Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تضاعف 5 مرات... هجمات سبتمبر أنعشت "اقتصاد الأمن" عالميا

شركات مكافحة الإرهاب حققت عائدات بمليارات الدولارات... و"بوز ألن هاميلتون" في المقدمة

مكتب بوز ألن هاملتون القابضة (رويترز)

رغم أنه من الصعب تقديم أرقام حاسمة حول "اقتصاد الأمن"، كما ذكرت دراسة سابقة لمنظمة التنمية والتعاون الأوروبية، التي تقدّم المشورة إلى نحو 36 دولة من الدول الصناعيَّة المتقدمة والصاعدة، فإنّ تقديراً جزافياً من التقارير والمصادر يشير إلى ارتفاع تكلفة الإنفاق على الأمن ومكافحة الإرهاب حول العالم بما بين 3 إلى 5 أضعاف في العقدين الأخيرين منذ هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 على نيويورك وواشنطن.

ومن الطبيعي والمنطقي أن يكون القدر الأكبر من هذا الإنفاق العالمي في الولايات المتحدة التي تعرضت لهجمات تنظيم القاعدة الإرهابي، لكن كثيراً من دول العالم الأخرى زادت من ميزانيات الإنفاق على الأمن الداخلي ومكافحة الإرهاب.

تزامن ذلك أيضاً مع فورة الإنفاق العالمي من قبل الحكومات والشركات الكبرى على الأمن الإلكتروني ليصل الإنفاق العالمي على هذا الجانب فقط العام الماضي إلى أكثر من 120 مليار دولار، ومع أن ذلك القطاع تحديداً كان مرشحاً للنمو، فإن هجمات 11 سبتمبر (أيلول) أسهمت في مضاعفة الإنفاق على التأمين خشية هجمات إرهابية إلكترونية.

ولا يقتصر الأمر فقط على اقتصاد الأمن، الذي يشمل أعمالاً مختلفة كثيرة، مثل المحققين الخاصين والأمن الخاص (أو الحرس الشخصي) ووسائل التأمين والحماية الماديَّة والإلكترونيَّة من بوابات إلكترونية وأجهزة مراقبة بالفيديو وشركات جمع وتحليل المعلومات وبرامج الكمبيوتر المتخصصة في التنصت والمراقبة، بل يشمل أيضاً التسلُّح والعمليات العسكريَّة وشبه العسكريَّة لمكافحة الإرهاب.

وبإضافة الإنفاق على كل تلك النشاطات المرتبطة بما بعد الـ11 من سبتمبر (أيلول) 2001 تصل التكلفة إلى تريليونات الدولارات، وليس فقط المليارات، ويكون نصيب الولايات المتحدة منها نصيب الأسد كونها في مقدمة من خاض هذه الحروب ذات العلاقة في العقدين الأخيرين.

تريليونات الدولارات من أميركا

حسب أحدث دراسة ضمن مشروع "تكلفة الحرب" من معهد واتسون للشؤون العامة والدوليَّة بجامعة براون الأميركية فإن الولايات المتحدة "أنفقت ما يقارب 6 تريليونات دولار (5.9 تريليون دولار) على حروب وعمليات مكافحة الإرهاب منذ 2001 حتى الآن".

وتتجاوز هذه التكلفة تقديرات وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) لتكلفة الحرب على الإرهاب المقدرة بنحو 1.5 تريليون دولار.

ويشير معدو دراسة معهد واتسون إلى أن ذلك "أمر منطقي، لأن القدر الأكبر من الإنفاق على مكافحة الإرهاب يأتي خارج ميزانية وزارة الدفاع، ويخص ميزانيات وزارات وإدارات فيدرالية أميركية أخرى".

وتقدر الدراسة أن "تلك التكلفة مرشحة للزيادة في السنوات القليلة المقبلة"، إذ تتوقع أن تصل "تكلفة الحرب على الإرهاب في 2023 إلى 6.7 تريليون دولار". وهكذا يزيد نصيب الحرب على الإرهاب من الميزانية على 16%.

وفي دراسة أخرى لمركز ستيمسون العام الماضي، وبعد طرح تكلفة الحروب الخارجية (أفغانستان، العراق...) قدّرت تكلفة مكافحة الإرهاب ما بين 2002 و2017 بما يقارب ثلاثة تريليونات دولار (2.8 تريليون دولار).

وفي التفصيل لهذا الرقم الإجمالي للإنفاق في 15 عاماً، يكون متوسط الإنفاق السنوي على مكافحة الإرهاب فقط 186.6 مليار دولار (وهو رقم يزيد على ميزانية الدفاع لكل من روسيا والهند وكوريا الجنوبية مجتمعة).

وكانت قمة الإنفاق في عام 2008، إذ بلغ حجم الإنفاق الأميركي على مكافحة الإرهاب 260 مليار دولار، لكن ذلك انخفض بعد ذلك ليصل إلى 175 مليار دولار في 2017. وهو رقم يظل كبيراً جداً.

ويشكّل الإنفاق على الأمن الداخلي ما يزيد على ثلث ذلك الإنفاق على مكافحة الإرهاب (التي تشمل عمليات خارجية غير الحروب)، إذ وصل في الخمسة عشر عاماً إلى ما يقرب من تريليون دولار (979 مليار دولار)، تمثل 35% من إجمالي الإنفاق على مكافحة الإرهاب.

اقتصاد الأمن

رغم أن نشاطات مكافحة الإرهاب كانت موجودة قبل الـ11 من سبتمبر (أيلول) 2001 بالولايات المتحدة وغيرها من دول العالم، فإن الهجمات على نيويورك وواشنطن كانت بداية طفرة في تلك الأعمال.

ويرى بعض الاقتصاديين أن عملية "خصخصة الأمن" زادت وتيرتها بسرعة غير معهودة منذ أحداث سبتمبر (أيلول).

في 2004، نشر المعهد الدولي لأبحاث السلام باستوكهولم (سيبري) دراسةً مفصّلةً بعنوان "الأعمال والأمن" رصدت توسُّع الشراكة بين الحكومات والقطاع الخاص في مجال أعمال الأمن ما بعد الـ11 من سبتمبر (أيلول) 2001.

ولا تقتصر الخصخصة هنا على تكليف الشركات الخاصة بمنتجات تورد لإدارات الأمن الحكوميَّة، أو تعاقدات على مشروعات أعمال معاونة، بل بتعاقدات موسّعة تشمل قيام الشركات الخاصة بمهام ظلت إلى حد كبير مقصورة على الوزارات والإدارات الحكومية.

وفي العام نفسه أصدرت منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي، التي تقدم المشورة إلى نحو 36 دولة من الدول الصناعية المتقدمة والناشئة، دراسة بعنوان "اقتصاد الأمن" شكَّلت محاولة أكاديمية "لتأطير هذا القطاع الجديد في الاقتصاد العالمي".

وكانت الملاحظة الأولى قبل نحو خمسة عشر عاماً أن معدل نمو قطاع اقتصاد الأمن يتجاوز ضعف متوسط نمو الاقتصاد العالمي (نمو أكثر من 10% سنوياً). وهذا ما جعل هذا القطاع الجديد نسبياً وقتها يتضاعف حجمه أكثر من مرة على مدى نحو عقدين من الزمن فقط.

شركات وعلاقات

في 2010 نشرت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية تقريراً عن شركات الأمن الخاصة، ذكرت فيه أنه "أصبح بالولايات المتحدة 1931 شركة خاصة تعمل في مجال مكافحة الإرهاب".

بالطبع كان هناك بعض الشركات التي امتد عملها، وتضاعف حجمه بعد الـ11 من سبتمبر (أيلول)، لكن القدر الأكبر من هذا العدد اُستحدث في السوق بعد 2001.

وفي 2013 نشرت عدة دراسات وتقارير في الولايات المتحدة خلاصتها "أن كثيراً من الشركات استفاد من نمو قطاع الأمن في الاقتصاد بتحقيق عائدات بمليارات الدولارات".

ومن بين أكبر الشركات المستفيدة خصوصاً من العقود الحكومية مع وزارة الأمن الداخلي وأجهزة الاستخبارات والبنتاغون، يمكن ذكر شركة "بوز ألن هاميلتون، التي كان عائدها السنوي بعد عقد من الزمن على الـ11 من سبتمبر (أيلول) يتجاوز 5 مليارات دولار".

إضافة إلى مركز دراسات الأمن ومكافحة التجسس (CCSS) وشركة الحلول الأمنية الدولية (SSI) التي ترتبط أعمالها بإسرائيل. وكثير من تلك الشركات إمَّا كانت امتداداً لشركات إسرائيلية وإمَّا اعتمدت على أعمال إسرائيلية في مجال الأمن ومكافحة الإرهاب. وكذلك شركة شيرتوف غروب، التي أسسها مايكل شيرتوف الرئيس السابق للأمن الداخلي وعمل فيها مايكل هايدن وزير الأمن الداخلي بإدارة الرئيس جورج بوش.

 لكن الشركة التي كانت موجودة من قبل، وتوسعت أعمالها بشكل كبير بعد الـ11 من سبتمبر (أيلول) فهي "الشركة الدولية للتطبيقات العلمية (SAIC) التي قادها دوين أندروز صديق ديك تشيني مستشار الأمن القومي للرئيس بوش الابن ودونالد رمسفيلد وزير الدفاع وقتها".

وكانت الشركة محل تحقيقات صحافية موسعة، بل واُستغلت من قبل أصحاب نظريات المؤامرة في تفسير هجمات الـ11 من سبتمبر (أيلول) للادعاء بأنها كانت تربح مسؤولين وأصدقاءهم بالمليارات، إذ إن أندروز بدأ حياته العملية في العمليات الخاصة بالقوات الجوية الأميركية، ثم عمل في لجنة الاستخبارات بمجلس النواب بالكونغرس وقتما كان تشيني عضواً بارزاً باللجنة، ثم رشّحه الرئيس بوش مساعداً لوزير الدفاع للقيادة والتحكم والاتصالات والاستخبارات.

زيادة الطلب العالمي

مع أن قطاع اقتصاد الأمن برز وتوسّع في الولايات المتحدة بعد الـ11 من سبتمبر (أيلول) 2001 فإنه أصبح "لاعباً رئيساً في الاقتصاد العالمي" على حد تعبير دراسة منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي. ولنأخذ جانباً واحداً من هذه السوق الواسعة، وهو كاميرات المراقبة التي ينمو سوقها بأكثر من 10% وما زال مستمراً، حسب مؤسسة تحليل المعلومات الأميركية HIS.

وبلغ حجم سوق هذا المنتج وحده ما يقارب العشرين مليار دولار (18.5 مليار دولار العام الماضي). ومع زيادة الطلب العالمي على منتجات وخدمات الأمن وجدت الاقتصادات الصاعدة فرصةً في زيادة نصيبها منه كما فعلت الصين مثلاً.

يوجد أربع شركات صينية رائدة في صناعة كاميرات الفيديو للمراقبة، تستحوذ وحدها على 30% من هذه السوق العالمية. منها اثنتان، هيكفيشن ديجيتال تكنولوجي وداهوا تكنولوجي، تنتجان 50% من كاميرات الفيديو للمراقبة الصينية إلى السوق المحلية والتصدير حول العالم.

وبدأت عدة دول، منها بالمنطقة العربية، دخول هذه السوق في العقدين الأخيرين ليس فقط كمستهلك لمنتجات وخدمات الأمن، بل إنتاجها والإنفاق الاستثماري على تطوير بعض تلك المنتجات بالشراكة مع شركات عالميَّة أو منفردة.

وحسب تقديرات الخبراء فإن اقتصاد الأمن سيستمر في النمو خلال السنوات المقبلة مع تزايد مخاطر الإرهاب رغم مرور عقدين من الزمن على الـ11 من سبتمبر (أيلول) 2001، ورغم الحروب وجهود مكافحة الإرهاب التي تكلفت تريليونات الدولارات.

المزيد من سياسة