ملخص
تقارير من منظمات دولية حول الوضع المأسوي في قطاع غزة اعتبرها البعض دليلاً على سياسة "الكيل بمكيالين" في الأراضي الفلسطينية.
بعدما فرضت دول أوروبية عدة قيوداً مفرطة على حرية التعبير مانعة الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين في أعقاب المعارك التي انطلقت منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، أصدرت منظمة "هيومان رايتس ووتش" عدداً من التقارير والبيانات التي تحذر من تهديد مواقف السلطات الأوروبية للديمقراطية وحرية التعبير عن الرأي في القارة العجوز.
وتلقى الرأي العام العالمي ووسائل الإعلام هذه التقارير كل بحسب ما يناسب قضيته، فاعتبرها البعض دليلاً على الانحياز أو سياسة "الكيل بمكيالين" التي تتبعها النظم الديمقراطية الأوروبية تجاه الصراع الفلسطيني والإسرائيلي، خصوصاً في مخالفة إسرائيل لبنود كثيرة من القانون الدولي المتعلق بالحروب والخطوط الحمراء التي تحكمها وتحديداً أوضاع المدنيين والأطفال خلالها، واعتبر البعض الآخر أن المنظمات غير الحكومية الدولية تنحاز بطبيعتها إلى الجهة الفلسطينية في هذا الصراع.
وتمكنت منظمة "هيومن رايتس ووتش" إلى جانب منظمة العفو الدولية وبعض المؤسسات الدولية الأخرى من فرض الانتباه إلى الإضرار بحرية التعبير في أوروبا على هامش الحرب في الشرق الأوسط، واعتبرت أن ردود الحكومات الأوروبية على الأعمال العدائية بين إسرائيل والجماعات الفلسطينية المسلحة في غزة لها آثار ضارة في حقوق الإنسان في القارة.
وحذرت التقارير من ارتفاع نبرة معاداة السامية وكراهية الإسلام (الإسلاموفوبيا)، وبروز سياسات تنطوي على خطر التمييز ضد الأشخاص الذين ينظر إليهم على أنهم عرب أو فلسطينيون أو مسلمون، والحظر والقيود على التعبير والاحتجاج السلمي المؤيد للفلسطينيين.
وقال نائب مدير أوروبا وآسيا الوسطى في "هيومن رايتس ووتش"، بنجامين وورد، إن "الحق في الاحتجاج والتعبير هو حجر الزاوية في المجتمعات الديمقراطية، ووسيلة المواطنين لمحاسبة حكوماتهم في ما يتعلق بالسياسة الخارجية".
وطالب السلطات بتجنب فرض قيود على الاحتجاجات ما لم تكن ضرورية جداً، وإذا فرضت فيجب أن تكون متناسبة تماماً، بناءً على تقييم كل حالة على حدة. وقالت "هيومن رايتس ووتش" إن تجريم أو حظر الرموز الفلسطينية العامة هو استجابة تمييزية وغير متناسبة، ويشكل تدخلاً غير مبرر في حرية التعبير.
جماعات الضغط الدولية
ركزت معظم المقالات والتقارير الصادرة التي صدرت وانتشرت في هذه الآونة أو في السنوات الماضية، حول دور المنظمات الدولية ومعظم مجموعات الضغط العالمية، وخفوت دورها في التأثير أو الضغط على أصحاب القرار من أجل احترام حقوق الإنسان والمواثيق الإنسانية الدولية، ويأتي هذا النقد من الاعتقاد أن زخم هذه المنظمات التي انطلقت منذ حرب فيتنام في القرن الـ20، تلاشى ببطء بعد ما تبين أن الحكومات حول العالم تحارب كل المجموعات والمنظمات التي تقوم بالدعاية المضادة لمصالحها.
إلا أن مراقبين كثراً حول العالم يرون أن حرب غزة المستمرة أعادت للمنظمات الإنسانية الدولية بعض مكانتها، وأزاح عديد منها الستار عن أمور لم يكن ليمنحها الإعلام العالمي أي أهمية، من قبيل دعوة الجيش الإسرائيلي سكان غزة عبر منشورات إلى مغادرة شمال قطاع غزة إلى جنوب وادي غزة، إلا أن طائراته استهدفتهم مرات عدة أثناء الانتقال.
كما قصفت القوات الإسرائيلية مرات عدة مراكز إيواء، كما حدث في مخيم المغازي ومخيم خان يونس، إلى جانب قصف عشرات المنازل التي لجأ إليها النازحون عند أقارب أو أصدقاء لهم ودمرتها على رؤوسهم ما أدى إلى مقتل العشرات وإصابة المئات، وهو ما يدلل على كذب الرواية الرسمية عن تأمينهم مناطق معينة للمدنيين، وهذا النوع من الأخبار ركزت عليه مؤسسات حقوق الإنسان الفلسطينية والأوروبية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أما المنظمات العالمية والدولية الصحية والمعنية بالطواقم الطبية والمستشفيات وأوضاع الأطفال والنساء خلال الحروب فقامت بدورها بالتركيز على موضوعات هي بدورها لم يكن ليتناولها الإعلام الدولي بجدية، لولا إلقاء هذه المنظمات الضوء عليها، كمنظمات (الأونروا) و(الأغذية والدواء) و(الإغاثة العالمية) و(اللاجئين)، ومن هذه المعلومات تتلقى إدارة المستشفيات في قطاع غزة اتصالات من الاستخبارات الإسرائيلية لإخلاء المستشفيات، منها جميع مستشفيات شمال قطاع غزة، والمستشفى المعمداني الذي تعرض للقصف لاحقاً مخلفاً ما يقارب 500 قتيل ومئات الجرحى أمام أنظار وسائل الإعلام، ومستشفى القدس الذي تعرض محيطه لقصف عنيف بشكل مستمر، ومستشفى الوفاء ومستشفى الشفاء وهو الأكبر في قطاع غزة، الذي يضم إضافة إلى آلاف الجثث والجرحى كذلك آلاف المختبئين بين جنباته، وتعرض بدوره للقصف مرات عدة كان آخرها ليلة أمس الجمعة.
وكان لهذه التحذيرات التي أطلقتها المنظمات الصحية الدولية وتحديداً المستقلة منها أهمية كبيرة من خلال إلقائها الضوء على مخالفة القوانين الدولية بعد التعرض للمدنيين وللمستشفيات، ولهذا يعتقد كثيرون في المنظمات الدولية الصحية أن ما جرى من مجازر في المستشفيات تحديداً، يمكنه أن يكون أدلة تقدم أمام المحكمة الجنائية الدولية لاتهام الحكومة الإسرائيلية وجيشها بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
الصحافيون والأسلحة المحرمة دولياً
وأحصت المنظمات الدولية المعنية بالصحافيين والإعلاميين الذين يتولون تغطية الأحداث الحربية وحقوقهم، عدداً كبيراً من الجرائم المتعمدة التي طاولت تلك الفئة أثناء عملها، وهذه بدورها تعد مخالفات للقوانين الدولية التي تحمي الصحافيين لتسهيل قيامهم بعملهم ومنع تعرضهم للقتل المباشر من قبل أي طرف من أطراف النزاع.
وكان الجيش الإسرائيلي وبعض الفصائل الفلسطينية قد اقترفوا جرائم مختلفة بحق الصحافيين والعاملين في وسائل الإعلام العالمية والمحلية وفي المؤسسات الصحافية والإعلامية، وتظهر المعطيات التي جمعتها المنظمات الحقوقية أن الاعتداءات على الصحافة جزء من حملة مقصودة ومتعمدة لعزل الأراضي الفلسطينية عن بقية أرجاء العالم إعلامياً وكأنها محاولة لإخفاء ما يجري من مخالفات للقانون الدولي خلال المعارك، وهو الدور الذي يكشفه الصحافيون لإبراز الأحداث على الأرض بما يفند الخطاب الإعلامي الرسمي للأطراف المتنازعة.
وفقاً لنقابة الصحافيين الفلسطينية، قتل حتى اليوم ما يزيد على 30 صحافياً وأصيب العشرات منهم، وقصف الجيش الإسرائيلي 50 مؤسسة إعلامية منذ بدء الحرب في السابع من أكتوبر الماضي.
إذا ما أضفنا الأدوار التي لعبتها مؤسسات الأمم المتحدة في هذه الحرب المستمرة من منظمة العفو الدولية أو الأونروا أو منظمة الإغاثة، فإنها بدعم من الأمين العام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش وبمساندة منظمات دولية غير حكومية، ألقت الضوء على أنواع الأسلحة المحرمة دولياً التي استخدمها الجيش الإسرائيلي بمواجهة الأحياء السكنية والمدنيين في قطاع غزة، والمعلومات التي قدمتها هذه المنظمات ساندت وسائل الإعلام العالمية في إعادة النظر لتغطيتها الإخبارية لمجريات الأحداث بعدما كانت القطاعات الإعلامية المختلفة أو المتحاربة تبنت أحد موقفي طرفي النزاع.
جاءت تقارير المنظمات الدولية لتضع المعلومات في إطارها المؤسساتي الدولي المبني على المعاهدات والمواثيق الدولية ومقارباتها لما هو مسموح وما هو ممنوع باتفاق المجتمع الدولي، فعرف الجميع أن الجيش الإسرائيلي بأقسامه الجوية والبرية والبحرية أطلق أطناناً من القذائف التي تقدر قوتها بضعف قنبلة هيروشيما اليابانية، كما أطلق آلاف الصواريخ والقذائف والقنابل الموجهة.
ورصد إلقاء قنابل موجهة وبراميل متفجرات استهدفت في معظم الحالات التجمعات السكنية مخلفة دماراً، بما فيها استخدام الفسفور الأبيض في المناطق المدنية المأهولة والمكتظة بالسكان مخلفاً آثاراً خطرة جداً على رغم أن استخدام هذا النوع من السلاح يعد خرقاً لقواعد القانون الدولي.
وقالت المديرة التنفيذية لـ"هيومن رايتس ووتش"، تيرانا حسن، التي تقدم نفسها بأنها منظمة ملتزمة، "رسالتنا متمثلة في الدفاع عن حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم. ويسترشد عملنا بالقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي واحترام كرامة كل إنسان، وضماناً لاستقلاليتنا، لا نقبل أي تمويل حكومي أو دعم من أي ممول خاص قد يخل بموضوعيتنا واستقلالنا. لا نتبنى القضايا السياسية ولسنا متحيزين، ونحرص على الحياد في النزاعات المسلحة ونعتمد على الوقائع، ودقيقون وأخلاقيون في بحثنا عن الحقيقة لأننا ندرك حجم مسؤوليتنا تجاه الضحايا والشهود الذين شاركوا تجاربهم معنا".
أما بخصوص حرب غزة اعتبرت المنظمة أن كل من يرتكب جريمة حرب يتحمل المسؤولية الجنائية، وكذلك المسؤولين عن إصدار أوامر بارتكاب جرائم حرب أو المساعدة على ارتكابها أو تسهيلها، ووجد مراقبوها أنه على مدار الشهر الماضي ارتكبت جرائم حرب متعددة، ولا تزال ترتكب.
وسجلت المنظمة استخدام القوات الإسرائيلية الفسفور الأبيض، وهو مادة كيماوية تشتعل عندما تلامس الأوكسجين، مسببة حروقاً مروعة وشديدة، في أحياء مكتظة بالسكان. وانخراط إسرائيل في معاقبة سكان غزة بشكل جماعي من خلال قطع الغذاء والماء والكهرباء والوقود عنهم، ورأت أن هذه جريمة حرب، كما هي الحال بالنسبة إلى منع وصول الإغاثة الإنسانية عمداً إلى المدنيين المحتاجين.