Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

القاعدة الأولى في محاربة نظرية المؤامرة هي ألا نسميها كذلك

التردد حيال تلقي اللقاح وعدم الثقة بالسلطات مشكلة مستشرية، لكن شكوك عامة الشعب لا تُعالج عبر وصمها بالغباء أو فقدان المنطق

اجتياح مبنى الكابيتول جرى تحت تأثير الاعتقاد بـ "سرقة الانتخابات" (أ ب)

يعتقد كثيرون في نظرية "قابلة للتصديق" مفادها أن أميرة ويلز ديانا قد قضت قتلاً، بدلاً من قبول فكرة أن وفاتها جاءت جراء حادثة سير، بحسب دراسة جديدة لشركة "إيبسوس موري" للاستطلاعات Ipsos MORI، إذ يوافق أربعون في المئة من المستطلعين على فكرة أن وفاتها "لم تكن جراء حادثة سير" باعتبارها فرضية ممكنة، فيما يختلف 27 في المئة مع تلك النظرية، ويذكر الباقون (نحو 30 في المئة) أنهم لا يعرفون أو أن لا رأي لديهم في هذه المسألة.

كذلك رصدت الدراسة مستويات مختلفة من الآراء التي تتفق مع نظرية المؤامرة. وقد خلصت غالبية الأمثلة الأحد عشر التي استند إليها استطلاع "إيبسوس موري" إلى أن أكثرية من المستطلعين مالت أكثر إلى الاعتراض على القول بأن تلك النظرية ممكنة، بالمقارنة مع من وافقوا عليها. وفي المقابل، بدت فكرة أن أبراج شبكة الهاتف الخليوي من "الجيل الخامس للخليوي" مسؤولة عن انتشار فيروس كورونا، مقبولة بنسبة اثنين في المئة بين الراشدين في بريطانيا. كذلك وافق أربعة في المئة من العينة المستطلعة على الاعتقاد بأن لقاحات كورونا مجرد غطاء لمسألة زرع رقائق إلكترونية [في جسم الإنسان].

وفي سياق موازٍ، رفضت شريحة واسعة من المستطلعين قبول النظريات القائلة بأن الاحتباس الحراري ليس سببه النشاطات البشرية، وحوادث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) كانت عملية هدم ممنهجة [لبرجي مبنيي التجارة العالميين]، ونتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية جرى تزويرها. لكن، اعتبرت تلك النظريات "ممكنة" فعلاً من قبل أقلية يعتد بها من المستطلعين بلغت بين 14 و14 و18 في المئة للنظريات الثلاث الآنفة الذكر [على التوالي].

واستطراداً، إن نظريات المؤامرة مهمة، لأنه يمكن أن تحمل في طياتها شيئاً من الخطورة. ربما ليس مهماً إذا اعتقد الناس أن ديانا قد قُتِلت، لكن نظريات مؤامرة أخرى قد تكون لها تبعات [خطيرة]. لقد أحرق الناس عواميد الإرسال الخاصة بتقنية الهواتف من "الجيل الخامس للخليوي". وفي الولايات المتحدة الأميركية، أدى الادعاء بأن الانتخابات قد سُرِقَتْ إلى اقتحام مبنى الكونغرس في الكابيتول بواشنطن حيث قضى خمسة أشخاص.

على نحوٍ مماثِل، ثمة أمر يتطوّر كثيراً في هذه الأيام، هو تلك الشكوك حول اللقاحات التي تتأرجح بين البارانويا [خوف نفسي مرضي يتصل بتوهم الاضطهاد] الواضحة، والخلافات المعقولة حول مخاطر الأدوية عموماً.

لذا، عملت مؤسسة "إيبسوس موري" للاستطلاعات على عقد مؤتمر صحافي لإطلاق دراستها ومناقشة الدروس المستقاة منها حول كيفية التعامل مع نظرية المؤامرة. يتمثل الدرس الأول الذي تفيد الدراسة بضرورة تعلمه، في عدم إطلاق وصف نظرية المؤامرة على تلك الفرضيات، لأن من شأن ذلك أن يلصق بمن يؤمن بها [الفرضيات] تهمة الغباء أو أنه لا يتحلى بالمنطق. وكذلك خلص البحث إلى أن كثيراً من هذه النظريات تتعلق بالغضب، ومن يؤمن بها يتحدرون من الطبقة الدنيا ذات الدخل المحدود، والذين تلقوا تعليماً محدوداً. يضاف إلى ذلك، وجود شك قد يكون مبرّراً تاريخياً في أوساط بعض الأقليات يتعلق بالحكومة وطبقة النخبة ووسائل الإعلام.

بالنسبة إلى كثيرين، تقدم نظرية المؤامرة تفسيرات وشعوراً بالسيطرة عبر تفهّم أمور عالم يبدو عدوانياً. في المقابل، ثمة طيف متدرج ومتصل يمتد من جماعة "كيو أنون" QAnon من جهة، وصولاً إلى الشكوك بأن رئيس الوزراء (بوريس جونسون) ربما لا يشاركنا مثلاً كل ما يعرفه عن ترتيبات الاحتفال بعيد الميلاد العام الماضي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

طبعا، إن كثيراً من المواقف السياسية مبنية على أساس نظريات المؤامرة التي تختلف بين نوع وآخر. ففي هذا الأسبوع وحده، اتهم نواب من حزب العمال الحكومة (من جديد) أنها تريد "خصخصة خدمات الصحة الوطنية" NHS. إن هذا اتهام غير دقيق، ولو للحظة. إذ يعرف حزب المحافظين مدى شعبية هيئة "خدمات الصحة الوطنية" ولو كانوا [المحافظين] يرغبون فعلياً في بيعها للقطاع الخاص، لفعلوا ذلك منذ زمن بعيد. ولكن، إن هذا النوع من التفكير منتشر عبر ضفتي الانقسام السياسي البريطاني. إن كتاب المؤلف كريس كلارك المعنون " فارس الظل ومحرك الدمى" The Dark Knight and the Puppet Master يعتبر نقداً جيّداً لنظريات المؤامرة اليسارية في العالم، لكن مثل هذه النظريات منتشرة أيضاً في أوساط تيار اليمين. لننظر مثلاً إلى أعضاء البرلمان البريطاني من حزب المحافظين الجالسين على المقاعد الخلفية تحت قبة البرلمان، وهم يعارضون خطط وخطوات الإغلاق للوقاية من كورونا ويعتقدون بأن تلك التدابير تستهدف سلبنا حرياتنا الموروثة منذ القدم.

كذلك يندرج ويليام راغ، عضو البرلمان البريطاني ممن يجلسون على المقاعد الخلفية [في إشارة إلى ابتعاده نوعاً ما عن الالتزام بتوجهات الحكومة بحذافيرها وهو من الحزب الحاكم]، ضمن المعارضين إجراءات الحد من انتشار كورونا، ولقد سخر من زملائه في مثل هذا الوقت من العام الماضي، مشيراً إلى أن "تجربتي مع الدولة البريطانية تفيد بعدم قدرتها على تنظيم مؤامرة، حتى لو كانت هناك مؤامرة، أو خطة هدفها فِعلُ ذلك لكانت تسربّت قبل حدوثها".

في سياق متصل، إن نتائج استطلاع "إيبسوس موري" التي نُشِرَت أخيراً، كانت مفيدة. وقد أشار البروفيسور بيتر نايت، أستاذ الدراسات الأميركية في "جامعة مانشستر"، إلى أن مواجهة نظريات المؤامرة (حتى لو تُسَمِّها كذلك) "أمر صعب، لأنك تطلب من الناس تغيير هوياتهم".

في المقابل، أشار نايت أيضاً إلى أنه لطالما ظهرت نظريات مؤامرة في مجتمعاتنا. وبرأيي، لقد سهَّلت الإنترنت انتشار تلك النظريات، لكنها جعلت أيضاً من السهل دحضها. وأعتقد أن نمو مؤسسات كـ"فول فاكت" Full Fact يشكل خطوة عظيمة إلى الأمام. ثمة مسؤولية ملقاة على عاتق الصحافيين، وأعتقد أنهم في هذا البلد يأخذونها على محمل الجد، تتمثل في الابتعاد عن زرع بذور القلق والانسياق وراء أخبار هدفها جذب الجماهير إلى مواقع على الإنترنت، والتعامل والرد على النظريات الخطيرة وحدها، بشكل هادئ وموضوعي وسريع.

رأيي هو أن صحيفة "اندبندنت" نجحت في التعامل مع ذلك في قضية تقنية الجيل الخامس 5G ونظرية المؤامرة التي راجت حولها على سبيل المثال: فلقد ناقشنا القضية في وقت مبكر وإن كنا سننشر تلك القصة أم أن نعمل على تجاهلها، أو أن نكتب خبراً عنها مفاده أن المتداول هو غير صحيح ونظرية خطيرة، وهو ما فعلناه.

لا أعرف كيف أتعامل مع نظريات المؤامرة المرتبطة بقضية مقتل (الأميرة) ديانا، لكن في العموم، أعتقد أنه وفي خضم المواجهة الطويلة الأمد بين الانسياق وراء الفكر التآمري أو اختيار الموضوعية، أعتقد أنه لا تزال للموضوعية اليد الطولى.

© The Independent

المزيد من آراء