Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما الذي يدفع مثقفين أميركيين لتصديق ظاهرة الأطباق الطائرة؟

ثمة أسماء علمية مرموقة تناقش أسئلة جدية تدور في دواخل هارفرد والكونغرس تتعلق بالحياة على المريخ والكائنات الفضائية وعدم فرادة البشر في الكون

اكتسب الاعتقاد بظاهرة الأجسام الطائرة المجهولة عدداً يثير الدهشة من المصدقين بها بما في ذلك محرري أعمدة رئيسة في الصحف (أ ف ب/ غيتي/ آي ستوك)

ملخص

تكاد ظاهرة مشاهدة الأطباق الطائرة المجهولة أن تكون أميركية بصورة حصرية وتصدقها بعض النخب الأميركية على رغم افتقادها إلى أدلة علمية متينة

في ساعات الصباح الأولى لأحد أيام شهر أغسطس (آب)، واجه الضابط فال جونسون من مكتب رئيس الشرطة أثناء قيامه بمهمة ليلية على الطريق العام بولاية مينيسوتا الأميركية موقفاً غير عادي: كرة تلتمع بضوء أبيض، يبلغ قطرها نحو 31 سنتيمتراً (قدماً واحدة)، تحوم على ارتفاع بضعة أقدام فوق سطح الأرض. جونسون قاد سيارته نحو ذلك الجسم، لكن بعد تلك النقطة، أصبحت ذاكرته للأحداث ضبابية.

بعد نصف ساعة، استيقظ جونسون ليجد نفسه في حفرة. ظهرت علامة حول عينية فيما كان زجاج سيارته الأمامي محطماً وآثار صدمات على غطاء محركها. أبعد من ذلك، تبين أن ساعته وتلك المثبتة في السيارة، قد تأخرتا 14 دقيقة.

تلا تلك الحادثة تداعيات جعلت جونسون من المشاهير المحليين إلى حد ما، واحتفظ متحف المدينة بسيارته، وبقيت تلك الحادثة التي وقعت قبل ما يزيد على 40 سنة، إحدى الوقائع الأشهر تاريخياً المتصلة بما يسمى "اللقاءات مع أجسام طائرة مجهولة" "يوفو" UFO، لكن لم يعتقد جونسون نفسه أن ما شاهده يشكل شيئاً "فضائياً"، بل مجرد حدث غير مفسر. وقد اكتفى بذلك الوصف.

ومن المثير للاهتمام أن الإيمان بالأجسام الطائرة المجهولة، الذي كان مرتبطاً في السابق بصورة رئيسة بالأشخاص غريبي الأطوار والمؤمنين بنظرية المؤامرة، قد استحوذ في الآونة الأخيرة على الاهتمام من مصادر غير متوقعة. وكما أبرزت مجلة "نيويورك"، "يبدو أن المثقفين والشخصيات ذات السمعة الطيبة والمهنيين في المؤسسات المرموقة مثل ’هارفرد’، و’نيويوركر’، و’نيويورك تايمز’، وحتى داخل البنتاغون، يميلون بصورة متزايدة نحو فكرة أن المركبات الفضائية ربما تكون قد زارت الأرض"، ولكن ما الذي يدفع هذا التحول في المنظور؟

تتمثل إحدى الإجابات في نيل ذلك الاعتقاد غطاءً من الشرعية من قبل أولئك الممسكين بالسلطة على غرار القرار بعقد جلسات استماع عن ذلك الأمر في الكونغرس الأميركي خلال صيف عام 2023. إضافة إلى ذلك، فإن إطلاق وزارة الدفاع الأميركية لموقع على شبكة الإنترنت في أغسطس (آب) الماضي، والذي يعمل بمثابة مستودع للمعلومات التي رفعت عنها السرية حول الـ"يووابس" UAPs، التسمية المختصرة لعبارة "الظواهر الجوية المجهولة" Unidentified Aerial Phenomena (مع إسباغ تسمية مغرية عليه هي "مكتب التدقيق بالظواهر غير الطبيعية في المجالات كلها" All-domain Anomaly Resolution Office).

ويصعب إغفال حقيقة أن آفي لويب، أحد علماء الفلك المرموقين في جامعة هارفرد، ألف كتاب "كائن فضائي، العلامة الأولى للحياة الذكية خارج الأرض"، والذي تضمن نظريته المثيرة للجدل التي تشير إلى أن التكنولوجيا الفضائية المتقدمة من كوكب بعيد زارت نظامنا الشمسي أخيراً. مع تعمق الأكاديميين المعروفين مثل لوب في هذه المواضيع، هناك شعور متزايد بأنه إذا كان السياسيون والشخصيات المؤثرة يأخذون أبحاث الأجسام الطائرة المجهولة على محمل الجد، فربما ينبغي على الجمهور أيضاً أن يفعل ذلك.

علاوة على ذلك، فإن الدفع من جانب الحزبين الجمهوري والديمقراطي لعقد جلسات استماع في الكونغرس حول هذه المسألة، تحت ستار "المخاوف المتعلقة بالأمن القومي"، يضيف إلى تصور الشرعية المحيطة بتحقيقات الأجسام الطائرة المجهولة.

 

ووفق زعم أولئك السياسيين، فإن أي ظاهرة جوية مجهولة يمكن أن تنتمي إلى خصم أجنبي، مما يشير إلى التركيز ليس فقط على الفكرة النمطية لـ"الرجال الخضر الصغار" [إشارة إلى تسمية شائعة لما ساد الظن ذات مرة بأنهم من يسكنون المريخ]، ولكن أيضاً على مخاوف تتصل مثلاً بمنطاد التجسس الصيني أو التقنيات الأكثر تقدماً. وبحسب روبرت غارسيا، النائب الديمقراطي الذي يترأس تلك اللجنة، "يجب إثارة أسئلة فعلية عن الظواهر غير الطبيعية، أقله تحت تأثير كل ذلك العدد من التقارير والإنذارات والقصص".

على رغم ذلك، وأثناء جلسات الاستماع، أدلى ضابط سابق في استخبارات سلاح الطيران الأميركي يسمى ديفيد غروش، بشهادة جاء فيها أن بلاده تخفي برنامجاً فائق السرية من أجل العثور على الأجسام الطائرة وتصنيع نسخ عنها عبر تقنية الهندسة العكسية reverse engineering [يبدأ التصنيع عادة بتصميم آلة ما ثم تركيبها. في الهندسة العكسية، يجري الأمر بصورة مقلوبة بمعنى البدء من آلة موجودة بالفعل وصنع مخطط عنها أثناء تفكيكها]. غروش ادعى وجود مركبات غريبة سليمة ومواد بيولوجية غير بشرية. وعلى رغم نفي البنتاغون لهذه الادعاءات واعتراف غروش بأنه سمع عن البرنامج من مصدر آخر، فإن هذه الادعاءات تركت انطباعاً دائماً.

ولم يخفت إيقاع ذلك المسار، ولم ينقلب اتجاهه أيضاً، حتى مع ظهور تقرير في عام 2021 وضعه مدير الاستخبارات الوطنية الأميركية ووزير الدفاع، والذي ورد فيه أنه لا يوجد أي دليل على حدوث نشاطات طيران كوني في سماء الولايات المتحدة. وقد جاء ذلك التقرير عقب ظهور عدد من الفيديوهات التقطها طيارو الأسطول الأميركي ويشاهد فيها عدد من الأجسام المجهولة تطير بسرعات فائقة عبر السماء، وظهر أحدها بصورة كروية، وبدا كأنه يختفي عبر الغطس في مياه المحيط قرب شاطئ مدينة سان دييغو، بعد تحليقه في الهواء لبضع دقائق. وبصورة مفهومة، أدت تلك الأمور كلها إلى إشعال الخيال العام، وصبت لمصلحة مصدقي ظاهرة "الأجسام الطائرة المجهولة"، وكذلك من يؤمنون أن الحكومة تخفي أمراً ما [عن الشعب].

 

وخلال الشهر الماضي، بعد انقضاء وقت قصير على استقالته من منصبه كمدير أول لـ"مكتب التدقيق بالظواهر غير الطبيعية في المجالات كلها"، زعم شون كيرباتريك أن اللوم في شأن تثبيت تلك الخرافات، يجب أن يلقى على مؤيدي نظرية المؤامرة ممن يعملون لدى الحكومة. ومعرباً عن قلقه من استسلام المشرعين لهذه المؤامرات، أشار كيرباتريك أيضاً إلى أن التقرير الأولي للمكتب، المقرر إصداره في وقت لاحق من هذا العام، سيؤكد عدم وجود أدلة ملموسة تدعم وجود حياة غريبة أو أي تستر حكومي.

في ذلك الصدد، يعتبر مايك ويست أحد أشهر الأميركيين فالذين يقومون بزعزعة المزاعم ذات الطابع العلمي الزائف، وكذلك الحال بالنسبة إلى نظريات المؤامرة. ويست الذي ولد في برادفورد بإنجلترا، لا يزال يحتفظ بلكنتها على رغم إقامته 25 سنة في كاليفورنيا. وعقب تقاعده من شركة لصنع ألعاب الكمبيوتر شارك بنفسه في تأسيسها، بات يعمل محققاً متفرغاً للتشكيك والتدقيق بتلك الأنواع من المزاعم. ووفق ويست، "لقد أورد كيرباتريك أن مجموعة صغيرة من الأشخاص أقنعوا أنفسهم [بوجود الأجسام الطائرة المجهولة] ثم باتت تلك الأفكار تتداول بينهم في دائرة مقفلة. وصار كل منهم يخبر الآخر القصص نفسها ويعيدون إقناع بعضهم بعضاً بوجود شيء ما يريبهم، لكن حينما تدقق في الأمر، لا تعثر على أي دليل فعلي".

كذلك يرى ويست أنه إذا نظرت إلى "الأدلة" التي يقدمها المتحمسون للأجسام الطائرة، فإنها تفتقر إلى الإقناع. ووفق رأيه، إنها "أشياء غير واضحة وضبابية"، ولجميعها "بصورة عامة تفسيرات منطقية. ويشير إلى انتشار "مقاطع الفيديو منخفضة الجودة" التي تسهم في هذا الاتجاه، ويعزو ذلك جزئياً إلى القيمة الترفيهية التي توفرها للكتاب والقراء على حد سواء.

 

ومن المثير للاهتمام أيضاً أن هذه الظاهرة تبدو أميركية في الغالب، حيث تشهد الولايات المتحدة مشاهدات لكائنات فضائية أكثر من أية دولة أخرى، في حين تسجل الولايات المتحدة ما يقارب 8400 مشاهدة للأجسام الطائرة المجهولة سنوياً، نرى أن هذا الرقم ينخفض إلى نحو 1000 مشاهدة في كندا المجاورة، التي تحل في المرتبة الثانية بعدد المشاهدات. ويعتقد ويست بوجود سببين لذلك، ويوضح أن "أميركا لديها مجال جوي أكثر كثافة بكثير مقارنة بكندا. علاوة على ذلك، هناك عوامل ثقافية يجب أخذها في الاعتبار. فأحداث مثل روزويل تستحوذ على خيال الجمهور".

وللتذكير، ففي عام 1947، أدى ما لاح كأنه حادثة تحطم لمنطاد تابع لسلاح الجو الأميركي قرب بلدة روزويل بولاية نيومكسيكو، إلى إشعال فتيل لغز ما فتئ آسراً. كان المنطاد جزءاً من برنامج سري مصمم للتنصت على موجات الصوت الصادرة من التجارب النووية السوفياتية. وآنذاك، ذهب مزارع إلى رئيس مكتب الشرطة المحلية كي يخبره أنه عثر على "طبق طائر" ضمن مزرعته. وتحرك ضابط مسؤول عن الاستعلامات في الجيش، بدفع من حماسة فائضة، فأذاع ذلك الأمر في بيان إخباري. وعلى رغم أن الجيش قدم بسرعة تفسيراً أكثر واقعية عبر ربط حادثة التحطم بمنطاد عادي للأرصاد الجوية، فإن حادثة روزويل استحوذت بالفعل على اهتمام الرأي العام وتطورت إلى ظاهرة ثقافية.

ووفق ويست، "في ذلك الوقت، انبنى الأمر على المخاوف من غزو سوفياتي محتمل لبلادنا، لذا عمد كثر إلى مراقبة السماء باستمرار".

في ذلك الوقت، انبنى الأمر على المخاوف من غزو سوفياتي محتمل لبلادنا، لذا عمد كثر إلى مراقبة السماء باستمرار

 مايك ويست، في حديث عن حادثة روزويل 

 

وبالنسبة إلى جلسات الاستماع في الكونغرس، يذهب ويست إلى أن " هنالك مجموعة صغيرة في الكونغرس يشيرون إلى أنفسهم باسم 'تكتل يوفو' ويعتقدون بالفعل بأن ثمة شيئاً ما يتعلق بذلك. في المقابل، إن غالبية من هم هناك [في الكونغرس] يفكرون بأن لديهم أشياء في الجغرافيا السياسية تستحق أن يقلقوا أكثر في شأنها".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في إطار مشابه، يورد باري ماركوفسكي، عالم اجتماع في جامعة كارولينا الجنوبية المتخصص في المعتقدات المشتركة والمفاهيم المغلوطة، أن الاهتمام بالـ"يو فو" حدث في دورات متعاقبة، إذ تزامن الارتفاع بالمشاهدات مع جلسات الاستماع في الكونغرس. وفي الماضي، تزامن ارتفاع مشابه مع إطلاق أفلام كـ"لقاء قريب مع نوع ثالث" [من إخراج ستيفن سبيلبيرغ، ويتحدث عن وصول متكرر إلى الأرض لمركبات فضائية آتية من حضارات كونية]. وفيما يتعلق بالمشاهدات بحد ذاتها، يرى ماركوفسكي أنها تتأثر بمجموعة من العوامل تمتد من التاريخ والثقافة، إلى الكيفية التي يعمل فيها البصر لدى البشر وطريقة تفسير الناس لما يرونه في السماء.

استطراداً، خلال العام الماضي، أطلقت شركة تقنية ناشئة تسمى "إنيغما لابس" تطبيقاً رقمياً للإبلاغ عن مشاهدات "الأجسام الطائرة المجهولة" ووضعته بين أيدي الجمهور. وبحسب كريستين كيم التي تعمل في تلك الشركة، فإن واحداً من كل أربعة أشخاص ربما يبلغ عن مشاهدة ما خلال حياته. ومنذ إطلاق ذلك التطبيق الرقمي، سجل مستخدموه 13 ألف مشاهدة. وترى كريستين أن ذلك يشكل "تبادلات متنامية. ثمة أشياء مألوفة وشائعة ومعروفة تشمل الأقمار الاصطناعية لشبكة ستارلينك ومجاميع الطير المحلقة بطرق معينة. في المقابل، هنالك مشاهدات تعتبر غير مفسرة بالفعل لكننا لا نملك إجابات عنها".

 

استكمالاً، تفيد زميلتها كلير هيكس بأن الشيء المثير للاهتمام في الشيء المجهول يتمثل في كونه مجهولاً. ووفق كلماتها "أنا محايدة في شأن المصدر [لتلك المشاهدات]. لا شيء مستبعداً، ولا شيء موجوداً على طاولة البحث".

واستطراداً، وقبل وقت قريب، أعلن أحد علماء وكالة "ناسا" ممن يدرسون الكواكب السيارة القابلة لأن تكون مأهولة، أننا في بداية حقبة ذهبية الآن و"للمرة الأولى في تاريخ الحضارة، قد نستطيع الإجابة عن السؤال في شأن وجود حياة خارج الأرض". في المقابل، يورد ماركوفسكي أن الجمهور العام ليس لديه سوى فكرة محدودة عن الشروط التي يجدر استيفاؤها كي يتمكن كائن فضائي يقطن مكاناً يبعد عنا سنوات ضوئية، من الوصول إلينا مباشرة، بدلاً من أن يتصل بنا عبر موجات الراديو التي من شأنها أن تصل إلينا بسرعة أكبر بكثير. ثمة فارق شاسع بين فرص العثور احتمالاً على كائن حي قوامه خلية وحيدة تطفو في خليط مواد أولية، وبين صور متقدمة للحياة تمتلك القدرة على زيارة أرضنا.

في المقابل، يشير ماركوفسكي إلى ذلك كله لن يمنع الناس عن الاعتقاد [بوجود حضارة فضائية]، خصوصاً في ظل الأزمنة المضطربة التي تعيشها الكرة الأرضية. وبحسب رأيه "لدينا توق إلى التجاوز، للوصول إلى ما هو أبعد من الإنسانية. وكذلك، ثمة أسباب أبسط من ذلك أيضاً على غرار شيوع الإحساس بعدم الارتياح والتوتر حينما يواجهك شيء ما لا تفهمه".

وبقدر ما يستمر الكون في الاحتفاظ بالأسرار، ستبقى مخيلاتنا تعمل على ملء كل ذلك الفراغ.

© The Independent

المزيد من علوم