارة الإسلامية أن العالم يحاول التهرب من اللوم الناتج من تجاربه الجنونية دائماً، وظلت الحال على ذلك حتى الحربين العالميتين (1945) بعد اكتشاف القنبلة الذرية والطائرات لأغراض عسكرية، مما سبب رعباً حقيقياً للبشرية، وتأكدت مخاوف كثير من الناس في إمكانية أن يتمكن شخص واحد من إبادة البشرية كلها عبر تجاربه المقززة.
تيسلا وإديسون
قدم نيكولا تيسلا، الذي عمل في كنف توماس إديسون، للبشرية اختراعاته المذهلة حول تردد التيار الكهربائي وفي مجالات عديدة، وتكمن أهميته في أنه جسد شخصية العالم الذي يقود البشرية نحو الرفاهية، ومع ذلك اتهم تيسلا بالجنون، بل إن بعض الروايات تؤكد أنه كان على وشك أن يقدم للبشرية جيلاً جديداً من الأسلحة الفتاكة عبر تقنية "شعاع الموت"، وهو سلاح طاقة موجه، فيما أكد آخرون أن بعض العلماء، ومنهم تيسلا، تعرضوا للتشويه المتعمد من قبل خصوم ومنافسين، فدمغوا بالجنون للتخلص منهم، ومع ذلك راقبت البشرية العلماء منذ القدم، خصوصاً أولئك الذين ينطوون على أنفسهم، ويقومون بتجارب مرعبة، وكان من أشهرهم شخصية "فرانكنشتاين" و"الدكتور مورو" في القرن الـ19، وكان الأخير يشرح الكائنات وهي على قيد الحياة، بعد أن عزل نفسه عن الحضارة كلياً في جزيرة نائية سميت باسمه ضمن العمل السينمائي المعروف باسم "جزيرة الدكتور مورو".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أبعاد جديدة
ومع الوقت، وبعد نجاح هذه الشخصية سينمائياً بشكل منقطع النظير، بدأت مرحلة جديدة من حياة هذه الشخصية، وهي مرحلة البحث في أبعادها، وسبر أغوارها، لكشف مزيد من مكنوناتها ودوافعها، فوجد أدباء في العصر الحديث أن هذه الشخصية هي في الواقع شخصية مركبة ومعقدة للغاية، فصورة العالم المتبلد المشاعر ومن ثم الودود الذي يصاب بالجنون نتيجة عبقريته، كانت جزءاً صغيراً وبسيطاً من هذه الشخصية، لذلك سرعان ما تلاشت الصورتان نهائياً، وأخذت شخصية العالم الشرير الذي يخوض التجارب من أجل مجده الشخصي بالتجذر في السينما والأدب.
سلطة المال
وظلت الحال كذلك حتى ظهور رؤوس المال وبداية عصر الشركات، إذ ظهرت شخصية "ليكس لوثر"، وهو عدو "سوبرمان" اللدود الذي لعب، في الثلاثينيات، دور العالم المجنون، لكن شخصيته عدلت عام 1986 ليصبح رئيس شركة عملاقة، فالمال هو المحرك الجديد لهذه الشخصية، إذ لا يتردد بعض أصحاب الشركات الأشرار في توظيف العالم المجنون مقابل مبالغ مالية (رواتب) طائلة، لأنهم يسعون للربح المالي بغض النظر عمن يتضرر من الناس.
الذكاء الاصطناعي
لم يتناقض دور العلم مع تطور الحياة على رغم كل هذه الانطباعات التعيسة عن شخصية العالم المجنون، واستمر العلم في زمننا في ترك انطباع حميد في النفوس والعقول، حتى في ذروة تذمر الإنسان من بعض منتجاته، والتي كان آخرها برامج غزو الفضاء وتطبيقات الذكاء الاصطناعي، إذ جسد الممثل مايك مايرز، في آخر أجزاء عمله الشهير "أوستن باورز" دور عالم فضاء عبر شخصية "دكتور إيفل" ذائعة الصيت. يذكر أن جدالاً دار أخيراً حول دور الذكاء الاصطناعي في حياة الإنسان الحديث، الذي قرر فجأة إبطاء هذا الذكاء وتحجيم قدراته المتنامية بشكل مخيف.
أخيراً نالت شخصية العالم الشرير في العالم العربي قسطاً وافراً من النقد من خلال السينما المصرية والدراما المحلية التي أنتجت في معظم البلدان العربية، غير أنها وصلت إلينا من خلال فكرة التعليم، فالطالب الفقير الذي يبيع والده أرضه لكي يعلمه ويحقق طموحه سرعان ما يتنكر لأبيه وعائلته وكل من لهم فضل عليه وينهمك في ملاحقة مجده الشخصي.