Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"مونولوغات غزة" شهادات أطفال وشباب وسط الأهوال

ممثلون من مصر وسوريا والأردن قدموا العرض دعماً لفلسطين والجمهور لبى

الممثل المصري سيد رجب يقرأ في العرض (خدمة العرض)

في سينما "راديو" في وسط القاهرة، وعلى رغم الألم الذي تسببه بشاعة حرب الإبادة على غزة، كانت الأجواء تبعث على الفرح، إذ تدافع المئات من المصريين لحضور عرض "مونولوغات غزة" الذي تم تخصيص دخله لأهالي القطاع. امتلأت قاعة السينما، التي تتسع لأكثر من ألف مشاهد.

ثمة ملاحظة جديرة بالرصد، وهي تتعلق بنوعية الجمهور الذي حضر العرض. أغلبه من الشباب الذين-كما بدا من مظهرهم-ينتمون إلى تلك الطبقة التي تتميز بالثراء المادي، وبينهم فنانون ووزراء سابقون وشعراء وكتاب، مما يشير إلى أن القضية الفلسطينية، وعلى عكس ما كان البعض يظن، ما زالت حية في نفوس هؤلاء، أو في الأقل أعادتها بشاعة الحرب إلى صدارة الاهتمام. الأمر لا يتوقف، بالتأكيد، على المصريين فحسب، بل يشمل غالبية شعوب العالم، الغني منها والفقير.

الحرب الأولى

سبعة ممثلين مصريين وعرب مسرحوا هذه المونولوغات: سيد رجب ويسرا اللوزي وسلوى محمد علي وأحمد مالك ومحمد حاتم،من مصر، وأندا محمد من سوريا، وركين سعد من الأردن، بمصاحبة عزف شجي على الكمان (محمد سامي). أما المونولوغات فهي شهادات كتبها أطفال وشباب من غزة عام 2010 عقب الحرب الإسرائيلية الأولى على القطاع، سلطوا خلالها الضوء على الأهوال التي عاشوها، وجسدوا صمود أهالي قطاع غزة في وجه آلة الحرب، وذلك بهدف خلق تضامن عالمي مع شعب فلسطين وما يلاقيه من أهوال خلال تلك الفترة.

اعتقد ثلاثة وثلاثون طفلاً وشاباً من غزة عام 2010، أن لديهم صوتاً غير صرخات الخوف وأنين الإحباط. صوت يمكن أن يرتفع أعلى من طائرات الحرب التي تقصفهم ليل نهار. صوت يقول: "كفى، نحن نستحق عالماً أفضل من هذا، عالم بلا خوف أو حصار أو احتلال". ومنذ أكتوبر (تشرين الاول) 2010 وحتى الآن، قدم أكثر من 2000 شاب من جميع أنحاء العالم، في أكثر من 80 مدينة في 40 دولة، هذه المونولوغات التي تمت ترجمتها إلى 18 لغة.

العرض جاء استجابةً للدعوة العالمية من مسرح "عشتار" في فلسطين لكل مسارح العالم للمشاركة الجماعية، بالتزامن مع الجرائم الأخيرة التي وقعت، وما زالت، في غزة.

اكتفى الفنانون باثنتي عشرة شهادة لشباب وأطفال، غالبهم ولد في منتصف تسعينيات القرن المنقضي، أو بعده بقليل، وهي شهادات مؤثرة كتبها أصحابها بتلقائية وبساطة. تراوحت مستويات الكتابة بالتأكيد، بخاصة أن هناك تفاوتاً في الأعمار، وكذلك في مستوى التعليم والثقافة، وإن اتسم جميعها بالصدق والأسى الشديدين، سواء أكان أصحابها ممن يصرون على العيش في غزة ويتغزلون بها، ويرونها أجمل مكان في العالم، أو من الذين يعتبرونها سجناً كبيراً وخانقاً، يتمنون مغادرته إلى أي مكان آخر.

معلومات مهمة

حرص الممثلون على ذكر أسماء أصحاب الشهادات، وتواريخ ميلادهم، وأماكن إقامتهم حالياً، ومنهم من لم يُعرف هل هو على قيد الحياة أم لا، وكلها معلومات مهمة تعين على التعاطي مع الشهادة. كيف ينظر طفل، في الثالثة أو الثانية عشرة من عمره، إلى الحرب، كيف غيرت نظرته إلى العالم من حوله، ما أحلامه التي رسمها قبل الحرب، وكيف انهارت بعدها، ما نظرته إلى الانقسام الفلسطيني، وكيف أن إحدى الفتيات تحلم بأن تكون رئيساً لفلسطين، فقط لكي تنهي هذا الانقسام، وتتيح الفرصة لأطفال وطنها أن يعيشوا مثل بقية أطفال العالم.

في الشهادات أمنية مؤلمة لأحد الأطفال، وقد شاهد كيف أن صاروخاً يحول أحدهم إلى أشلاء، هو لا يرغب في أن يتحول إلى أشلاء، ولا يرغب، كذلك، في أن يعيش حياة جيدة، بل يرغب في أن يموت ميتة جيدة. هذا هو سقف أمنياته وأحلامه. هذا ما رسخ في نفسه جراء الحرب.

أما زميله فقد كان يقيم هو وعائلته في بيت العم، وخرج العم لشراء طعام الإفطار، وعند عودته تم قصف سيارته أمام المنزل، فطار نصفه الأعلى خارج السيارة بينما ظل الجزء الأسفل داخلها. وجاءت سيارة الإسعاف لتحمل الجزء الأعلى إلى المستشفى، وأكدت الجدة أنه سيعود من المستشفى سليماً، وهي لا تعرف أن الذي حملوه هو الجزء الأعلى الذي لن يعود أبداً.

وعلى رغم بشاعة الحرب وقتها، فإن خفة الظل لم تفارق بعض هؤلاء الأطفال، إذ يرصد أحدهم مزحة بين أبيه وعمه تحت القصف، اتصل عمه بأبيه يطمئن على أحوال العائلة أثناء القصف، قال الأب: الحمد لله لم يحدث لنا مكروه حتى الآن، فقط تكسرت كل نوافذ البيت باستثناء نافذة واحدة، فرد عليه العم: اكسرها هي الأخرى. وحكى طفل آخر عن جدته التي أصرت على العودة إلى البيت بعد أن فرت العائلة كلها جراء القصف، فقد نسيت الجدة طاقم أسنانها، وقالت لا يصح أن أموت ويعرف الناس أنني بلا أسنان.

من وسط الجمهور

هكذا مضت الشهادات التي قدمها الممثلون كما هي من دون تجميل أو إعادة صياغة لإخضاعها لمتطلبات المسرحة، حتى إنهم قدموها بلهجتها التي كتبت بها، وكان لافتاً أن الممثلين صعدوا إلى خشبة المسرح من وسط الجمهور، وهو أمر له دلالته، إذ يشير إلى أنهم والجمهور كيان واحد ملتحم في مناصرة القضية الفلسطينية، وإدانة الحرب وبشاعتها، وتجسيد جانب من ويلاتها بعيون الأطفال والشباب، الذين كتبوا ما عنّ لهم، بعد نجاتهم من آلة الحرب التي لم تفرق بين صغير أو كبير.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

اقتصرت المسرحة هنا على مجرد إلقاء الشهادات بطريقة فنية تترك أثرها في نفوس المشاهدين. اصطف الممثلون جلوساً على خشبة المسرح، ومن يأتي دوره يقف لتجسيد الشهادة، في إضاءة كاملة. وعلى رغم وجود شاشة عرض خلفهم، فإنه لم يتم استخدامها بعرض مشاهد صامتة من الحرب الدائرة الآن، ونحسب أن الأثر كان سيصبح أكثر عمقاً لو تم استخدام هذه الشاشة.

تركز الاشتغال أكثر على فكرة التضامن مع أهالي القطاع، على اعتبار أن اللحظة لا تحتمل، أو لا تتطلب أكثر من ذلك، فلا وقت- في نظر القائمين على العمل- وربما لا مبرر، لرسم حركة، أو تصميم إضاءة، أو ديكور، والمهم أن تصل الرسالة، حتى ولو عن طريق أداءات بسيطة تفي بالغرض، من دون الاستعانة بوسائل أخرى تتطلب كلفة مادية، أولى بها أهل القطاع.

"مونولوغات غزة" على أساها وقدرتها على تصوير بشاعة الحرب وتأثيرها في تغيير نظرة هؤلاء الأطفال والشباب إلى أنفسهم ، وإلى العالم من حولهم، كتبت عقب حرب إسرائيل على غزة عام 2010. ماذا لو كتب أطفال غزة، أو من تبقى منهم، شهاداتهم على الحرب الدائرة الآن؟

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة