Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بريطانيا في ركود رسمي بدلالة سياسية أكبر منها اقتصادية

المستثمرون يراهنون على بدء البنك المركزي خفض أسعار الفائدة خلال يونيو 2024

رفع بنك إنجلترا أسعار الفائدة على مدى عامين إلى 5.25 في المئة (أ ف ب)

هبط سعر صرف الجنيه الاسترليني اليوم الخميس أمام الدولار واليورو بمجرد إعلان مكتب الإحصاء الوطني أرقام الناتج المحلي الإجمالي لبريطانيا في الربع الرابع والأخير من العام الماضي، بعدما أظهرت الأرقام انكماش الاقتصاد (نمو سلبي) للربع الثاني على التوالي، مما يعني أنه تقنياً في حال ركود.

وصدرت البيانات البريطانية بعد ساعات من إعلان أرقام يابانية أظهرت أيضاً أن الاقتصاد الياباني دخل في ركود رسمي بعد انكماشه في نصف العام الأخير، لتصبح بريطانيا ثاني دولة ضمن "مجموعة الـسبع" في ركود رسمي.

والأنظار تتجه الآن إلى كندا، إذ ستعلن هي الأخرى عن بيانات الناتج المحلي الإجمالي للربع الأخير، وسط توقعات لا تشير إلى دخول الاقتصاد الكندي في نفق ركود.

في المقابل يبدو أن الاقتصاد الأكبر في أوروبا (الاقتصاد الألماني) مرشح للدخول في ركود رسمي.

وبحسب بيانات مكتب الإحصاء الوطني، انكمش الناتج المحلي الإجمالي البريطاني بنسبة (0.3-) في المئة خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام الماضي، إذ إنه انكمش بنسبة (0.1-) في المئة في الربع الثالث، ولكن الانكماش في الربع الأخير من العام الماضي جاء أكبر من توقعات الأسواق والمحللين الذين قدروا انكماش الاقتصاد بنسبة (0.1-) في المئة.

في غضون ذلك، يرجح المحللون أن تشهد الأسر البريطانية أول هبوط في مستوى المعيشة ما بين الانتخابات العامة منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية.

دلالة سياسية

ووفق البيانات الرسمية لم يتعافَ الاقتصاد البريطاني من وضعه قبل أزمة وباء كورونا سوى بنسبة واحد في المئة فحسب، إذ يقدر تحليل المكتب ألا ينمو الاقتصاد بأكثر من نسبة 0.1 في المئة على أن يتحسن قليلاً خلال العام الحالي 2024 ليحقق نمواً في المتوسط السنوي عند 0.25 في المئة.

وباستثناء الاقتصاد الألماني، يعد الاقتصاد البريطاني الأسوأ أداء من بين اقتصادات الدول الغنية خلال العامين الأخيرين.

إلى ذلك يجمع الاقتصاديون والمحللون على أن الركود في الاقتصاد البريطاني يمكن أن يكون ضحلاً وقصير الأمد، ولا يمتد لأكثر من عام كما حدث في الأزمة المالية العالمية في 2009، إلا أن الدلالة السياسية للأرقام المعلنة اليوم تتجاوز ما هو اقتصادي، وفقاً لتوقعات المحللة الاقتصادية في "كابيتال إيكونوميكس" روث غريغوري ضمن مقابلة مع وكالة "رويترز"، خصوصاً أن البيانات أعلنت صباح اليوم الذي يتوجه فيه الناخبون لاختيار نائبين في دائرتين خلتا وتشهدان انتخابات تكميلية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقالت غريغوري "ستكون أنباء دخول الاقتصاد البريطاني في ركود تقني في 2023 ضربة موجعة لرئيس الوزراء (ريشي سوناك) في اليوم الذي يواجه فيه احتمال خسارة مقعدين في دائرتين تجرى فيهما انتخابات"، مضيفة أن "ليس هذا فحسب، بل من المتوقع أن يدعو رئيس الحكومة البريطانية إلى انتخابات عامة هذه السنة، في وقت تشير استطلاعات الرأي إلى تقدم حزب العمال المعارض على حزب المحافظين الحاكم".

يشار إلى أن سوناك وعد الشعب البريطاني مطلع العام الماضي بتحقيق خمسة أهداف، من بينها تحفيز النمو الاقتصادي، ومن شأن إعلان الركود أن يظهر فشله في تحقيق وعوده، على رغم أن حزب المحافظين غالباً حينما يكون في الحكم يحافظ على النمو من خلال سياسات خفض الضرائب وتشجيع الأعمال والإنفاق، مما يعود على الخزانة العامة بعائدات أفضل تقلل من حجم عجز الموازنة ونسبة الدين العام.

رهانات المستثمرين والسياسيين

ومما يؤكد الدلالة السياسية أكثر من الاقتصادية لأنباء الركود في بريطانيا أن المتعاملين في السوق ما زالوا يراهنون على احتمال أن يبدأ بنك إنجلترا (المركزي البريطاني) خفض أسعار الفائدة خلال اجتماعه في يونيو (حزيران) 2024، إذ تستند تلك التوقعات إلى أرقام معدلات التضخم التي صدرت أمس الأربعاء، بعدما أظهرت أن معدلات التضخم لم تتغير في يناير (كانون الثاني) الماضي، بل ظلت عند أربعة في المئة.

وعلى رغم أن تلك النسبة تعادل ضعف المستهدف من قبل بنك إنجلترا عند اثنين في المئة، إلا أنه من الواضح أن رفع أسعار الفائدة على مدى عامين إلى نسبة 5.25 في المئة بدأ يكبح جماح ارتفاع معدلات التضخم، لذا زادت أسعار السندات البريطانية وتراجع العائد عليها بعد إعلان المؤشرات اليوم، مما يعد تأكيداً على توقعات المستثمرين ببدء البنك المركزي خفض أسعار الفائدة هذا الصيف.

وكان محافظ بنك إنجلترا أندرو بايلي قال أمس بعد إعلان أرقام التضخم إنه "على رغم ما يبدو من بعض التحسن لكن البنك يحتاج إلى مزيد من الأدلة على أن الضغوط التضخمية في الاقتصاد انتهت".

وتعليقاً على ذلك أوضح محلل "دويتشه بنك" سانغاي راغا أنه "على رغم تركيز بنك إنجلترا على بيانات الأسعار، إلا أن الهبوط الكبير في الناتج الاقتصادي والركود التقني لن يكونا بمثابة أنباء مريحة للبنك".

في المقابل، فإن رهانات السياسيين واضحة تماماً، إذ حاول وزير الخزانة جيريمي هانت في مقابلات عدة اليوم طمأنة البريطانيين على أن الاقتصاد يتجاوز مرحلة الخطر، وفي مقابلة مع "بي بي سي" قال هانت عن وعود سوناك "عندما أعلن رئيس الوراء التزاماته كان واضحاً أن مواجهة التضخم هي الأولوية"، مضيفاً أن "الصورة الأكبر أنه منذ ذلك الحين والاقتصاد أكثر مرونة وصموداً فمعدلات البطالة تظل منخفضة والأجور الحقيقية تواصل الارتفاع على مدى ستة أشهر" ومؤكداً أنه إذا التزمنا بسياساتنا يمكن أن نرى الضوء في نهاية النفق".

في الجهة الأخرى لم تفوت وزيرة الخزانة في حكومة الظل لحزب العمال المعارض رايتشل ريفز الفرصة، إذ قالت إن بيانات انكماش الاقتصاد لربعين متتاليين ودخوله في ركود تعني أن استراتيجية سوناك للنمو "فاشلة".

وأضافت أن "هذا الركود هو ركود سوناك وهذا مثير للقلق والانزعاج للأسر والأعمال في كل بريطانيا".

وبالفعل، تضع تلك البيانات والأرقام حكومة حزب المحافظين في وضع صعب، خصوصاً أن وزير الخزانة يستعد للإعلان عن الموازنة الجديدة في السادس من مارس (آذار) المقبل، إذ تشير تقارير صحافية إلى أنه ينوي خفض الإنفاق الحكومي على الخدمات الأساسية بقدر كبير ليستطيع تمويل خفوضات الضرائب التي سيعلنها في موازنة الربيع، ومن الصعب الفصل بين الاقتصادي والسياسي في تلك الموازنة، إذ إن خفض الضرائب يعد بمثابة "رشوة انتخابية" لتعويض تراجع حزب المحافظين في استطلاعات الرأي، لكن خفض الإنفاق الحكومي، لا سيما على خدمات مثل التعليم والشرطة والصحة يمكن أن يأتي بنتائج عكسية في الانتخابات لمصلحة المعارضة.